 |
-
السعودية والخليج ومتطلبات التغيير (في أجزاء ) بقلم الكاتب : ماهر العبد الله
السعودية والخليج ومتطلبات التغيير (الجزء الأول ) بقلم الكاتب : ماهر العبد الله
مقدمة :
لم يعد مستقبل العراق و تأثيراته الجذرية على المنطقة سر يخفى على وعي شعوب الدول المجاورة له و خصوصاً شعوب منطقة الخليج و إن حاولت حكومات تلك الدول أن تختزل ذلك الوعي و تخفي ذلك الواقع أملاً منها في تخفيف ما قد ينجم عن هذا الوعي في المستقبل القريب إذا ما أستقر العراق. و يُعد الخليج عموماً و السعودية خصوصاً المتأثر الأكبر من تغيير الأوضاع السياسية في العراق. فدول الخليج عموماً و السعودية خصوصاً تعيش مآزق موضوعية و جدلية في داخل مجتمعاتها لطبيعة تأسيس هذه الدول و ظروف نشأتها.
فالدول العربية بشكل عام و المحيطة بالعراق بشكل خاص ترى في ولوج عراق جديد قلب لتوازنات سياسية و إقليمية قد تفضي لتقويض هيكلة هذه الدول داخلياً و خارجياً, و قد لا يكون هذا غريباً جداً على واقع الشرق الأوسط الذي دفع بقضية فلسطين بشقيها الديني و القومي ليدخل العالم العربي في غيبوبة عن قضاياه الداخلية و تطلعاته المستقبلية. فالدول العربية و الإسلامية على حد سواء تحمل ملفات سياسية عديدة, فهناك غالبية تحكم أقلية عرقيةً أو دينيةً لتمتص خيراتها على هذا الأساس, فنجد أن السودان بحكوماتها الإسلامية تحلب خيرات الأراضي المسيحية في الجنوب و في نفس الوقت تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية يُحرموا من أبسط حقوقهم السياسية و المدنية و تتعامل مع الإنفصاليين الجنوبيين بشكل عنيف, و يشترك مع هذا الفريق من الدول السعودية الوهابية في طريقة معاملة رعاياها الشيعة و الذين يمثلون غالبية المنطقة الشرقية و إيران الشيعية في تعاملها مع الأكراد السنة في غربها و تركيا العلمانية مع الأكراد في جنوبها و سوريا القومية العربية مع الأكراد في شرقها و كل هذه الأقليات الدينية أو العرقية أو الاثنين معاً تعيش في مناطق غنية بالثروات الطبيعية. و هناك دول تكونت منظومتها على أساس أن الأقلية تحكم الغالبية التي تعيش في مناطق الثروة كما هو الحال مع العراق حيث الحكم السابق بعثي (قومي عربي- سني) يمتص خيرات الشيعة (الغير سنة من الجنوب) و خيرات الأكراد (الغير عرب) من الشمال و يدخل في هذا الفريق البحرين الوهابية سياسياً.
و في كل المحيط العربي, لا يُسمح للمواطن العربي أن يفتح مجلة أو جريدة بدون إذن رسمي من الحكومة و التي بدورها لن تعطي هذا المواطن ذلك الإذن إلا إذا كان الأخير موالياً سياسياً لحكومته (و ليس لدولته) و الدولة العربية الوحيدة حالياً التي يمكن فيها فتح صحيفة أو مجلة من دون إذن مسبق هي العراق و التي لا يشاركها أحد في هذه الحرية في دول الشرق الأوسط .
و الغريب أن الدول تسمح للمواطن العربي أن يعلن موقفه الإقليمي لأنه يصب في صالحها السياسي فله أن يعبر عن رأيه في أمريكا و إسرائيل كيفما يشاء و لكن ما أن يبدأ الكلام حول حقوقه و مطالبته بالديمقراطية أو تغيير النظام السياسي حتى تُقمع المظاهرة بأكملها.
و الحال في السعودية أسوء بكثير إذ يُمنع حتى مجرد خروج مظاهرات على إطلاقها سواء أكانت مؤيدة للدولة أو معارضة لها كما عبر عن ذلك الأمير نايف وزير الخارجية بنفسه, فالقضية في دولة آل سعود ليست منع تجاوز حاجز التعبير عن الرأي سلبياً أم إيجابياً و إنما القضية هنا ثقافة المعارضة نفسها.
و غالباً ما يكون تبرير الأنظمة العربية لهذه الحالة هو إنها في حالة حرب مع إسرائيل و هو ما يثير سخرية الغرب بالمواطن العربي الذي عبروا عنه مراراً بأنه إنسان ساذج و متلقي صرف حيال قراءة الواقع الخارجي سياسياً و تاريخياً, فإسرائيل لم تلغي الإنتخابات و لم تدمج السلطات الثلاث لتلغي الديمقراطية أو قامت بتقييد حرية الصحافة مع أنها نظرياً ليست في حالة حرب مع دولة واحدة و إنما مع جميع الدول العربية. و قد مضى الآن 50 عاماً على إحتلال إسرائيل و كل ما حدث هو أن حقوق العرب ضاعت و أنتهكت و تخلفوا عن باقي الأمم ليتفقوا في النهاية على ضرورة التطبيع الكامل مع إسرائيل و هو ما كان يُعتبر حلماً إسرائيلياً في سنة 1948م و لكن الأغرب من كل هذا هو من يرى أن الديمقراطية مجرد لعبة و مؤامرة يهودية غربية صُنعت لإضعاف العالم الإسلامي و العربي و تقويضه و على هذا المعنى فإن اليهود و الغرب صنعوا السم ثم شربوه.
دول الخليج:
يتفق الباحثين و المفكرين الغربيين و العرب على أن الأساس الفكري و الأيدلوجي الذي قامت عليه دول الخليج بشكل خاص هو عشائري بدوي صرف و هو ما يُسحب على سياستها الخارجية أو الداخلية أو طريقة إدارة الدولة أو تركيع الأراضي التابعة لها. فالقبيلة هي عبارة عن مليشيا عسكرية تكن ولاء كامل لشيخ القبيلة الذي يُعتبر المؤسس لها أي دخول عامل الدم و العصبية فلا ولاء لها لأرض معينة أو منطقة معينة و إنما تتحرك بحثاً عن العشب و الكلأ أو قطع الطرق و مهاجمة الحضر. و إذا ما سيطرت القبيلة على منطقة ما فإنها تعقد حالاً حلف عسكري و إقتصادي مع القبائل المجاورة تكون أساس السياسة الخارجية لها و العلاقات العامة و كلها تقوم على أساس كلمة الولاء و الثقة. أما في إدارة الأراضي فإن شيخ القبيلة يرغب دائما في إدارة كل شيء بيده مباشرة عن طريق تعيين أفراد قبيلته و الذين يراجعونه في كل شيء يقومون به منطلقين من مبدأ الولاء له. و لعل السعودية كمثال واضح نجدها الدولة الوحيدة في الأرض التي يُسقط فيها إسم الدولة على إسم الإسرة الحاكمة (آل سعود) و ليس الأرض, و هذه الدولة كانت مصدر و منطلق العنف القبلي في المنطقة على مستوى عالي و الملهم له فكرياً و إيديلوجياً في التاريخ الحديث.
و على كلاً فإن هذا الواقع كان هو المحرك لكل منظومة دول الخليج و العقلية الحاكمة فيه, فدول الخليج في الواقع و إن تعددت أنظمتها من ملكية أو أميرية أو إتحادية أو برلمانية قامت على أساس العنف و القهر العسكري لإخضاع الأراضي لحكم شيخ القبيلة ليصبح فيما بعد الحاكم المطلق لهذه الدولة. و أفراد العائلة الحاكمة يقبضون بأيديهم على كل شيء من المناصب الوزارية التنفيذية و السياسية العليا و أجهزة الإستخبارات و الجيش و الحرس الوطني و بل وصل الحال في دولة البحرين لقبضهم حتى على منصب مدير الجامعة. كما أنهم يقسمون رعاياهم لطبقات يكون اساسها مناطقي في بعض دول الخليج أو ديني في بعضها الآخر.
و السبب في ذلك هو أنه كان على بعض هذه القبائل (كالسعودية و البحرين و قطر و عمان) أن تتجاوز الحاجز الديني الذي يُحرم مهاجمة المسلمين و يأمر بحفظ أموالهم و دمائهم, و من هنا كان على هذه القبائل أن تجد دين آخر أو مذهب يمكنها و يبرر لها تجاوز هذا الحاجز. فبرز المذهب الوهابي كفرصة مواتية تتيح لهم تركيع الأراضي الخصبة و الشاسعة من شبه الجزيرة العربية. فالوهابية لها جاذبية خاصة في قلوب البدو لأنها تتناسب بشكل كبير مع نفسيته المتوحشة و الخشنة و رغبته القديمة في الغزو و قتال الآخرين من جهة و لا تعترف بالأخوة مع باقي المسلمين من جهة أخرى. فكان الشكل الدموي هو السائد في تاريخ هذه الحركة لهذا وجدت فيهم قبيلة آل سعود حليفا قويا و تقليدي لتأسيس ثلاث دول سعودية متتالية أكتسحت مناطق شاسعة و صلت للنجف و كربلاء و الأردن شمالاً و اليمن جنوباً و قطر و عمان شرقاً و الحجاز غرباً في أيام الدولة السعودية الثانية.
و لم تكن الوهابية هي الوحيدة التي تحالفت معها القبائل في التاريخ الخليجي بل أننا نجد أن الأباضية و التي تلبي نفس المطالب و توفرها كان لها وقعها في التاريخ الخليجي إذ هاجم العمانيين البحرين و سيطروا عليها ردحاً من الزمان قبل غزو آل خليفة لها بالمذهب الوهابي.
البداوة الحديثة في الداخل:
بعد إكتشاف المخزون النفطي العالي في أراضي دول الخليج تحولت هذه الدول من الحكم القبلي التقليدي الى حكم بدوي حديث. فأفراد القبيلة الذين كانوا مجرد إداريين في الخيمة و مجلس الشيخ أصبحوا الآن وزراء و أمراء في قصر الحكم و قاعة الإستقبال الملكي و أصبح النهب المرتجل نهب منظم و مقنن على أعقاب تشكيل الدولة الحديثة فتنظيمات الدولة و سياستها تُرتب من قِبل شيخ الدولة حيث يتولى أبنائه (المواليين لنظام القبيلة و الشيخ) مهمة التنفيذ بشكل مباشر. و يذهب جزء معلوم و ثابت من أموال النفط لجيوب أفراد الأسرة الحاكمة وحدها. أما الباقي فأن الأمراء و لهم اليد الطولى في الدولة يقتسمونه مع رعاياهم.
إلا أن أهم سر في نجاح إستقرار الداخل كان يكمن في إن الحكومة القائمة على أساس مناطقي – ديني قامت بربط مصالح و معيشة طبقة ما من الشعب بمصالح القلبية بشكل مباشر. ففي السعودية مثلاً قامت آل سعود بربط منطقة نجد و النجديين مصيرياً بها لتخلق منهم ترس بشري يكن ولاء مصيري لهم على أساسين عقدي و إقتصادي. فقد حرصت الدولة على توفير أرقى و أعلى مستويات الخدمات المدنية و البنى العمرانية لمناطق الوسط (المرافق الصحية, المراكز التعليمية, المياه, المراكز الإدارية و السياسية العليا, و الإقتصادية) و بالتالي فإن أي حركة قد يبديها الشيعة في الشرقية ستتم مواجهتها بشكل مشترك من قِبل الحكومة جنباً إلى جنب مع النجديين أنفسهم حتى لو كان هناك خلاف سياسي بين النجديين و آل سعود أو قصور إقتصادي كإنتشار الفقر و البطالة فيهم, فالجميع يدرك بأنهم في خندق واحد . بينما ينظر لهم الشيعة و أهالي المنطقة الشرقية على أساس كونهم مجموعتين من اللصوص يشتركون في جريمة واحدة و كل ما في الأمر أن إحدى المجموعتين تطالب الأخرى بمشاركة سياسية أو إقتصادية أكبر و هذا جانب أما الجانب الآخر فإن العداء الكلاسيكي القديم بين الوهابية و الشيعة و بين البدو و الحضر و إختلاف عادات و تقاليد الطرفين بشكل كبير يزيل فرص التعايش أو الإندماج تماماً بين الطرفين و هي ورقة يمكن للدولة أن تذكيها في أي وقت. فالوهابية ترى الشيعة مشركين و بالتالي لا يمكن التسامح معهم بينما ينظر النجدي بالذات بأنه فوق الباقي. و لذا فإن صدور قرار ملكي سنة 2000 يحدد بموجبه نسبة دخول غير النجدين في الجيش و التي حددها بنسبة 35% ليكون الباقي 65% من الجيش نجدي لم يكن غريباً على الأوساط السياسية الملمة بطريقة تشكيل الدولة. و لم يكن أمراً غوغائياً أن لا يحظى الشيعة بمناصب رفيعة سواء كانت مناصب مدنية أو سياسية أو عسكرية.
و كذا الحال بالنسبة للمنطقة الغربية, فعلى الرغم من عدم تسلمهم مناصب تأثيرية في الوزارات التنفيذية إلا إن الحكومة دخلت معهم في توازن مشروط مع توفير خدمات عالية مجلوبة من المنطقة الشرقية أيضاً, و بهذا أدخلوهم في شراكة معهم. فهم يحتلون مناصب عليا في الوزارات الفرعية التشريفية كوزارة المالية و التعليم, بالإضافة لمد مناطقهم بثروات المنطقة الشرقية و دستور خاص. و بالمقابل تتحصل الدولة على مركز هام (مكة و المدينة) لتوطين سياستها و هيمنتها داخلياً و خارجياً و خلق شرعية دينية للدولة و هي شرعية أقوى من كل الشرعيات الأخرى. من هنا فإن الدولة تحارب و بشكل شرس أي توجه إسلامي لعزل مكة و المدينة و وضعها ضمن وصاية الدول الإسلامية. و قد ساعد قربهم الديني (كونهم أشاعرة سنة تغلغلت فيهم الوهابية فيما بعد) من إطمئنان قبيلة آل سعود لهم. و بهذا لا نستغرب أن يكون وزير النفط و الطاقة السعودي من جدة (المنطقة الغربية) (وزير النفط السابق محمد زكي يماني ) و ليس من المنطقة الشرقية و هو ما يناقض و يضرب بكل الأسس المنطقية التي تقوم عليها الدول.
و قد رأت الدولة في بدايات تكوينها في أهالي المنطقة الشرقية من الشيعة بالذات أرض خصبة لطبقة العمال الكادحة, فهم في الأصل مزارعين و بحارة أعتادوا الإستقرار في الأرض على عكس سكان نجد البدو و هذا كفيل بجعلهم مادة جيدة للأعمال الشاقة و الروتينية في الشركات الكبرى (خاصة في مرحلة تأسيس الدولة و إعمارها) و يمكن القول بأن هذا الأمر قد لعب دوراً كبيراً في إبقاء الدولة على حياتهم. فقد كانت مطامع بريطانيا واضحة في المنطقة و قد خشى عبد العزيز أن يوفر تصادمه الديني معهم مناخ مناسب لدخول بريطانيا في المنطقة الشرقية مما دعاه لتعامل معهم بشكل يختلف عن طريقة تعامله مع باقي الشيعة. ألا أنه و بعد إستقرار الدولة و تمدن البدو على مضض ظهر و بشكل جلي إستثنائهم حتى من العمل في الشركات الكبرى ثم تبعها تقليص الحرية الدينية للشيعة و إلغاء صلاحيات واسعة في محاكمهم الخاصة و تطبيق عقوبات صارمة في حقهم تبعه جلب أعداد غفيرة من نجد و الجنوب و توطينهم في المنطقة الشرقية و الإهمال المتعمد عن قضية تفشي مرض فقر الدم في عملية هي الأشبه بالتذويب أو التهجير العكسي. ألا أن قرب الشيعة من المناطق النفطية شكلت درعاً منع دخول الحكومة في عمليات مجازفة مع الشيعة.
و لكن هذا لم يمنع الدولة خصوصاً مع قيام الثورة الإيرانية بعد سقوط نظام الشاه من العمل بشكل منظم على إجهاض القوى الفكرية و العلمية و السياسية في المنطقة عن طريق توجيه ضربات إقتصادية حادة للكيان الشيعي تارة و تارة أخرى عن طريق التصادم المذهبي معهم في عملية كمش الأهداف السياسة الشيعية و تحويلها لأهداف مذهبية بسيطة شغلتهم و بل حالت دون تطلعهم السياسي (كالمحافظة على رفع الآذان الشيعي, الصلاة على التربة, لبس العمائم, القرائات الحسينية, ممارسة الشعائر الحسينية, منع بناء المساجد و الحسينيات, ألخ) و قد ظهرت نتائجها بشكل واضح و ناجح في آواخر الثمانينيات.
لقد أدى كل هذا لكسر الكيان الشيعي و من ثم تحويله لتشرذم يسهل إيقاع الشيعة في إنشقاقات طبقية و فكرية و دينية و إجتماعية. و الحال السيء الذي وصل إليه الشيعة يمكن ملاحظته بالإنخفاض الواضح الذي سجلوه في مستوى التنمية البشرية و الهبوط الحاد في مستواهم العلمي العام, كما يمكن ملاحظة ظواهر و أمراض اجتماعية عديدة فيهم كارتفاع نسبة البطالة و الفقر في مجتمعاتهم, إتساع الهوة بين الطبقة الثرية و الفقيرة, غياب أبناء العوائل و الأسر الثرية عن الهم العام, طغيانهم في الشركات كأيدي عاملة رخيصة أو أخذ مكان الأيدي العاملة الأجنبية, كما يملئ الشيعة مقاعد المعاهد و الكليات المانحة للدبلوم و هي إشارة خطيرة للقدرات المستقبلية القادمة, دخولهم بشكل مطرد في الأعمال الحرة ذات الدخل البسيط كالعمل في محلات الهاتف و البقالة و المتاجر الصغيرة أو البيع المتنقل. و قد ساعدت عقيدة التقية عند الشيعة على تكريس حالة من القبول و الرضى النفسي هذا كما أثر إرتباط الشيعة المبالغ فيه برجال الدين و هم بالعادة لا يملكون أية خبرة أو تحصيل علمي في العلوم السياسية و الإجتماعية يمكنهم من قيادة الشيعة في هذه الأوضاع بالإضافة لإقصائهم و تغييبهم لطبقة المثقفين عن الساحة أوقع المجتمع الشيعي و خاصة أبناء العائلات الفقيرة و المتوسطة ضحية للخطابات الدينية و الإجتماعية المتخلفة أو الغير واعية و التي تصب في ترك الدنيا و التوجه نحو الآخرة و إبراز عامل الغيب في حل المشاكل, فترى الكثير من الخطباء ينقلون مئات القصص و الحكايات الصوفية و التي تحكي عن تدخل الإعجاز الغيبي أو الكرامة الإلهية في حل مشاكل المؤمنين و فقرهم و إزالة بؤسهم كقصص "الشدة بعد الفرج" و غيرها. و هذه الخطابات طبعاً يرى فيها المستمعين سلوى تتلاقى مع نفسيتهم من أبناء الطبقات الوسطى و الفقيرة و غير المثقفة و جاذبية خاصة عندهم فهي تصبرهم و في نفس الوقت تُلقي عن ظهورهم عبء إيجاد حلول لمشاكلهم أو البحث عنها.
كما غاب دور رجال الأعمال و أثرياء المنطقة عن خط المواجهة ربما نتيجة الحملة المنظمة على العقل السياسي و الإقتصادي الشيعي فخلقت ظاهرة رأس المال الجبان و توجه أغلب أثرياء الشيعة نحو مشاريع إقتصادية خجولة كانت تصب أغلبها في خندق إنشاء مشاريع تجارية صغيرة و مرتجلة غير هادفة أو طموحة, أو الدخول في المشاريع ذات الربح الإقطاعي البحت كإنشاء العمارات السكنية و المجمعات التجارية أو الدخول في سوق العقارات مما أثر بشكل كبير و حاد في تكوين قوى إقتصادية ناشئة لأنها عملت على إجهاد الشباب مادياً و خصوصاً مع الإرتفاع الحاد في أسعار الأراضي السكنية و الآجار و أسعار الأراضي السكنية و كما أدى لوجود صراع متبادل و إن كان بشكل غير مباشر و واضح بين الطبقتين. و هذا أدى لتدهور العقل الشيعي و تواضعه من جهة و أيجاد حاجز نفسي حاد ضد أي تفكير أو تطلع سياسي و نفور من مجرد الدخول في مثل هذه القضايا ألا أن أنه في نفس الوقت أوجد نوع من البديهة السياسية و المسلمات في العقل الشيعي الرغم من بساطتها أدت لزرع نواة معارضة سياسية لا يكاد يخلو منها أحد.
-للحديث تتمة في الجزء القادم-
ارجو نشر هذا المقالات مع جزيل الشرك وسوف اقوم بأرسال الاجزاء الاحقه تباعاً
تحياتي
ماهر العبد الله
-
مرحبا أخي قطيفي متابع وأنتظر البقيه . أخوك من نجران
دمت بود
ناديت همدان والأبواب مغلقةن...ومثل همدان سنا فتحة البابي...كالهندواني لم تفلل مضاربه... وجهه جميل وقلب غير وجابي...من أقوال سيدنا علي بن أبي طالب في قبيلة همدان بعد معركة صفين ....علي بن أبي طالب فتى بني غالب ...علي بن أبي طالب فتى بني غالب...علي بن أبي طالب فتى بني غالب...
-
السعودية والخليج ومتطلبات التغيير (الجزء الثاني ) بقلم الكاتب : ماهر العبد الله
البحرين كتابع للسعودية :
و تبرز هنا البحرين تحت حكم آل خليفة كدولة تابعة للسعودية سياسياًً. و البحرين قد وقعت في أحضان السعودية منذ سنين خلت منذ 30 عاماً عندما قررت السعودية أن تمد البحرين بحوالي 30 ألف برميل نفط من حقل النفط (أبو سعفة) لدعم الموازنة البحرينية و هو حقل يقع في المياه الإقليمية بين البحرين و السعودية حيث تعطي السعودية البحرين ثلثي إنتاجه. و لكن هذا الدعم لم يغطى عجز البحرين و لا دفع بعجلة الإقتصاد البحريني للأمام. كما أدى لإنفجار المشكلة الحدودية بين قطر و البحرين لزيادة موازنة الدفاع لقفزة كبيرة حيث تحول الرقم إلى 100 مليون دينار بحريني (مليار ريال سعودي). مما أدى لوقوع البحرين تحت ضغط إقتصادي جديد و أوقعها تحت القبضة السعودية بشكل دائم.
و أهمية البحرين بالنسبة للسعودية تكمن في جعلها منفذ للتنفيس عن الضغط الديني في السعودية و مخبر تجارب سياسية و مجسات سعودية للنبض الشعبي الشيعي. فالبحرين بغالبيتها الشيعية خلقت للحكومة السعودية المبرر الكافي للرأي العام الوهابي لعدم التدخل في قضايا الفساد الأخلاقي في البحرين فساعدت بذلك على إمتصاص الضغط الإجتماعي الشيعي. و قد حاولت حكومة البحرين أن تحاكي النموذج السعودي في قمع الشيعة و تذويبهم لتثبيت حكمهم. فعملت بطريقة مشابهة لأسرة آل سعود في تحويل البحرين من النموذج العراقي إلى النموذج السعودي, فآل خليفة سيطرت و نهبت أراضي و مزارع و مناطق شاسعة, كما أنها تعيش في مناطق السنية و هي الأقلية الدينية في البحرين و التي تتمتع بحالة عمرانية و خدمات مدنية عالية على حساب المناطق الشيعية. و الأمراء و أبنائهم يسيطرون على مجمل المناصب التنفيذية العليا وصولاً لمنصب مدير الجامعة. و في محاولتهم لسعودة البحرين, قامت الحكومة البحرينية بتجنيس أعداد هائلة جداً من السنة (مصريين, أردنيين, إيرانيين, فلسطينيين, هنود, باكستانين, سعوديين) و في خلال عامي 2001 و 2003 تم تجنيس أكثر من 200,000 ألف سني في البحرين ليقابلوا نصف مليون شيعي.
فمع بداية الثورة الإيرانية ضغطت و شجعت السعودية البحرين على إبعاد الشيعة عن الحياة السياسية و الإقتصادية و عدم إشراكهم في القطاعات الأمنية و العسكرية, و بدأت العمل معها بشكل دؤوب على تغيير الديموغرافية الشيعية. و مع أن الثورة الإيرانية قد توقف تصديرها, فإن تصدير الوباء السعودي لم يتوقف و أستمر.
البداوة في الخارج:
الشئون الخارجية كانت هي الأخرى تقع في نفس نسق و سياسات القبيلة, فدول الخليج كانت تعلم أن ثرواتها النفطية ستجعلها محط أنظار العالم و مطامعهم. فكانت في حركتها السياسية أشبه برقاص الساعة متجهة لعملاقين الخليج إيران و العراق تارة و عملاق أفريقيا مصر تارة أخرى. فدول الخليج محاطة بدول لها وزن حضاري و تاريخي في المنطقة لا يمكن تجاوزه بأعدادها السكانية القليلة و المتخلفة علمياً و عسكرياً. فاليمن مثلاً يتجاوز في تعداد سكانه مجموع تعداد سكان الخليج بمرتين و لا يمكن تجاوز مصر بثقلها العربي الكبير أو العراق بثرائه النفطي و قوة جيشه و تعداد سكانه و حضاراته المتعددة. و هناك إيران الدولة الشيعية الموالية لأمريكا(في زمن حكم الشاه) و التي كانت تستطيع أن تدخل في حرب مع دول المنطقة مجتمعة و تطويها لصالحها بسبب تفوقها العسكري و العلمي الذي يفوق بعشرات السنين العراق نفسه.
ألا أنه بعد توقيع مصر لإتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل و طردها من جامعة الدول العربية من قبل العراق في سنة 1979 م ثم دخول العراق في حرب مع إيران سنة 1980م خلق فرصة ذهبية لا تتكرر للسعودية لتصبح المهيمن الجديد على الدول العربية و الإسلامية على الطراز البدوي مستغلة في ذلك حلفها الإستراتيجي و الديني مع الولايات المتحدة و الحلف الأطلسي بعد غياب إيران من الساحة. إذ إنتقلت العلاقة السعودية الأمريكية من علاقة تبادل المصالح بين البلدين لعلاقة الحلف الإستراتيجي و اللوجستي, استعملت السعودية العصا الأميركية في ممارسة دورها الأبوي وفرض توجهاتها السياسية على شقيقاتها الصغرى في منطقة الخليج العربي. و امتد النفوذ السعودي لأخذ دور فاعل في رسم السياسة العربية ليصل إلى باكستان وأفغانستان، مشكلة بذلك قاعدة دعم متقدمة للولايات المتحدة التي لعبت دور الحارس للسعودية من أي أخطار خارجية قد تهدد أمنها(بالذات في صراعها مع الأتحاد السوفتي فترة الحرب البارده)، وقد اتسمت تلك العلاقات بالرسوخ والتميز.
و قد أنفقت الدولة ميزانية هائلة للهيمنة السعودية الجديدة, منها تدعيم القطاع العسكري بالدرجة الأولى (أكثر من 1,6 ترليون دولار صُرف في هذا القطاع و هي أكبر دولة في مجال التسلح في الشرق الأوسط بعد إسرائيل) كما قامت بالسيطرة على وسائل الإعلام العربية و دخولها أو التأثير فيها خصوصاً بعد حرب الخليج الثانية عن طريق إدخال الرأسمال السعودي فيها, أو إنشاء صحف و مجلات و إذاعات جديدة ترفيهية و إخبارية و دينية, و شراء ولائات و ذمم عدد هائل جداً من الكتاب و الإعلاميين و أصحاب المدارس الفكرية حتى صار الإعلام السعودي إمبراطورية هائلة و متشابكة يصعب فكها. كما أنها قامت بقيادة الخط الديني السني فرصدت ثالث أكبر ميزانية في الدولة في هذا المجال عن طريق ضخ المال السعودي لإنشاء المدارس الإسلامية و العامة و المساجد و جمعيات الدعوة الإسلامية حول العالم و دعم الحركات الوهابية في الدول العربية (بناء حوالي 1700 مسجد حول العالم تصل تكلفة بعضها لـ 35 مليون دولار), كما أنفقت أموالاً طائلة لشراء ولاء الدول المجاورة (أكثر من 670 مليار دولار هو مجموع الأموال المنفقة على الدول العربية).
فغياب الدول التاريخية (مصر, إيران, العراق) عن الساحة العربية و الإسلامية مع دعم أمريكا المطلق للدولة السعودية لوقف تصدير الثورة الإيرانية و الشيوعية في المنطقة سهل التحرك السعودي حول العالم و قوى الحركات الوهابية في الدول العربية و الإسلامية.
الهيمنة السعودية و دول الجوار:
لقد تمكنت الدولة من تحقيق قوة سياسية هائلة على الأسس الإقتصادية لا العسكرية, فرؤوس الأموال الخليجية أصبحت عابرة للقارات و الدول و أصبحت الكثير من المشاريع و البنوك مرهونة برؤوس الأموال السعودية. و لعل المواطن العربي يدرك مدى هذا الدور السياسي القائم على القاعدة الإقتصادية, كما حدث في باكستان على سبيل المثال حيث كانت السعودية أول محطة للرئيس الجديد "برويز مشرف" لخلع الشرعية عليه ثم توجه لواشنطن بعد ذلك, كما أن قرار عقد الجامعة العربية أو المؤتمر الإسلامي لا يتم إلا بعد مشاورة السعودية فيه كدولة إسلامية و عربية كبرى.
أما من ناحية ثقل السعودية في منطقة الخليج فيكفي القول بأن السعودية تشكل 70% من إجمالي السوق الخليجية لأي منتج (ياباني أوروبي أو أمريكي), و أن المنتجات السعودية تشكل أكثر من 85% من إجمالي المنتجات الخليجية الصناعية (البلاستك, المواد الصحية, الأجهزة الكهربائية الخ...) و المنتجات الزراعية و الإستهلاكية و الغذائية. كل هذا جعل آل سعود في الرياض يتمتعون بواحدة من أقوى القوى المركزية في العالم, تتفاعل و تتحرك بعدة محركات قوية إستطاع أن يغيب الغضب العربي مع أنها لعبت دور شيه معدوم حيال الأزمة الفلسطينية و مكنها الإقتصاد من تركيع الكثير من المقاومين لها.
و للحفاظ على هذه الهيمنة عملت الدولة على إزالة و قمع أي تهديد لهيمنتها في المنطقة. فقد كانت الدولة تعارض سياسياً و بشدة إندماج اليمنيين و توحدهما في دولة واحدة. و عملت الحكومة السعودية و إستخباراتها على إذكاء العداء بين قبائل اليمنية المتحاربة و دعمها بالسلاح و المال. كما عملت على توتير العلاقات بين أمريكا و اليمن لعلم آل سعود بأن اليمن يحتوى على حقول نفط و إحتياطي هائل جداً. فإندماج اليمن و تحسن علاقاته بالولايات المتحدة الأمريكية يعني قيام دولة بتعداد 40 مليون نسمة لها مطالب تاريخية بأراضي قهرتها الدولة السعودية. و أيضاً حرصت السعودية على توتير العلاقات أو إبقاء التوتر قائم بين إيران و أوروبا بشكل عام و أمريكا بشكل خاص. و بهذا ضمنت السعودية توازن عسكري – سياسي نوعي مع إيران و كذلك الحال في العراق. و لعل إصرار السعودية على إقحام الشيعة في تفجير الخبر 1996 م هو مثال واضح فقد كان وراءه ثلاثة أهداف: أنها بلصق التفجيرات بالشيعة تعطي إنطابعاً لدى الأمريكيين أن المنفذين في الواقع هم مجرد أقلية دينية متشددة معروفة بالكراهية لأمريكا و ما هم إلا إمتداد لقوى إيران و لا تمثل رأي الشعب السعودي و الهدف الثاني كان لإدخال إيران على الخط و العمل على رفع حالة التوتر بين البلدين و بالتالي تعزيز دور السعودية في المنطقة كمجابه عنيد لإيران و الهدف الثالث تشجيع و دعم فكرة إبقاء العراق بعيد عن الغالبية الشيعية مستقبلياً.
ألا أن الولايات المتحدة رفضت نتائج التحقيقات السعودية و برئت المحكمة الأمريكية "هاني الصائغ" المتهم الرئيسي في هذه الأحداث مع إصرار أكثر من محلل سياسي أمريكي على براءة الشيعة من هذه التهمة مستدلين على أمور عدة أهمها ما أعقب هجوم الخبر من سلسلة هجمات في الداخل السعودي و الخارج تحمل نفس البصمات و تثبت تورط الوهابية فيه. كما أنه السياق الزمني الذي جاء التفجير بشكل يمكن وضعه مع سياق المرحلة, إذ جاء بعد تهديدات و معارضة الواهبية الواسعة لتواجد اليهود و النصارى على أراضي شبه الجزيرة العربية أبان حرب تحرير الكويت. و هو السبب الرئيسي وراء مطالبة أمريكا بفتح التحقيق أكثر من مرة في تفجيرات الخبر و تسليم القضية لمباحث الفدرالية الأمريكية الـ Fbi وقد رفضت السلطات السعودية أن تشرك المباحث الفدرالية الأميركية بالتحقيقات أو استجواب المتهمين، وهو ما أثار استياء السلطات الأميركية.
- للحديث تتمة في الجزء القادم -
-
السعودية والخليج ومتطلبات التغيير «3»
ماهر العبد الله * - 11 / 10 / 2007م - 1:36 م
حرب الخليج الثانية - سقوط ورقة التوت:
تُعد حرب الخليج الثانية من أهم الإنقلابات السياسية في التاريخ العربي الحديث وثاني أكبر صدمة للعقل القومي العربي بعد هزيمة العرب في حرب أكتوبر 73م وتوقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل. فقد أستيقظ العرب على وقع هجوم عسكري على دولة عربية, ولعل الصدمة ستكون أخف لو كانت هذه الهجمة العسكرية قادمة من إيران «الفارسية التوسعية والمعادية تاريخياً للعرب!» لا من العراق «حامي البوابة العربية وسيفهم البتار». وجل الصراع «العربي – العربي» كان رفض الكويت والسعودية إعطاء صدام حسين تعويضات عن الحرب التي خاضها بالوكالة عن دول الخليج مع إيران. فما كان من صدام إلا أن هجم على الكويت معلناً أن مطالبته بالتعويضات لا تعد شيئاً أمام حق العراق التاريخي والقومي في ضم الكويت للدولة العراقية مشيراً للخرائط البريطانية في عهد الإستعمار. وكان هدف صدام حسين المعلن هو توزيع الثروة النفطية وإخراجها من أيدي المتخلفين البدو الذين بددوها دون جدوى بينما قبعت الحاضرات العربية بمفكريها وسياسيها ومثقفيها في الفقر. وكانت المفاجئة الكبرى أن رأى العرب في صدام بطله القومي الحقيقي وكسر للهيمنة البدوية التي قادت المنطقة للدمار الشامل, فلاقى تأييد شعبي واسع وتعاطف رسمي من اليمن ومصر والأردن وياسر عرفات والسودان وليبيا وهي ذات الدول التي رفضت إدخال القوات الأمريكية للمنطقة.
وهذا الواقع أنعكس على الشارع الخليجي بشكل راديكالي, إذ أدركوا أنهم متعرضون لمطامع عربية فضلاً عن المطامع العالمية. مما جعل نفسية الكويتي بالذات تنكفئ عن قضايا العرب بما فيها فلسطين وصار المواطن الخليجي يتسائل عن هويته. كما ثبت للخليجيين عامة الوجه الحقيقي لهذه الأسر الحاكمة, فكأي قبيلة بدوية, فإن أسرة آل الصباح والتي حكمت الكويت منذ عام 1771 م هربت من البلاد بعد عدة ساعات من دخول أول جندي عراقي للحدود الكويتية وهو ما لم يفعله صدام حسين نفسه في حرب الخليج الثالثة. وقد سعى بعض الشخصيات والمثقفين العرب في إيجاد حل للحرب العراقية منها ما صرح به يوسف ندا منسق العلاقات العامة بين جماعة الإخوان المسلمين وإيران في برنامج شاهد على العصر في قناة الجزيرة, حيث صرح بأنه قدم مشروع لدول الخليج يقوم على أساس إستدعاء قوات إسلامية لإخراج العراقيين من الكويت, وبحسب المشروع فإن الجيش يتكون بشكل رئيسي من ليبيا وإيران وإندونيسيا ويكون دخولها رمزي حيث ينسحب صدام حسين من الكويت بعد أن توافق الحكومة الكويتية على إعادة الدستور المعطل لحفظ ماء وجه العراق السياسي ألا أن هذا الإقتراح تم رفضه بشكل قاطع من قِبل دول الخليج.
فقد رأت دول الخليج بأن ما يجمعها مع الولايات المتحدة من مصالح شتى إقتصادية وإستراتيجية يجعل من الجيش الأمريكي أقرب للثقة من الجيوش العربية المتهمين بالولاء لصدام حسين والطمع في ثروات المنطقة. وبهذا قرار شيخ الدولة السعودية الملك فهد بأن يسمح بدخول القوات الأمريكية للخليج ويبيح إستعمال أراضي الدولة مدشناً موقفه بفتوى من "ابن باز" المفتي الرسمي للدولة ليخرق إحدى مسلمات الفقه السني متجاوزاً الموقف الوهابي مفاجئاً في ذلك الأوساط الإسلامية كافة التي شملت كل التيارات بإستثناء المعارضات الشيعية بسبب تحررها القديم من الإعلام العربي الرسمي.
بعد نهاية الحرب وتحرير الكويت, رفض الكويتيين أنفسهم وخاصة الذين بقوا وقاتلوا العراقيين في الكويت وغالبيتهم من الشيعة عودة أسرة آل الصباح للحكم بعد مهزلة هروبهم المشين. وهذا حدا بأسرة آل الصباح أن تجمع عدد كبير من الكويتيين في جدة لينادوا ويطالبوا بعودة آل الصباح للحكم في أعقاب مؤتمر بجدة. ألا أن الصوت الكويتي الداخلي تلاقى مع صوت أمريكي في الخارج والذين خرجوا في مظاهرات منددين بدخول القوات الأمريكية وتحرير الكويت لإعادة ما وصفوه بأسرة بدوية ديكتاتورية ومستبدة متخلفة تعيش على نهب ثروات الأرض والشعب. وهذا الموقف أحرج الإدارة الأمريكية مما دفع أسرة آل الصباح بأن تُشكل مجلس حكم برلماني «مجلس الأمة الكويتي» والذي يصدر منه القرار السياسي تلاه عودة الدستور الكويتي لمكانه الطبيعي بعد أن عطلته أسرة أل الصباح في سنة 1986م وأعلنت عن سيادة الأحكام العرفية لتبسط وتطلق أيدي آل الصباح في كل الكويت.
ودفع موقف الدول العربية الحكومة السعودية لإلغاء التبرعات للفلسطينيين, وطرد اليمنيين ومعاملتهم بشكل سيء دون تعويضهم أو تمكينهم من بيع ممتلكاتهم في السعودية بسعر عادل. وقد أثار هذا الموقف اليمنيين الذين وجدوا في غيبوبة السعودية المؤقت عن دول الجوار فرصة سانحة لإعلان الوحدة بين البلدين سياسياً وإجتماعياً مما زاد من توتر العلاقات بين السعودية واليمن. إلا أن شعوب الخليج بشكل عام بدأت تشعر بعدد من الإصلاحات السياسية الداخلية في بلدانها, فتم تشكيل مجلس الشورى في السعودية وأعترفت دول الخليج وعلى رأسها الحكومة السعودية بوجود معارضة شيعية في الخارج وعملت على التفاهم معها والوصول معها إلى نتيجة ما.
ولم تتوقف إرهاصات الموقف بتحرير الكويت, فقد إنتقلت الولايات المتحدة مباشرة للعراق وفي جعبتها ملفين, الملف الكردي والملف الشيعي وكانت تحمل فكرة تأسيس حكومة ديمقراطية مما دق نواقيس الخطر منبئة بما قد يحصل من هزة قد يتبعها زلزال قد يُوقع العروش الخليجية حين رأوا بأن فترة الرخاء السياسي بغياب العراق عن المنطقة قد شارف على الإنتهاء منبئاً بعودة قوية. فالغالبية الشيعية في العراق وتركزها في الجنوب الملامس لدول الخليج سيعمل على حمل تأثيراته على مناطق الثروة في الخليج إذا ما برز دورهم السياسي كما أن مجرد فكرة وجود دولة ديمقراطية حليفة لأمريكا في الجوار كانت تعني زعزعة أهمية الدورين الكويتي والسعودي في العيون الأمريكية.
من هنا جرت محادثات رفيعة المستوى بين وفود كويتية وسعودية وبين واشنطن ومكالمات هاتفية بين الملك فهد ورئيس الولايات المتحدة لثني إدارته عن موقفها بإستعمال الفزاعة الإيرانية حيث أكدت الدولتين على أنه متى ما نجح الثوار الشيعة في إسقاط صدام حسين فإن حكومة دينية شيعية متشددة على غرار إيران تكن العداء لأمريكا سيكون القادم في المنطقة موضحين أن للشيعة تاريخاً دموياً مع أمريكا وأن عدائهم معها هو عداء أيدولوجي لا يمكن تغييره حتى لو ساعدتهم الإدارة الأمريكية. وكان مشورة الدولتان هي أن تبقي الإدارة الأمريكية على صدام حسين ونظامه البعثي بحيث يكون قوي بما فيه الكفاية لضرب الشيعة في الجنوب وضعيف بما فيه الكفاية بحيث لا يستطيع أن يهدد الأراضي السعودية والكويتية وراهنوا على أن الأطاحه بالحكم الصدامي ستكون من داخل البيت البعثي بعد أن يتفكك الجيش ويثور عليه الحرس الجمهوري, وبهذا تراجعت أمريكا عن قرارها بمساعدة الشيعة في الإنتفاضة وسمحت لصدام بإستعمال السلاح الجوي فأباد الحرس الجمهوري« الذي حافظ على ولائه لصدام حسين ولم ينقلب عليه » «فهو ينتمي للمثلث السني المستفيد من خيرات الجنوب والشمال والمربوط مصيرياً بمصير صدام» أكثر من 300,000 شيعي منتفض في الوقت الذي سمحت فيه أمريكا للأكراد بإقامة شبه دولة لهم في الشمال أقلقت إيران وسوريا!!! ألا أن إنقلابأً لم يحدث وعلى حد تعبير أحد المسؤولين الأمريكيين بأن أصدقاء أمريكا العرب كانوا مخطئين.
ولطمأنة الولايات المتحدة على مصالحها النفطية في المنطقة تم توقيع عقد دفاعي بين الطرف السعودي والكويتي وبين الولايات المتحدة يقضي بتواجد القوات الأمريكية في الخليج لمدة 20 سنة قابلة للتجديد ليثير الرأي العام العربي والإسلامي وقد عبر عن ذلك معمر القذافي أكثر من مرة, ألا أن يأس الكويتيين من تغيير صدام حسين وغياب أي معلومات عن أسراهم أبرزت أزمة بين البلدين «السعودية والكويت» حول القيمة التي يجب على الكويت أن تسددها لأمريكا لقاء بقاء الجيش الأمريكي إذ رأت الكويت بأن الجيش الأمريكي يخدم المصالح السعودية الخاصة فما زال التوجس الكويتي من بقاء صدام حسين في الحكم قائماً وما يزال أمر أسراه غامضاً.
ويبدو أن الجمهوريين أكتشفوا فيما بعد بأنهم تعرضوا لخدعة سياسية خصوصاً بعد فتح قنوات حوار وتبادل سياسي مع المعارضة العراقية في الخارج, فالعراق كما أثبتت المعارضة ليس إيران ثاني وأنه لا يوجد في العراق السيد روح الله الخميني «قده» بل أن الزعيم الشيعي شبه الأوحد في العراق وهو السيد أبو القاسم الخوئي «قده» كان لا يؤمن بولاية الفقيه بالشكل الذي يراه السيد روح الله الخميني «قده», وكل ما حصل في الواقع هو أن أمريكا بتصرفها ذلك وحصارها الإقتصادي على العراق زادت من عداء العراقيين لها وزاد من توجه الشيعة للأيدلوجية الإيرانية وعدائهم لأمريكا خصوصاً بعد غياب السيد أبو القاسم الخوئي «قده» عن الساحة العراقية ليصبح العراق أقرب إلى إيران أكثر من أي وقت مضى. وكل ما حدث هو أن أمريكا دخلت في حرب مع الجماعات السلفية المتشددة بسبب إبقاء جنودها في السعودية والتي كانت أمريكا في غنى عنها لو حررت العراقيين من صدام حسين وكسبت الشعب سياسياً ووضعت قواعدها العسكرية في العراق. وعلى الرغم من أن المعارضة العراقية لم تستطع أن تسقط نظام صدام حسين إلا أنها أخذت تضرب على كل الأوتار أبتداً من إيران وسوريا حتى لندن وواشنطن وذلك بسبب ثراء وتنوع المعارضة العراقية.
