النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2005
    المشاركات
    354

    الــبـــحــــث عـــــــــن الـسـعـاده



    ديل كارنيجي(*)
    ترجمة: بهاء الدين خطاب



    أخبرني أحد أصدقائي عن حادث تعرض له، حيث قال:
    «خلال الحرب العالمية الثانية تعرضت لأكبر درس واجهني في حياتي.
    فقد كنت أعمل في غواصة حربية بالقرب من جزر الهند الصينية، مع فرقة مؤلفة من ثمانية وثمانين جندياً. وفوجئنا يوماً بقوة بحرية كبيرة تهجم علينا وبدا أنها أكبر عدداً منا.
    وكانت طائرة يابانية قد كشفت موقعنا، ونحن على عمق 67 قدماً من سطح البحر، فأبلغت أمرنا إلى رؤسائها، وسرعان ما اتجهت إلينا هذه القوة الكبيرة للقضاء علينا. فاضطررنا أن نغوص إلى عمق 150 قدماً وأطفأنا الأنوار، وعطلنا المراوح وأجهزة التبريد مبالغة في الاستخفاء والوقاية، ولم تمض دقائق حتى كانت الألغام تنفجر حولنا من كل الجهات.
    لم نستطع عمل شيء لمنع وصل خطر هذا الهجوم العنيف علينا، فأخذنا نترقب الموت بين لحظة وأخرى.. مع أن الحرارة داخل الغواصة كانت قد ارتفعت حتى قرابة المئة درجة نتيجة لتعطيل المراوح وأجهزة التبريد، وكانت أسناننا تصطك وأطرافنا ترتعد وكأننا في درجة من الحرارة تحت الصفر. واستمر الهجوم خمس عشرة ساعة، مضت علينا كأنها خمسة عشر مليون عام.
    كانت صور الماضي خلال هذه الساعات تتتابع على اختلاف أنواعها وألونها أمام عيني، وهي تسرع تارة وتبطئ أخرى. وقد رأيت بينها صور جميع ما اقترفته من المساوئ والآثام، وصور الأشياء السخيفة التافهة التي أقلقتني شهوراً من قبل.
    كنت محاسباً بأحد البنوك قبل أن ألتحق بالجيش. وطالما ضقت ذرعاً بطول الساعات التي كنت أقضيها في عملي.. وبضآلة الأجر الذي كنت أتقاضاه، دون أن يكون لي أمل في تحسين حالتي. وشد ما كان يؤلمني حينذاك شعوري بالعجز عن شراء «فيلا» أو اقتناء عربة، أو هدية أقدمها لزوجتي في أحد أعياد الميلاد.
    وشدّ ما كنت أكره رئيسي في البنك، الذي كان يؤنبني لغير ما سبب ظاهر، ويتهمني بالتقصير لمناسبة وغير مناسبة. فكنت أعود إلى المنزل في أكثر الأمسيات حاقداً غاضباً ناقماً، فأتشاجر مع زوجتي المسكينة لأتفه الأمور..
    كل هذه الصور السخيفة التافهة من حياتي الماضي مرّت على ذهني وأنا انتظر الموت مع رفاقي بالغواصة، بل لقد تمثلت لعيني صورة مكبرة لما هو أسخف وأتفه، فتذكرت مثلاً إصابتي بمرض جلدي ضايقني بضعة أيام، وتذكرت جرحاً بسيطاً أصبت في حادث سيارة.
    وبقدر ما كانت هذه الحوادث تبدو لي مزعجة منذ سنوات كنت أراها الآن على حقيقتها تافهة سخيفة.. والمتفجرات تهدد غواصتنا بالنسف وتنذرنا بالتأهب للانتقال إلى العالم الآخر.
    وعاهدت نفسي إن كُتبت لي النجاة ورؤية نور الشمس مرة أخرى، ألا أهتم لشيء من هذه التوافه التي تعترض كل امرئ في حياته اليومية. فلما نجونا بعد يأس، لم أنس ذلك العهد، والحق أنني تعلمت دروس الحياة في تلك الساعات الرهيبة أكثر ما تعلمته من دراستي الجامعية، ومن كل مطالعاتي.

    والواقع أننا كثيراً ما نواجه المصائب الكبيرة في الحياة بشجاعة وصمود، ولكننا ندع التوافه والصغائر تحطم أعصابنا وتنغص عيشتنا.

    وقدر روى «صموئيل بيبس» أنه شهد مرة أحد المحكوم عليه بالإعدام يصعد إلى المشنقة في هدوء وثبات. ولما سئل عن شعوره حينذاك أجاب قائلاً:
    «إنني لا أعبأ بالموت بل أرحب به». على أنه ما كاد يشعر بحبل المشنقة يلتف حول عنقه حتى أخذ في البكاء والتوسل إلى المشرفين على التنفيذ أن يأمروا الجلاد بالترفق في لف الحبل، حتى لا يؤلمه الخراج الصغير الذي في قفاه.

    وقد ذكره «بيرد» أن أتباعه الذين رافقوه في رحلته الاستكشافية للمناطق القطبية كانوا يظهرون من الجَلـَد والصبر وتحمل الجزع والبرد ما كان يثير دهشته. ولكنهم كانوا كثيراً ما يختلفون ويتشاجرون لأن أحدهم جلس بالمكان المخصص لزميله، أو لأنه طلب منه شيئاً بلهجة جافة، أو أخذ قطعة أكبر من الخبز. وعلق «بيرد» على هذا قائلاً:
    «إنني لم أكن أخشى الإخفاق بسبب الشدائد والعقبات، بقدر ما خشيته بسبب تلك التوافه والصغائر».

    وليس من شك في أن الإخفاق في كثير من الأعمال والمشروعات التي يتطلب نجاحها التعاون والتضامن إنما يرجع إلى أمور حقيرة تافهة، قد يضحك المرء على موقفه منها بعد حين.

    قرأت لأحد القضاة أنه خلال أربعين عاماً، عرض عليه فيها ما لا يقل عن ألف قضية من قضايا الخلافات الزوجية، لاحظ أن الاهتمام بالتوافه هو سر أكثر تلك الخلافات.

    وقرأت لقاضٍ أخر أن نصف القضايا الجنائية التي عرضت عليه كانت نتيجة أشياء تافهة، كمناقشة في حانة، أو خلاف على مبلغ تافه، أو إشارة أسيء فهمما أو عبارة جافة.

    ولو أن هذه التوافه عوجلت بحكمة ورؤية وبُعد نظر، لمرت بسلام وكأنها لم تكن. ولكن ما جُبل عليه أكثر الناس في الغرور والأنانية والتسرع يأبى إلا أن يخلق من تلك الحبة قبّة، وأن يحيل تلك الشرارة التافهة إلى بركان أو جحيم.

    ومن أقوال دزرائيلي المأثورة: «إن الحياة أقصر من أن يعنى المرء فيها بالتوافه».

    وقد كتب «أندريه موروا» يقول: «إن عبارة دزرائيلي أعانتني على أن أجتاز ظروفاً كثيرة مؤلمة. فنحن غالباً ما نسمح لأنفسنا بأن نتضايق نثور لأسباب تافهة كان ينبغي أن ننساها ولا نعلق عليها أية أهمية. إن العمر مهما طال مداه.. قصير.

    ومع ذلك فإننا نقضي ساعات لا تعوض في التفكير والأسى والأسف على أشياء تافهة، لا شك في أننا مع غيرنا مع الناس، سننساها مع الوقت.
    أليس من الخير أن نكرس أوقاتنا القصيرة لأداء أعمال جليلة، وإنتاج آثار خالدة، والتفكير بأشياء مفيدة مسلية، وخدمات لغيرنا خالصة؟».

    هناك على منحدر جبل عالٍ في أمريكا توجد بقايا شجرة ضخمة، يقول علماء النبات أنها عاشت نحو أربعمائة عام، تعرضت فيها للصواعق والزوابع والأعاصير، فلم تتأثر بها، وقاومتها جميعاً. وحدث في السنوات الأخيرة، أن هجم على هذه الشجرة حشد من الخنافس، وراح يشق طريقه إلى قلبها، فما لبثت قليلاً حتى انهارت أمام الهجمات المتوالي لتلك الخنافس الصغيرة، التي يستطيع طفل صغير أن يسحقها تحت قدميه.

    ألسنا جميعاً مثل هذه الشجرة الضخمة؟.. ألسنا في كثير من الأحوال نقاوم الزوابع الشديدة، والأعاصير الثائرة، ثم ندع قلوبنا «لخنافس» الهموم تأكلها وتحطمها؟ فلكي تحطم الهم قبل أن يحطمك، أحرص على ألا تتضايق من التوافه وتعلق عليها أهمية كبيرة.

    واذكر دائماً الحياة أقصر من أن يعنى المرء فيها بالتوافه.

    (*) باحث اميركي.
    المصدر: كيف تكسب النجاح، التفوق والثروة في حياتك الأهلية ـ 2007م
    [glint][align=justify]
    [grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]من جار على شبابه
    جارت عليه شيخوخته[/grade]
    [/align]
    [/glint]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    101

    افتراضي

    كلام من ذهب .... وحكمه بالغة ياليت الناس يفهموها
    شكراً جزيلا على الموضوع
    [align=center][/align]

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني