 |
-
|كيف نعرف بمذهب اهل البيت "ع"|||الشيخ حيدر حب اللّه|
[align=center]
[overline] (مجلة المنهاج في عقدها الثاني)
كيف نعرف بمذهب اهل البيت عليهم السلام؟ [/overline]
الشيخ حيدر حب اللّه[/align]
[align=justify]1- الفكرة الرئيسة التي نتحدث عنها هنا هي تقديم مشهد عقلاني لمدرسة من اعرق مدارس الاسلام، الا وهي المدرسة الاسلامية الشيعية، فهذه المدرسة عرفت الوانا من البلورة والصياغة بمرور الزمن، فمن لون عقلي عرفته مع مثل المرتضى والمفيد و.. الى لون نقلي مع الصدوق والمجلسي و..
الى لون فلسفي عرفاني مع الملا صدرا والطباطبائي..
وفي خضم هذا التنوع قدمت عروض مختلفة لبناءات هذا المذهب وافكاره وتصوراته، المذهب الذي استمد افكاره الرئيسة من النبي (ص) وائمة اهل البيت(ع)، وثمة فريق اقتنع بطريقة لعرض هذا المذهب فيما اعتبرها فريق آخر ضارة به، ولا بدمن استبدالها بطريقة اخرى.
2- في هذا الوسط ظهر الاتجاه التقريبي ثلاثينات القرن العشرين ليبلغ اوجه في الخمسينات والستينات، ثم ليتراجع في الثمانينات مع الاسف الشديد، وفي هذا الجو هيمنت فكرة العرض العقلاني العام للمذهب الامامي، وتقوم هذه الفكرة التي نطورها هنا على ما يلي:
ا- تقديم مذهب اهل البيت(ع) بعد اجراء جهود نقدية داخلية، تصفي هذا المذهب مما علق به بمرور الزمان، وهي سنة الاديان كلها والمذاهب، بل سنة كل ايديولوجيا، انها تلصق بها عبر الايام صورا واشكالا بشرية سرعان ما ترسخ بوصفهامفاهيم دينية اصيلة فيما لا تكون كذلك، وامثل على ذلك بفكرة الانتظار، اي انتظار الامام المهدي (، فقد اعتبرت آلاسباب متداخلة متواشجة لا نبحثها فعلا اساسا للتخلي عن المشاريع النهضوية الكبرى، الاجتماعية والسياسية والثقافية، بحجة ارتباط الدين بالمعصوم ارتباطاتعطيليا، فعطلت هذه المقولة قدرة القفزات النوعية الكبرى في بعض فترات هذا المذهب تاريخيا، الى ان راينا شخصيات كبيرة منها الامام الخميني تهب لممارسة نقد داخلي للنهوض بالامة من سباتها، وتحريرها من المفاهيم التعطيلية.
من هنا، نهيب بكل القيمين على شؤون مذهب اهل البيت(ع) ان يتصدوا دوما لتبني هذا النقد الداخلي الهادئ، وان لايخافوا منه او يقلقوا، فعندما تدير انت هذا النقد تصبح المخاطر الناجمة عنه اقل، ذلك انك تضبطه وتحكم امره حتى لايشهد افراطا هنا او تفريطا هناك.
ب- تقديم مذهب اهل البيت(ع) وفق عروض عقلانية، ولا نقصد بالعقلانية هنا ابطال مفعول مقولات التعبد ومرجعية النص، بل اعتبارها اساساوالعمل على عرض المذهب الامامي مذهبا هرميا منظما منسجما، لا تبدو فيه نتوءات اوتشوهات، وبعبارة اخرى: عرضه صورة متكاملة منطقية منسجمة تقوم بناءاتها بصورة مرتبة، يستسيغها العقل البشري،ويقبل بها، ويراها لا تجانب المنطق.
ولكي اضع مثالا تقريبيا، اذكر نظرية الامامة في تفسيرها الفلسفي العرفاني المتاخر عند الشيعة، بقطع النظر عن صحة هذا التفسير، فاننا نجد ان هذه النظرية تقدم تصويرا عقلانيا منسجماللامامة ادق واكثر انسجاما من نظرية المتكلمين، التي تعاني من بعض الثغرات على مستوى الانسجام الداخلي، والتناغم العقلاني بين اجزاء النظرية، كما اذكر مقولة (فقه النظرية)التي طرحها الشهيد محمد باقر الصدر شاهدا على عقلانية الفقه الاسلامي، اي انه قائم على اسس اولية معقولة، وله اهداف محددة، كما ان هناك انسجاما وتناغما بين اجزائه وابعاضه.
ج- ولا يقف الامر عند حدود العقلانية، بل يتعداه الى شرط المعاصرة، اي ان المطلوب ان يقدم مذهب اهل البيت(ع)بصورة عصرية، تناسب العصر وتتلاءم معه، تتكيف مع ظواهره ومعارفه واحداثه، لا تستسلم له بل تعمل على اصلاحه،لكنها لا تتجاوزه او تنكره.
ومن شرط المعاصرة تاتي اللغة المعاصرة، وياتي تعريف الشباب بلغتهم التي يعشقونها بهذا المذهب الاسلامي الاصيل، ان التشيع بحاجة اليوم الى لغة عصرية، وليس اليوم فقط، بل على الدوام.
د- ومن داخل هموم العصر تبرز الحاجة لان يعرض الفكر الامامي بلغة الحوار والتعددية المقبولة، لا يمكن بعد اليوم ان يكون التشيع لغة الخصام والنفي والاقصاء والتحقير والتقزيم للاخر، فمذهب اهل البيت(ع) اليوم قد يكون اقدر من اى زمان مضى، لهذا لا ينبغي ان يخاف على نفسه من التواصل مع الاخر، ومد جسور الحوار الجاد معه، لهذا نحن نؤمن بعرض التشيع الى جانب سائر المذاهب عند المسلمين دون حاجة الى الغائها والتعامل مع وكانها غير موجودة.
وهذا الامر يخلق ثقافة تدعو الى تخ حقيقي بين المذاهب، والتعالي عن اساليب النبذ السافر التي تظهر باشكال متعددة،بعضها لم يعد يحتمل، وعبر هذا السبيل يمكن الحصول على اعتراف الاطراف الاخرى وودها واخوتها، ان كل حواجزالعلاقة يفترض بترها، ليس بترا شكلانيا، بل بتر معرفي حقيقي ليشق مذهب اهل البيت(ع) طريقه في ساحات الحياة اليوم، لا ليكون خطابا خاصاداخليا لا يحيا خارج مساحته، بل يبدو فيها جسما غريبا.
لقد استطاعت المذاهب الاربعة ان تسدل الستار على تاريخ من الخصام بينها شديد، وها هي اليوم تتلف الى حدود بعيدة،ولا ينبذ احدها الاخر ضمن الحد الادنى لذلك على الاقل، وهذا ما نريده لمذهب اهل البيت(ع)، ان تنتهي حالة الخصام،فيعاد انتاج المعرفة واللغة والخطاب على ضوء مرحلة جديدة، فمن يقرا تاريخ صراع المذاهب الاربعة فيما مضى من زمن لا يصدق ان هذه المذاهب قد تجاوزت، سيما بعد القرن الثامن الهجري، كل اشكال الخصام التي كانت تحياها، وهي بحق منقبة، نامل ان تتسع لينضم اليها المذهب الجعفري، فتذهب المخاوف الموهومة منه، وتتلف القلوب وتتواصل.
الا يمكن ان نختلف ويصر كل منا على رايه دون ان نحمل في قلوبنا ضغينة على بعضنا؟! لماذا تتشابك لغة عرض المذهب الامامي بمظاهر جلد الذات او الغضب من الاخر، ولا نستطيع التمييز بين اجيال الماضي واجيال الحاضر، او بين اجيال الحاضر نفسها ايضا؟! نحن نحافظ على اعتقادنا ونختلف مع غيرنا دون ان نحقد عليه او نحمله وزر الماضين او..اللهم الا من ظلم.
من هنا كانت الحاجة، تعريف هادئ وامين وعقلاني ومعاصر بالمذهب الاسلامي لاهل البيت(ع) ، مع جراة في نقد الذات،فان نقدها قمة الفضيلة، مع حوار هادئ مع الاخر لا نحقد فيه عليه، ونسعى ان لا نبخسه حقه فيه، ان هذا النوع من الخطاب هو البديل عن بعض الاشكال التي يراد لها في الاوساط الاسلامية ان تطغى وتحكم، موجات غاضبة من السلفية القاتلة، ورغبة جامحة في تكفير الاخر.
3- هذا هو تصورنا لخدمة مذهب اهل البيت(ع)، ونحن نؤمن بان هذا السبيل هو الافضل في عصرنا على الاقل لخدمة الدين وابنائه، ونعرف ان فريقا يختلف معنا تمام الاختلاف في هذا الامر، ونحن نحترم هواجسه ونقدر مخاوفه، انه يعتبر آمثلا ان النقد الداخلي معناه فرط عقد المنظومة الفكرية الشيعية، وتحطيم لهيبتها وبنيتها، لذا يتوجس من النقد حتى لواقتنع ببعض اشكاله، داعيا الى ارجاء ذلك الى مرحلة اخرى لا نعرف متى تاتي؟ كما انه يخشى من العقلانية، لانها تطيح تدريجا من وجهة نظره بالبناء التعبدي للدين، ويوفر نفوذ مقولات سنية كمقاصد الشريعة والقياس والاستصلاح و..، كما يرفض المعاصرة بشدة ويراها مجرد شعار لتذويب الدين تحت ستارحاجات الزمن وهكذا..
اننا نقدر هذه الهواجس ونعيشها ايضا، لكننا في الوقت عينه غير قادرين على الاستسلام لها، لان رؤيتنا للموضوع تقوم على ان القيام على هذه الهواجس سينهي امر الدين على المدى البعيد، وهذه هي الكنيسة عاشت الهواجس عينها، ونظرت المقولات ذاتها ولم تستجب لقرون، وظلت صامدة، لكن الذي حصل انها انهارت فجاة، اشبه شي بالرسم البياني الذي وضعه توينبي لتاريخ الحضارات، ان الامر اعقد مما نتصور، والتفكير فيه احوج من مجرد معالجة ازمة في هذه القرية اوتلك، بل يحتاج الى عقول مشرفة مطلة على مختلف جوانب الامور، كي تاخذ بالحسبان توازنات المصالح والمفاسد،فتضحي بالقليل لصالح الكثير، حتى لو كان الكثير لا ياتي الا بعد زمن.
4- من هنا اهمية مثل مجلة (المنهاج)، في عصر تتنامى فيه التيارات الطائفية بصورة غريبة، كما وعدنا بذلك هنتنغتون مؤخرا ، في حديثه حول المد الطائفي في الشرق الاوسط، ان ما يحصل في العراق اليوم وما يحصل في لبنان لهو نذير شؤم يستصرخ علماء المسلمين في مشارق الارض ومغاربها ان يتحملوا مسؤولياتهم، ليس في لقاءات شكلية تلفزيونية استعراضية، نحترمها لكننا لا نرى فيها عظيم الفائدة، بل في السعي الدؤوب لاعادة بناء منظومات التربية والتعليم في المؤسسات الدينية والمعاهد والحوزات والجامعات الاسلامية عند الفرق الاسلامية كافة، فلا يصح ان نضع نظما للتربية الدينية لا تنتج سوى التكفير والبغض والحقد المتبادل، ثم نتداعى عند وقوع الكوارث الى عقد جلسات وئام، وعلى العلماءان يحملوا هم الاسلام، ويتعالوا عن خطاب الطائفية البغيض الذي لا يستفيد منه سوى الاخر.
اذا كان الاخر بمؤامراته يفعل ذلك كله، فيجب ان لا نعفي الذات، بل نعترف بان هذا الاخر قد استغل ثغرات فينا، لكي ينفذ منها، واهم هذه الثغرات ثغرة الطائفية الحاقدة، التي لا تبقي ولا تذر.
هذه هي رسالة (المنهاج) وهي تشق عقدها الثاني، وهنا يظهر دورها ودور امثالها، لنشر زهور التواصل والتعارف، وردم الهوة الى الابد بين اخوة في اللّه متحابين، لكي لا نسمح جميعا للسلفية الطائفية باشكالها وتمظهراتها ان تنجح في ايجاد شرخ او احداث فتنة، وبذلك نامل ان نكون مصداقا لقوله تعالى:
(واذكروا نعمة اللّه عليكم اذ كنتم اع داء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا...) [آل عمران: 103].
حيدر حب اللّه[/align]
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |