Sunday, 03 June 2007
كان ومازال (التكفير ) ظاهرة متسيدة في الفكر الديني السني ، تتحرك معادلة التكفيرفي هذا الفكر بمديات وحوافز ودوافع نشطة في تضاعيف نصّه العقدي ، الكلامي ، المذهبي

بل احيانا تلامس بشكل خفي حتى المواقف الفقهية من الآخر ، الأمر الذي جعل من الساحة السنية ذاتها عرضة للتشقيق والحراب والسجال ذي الطبيعة النافية ، ولعل قراءة سريعة لأهم مصدر سني كلامي في مجال العقيدة تطلعنا على نزعات متوغلة برغبة التكفير ، بل بمنهجية التكفير ، ذلك هو كتاب ( الفرق بين الفرق ) لعبد القاهر البغدادي الذي لم يسلم من سبابه وهجاءه الديني والاخلاقي أي طائفة سوى الطائفة التي ينتمي إليها، ولعل بدعة الفرقة الناجية كانت مدخلا لتسويغ وتبرير هذه السلوك الجاف تجاه الأخر ، ومن الغريب أن يزحف مقتضى الرواية الزائفة من الا طراف البعيدة ليكتب عليها قضاء ا لمصير المشؤوم ، ثم يواصل زحفه القارض المميت كاسحا كل ما يلقاه في طريقه ، ليصل في النهاية إلى دائرة ضيقة للغاية من الانتماء لتحوز على رضا الله دون غيرها ، مما يفرغ جنة الله من مليارات البشر ، حيث تستسلم هذه الجنان التي هي عرض السموات والارض كمية من البشر ، يستحي عددها من هذا العدد البشري ا لصاخب بالارقام الفلكية !


لم يكن تكفير النص السني للشيعة وحده يجلب النظر ، بل تكفيره لنفسه ، لروحه ، لهويته ، وهاي هي الساحة السنية في مصر والمغرب والجزائر وغيرها من بلاد المسلمين السنة تضج بدعوات التكفير المضاد ، المتبادل ، المتناوب بين الأحزاب والجمعيات والمدارس والمؤسسات ، وهل ننسى كتاب ( معالم في الطريق ) للكاتب الكبير سيد قطب الذي تجوهر عن مشروع مخيف مرعب ، ذلك هو تكفير المجتمع كله ، باعتباره جاهلي كله ، وهل ننسى حركة التكفير والهجرة التي انطلقت من سجون مصر لتنتشر في ربوع القاهرة وجبال الصعيد ، وهي دعوة هزت المجتمع المصري بكامله ، لما كانت تنطوي عليه من تكفير جماعي للشعب المصري بل كل المسلمين ، ومن ثم دعوة غريبة الاطوار تهتف بضير المؤمنين نداء العزلة ، عزلة المجتمع ، وعزلة الحياة بكل مباهجها ، وهاي الاحزاب الدينية أو بعضها في الجزائر تتحكم إلى الكفر في التعامل المتبادل ، فسالت دماء ، وقعطت رؤوس ، ويتمت اطفال ، وقبل هذا وذاك التكفير المتبادل بين الاحزاب الافغانية السنية الذي نتبج عنه بحور من الدماء ، مازالت جبال افغانستان تئن من ثقلها الهائل .


لا نريد أن ننبش تاريخ الدماء بين الحنابلة والأحناف ، وبين هاتين الطائفين و الشوافع ، وبين كل هؤلاء والموالك ، فتلك مصيبة تنوء عن حملها الجبال الشوامخ ، ولا نريد أن نشير إلى التكفير السني للشيعة الذي تحول في الايام الاخيرة إلى موضة ( سنية ) ، وقد مهد لها ابن تيمية ، ومهرها محمد بن عبد الوهاب بامتياز، وبين هذا وذاك تلك الفتوى التي جاء بها ( ومن لم يحكم بكفرهم فهو كافر ) ، لا نريد أن ننبش في هذا التاريخ المخزي ا لمظلم ، بل نتساءل عن سبب هذه النزعة المرعبة في الفكر السني العقدي ، لماذا تشكل بوصلة التفكير والتبويب والتصويب والتصنيف في كتاب (الفرق بين الفرق ) الذي يعد الركن الركين في استقاء الفكر الديني ا لعقدي ، وملجأ الحائرين في تحديد الموقف من الآخر ؟


لا شك ان للسياسة دورها في مثل هذه القضية ، فإن تكفير هذه الفرقة أو تلك قد تكون حاجة سياسية قبل ان تكون حقيقة دينية ، ولعلنا نتذكر ما فعله المأمون باصحاب الحديث ، ومن بعده حفيده باصحاب الراي ، أي المعتزلة ، حيث حصد مئات من الرؤوس المفكرة بين عشية وضحاها ، وبفتوى من الآخر ، وهكذا فتن وفتن وفتن يشيب لها الوليد ، سببها فتوى ( تكفير ) تصدر من هذا الفقيه أ و ذاك بحق هذه الطائفة او تلك ، أما تكفير الشيعة فصار ت سنة متبعة للاسف الشديد ... كما أن هذه الظاهرة قد تكون مترشحة من طبيعة البيئية التي نشا فيها الفكر السني ، فهي بيئة صحراوية جدبة ، فيما الفكر الشيعي فكر مدني ، فكر المدينة ، الارض الخصبة ، النهر ، وليس الصحراء الممتدة برمالها المخيفة لآفاق من مساحة الفضاء الخاوي .


ظاهرة التكفير السني / السني تأخذ اليوم مدياتها المخيفة ، تحولت إلى مدرسة سيارة ، لم تعد بين مذهب ومذهب ، بل بين حزب وأخر ، داخل الحزب الواحد ، فتواى التكفير اليوم سمة خارقة للعادة في معدل انتشارها ، و معدل سهولتها ، ومعدل استخدامها لتبرير مجازر بشعة ، لا أشك لحظة أن وراءها أسباب شخصية، ومطامع دنيوية ، واهداف سياسية ، وهي ماضية تتعمق في أغوار الفكر السني ، وضمير القيادات السنية ، الامر الذي يهدد بمستقبل مخيف ، ومصير لا يحمد عقباه ، فيما تتعالى أصوات الازهر مستنجده بالرجوع الى العقل والنصوص الصحيحة ، والمقاسات المنضبطة بالحكمة والعدالة ، ولكن صوت ا لتكفير اقوى و أشد ، خاصة فيما يتعلق بالشيعة ، كل الشيعة !


تشهد الساحة العراقية صراعات سنية / سنية مذهلة ، تعتمد وتستند إلى مبدا التكفير ، ومن هنا غاص السيف السني في الرقبة السنية ، ليس مرة ولا مرتين ، بل سياسة مستدامة ، تستند إلى نصوص وشهادات وفتاوى واحكام ، قبل ذلك تكفير شمولي لشيعة العراق بل كل شيعة العالم ، وبالتالي ، من حقنا ان نسال ، ترى لمن خلق الله العراق ؟ وكم سيبقى في العراق من له حق الحياة ، لا للنصارى ، لا لليهود ، لا للصابئة ، لا للشيعة ، لا لهذا الحزب أو ذاك حتى من ا لمنتمين لذات المذهب ، ونعم لثلة قد لا يتجاوز تعدادها مئات !


هل سيلتقي علماء السنة على طاولة جادة لبحث ظاهرة التكفير السني؟