الضحك على معاناة العراقيين بوهم العلمانية
كثيرا ما تترد كلمة العلمانية الآن في العراق وعلى أن العلمانية هي الحل لكل أزمات العراقيين وأن العلمانية هي الدواء للمعاناة العراقية. الغريب أنني سمعت مثل هذا الكلام من بعض أصدقائي والذين لديهم بعض الميول الإسلامية.
أولا دعونا لا ننكر أن شعوب المنطقة تعاني من مرض عضال اسمه الذاكرة المثقوبة والتي سببت بأن ينسى العرب أن التوجه الطائفي والتمييزي والعنصري قد أسس له العلمانيون العرب. قد يقول قائل أن السبب ليس بالعلمانية بل بالعلمانيون الذين لم يلتزموا بأسس العلمانية الصحيحة. هذا القول صحيح وهو سوف يقودنا إلى أن العلمانية إن كانت تدعو إلى المواطنة وإلى المساواة هي بعينها توجه إسلامي كذلك.
ولكن كيف لنا أن نستنبط قيم متعالية كالمساواة والتسامح والحرية من نصوص دينية ضيقة؟
الجواب على مثل هذا التساؤل يقودنا لقراءة تاريخية لظهور العلمانية وهو سوف يكشف لنا بأن العلمانية بجذورها الفلسفية هي جذور مسيحية دينية وهناك كتاب شهير للقديس أوغسطين عنوانه مدينة الله يبين ويوضح فيه أن ممكلة المسيحيين هي في الأخرة وليست في الدنيا والعالم المادي ومثل هذا التصور يقود بشكل أو بأخر إلى تصور علماني يفصل الدين عن السياسة.
كذلك يمكننا إستنباط قيم متعالية تتسع لكل البشر وأسس للحكم الرشيد "good governance" من سيرة الإمام علي عليه السلام وخاصة عندما أحتكم لشريح القاضي وهو إمام المسلمين مع يهودي بسبب قضية مالية. مثل هذه الرواية تؤكد على نظام المسائلة للحكام وكذلك على المساواة في القانون مع جميع الطوائف والمذاهب الدينية.
لهذا لا ضير أن يكون هناك نظاما إسلاميا يقوم على قيم المواطنة والمساواة والحرية لأن هذه القيم ليست سلبية بل إيجابية بمعنى أنها ليست حرية ومساواة ومواطنة للمسلمين فقط بل للجميع وحتى إن كان التأسيس الفكري والسياسي لها مصدره ديني إسلامي مثلما أن العلمانية مصدرها مسيحي لاهوتي.
وسوف أعود لقصة العلمانية في العراق لاحقا..
قال الإمام علي عليه السلام " أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاِْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ."