 |
-
منطـق التفـاؤل الايرانـي:طوقنا الامريكان من العراق وافغانستان ...فتورطوا!!!
إيران بين التأزم الداخلي... و«الخطر» السني من تركيا (1 من 2)
http://www.assafir.com/Article.aspx?...سلطان%20سليمان
سلطان سليمان
طهران:
تعيش إيران، السلطة والشعب، هذه الأيام مرحلة دقيقة وحساسة من تاريخها الحديث، فقوات «الشيطان الأكبر» الاميركي تحيط بها من كل حدب وصوب، وتنصب قواعدها العسكرية في الدول المحيطة بها، والضغوط الدولية عليها تزداد يوماً بعد يوم.
وتترافق الضغوط الدولية مع قرع طبول الحرب، ليس من الإدارة السياسية لهذا «الشيطان» فحسب، بل أيضا من الجيران الأوروبيين، على غرار ما حصل في تصريح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير مؤخراً، ناهيك عن الموقف البريطاني المتجانس مع الموقف الاميركي، والموقف الألماني المستجد بعدائه لطهران في ظل قيادة المستشارة انجيلا ميركل.
أما خريطة الحلفاء، فهي تضيق يوماً بعد يوم وفق لعبة المصالح لهذه الدولة أو تلك، على غرار العلاقة مع روسيا والصين بين الدول العظمى، اللتين، وكل لأسبابها الخاصة، تتقاطعان حينا مع السياسة الإيرانية وأحيانا مع سياسة الولايات المتحدة، ولكن كلتاهما لم ولن تدخلا في المدى القريب في تحالف استراتيجي مع طهران يحصن موقفها في المواجهة التي تخوضها، لذلك فإن الإدارة السياسية الإيرانية تحاول بلا هوادة بناء تحالفات مع قوى، تشكل ما وصفه محلل سياسي ايراني مستقل بـ«البحصة التي تسند الخابية الإيرانية»، على غرار التحالف مع سوريا وكوبا وفنزويلا وبعض الدول التي تدخل في خانة العداء لأميركا.
أما الجانب الأكثر خطراً على إيران، فهو ليس فقط هذا التواجد العسكري الاميركي في محيطها الحيوي الجغرافي، ولا في التهديد الذي تشكله إسرائيل على الأمن القومي الإيراني بامتلاكها السلاح النووي وبصفتها موقعاً اميركيا متقدما في المنطقة، ولا أيضا في التوترات التي تشهدها الحدود الإيرانية مع الجانب الكردستاني من العراق حيث بلغت حداً جعل الإيرانيين يستخدمون المدافع في قصف من يعتبرونها قوى معادية في تلك المناطق، بل إن الخطر الأكبر يكمن في التطورات السياسية التي عصفت بجارة إيران، القريبة جداً، تركيا مؤخراً، وأدت إلى إحكام «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي (السني) قبضته على كل مفاصل السلطة في أنقرة عبر صناديق الاقتراع، وعدم تحرك الجيش التركي، حامي العلمانية في تركيا الذي كان دائماً يتمتع بدعم اميركي غير محدود، لمنع هذا التمدد الأصولي الإسلامي في دوائر صناعة القرار كما جرت العادة في العقود الأربعة الماضية.
كان يمكن لهذا التطور عند الجار التركي ألا يشكل أي مؤشر للإدارة السياسية الإيرانية، من الزاوية الحذرة، لولا التوتر السني ـ الشيعي العنيف الذي يشهده العراق، والأقل عنفاً في باكستان، والذي لا يزال في طوره السياسي في لبنان.
وإذا كان الوضع الداخلي الإيراني محصناً في مواجهة فتن مذهبية مماثلة، بسبب الانتماء السني الضعيف جداً مقارنة بالانتماء الشيعي (اقل من عشرة في المئة من اصل 70 مليون إيراني)، فإن وصول تيار سياسي سني في تركيا بغض طرف من قبل واشنطن، قد يكون مؤشراً على احتمال استخدام الإدارة الاميركية لهذا التيار في صراع مع الحكم الشيعي في إيران، على غرار ما حصل عام 1980 عندما استخدم الرئيس العراقي السابق صدام حسين لمواجهة الثورة الإسلامية بعد عام من انطلاقتها، ومنعها من التمدد إلى الجوار عبر حرب طاحنة استمرت ثمانية أعوام، كلفت إيران ما كلفتها سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
هذه الصورة غير المتفائلة لقراءة خريطة الوضعين الدولي والإقليمي المحيط بإيران تشكل إلى حد بعيد الجانب الخارجي لقراءة الواقع الإيراني، من زاوية النظر الأقرب إلى خصوم طهران، وتستكمل هذه الصورة بقراءة أكثر سوداوية في الداخل الإيراني نفسه.
فالوضع الاقتصادي يشهد تضخماً بلغ نسبة قاربت الـ25 في المئة العام الماضي وحده، وسعر صرف الريال الإيراني انخفض منذ عام ونصف العام من حوالى 80 ألف ريال للدولار الواحد إلى 93 ألف ريال للدولار هذه الأيام، أما البطالة فقد بلغت نسبتها، بحسب الأرقام الرسمية، 18 في المئة. وللمرة الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية عام ,1979 بات البنزين يوزع بطريقة الحصة التي تبلغ مئة ليتر في الشهر لكل صاحب سيارة خاصة و600 ليتر لكل صاحب سيارة نقل عمومية.
ويقول صاحب سيارة خاصة إن اعتماد الحصص يشجع على انتشار السوق السوداء لبيع البنزين، في بلد بلغت قيمة صادراته النفطية حوالى خمسين مليار دولار هذا العام، فصاحب سيارة النقل العمومية يحول سيارته للعمل على الغاز ويبيع حصته من البنزين في السوق السوداء بأربعة أضعاف سعر السوق الرسمية، الذي يبلغ حوالى مئة ريال لليتر الواحد. وبالرغم من الاحتجاجات التي شهدتها طهران، والتي بلغت حد إحراق محطات البنزين، فإن الحكومة لم تتراجع عن سياسة توزيع البنزين بالحصص، وبات من المعتاد أن تبلغ طوابير المنتظرين عند محطات التزود بالبنزين مسافات تزيد عن الكيلومترين أحيانا.
وفي إطار هذه القراءة للوضعين الخارجي والداخلي، فإن الولايات المتحدة والغرب يدفعان الاقتصاد الإيراني إلى المزيد من التأزم، عبر القرارات الدولية التي تحكم الحصار على طهران قراراً بعد قرار، وعبر دفع السلطة السياسية الإيرانية إلى عملية غير محدودة التكاليف من التسلح بصورة محمومة تبتلع معها مقدرات هذه الدولة المترامية الأطراف (تبلغ مساحتها 1.66 مليون كيلومتر مربع)، وذلك عبر شراء الأسلحة في كثير من الأحيان من السوق السوداء، عندما تخضع الدول البائعة للضغوط الاميركية، أو عبر التصنيع الداخلي للأسلحة بكل تقنياتها المتقدمة، ما يدخل إيران في دوامة من سباق التسلح، تطيح بخططها للتنمية الداخلية وتؤدي إلى تنامي التململ الشعبي الداخلي، ضاغطاً لتغيير النظام على غرار ما حصل في الاتحاد السوفياتي السابق ومنظومة الدول الدائرة في فلكه في ثمانينيات القرن الماضي حيث انهار النظام الاشتراكي من دون حرب خارجية عليه.
****
2
منطـق التفـاؤل الايرانـي... مـن أيـن يأتـي؟ (2 من 2)
صواريخ اطلقها حراس الثورة خلال مناورات قرب مدينة قم في تشرين الثاني 2006 (م. ع. م)
سلطان سليمان
طهران :
على العكس من القراءة المتشائمة التي تقدمها بعض الدوائر الخارجية للوضع الايراني، فإن القيادة السياسية الايرانية ترى الامور بمنظور مغرق في التفاؤل. فانتشار القوات الاميركية في الدول المحيطة بايران بحسب هذه القيادة، بشقيها السياسي والعسكري، يجعل هذه القوات نفسها أسيرة واقع ميداني في غير مصلحتها، اذ انها تتخبط في حرب عصابات قاسية في كل من افغانستان والعراق شبيهة بحربها في فيتنام.
ومع تصاعد وتيرة هذه الحرب، فإن الحلفاء العسكريين لواشنطن باتوا ينفكون عنها تباعا ويتساقطون في دولهم واحدا تلو الآخر كما حصل مع رئيسي الوزراء الاسباني والبريطاني. كما ان حركة الاحتجاج في الداخل الاميركي ضد التواجد في افغانستان والعراق بدأت تنمو اكثر فأكثر. وما التظاهرة الاخيرة في واشنطن التي شارك فيها اكثر من مئة ألف متظاهر، الا أحد الدلائل على ذلك.
وفي مواجهة اسرائيل، تشير الأوساط المقربة من القيادة الايرانية الى ان الدرس التي تلقته اسرائيل على يد حليف ايران «حزب الله» في حربها الاخيرة على لبنان، يشكل نموذجاً مصغراً لما يمكن ان تواجهه الدولة العبرية اذا ما قررت قيادتها القيام بأي مغامرة عسكرية ضد ايران. وترى هذه الأوساط ان القصف الصاروخي الذي تعرضت له قاعدة عسكرية إسرائيلية عند أطراف غزة وأدى الى اصابة اكثر من ستين جنديا، إصابات بعضهم خطرة، ما هو الا رسالة بسيطة لتل ابيب لأن تعيد حساباتها جيدا قبل الإقدام على عمل «ستندم عليه»، خاصة ان عملية القصف هذه جاءت بعد ايام قليلة من وقوع الغارة الاسرائيلية على سوريا، حليفة ايران.
اما الدول الخليجية العربية المجاورة لايران، وبمعزل عن ارتباط معظمها بروابط اقتصادية كبيرة مع ايران (يزيد حجم الاستثمارات الايرانية في دبي وحدها عن المئة وعشرين مليار دولار)، فإنها اعجز من ان تعطي غطاءً سياسياً لاي اعتداء اميركي على ايران في ظل وقوعها كلها تحت مرمى الصواريخ الايرانية، التقليدية وغير التقليدية.
ولعل العرض العسكري الذي أقامته طهران مؤخرا في ذكرى الحرب العراقية عليها، جاء من باب الرسالة الى الجيران الأقربين من عرب وأتراك، قبل الأبعدين من أميركيين وحلفائهم الغربيين، على طريقة «أحكيك يا جارة لتسمعي يا كنة».
وكان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد واضحا جداً في خطابه امام أكاديميين وطلاب في جامعة كولومبيا الاميركية خلال زيارته الاخيرة لحضور جلسات الجمعية العامة للامم المتحدة عندما قال انه ليس لدى واشنطن امكانية للدخول في حرب ضد ايران في ظل استمرار وضعها المتخبط في العراق وافغانستان.
يقول نجاد ذلك وهو على دراية تامة بأن بلاده لم تستخدم بعد كامل نفوذها وقدراتها في دعم حرب العصابات ضد القوات الاميركية وحلفائها في هاتين الدولتين، بل هي لا تزال في طور نفي تورطها في مستنقعاتها وتبدي الكثير من التعاون «الشكلي» على الأقل فيهما.
فالرئيس الأفغاني حميد قرضاي أثنى على دور ايران في تثبيت دعائم الدولة في بلاده خلال زيارة نجاد الاخيرة الى كابول، فيما يعرف الاميركيون اكثر من غيرهم ان القوى الشيعية التي تشكل الدعامة الاساسية لحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هي حليفة لايران، وان كل ما تقوله واشنطن عن تورط طهران في دعم «الإرهابيين» في هذين البلدين، اذا كان صحيحاً، فإنه يأتي في اطار سياسة العصا والجزرة التي تنتهجها ايران في مواجهة الولايات المتحدة في الملعب الاقليمي.
وفي اطار الرد على حرب الاستنزاف الاقتصادي، تقول القيادة الايرانية بـ«يقين المؤمن» ان الشعب الايراني الذي كان جيشه مفككاً وقدراته الاقتصادية في الحضيض، استطاع ان يواجه الآلة العسكرية الضخمة لصدام حسين ومن خلفه كل دول الخليج العربي والولايات المتحدة والغرب، كما استطاع ان ينطلق في ورشة اعادة البناء ويحقق انجازات هائلة في الفترة الممتدة منذ العام 1988 (تاريخ انتهاء الحرب العراقية الايرانية)، وإنه على استعداد للمزيد من التضحيات والصمود من اجل حماية ثورته ونظامه الإسلاميين.
وفي مواجهة الشق الاقتصادي ايضا لهذه الاوضاع، لا تنفي القيادة الايرانية توجهها في إعطاء الأولوية لبناء قدراتها العسكرية، لكنها تقول ان توجهها لبناء مفاعلات نووية من اجل توليد الطاقة هو أحد الأشكال التي تعتمدها للنهوض الاقتصادي، وهي تكرر ان اهداف توجهها النووي تنحصر في شقه المدني فقط؛ اما الأشكال الاخرى للمواجهة الاقتصادية، فتقوم عبر «خطوة الى الوراء» لجهة خصخصة بعض القطاعات العامة من جهة، وفتح باب الاستثمار الخارجي مع حوافز مغرية من جهة اخرى. وفي هذا الإطار، جاءت عمليات التبديل الحكومية التي أجراها الرئيس نجاد في غير وزارة في الشهور الأخيرة.
ويقول مسؤولون في طهران ان ازمة البنزين الراهنة التي دفعت الى اعتماد نظام الحصص، ناجمة عن افتقار ايران الى وجود محطات لتكرير النفط على اراضيها ما يضطرها الى استيراد البنزين. وقد حالت الضغوط الدولية الكبيرة سابقا دون انشاء مثل تلك المحطات، لكن معالجة هذا الامر تجري الآن عبر الشروع ببناء محطتي تكرير للنفط بالتعاون مع الصين بعد تقديم مغريات كبيرة لها. ومن المقرر ان يتم انجاز هاتين المحطتين في مدى عامين على ابعد تقدير.
ان المفارقة في سياسة واشنطن وحلفائها تجاه ايران، هي ان هذه السياسة تطلب الشيء وتقع في نقيضه، فقد كان أحد أهداف مخططها الاستراتيجي في غزو افغانستان والعراق، بحسب مسؤولين ايرانيين، هو محاصرة ايران بقوات اميركية وأطلسية، لكن النتيجة جاءت ان هذه القوات أطاحت بنظامين شكلا ألد أعداء ايران وكانا الخاصرة التي نزفت منها ايران مئات آلاف القتلى ومليارات الدولارات لمواجهتهما. وهي اليوم تطالب ايران بعدم التدخل في الصراع في افغانستان والعراق، لكنها في الوقت ذاته تطلب دعم طهران في تعزيز دعائم الحكم فيهما!
اما ذروة المفارقة، فهي في مراهنة الغرب ومن خلفه واشنطن على التيار الإصلاحي في ايران، حيث جاءت ضغوطهم لتؤدي الى الاطاحة بهذا التيار وتشتيته فرقاً ومذاهب من خلال اللعبة الديموقراطية ذاتها التي جاءت به الى الحكم. وها هو التيار الإصلاحي اليوم يحاول بلسمة جراح الخسائر الفادحة التي مني بها على مدى الأعوام الأربعة الاخيرة في الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية، لكنه يجد صعوبة بالغة في توجيه اي نقد لسياسة الحكومة اليمينية المحافظة في معظم الملفات الخارجية، بدءا من الملف النووي ووصولا الى ملف مواجهة التهديدات العسكرية التي يطلقها الغرب. كما انه يجد صعوبة في انتقاد السياسة الاقتصادية لهذه الحكومة وذلك وفق منطق «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».
غير ان هذا الواقع لا يعني ان التيار الإصلاحي قد اندثر. فقواه الحية لا تزال موجودة. وقياداته، على الرغم من اختلاف الآراء في ما بينها، لا تزال تحاول استيعاب دروس الماضي لتحديد خطط تحركها للمستقبل. ومن المتوقع ان تشكل الانتخابات البرلمانية في شباط المقبل، محطة مهمة على طريق اعادة التيار الإصلاحي الى الخريطة السياسية الايرانية بعد غياب بدأ مع وصول نجاد الى الحكم قبل عامين ونيف.
وينطلق التيار الإصلاحي في حركته الجديدة من التقدم الطفيف الذي حققه في الانتخابات البلدية التي جرت قبل ستة اشهر، حيث تمكن من انتزاع مقعدين في رئاسة بلدية طهران (من اصل 15 مقعدا) ومن الحؤول دون وصول مرشح اليمين المتطرف التابع للرئيس، والمناورة في الوصول الى رئاسة هذه البلدية عبر التحالف مع يمين الوسط الذي يقوده رئيس مجلس خبراء القيادة الايرانية آية الله علي اكبر هاشمي رفسنجاني، ومع بعض أركان اليمين المتطرف المختلف مع نجاد.
ويقول احد أركان التيار الإصلاحي الذي لا يزال بزعامة الرئيس السابق محمد خاتمي «ان الانتخابات البلدية الاخيرة شكلت محطة لاستعادة أنفاسنا وبعض من معنوياتنا، وأعطت تيارنا تصوراً جديدا لكيفية الحركة في المستقبل؛ فقد ثبت لدينا ان التشتت الذي خضنا به الانتخابات الرئاسية وعدم تقديرنا السليم لقوة وحجم قوى اليمين، أديا الى الخسارة الفادحة التي منينا بها، لذلك فان خطتنا المقبلة ترتكز على حجري زاوية أساسيين، أولهما تمتين وحدتنا الداخلية، وثانيهما محاولة التوصل الى قواسم مشتركة مع قوى يمين الوسط التي يقودها رفسنجاني من دون استبعاد امكانية التحالف مع بعض قوى اليمين المتطرف، التي لسبب او لآخر، ابتعدت عن الرئيس نجاد».
قد تكون الانتخابات البرلمانية بعيدة نسبيا (حوالى ستة اشهر) وقد يبدو من السابق لأوانه التنبؤ بالخريطة التي سترسو عليها التحالفات السياسية في هذه الانتخابات، لكن معالم هذه الخارطة بدأت بالتبلور بعيدا عن الأضواء في كواليس السياسة الايرانية وصالوناتها. فهناك من حيث المبدأ، معسكران كبيران يشكلان الصورة السياسية، لكن في كل منهما ايضا موازين وأحجام وطموحات تجعل خطوط كل معسكر تضيق او تتوسع وفقا للحراك السياسي لدى الاطراف المنخرطة في كل منهما او وفقاً لقدرات القادة المتعددين في كل تيار على صياغة البرامج والتحالفات.
هذان المعسكران هما التيار اليميني الراديكالي الذي يشكل نجاد ابرز رموزه، فيما يشاركه في قيادة مجموعاته كل من رئيس بلدية طهران الحالي محمد باقر قاليباف والقائد الأسبق لقوات الحرس الثوري الاسلامي الجنرال محسن رضائي. لكن أطراف هذا التيار غير متفقة حتى الآن في ما بينها، وقد أدى تقارب قاليباف ورضائي مع التيار الإصلاحي وتيار يمين الوسط الى فوز قاليباف في رئاسة بلدية طهران، من دون ان يعني ذلك القطيعة بينهما وبين تيار الرئيس نجاد.
وفي المقابل، فإن التيار الإصلاحي أصبح تيارين يختلفان في التنظيم ويتقاربان في التوجه السياسي، احدهما يترأسه خاتمي والثاني يتزعمه رئيس البرلمان السابق الشيخ مهدي كروبي. وبين التيار الإصلاحي وتيار اليمين المتطرف، يقف الشيخ رفسنجاني على رأس تيار يمين الوسط ليشكل بيضة القبان بينهما. ونظراً للبراغماتية التي يتمتع بها رفسنجاني، فإنه يصعب التقدير الى اي من الجهتين سيضع ثقله في الانتخابات المقبلة، على الرغم من تأكيدات التيار الإصلاحي ان المفاوضات الجارية معه حتى الآن تنبئ بانه سيكون الى جانب الإصلاحيين.
ويرى الاصلاحيون ان تجربة الهزيمة القاسية التي مني بها رفسنجاني في الانتخابات الرئاسية في مواجهة نجاد، شكلت درسا له وللإصلاحيين، فهو بصفته رئيسا لـ«مجمع تشخيص مصلحة النظام» كان قد غض الطرف عن «المذبحة السياسية» التي جرت بحق التيار الإصلاحي في الانتخابات البرلمانية التي سبقت الانتخابات الرئاسية عندما منع اكثر من أربعة آلاف مرشح إصلاحي من خوض الانتخابات من بينهم اكثر من مئة نائب، ما أدى لاحقاً الى ابتعاد الإصلاحيين عنه وبالتالي الى تسهيل «ذبحه» في الانتخابات الرئاسية على الرغم من المحاولة الاستلحاقية المتأخرة التي قام بها الاصلاحيون في دعمه في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، لكن السيف سبق العزل ووقع الطرفان في منطق «أكلت حينما أكل الثور الابيض».
في ظل هذا الواقع الداخلي، تتجه ايران نحو مواجهة الاستحقاقات المقبلة، لكن الثابت في السياسة الايرانية ذلك الحراك الدائم فيها الذي يجعل من الصعب على المحللين السياسيين التنبؤ بما ستكون عليه الخريطة السياسية الداخلية خلال الانتخابات المقبلة، خاصة في ظل التهديدات الخارجية المتزايدة وضوضاء طبول الحرب التي تقرع عند أبواب طهران. وما يزيد في صعوبة ذلك أيضا، هو ان مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي، هو مهندس السياسة الداخلية والخارجية في ايران، وهو أيضا مهندس لعبة التحالفات الداخلية، يحوكها ببراعة حياكة السجاد، ويبنيها بإبداع اللوحات الفسيفسائية الايرانية.. وهذا المرشد يعيش حياة اقرب الى الزهد لكن بعيدا عن الحركة اليومية للإعلام والإعلاميين.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |