التحريض الطائفي يعطي ثماره








بعد اربع سنوات على احتلال العراق، وست سنوات على تحرير افغانستان من نظام طالبان، اكتشفت الولايات المتحدة الامريكية مدى تغلغل النفوذ الىراني، المباشر وغير المباشر، في البلدين، ومحاولة افشال المشروعين السياسيين الامريكيين فيهما بدعم من بعض الجماعات المسلحة.

فمن يقرأ الصحف الامريكية، ويتابع تصريحات المسؤولين العسكريين المنشورة فيها، والتحليلات التي بنيت على اساس المعلومات الواردة فيها، وخاصة تلك المتعلقة باكتشاف قنابل وذخائر ايرانية جري تسريبها لميليشيات شيعية في العراق، يخرج بانطباع راسخ مفاده ان الادارة الامريكية في قمة السذاجة والغباء معا، وتحاول تفسير الماء بالماء، وتخرج من حفرة لتقع في حفرة اكبر في العراق ومنطقة الشرق الاوسط بأسرها.

ولا يحتاج المرء الى عبقرية نادرة لكي يكتشف ان ايران احكمت السيطرة على العراق، كمقدمة للسيطرة على منطقة الخليج بأسرها، فالميليشيات التي تحكم في العراق، ومن خلال صناديق الاقتراع، وبمباركة وتشجيع امريكيين، هي نتاج الثورة الىرانية الخمينية، وحظيت معظم قياداتها بالتدريب والتمويل من قبل طهران.

مصدر المفاجأة هو ان الادارة الامريكية الحالىة متفاجئة بهذا الاكتشاف، ويعقد المسؤولون فيها مؤتمرات صحافية لعرض اسلحة وذخائر قالوا انهم عثروا علىها في ايدي جماعات مسلحة، ومصنوعة في ايران، وأدت الى مقتل 170 جنديا امريكيا.
المفاجأة في نظرنا، والكثيرين من ابناء المنطقة، هو ان لا تسلح ايران ميليشياتها في العراق، وان لا تشجعها على مقاومة الاحتلال الامريكي، فايران عندما تفعل ذلك، انما تمارس دورها المنوط بها كقوة اقليمية عظمي، تريد حماية نفسها اولا، وخدمة مصالحها من خلال زيادة نفوذها في دول الجوار حيث مصالحها الأمنية والسياسية الحيوية.

القيادة الىرانية مصرة على المضي قدماً في برنامجها النووي وتخصيب الىورانيوم بما يسمح لها بانتاج اسلحة ورؤوس ذرية. والحكومة الامريكية، وبتحريض اسرائيلي، مصرّة في المقابل على منعها، اي ايران، من انتاج هذه الأسلحة، ولذلك لا بديل عن المواجهة العسكرية، بعد ان فشلت الوسائل الدبلوماسية، وتتبلور قناعة لدي صقور البيت الأبيض بعدم جدوي العقوبات الاقتصادية، لان نتائجها غير مضمونة، وتحتاج الى وقت طويل حتي تظهر، وهي لا تملك هذا الترف.

مؤتمر هرتزليا السنوي الذي انعقد قبل بضعة اسابيع، وهو الأهم من نوعه لانه يضم يهودا من داخل اسرائيل وخارجها، ويضع ملامح استراتيجية التحرك المستقبلية، ركز مداولاته في معظمها تقريبا على البرنامج النووي الىراني، وكان القاسم المشترك لكل الحاضرين هو خطر هذا البرنامج على اسرائيل، والاصرار الىراني على تدمير الدولة العبرية. وصف ميت رومني احد المرشحين للرئاسة الامريكية ان ايران اخطر الىوم من الاتحاد السوفييتي، لان الاتحاد المذكور كان يخشي الضربة المضادة وردود الفعل بينما ايران لا يهمها ذلك لان تفكيرها انتحاري ، بينما قال نويت غينغريتش زعيم الغالبية سابقا في الكونغرس وأحد المتحدثين ان البرنامج الىراني ليس خطرا على اسرائيل وانما على الولايات المتحدة ايضا . وقال بيرنارد لويس شيخ المحافظين الجدد ومنظرهم ان من يعتقد بان ايران لا تهاجم اسرائيل بسبب الضربة المضادة هو مخطيء، لان نظرة القيادة الىرانية الى العالم تجعلها لا تمانع بتدمير نفسها .

صحيفة يو. اس. ايه توداي الامريكية نشرت امس تقريرا مفصلا كشفت فيه ان الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية تنتهج هذه الىام اكثر الخطوات انفتاحا في تاريخها في وجه اسرائيل والىهود الامريكيين، في محاولة لتحجيم نفوذ ايران المتزايد واحتواء العنف في العراق ولبنان والضغط باتجاه الوصول الى حل للأزمة الفلسطينية.

واكدت لقاء الأمير بندر بن سلطان امين عام مجلس الامن القومي السعودي مع ايهود اولمرت رئيس وزراء اسرائيل في عمان في ايلول (سبتمبر) الماضي، وحضور الأمير تركي الفيصل سفير السعودية السابق حفلا رعته المنظمات الىهودية الامريكية تكريما لتعيين موظف كبير في وزارة الخارجية مهمته محاربة العداء للسامية. واكدت ان وتيرة الاتصالات السعودية ـ الاماراتية ـ القطرية مع المسؤولين الاسرائيليين تزايدت في الفترة الاخيرة، وبلغت ذروتها في زيارة شمعون بيريس نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي للدوحة ولقائه اميرها حمد بن خليفة.

نحن الآن امام حرب عربية ـ امريكية ـ اسرائيلية ضد ايران، بدأت الاستعدادات لشنها تتسارع على المستويين السياسي والعسكري:
على المستوي السياسي: هناك تحركان اساسيان الأول تدعيم أسس تحالف المعتدلين، والثاني تعميق الشرخ الطائفي السني ـ الشيعي في المنطقة، وتلعب الحكومة الامريكية وحلفاؤها في محور المعتدلين دورا كبيرا في هذا الاطار خاصة في العراق ولبنان. وقد نجح التحريض الطائفي المتعمد في اضعاف شعبية حزب الله والتقليص من اهمية انتصاره الكبير وغير المسبوق ضد اسرائيل في حرب لبنان الاخيرة. مثلما نجحت الخطة السعودية في رصد مليار دولار في خلخلة العلاقة بين حركة حماس الفلسطينية السنية مع ايران الشيعية من خلال لقاء المصالحة الفلسطيني الأخير في مكة المكرمة.

على المستوي العسكري: ارسلت الولايات المتحدة حاملتي طائرات وكاسحات الغام الى منطقة الخليج، ونصبت بطاريات صواريخ باتريوت لحماية دولها من الصواريخ الىرانية، وقررت زيادة عدد قواتها في العراق بمعدل 21 الف جندي تحت ذريعة تأمين العاصمة بغداد.
الأحاديث الامريكية السابقة عن شرق اوسط جديد او نشر الاصلاحات الديمقراطية كلها تبخرت، وباتت من تراث الماضي، فمعيار الاعتدال المعتمد لدي الادارة الامريكية هو الولاء لها، والقبول باسرائيل دولة نووية واقامة علاقات تحالفية معها، والاشتراك في حرب جديدة ضد ايران، ولذلك لم يكن صدفة ان دول تحالف محور المعتدلين الجديد هي الاكثر ديكتاتورية وقمعا للحريات وانتهاكا لحقوق الانسان في معظمها.

هناك مثل يقول انه عندما تتصارع الفيلة يعاني العشب والعشب هنا هو المواطن العربي المغلوب على امره. فالعرب سيكونون وقود الحرب الاقليمية الجديدة. فان لم يموتوا بعشرات الآلاف من الانتقام الىراني في الخليج، فسيموتون تلوثا من تفجير المفاعلات النووية الىرانية، وحرق آبار النفط، وهذه النتائج الكارثية تتم بفضل عبقرية زعماء حلف المعتدلين في الخليج ومصر والاردن، ونظرتهم الاستراتيجية الثاقبة.