نصوص من الصحافة الإسرائيلية


تقرير الاستخبارات الأميركية حول قدرات إيران النووية يثير غضب إسرائيل









حلمي موسى



أصابت إسرائيل الدهشة من تقرير الاستخبارات الأميركية حول وقف إيران مشروعها النووي ذي الطبيعة العسكرية منذ عام 2003 على الأقل. فقد سحب هذا التقرير البساط من تحت أقدام الدعاية الإسرائيلية التي تريد توجيه كل الأنظار نحو إيران بوصفها العدو الأخطر للأسرة الدولية. وقد تدرج الموقف الإسرائيلي من التقرير من الدهشة إلى التردد ثم إلى التهجم المستتر وصولا إلى التهجم حتى على الرئيس الأميركي جورج بوش وسياسته.
وقد بدأ إيهود أولمرت، الذي حاول استغلال مؤتمر أنابوليس لإظهاره على أنه أكبر حشد دولي في مواجهة إيران، الحملة بإعلانه أن «اسرائيل ستعمل بنفسها حيال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لغرض كشف البرنامج النووي العسكري ـ السري لايران». وأكد اولمرت في ختام اجتماع وزاري أمني كرس لمناقشة عواقب التقرير الأميركي على أن «موقف اسرائيل لم يتغير في أعقاب نشر هذا التقرير. حسب هذا التقرير كان لايران خطة سلاح نووي حتى العام 2003 على الاقل، ولا توجد معلومة ايجابية تعطي تفسيرا اين اختفت هذه الخطة. ايران تواصل عملها لتخصيب اليورانيوم وحتى حسب التقرير الاميركي الجديد فهي ستراكم كميات كافية لانتاج سلاح نووي في العام 2010».
وبدا واضحا من تصريحات أولمرت أن إسرائيل تلجأ إلى أسلوب جديد لا يكرر الأقوال القديمة بأن الخطر الإيراني ليس مشكلة إسرائيل وإنما مشكلة العالم بأسره وإنما يهدد العالم من طرف خفي بأنها قادرة على العمل لوحدها. وثمة من يعتقد أن جزءا من السياسة النووية الإسرائيلية قام أصلا على فكرة ابتزاز أميركا بالتلويح بإظهار قدرة نووية واستعداد لاستخدامها. ويرى هؤلاء أن التزام الإدارة الأميركية المتكرر بضمان أمن إسرائيل يأتي أساسا لتقليص المخاوف من تحركات نووية إسرائيلية. وفي كل الأحوال فإن تصريحات أولمرت وعدد من الساسة الإسرائيليين بهذا الخصوص تؤكد الخروج عن السياسة السابقة والاستعداد للعب دور مباشر ليس فقط في التحريض على إيران وإنما كذلك في العمل ضدها.
ومما لا ريب فيه، أنه بصرف النظر عن قدرات إسرائيل للعمل منفردة بشكل عسكري ضد إيران، فإن كل خطوة ضد إيران تعني تعريض الأمن الدولي بأسره للخطر لحساسية الموقع الإيراني على الخليج العربي. وبالتالي فإن التلويح الإسرائيلي بالعمل المنفرد ضد إيران ينطوي على مقامرة كبيرة إذا كان التلويح جديا. ولا يقلل من أهميته إذا لم يكن جديا لأنه يستحث أميركا على العمل ضد إيران خشية أن «تضطر» إسرائيل لفعل شيء ما. وفي كل الأحوال فإن الموقف الإسرائيلي يقوم على فكرة «ألحقوني» قبل أن أقدم على عمل يهددكم جميعا.
ويقوم تبرير رفض إسرائيل التقرير الأميركي جزئيا على فكرة أن الاستخبارات الأميركية التي أخطأت في العراق وفي مواضع أخرى ليست معصومة من الخطأ هذه المرة في إيران. وتعلن على رؤوس الأشهاد أن المعلومات ذاتها التي استند إليها التقرير الأميركي متوفرة للطرفين وأن الخلاف يدور حول تفسير هذه المعطيات. وأنه بالتالي ليس هناك من يضمن أن التقدير الأميركي صائب. بل أن بعض الإسرائيليين يذهب أبعد من ذلك ليرى أن التقدير الأميركي ليس نابعا من اعتبارات مهنية وإنما من اعتبارات سياسية أهمها عجز إدارة بوش عن تمرير قرار بخطوة عسكرية ضد إيران. ولذلك ترى إسرائيل أنه إذا كانت أميركا تحتمل وجود إيران نووية فإنه ليس بوسعها هي احتمال ذلك.
بل أن إسرائيليين يذهبون أبعد من ذلك ليقولوا أن سوء التقدير الأميركي بخصوص إيران ينبع أصلا من العجز عن حل المشاكل الجوهرية الثلاث التي تواجه العالم الغربي. ويرى هؤلاء أن هذه المشاكل تتلخص في ما تسميه بالإرهاب الإسلامي ودول محور الشر وانتشار التكنولوجيا النووية.
ولا ريب في أن اللوبي الإسرائيلي في أميركا وجد في التقرير الاستخباري عن إيران فرصة لإظهار تضامنه مع إسرائيل. ورغم أن الحملة المضادة للتقدير الاستخباري قد بدأت إلا أنها سوف تتصاعد قريبا أولا في أوساط الأكاديميين والإعلاميين ثم في أوساط السياسيين. ومن الجائز أن أنصار إسرائيل في الحملة الانتخابية القريبة سوف يحاولون التعامل مع أمر هذا التقدير بوصفه تقديرا سياسيا موجها من الإدارة الأميركية ويغطي عجزها.
وهكذا رأينا كيف أن عددا من الكتاب في أميركا شرعوا باستذكار مسلسل الفشل الاستخباري الأميركي في إيران منذ عهد الشاه مرورا بالعهد الإسلامي. ولا ريب أن في استذكار هذا التاريخ ما لا يرسخ في الذهن صدقية الاستخبارات الأميركية.
وهكذا كتب شموئيل روزن في «هآرتس» أن «الهجمــة على هذا التقرير تتواصل، وهي تشمل خبراء من مؤسسات مختلفــة ذات ميــول متبــاينة، وكــأن ذلــك لم يكن كافيا لتأتي المعلــومة الجـديدة حول إتلاف أفلام الفيديو التي توثق التحقيقات مع عناصر القاعدة على يد الـ ســي.آي.ايه، وذكرت الجميع بأن الاستخبارات الاميركية ما زالت مريضة حتى بعد اعادة ترتيب أقسام المستشفى. «كان من الممكن الصفح بعض الشيء عن الجرائم والعجرفة لو نجحت الـ سي.آي.ايه في القيام بشيء ما كما يجب»، كتب كريسـتوفر هيشنس في هذا الاســبوع ووجه الدعوة لحل التنظيم».