رجال الدين تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم
زكي لطيف
يحتل رجال الدين مكانة مرموقة ومتميزة في المجتمعات الدينية التقليدية، ذلك أن تلك المجتمعات النامية (المتخلفة ) تغلب عليها المعتقدات البارسيكلوجية والمؤثرات الخارقة للعادة وتسيطر على حيز كبير من ثقافتها ووعيها ، ونظرا لان العلوم الحديثة لم تتوصل بعد لكشف كنه كافة الظواهر الغامضة وإيجاد تفسير مقنع لها، فان التراث الشعبي خاصة المرتبط بالمورث الديني يقدم تفسيرا نمطيا لهذه الظواهر، ويقدم هذا التراث عرضا وشرحا وتفصيلا رجال الدين .
في بلادنا الإسلامية الشيعية يتخرج رجال الدين من المدارس الدينية التقليدية في العراق وإيران، تقدم هذه المدارس العلوم الدينية من خلال كتب الفت قبل مئات السنين ويغلب عليها التعقيد اللغوي والغموض اللفظي ، الفت قبل مئات السنين ولم يطرأ عليها أي تغيير في تناقض مع العلوم الحديثة التي تتطور بشكل مستمر فإذا ما كانت هذه نظرية مسلم بها فإنها بعد سنوات قليلة تتعرض للنقد والذم لتخرج من باب المسلمات إلى كونها فرضية ، لقد فتح الباب على مصراعيه لنشوء علوم جديدة كالبرمجة العصبية والتنبؤ الذي أصبحت له معاهد عليمة متخصصة في الغرب ويخضع لقواعد وأسس ومرتكزات ، حياة الروح بعد الموت أصبحت علم معترف به وأنشئت من اجله معاهد علمية يدرس بها وتخرج منها عشرات العلماء المرموقين ، بينما نجد أن العلوم الدينية جامدة ،يغلب عليها الخمود والتراتب ، وقد انعكس ذلك على الذهنية ألعامه لرجال الدين فتشبعت بها فكان أن أصبحت الثقافة الدينية التي يبثها رجال الدين ثقافة وثوقيه غير قابلة للأخذ والرد وكأنها علوم إلهية لا نقص فيها ولا ضعف.
كنت في المرحلة الثانوية أذاكر إحدى المواد مع احد الأصدقاء سألته لماذا مؤدى هذه المعادلة الرياضية هذه النتيجة وليست تلك؟ أجابني غاضبا لا اعلم ولكن الصحيح أن نتيجتها هو كذا وليس كذا ؟ أن الثقافة الدينية بما تشمله من عقائد وأحكام شرعية تميل إلى هذه النزعة الدوغماتية، فطالب العلم والذي يبث الثقافة ألدينية في الأوساط الاجتماعية لا يسعى إلى تفسير هذه الأحكام وبيان الحكمة منها خاصة أنها إذا كانت فتاوى صادرة من المرجعية الدينية إذ ليس على المجتمع سوى التقيد بها ! ، من أين جاءت هذه الفتوى؟ ما هي القواعد التي تستند عليها؟ ولما وكيف؟ وهل هناك استنتاجات أخرى؟ أن هذه الأسئلة غير مهمة! وبعيدة المنال عن غير ذوي الاختصاص الذين افنوا أعمارهم في طلبها! فالسؤال عنها فتنة وفي الشرع مذموم! فهؤلاء هم خلفاء الإمام المعصوم ونحن وكلائه وغيرهم ليسوا سوى القاعدة التي تسمع فتطيع وحسب! أن معظم الأحكام الفقهية سواء عند الشيعة أو عند السنة مجرد ظنون ليس إلا، كثير منها عند الشيعة والسنة تعتمد على قواعد ليس لها أصل في الشريعة ، كثير من الفتاوى مبنية على خبر الواحد دون الاكتراث بما يطابقها من المتواتر، كثير من الأحكام ظنية ليس لها سند قطعي، يقول المرجع الدين فضل الله" يفتي أكثر علماء أهل السنة والشيعة بجواز حبس المرأة مؤبدا مع توفير كل ما تحتاجه ونحن لا نقول بذلك"!
أن المعضلة في واقعنا الديني والاجتماعي والسياسي هو الاستبداد كقوة حاكمة مسيطرة، فعندما يستبد النظام السياسي ويركن المجتمع الأهلي بما يشمله من المثقفين والحكماء وأصحاب التخصص ورجال الدين فانه بذلك يتخبط اقتصاديا وسياسيا وقانونيا لتكون النتيجة تراجعا إنسانيا مريع وتخلف حضاريا واسع النطاق ،ضحيته الأولى والأخيرة هو الشعب بموارده وطاقاته وإمكانياته، وعندما يستبد رجال الدين ويستقلون بأمر الاجتماع الإنساني فأنهم يتخبطون بفتاواهم ذات اليمين وذات الشمال ، أن الشيعة منشغلون بالسنة، والسنة مهووسون بالشيعة، متشاحنين في قضايا أزفت وانقضى أوانها وتصرمت إلى الأبد وليس هناك من مبرر فعلي لاستمرارها ، فأبو بكر مات قبل 1400 سنة وقبره في المدينة المنورة وعلي وفاطمة وسلمان ماتوا جميعا وقبورهم ما بين العراق والمدينة ،فأي جدوى للنزاع حول الإمامة والخلافة بعد أكثر من ألف عام؟ ولكن عندما يغلب الاستبداد ويحكم الثقافة والدين رجال دين ذو نزعة سلفية متخلفة فان ما يحدث أن المجتمع يعيش الماضي دون الحاضر، يتطلع للخلف دون الأمام، يحكمنا السلف من قبورهم،بخلافاتهم وصراعاتهم وحروبهم، بينما يعلن الغرب عن إطلاق رحلات إلى الفضاء الخارجي متاحة أمام الجمهور للتحليق في الفضاء والانعتاق من الجاذبية الأرضية ورؤية القمر بل والسير في إرجاءه ، يعيش المسلمون فتاوى التكفير بين الشيعة والسنة! الصراع ما بين عائشة وفاطمة، وعلي وعمر ، والأمويون والعلويين ، وبني فاطمة وبني العباس،مصالح، هؤلاء جميعا ليس لهم وجود في عصرنا الراهن، ولكن عندما يحكمنا رجال الدين بمناهجهم الدراسية الرثة، وثقافتهم المتشنجة وعلومهم الجامد فأنهم يقولون أن للائمة من آل البيت امتداد وهم المرجعيات الدينية وان أمر الأمة بعدهم بيدهم وعلى الجميع أتباعهم فالدولة والسلطة وكل ما كان للإمام فهو لهم ، لنبقى نعيش الماضي ونحن في الحاضر، اجسادانا موجودة في القرن الجديد، بينما عقولنا وثقافتنا ووعينا في القرن السادس الميلادي، رجال الدين بثقافتهم الاقصائية ،الدوغماتية ،باستبدادهم ،بعلومهم المتقادمة ،بخلفياتهم الدراسية المعقدة، حولوا مجتمعاتنا إلى تجمعات سلفية ماضوية ، وإلا فأي معنى للصراع حول السلطة والحكم سواء عند الشيعة أو السنة في ظل التغيير الضخم في المفاهيم والقيم والعلوم والمعارف التي حولت الدولة من سلطة استبداد إلى مؤسسة تنظيمية تهدف إلى الإشراف على شئون المجتمع ورعاية مصالحه؟أي معنى للصراع حول الخلافة والسلطة والرئاسة بعد أن تحول مفهوم الدولة إلى مؤسسة رعاية مصالح، وانتقالها من الاستبداد والدكتاتورية إلى الدستورية والشرعية الشعبية؟ ولكنه الاستبداد الحاكم والتخلف الحضاري المسيطر على شعوبنا، فأي معنى لان يشرع الفقيه أمر ظني ليس له في الشريعة من يقين ؟ كأن يقول بجواز حبس المرأة وزواج الأطفال، وإنما هي شئون تتجاوز دائرة الفقه كعلم ديني إلى كونها مرتبطة بشئون المجتمع العامة ونظامه المشترك فيدخل فيها كل ارتباط تخصصي كعلم النفس والاجتماع والحقوق والقانون إضافة إلى الفقه ! أن هذا هو الخلل، الاستبداد ،القهر ، الاستفراد بالأمر، وإلا فان الأصل المنطقي المفضي إلى الشرعية هو في اشتراك المجتمع بشرائحه وفئاته في تشريع أمره وتنظيم شأنه وترتيب أحواله وأوضاعه ، لا أن تستفرد فئة بأمر الفئات الأخرى تحت ذريعة القيمومة والتولي كما في مجتمعاتنا الدينية التقليدية البائسة.
علوم دينية متحجرة، ذات نزعة وثوقية غريبة، شيعة وسنة دون استثناء، لذلك يقف كل مذهب من الضد للآخر ، ويصل الأمر إلى التكفير والإقصاء والاستبعاد، هذا هو حالنا منذ ألف سنة ونيف ، لم يتغير شي، فالاستبداد ليس سوى أجيال متعاقبة متتالية تسير وفق منظومة عنكبوتيه متشابكة وشائكة ،في عصرنا هذا ورغم التقدم الواسع في العلوم والمعارف والمفاهيم والقيم والثقافة والنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، يقف رجال الدين في مواجهة العالم بعلومهم وثقافتهم التي تستند على قاعدة الاستبداد والإقصاء وإلا فان رجال الدين لا يستندون على قوة حقيقة في هذا الصراع سوى الارتكان على هذه القاعدة التي توفر لهم كل ما يحتاجونه للاستمرار في تولي الشعوب المستضعفة بدون وجه حق، فليخبرنا رجال الدين في بلانا كم واحد منهم حاصل على شهادة أكاديمية معتبرة على غرار الدكتور ألفضلي مثلا؟ أو الدكتور الوائلي رحمه الله ؟ كم منهم يتقن اللغة الانجليزية ؟ كم منهم درس العوم الحديثة والدراسة الجامعية إلى جانب دراسته الدينية الغثة ؟ معظمهم بل أغلبيتهم ارتدوا العمامة واكتفوا بها وكأن العلم مستودعا في ما سطره الماضيين، وساروا في الدرب الموصل لأموال الخمس والوجاهة والتبجيل من جانب شعوبهم الساذجة ! حيد الغرب رجال الدين وأقصاهم عن مواقع المسئولية فتطور وتقدم وانطلق ، أليست هذه الحقيقة؟ يحكمنا رجال الدين، والنتيجة أننا نعيش الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد! ما زلنا شيعة ضد سنة وسنة ضد شيعة، ما نزال ننظر لبعضنا بعنوان بالهوية الطائفية البالية، أين الهوية الوطنية؟ الإنسانية؟ القومية؟ ورغم آفاق الالتقاء والحوار والاطلاع اللامحدود في عصر الاتصالات المتقدمة ! ما تزال فتاوى وآراء الفقه المتشددة تحكمنا وتسيطر علينا رغم عدم انسجامها مع واقعنا المعاصر بكل حيثياته، وعدم تفاعلها مع ثقافتنا الحديثة ووعينا المرتبط بها، وتعارضها الواسع للنتائج التي توصل إليها إنسان القرن الجديد في الحقول العلمية والنظرية والفكرية بمختلف أصنافها، بينما يجاهد الغرب لاكتشاف دواء ناجع للأمراض المختلفة ويسعى للتطور الدائم في مختلف المجالات يعيش رجال الدين وهم الفئة الحاكمة والمسيطرة في صراعاتهم الأزلية ، لان علومهم الدينية لا ترتقي بسبب النزعة الوثوقية المسيطرة والنتيجة أن صراعاتهم غير قابلة للحل ، فذاك سني وذاك شيعي وذلك ناصبي وذاك رافضي، وذاك أصولي وذاك إخباري، وذاك شيخي وذاك علوي، وذاك يقول بولاية الفقه وذلك يقول بولاية الفقهاء!! رجال الدين كفوا عنا، تعالوا إلى كلمة سواء بينا وبينكم، نعبد الله وحده لا شريك له ونضع أيدينا في أيد بعض ،جميعا دون استثناء ، مسلمين ومسيحيين، سنة وشيعة، إسلاميين وليبراليين، رجالا ونساء، ولنضع نظاما جديدا لحياتنا، يضم الجميع، لا تغلب عليه شريحة دون أخرى، فئة دون غيرها، نظاما يمنح الفرص متساوية أمام كافة طبقات الشعب، نظاما حرا يضع الإنسان في البداية والنهاية، يهمش الماضي وينظر للمستقبل بعيون ترتقب ضوء الشمس قبل بزوغه، دستور يمنح الحرية للإنسان، تكون فيه كرامته وعزته وإباءه قبل كل شي وبعد كل شي، يكون فيه الدين جزء لا كل، حياة تسودها الحرية ،ويغمرها الإباء ، على خطى التوحيد العظيم .