وما يثير الجدل في أوساط العراقيين هو أن إيران لم تسمح لقوات بدر من دخول الأراضي العراقية ومساعدة العراقيين المنتفضين ضد صدام حسين وهو أمر ما يزال يتحامله العراقيون على إيران. ولكن وراء الموقف الإيراني تقف عدة أسباب سياسية, فإيران كانت متوجهة نحو تخفيف وإختراق الحصار الذي تعرضت له إيران من قبل الرأي العام السياسي والإسلامي السني وتخفيف حالة العداء مع الدول الخليجية الذي سيرى في هكذا تدخل إيراني مباشر في شئون العراق وإستعمال ورقة الطائفية للهيمنة على منابع النفط سيُذكي ويستعدي عليها أطراف عربية ودولية عديدة خصوصاً مع تواجد القوات الأمريكية بالجوار مع انها بعدم تدخلها ضحت بجزء من أمنها القومي حين إتخذت موقف الحياد خصوصاً وأن إيران كانت تتمتع بقوة إستراتيجية تمكنها من عرقلة القوات الدولية وبشكل راديكالي من أجل تحقيق هذا التحول.
أما على الصعيد السعودي فقد أصيبت الدولة بمرض رهاب التقسيم بعد تفكك وسقوط المنظومة العربية القديمة لحصول تقسيم الدولة السعودية. فطلبوا فوراً من القوات المصرية أن تخرج من البلاد لإعتقادهم بإمكانية تآمرهم مع الحجازيين خصوصاً بعد تناقل بعض المجالس الحجازية لهذا الأمر. وظهرت إشارات واضحة من الأردن وبل حتى بعض دول الخليج في الرغبة بتمزيق السعودية وتقسيمها تلتها معلومات إستخبارية سعودية تفيد بأن الأميركيين قد اتصلوا بوجهاء وشيوخ في الحجاز لبحث إمكانيات قيام ثلاثة كيانات سياسية أو أربعة وأن هناك تحرك بهذا الصدد خصوصاً مع وجود نصف مليون جندي أمريكي على الأراضي السعودية. فسارع السعوديين بتبني موقف رسمي يطلب من القوات الأميركية تقليص عدد جنودها لعدة ألوف يتمركزون في مناطق معينة تحددها الدولة لمراقبة العراق وتحركاته العسكرية. وقد لاحظ الأمريكيين هذا التوجس وألتقطوه فأمريكا دعت فعلاً في السبعينيات من القرن الماضي لخطة "كانتجا" التي طرحت فكرة فصل المنطقة الشرقية عن الدولة السعودية في حالة إنهيار النظام السياسي في الرياض. وكان هذا في الحقيقة السبب الرئيسي وراء زحف السعوديين وراء المعارضة الشيعية وذلك لإحتواء أي توجه أمريكي يصب في هذه المسألة وتفويت اللعب بورقة المعارضة الشيعية التي كانت تطرح مشروعاً إنفصالياً.
وهكذا أستيقظت العيون السعودية على حقيقة المعارضة الشيعية في الخارج, فبدأت الدولة بالتحرك عالي المستوى ومكثف من أجل إنهاء ملفها وإحتوائه تحسباً لأي إرهصات مستقبلية من هذا القبيل قد تشهدها البلاد خصوصاً بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي. والمعارضة الشيعية السعودية كانت تتشكل من مجموعتين: مجموعة لندن ومجموعة واشنطن, وكان لمجموعة واشنطن تأثير واضح على السعودية, فقد إستطاعت أن تنشيء لها مكاتب بالقرب من الكونجرس الأمريكي نفسه, كما تمكنت من كسب تعاطف بعض أعضاء الكونجرس وجذب اهتمامهم كما أصدروا مجلة "الجزيرة العربية" والتي كانت تتحدث عن مظالم وفساد آل سعود وتدعو إلى تحرير الجزيرة منهم وإزالتهم من الحكم وإستبداله بحكم مدني حديث وتعددي. وقد كانت المعارضة تُحرج الدولة السعودية خارجياً خصوصاً وأن المجلة أصبحت من المصادر التي أعتمدها الكثير من السياسيين والباحثين الأكاديميين كمصدر موثوق وناذر كما حصلت المعارضة السعودية على دعم "مكتب تعزيز الديمقراطية ونشرها في الشرق الأوسط" بمبلغ 50,000 دولار أمريكي وهو من المكاتب ذات التأثير السياسي القوي في أمريكا. وقد بدا تأثير ذلك واضح على العلاقات الخارجية السعودية والدول الغربية خصوصاً وأن الشعب الأمريكي بدأ يتساءل عن ما يحدث فعلاً داخل السعودية.
وإستطاعت الدولة في سنة 1994م من إقناع المعارضة بالرجوع لأراضيهم بعد أن وعدتها بأن تلبي مطالبها بشرط أن يكون دخول المعارضة للأراضي السعودية دخول هادئ جداً ودون إثارة أي وسائل إعلام وقد وافقت المعارضة على هذا الشرط لتكتشف فيما بعد بأنها أرتكبت خطأ فادح كلفها ثمن سياسي باهظ, فعلى ما يبدو فإن المعارضة بنت موقفها على أساس الثقة بالكلمة السعودية والتي بالغت فيها لتحرق كل أوراق الضغط الممكن ممارستها على الدولة, فأوقفوا مجلة الجزيرة العربية وباعوا مطبعتهم في لندن وكتبوا كامل نشاطاتهم الخارجية مع التوقيع على تعهدات لصالح الدولة. والحقيقة فإن هذا الأمر أثبت للجميع بأنها كانت المعارضة هي أشبه بمظاهرة سياسية عريضة مارستها في الخارج بهدف إحراج الدولة لا الكسب السياسي بخلاف المعارضة العراقية التي بقي البعض منها في الخارج لمدة 30 سنة.
وقد كانت أهم مطالب المعارضة هي الإعتراف بالمذهب الشيعي كمذهب رسمي في الدولة, والدخول في السلك السياسي والعسكري وتسلم مناصب وزارية هامة وتنفيذية, وتمثيلهم في مجلس الشورى بنفس النسبة الرسمية «و هي ما بين 30% و10%» المحددة للشيعة. وإعمار مناطق الشيعة وتشكيل جرائد ومجلات خاصة يكتب ويحرر مواضيعها الشيعة وإنشاء حوزة علمية.
ألا أن الحقيقة كانت شديدة الوقع عندما أكتشف الجميع في دول الخليج بأن شيئاً لم يحدث بعد مرور 14 سنة من الوعود ليدركوا أن حكوماتهم تعمل من أجل مصالحها الشخصية فقط, وأن ما حدث من تشكيل مجالس «شورى أو برلمانية» أو نزول المعارضة «البحرينية والسعودية» بعد الإعتراف بهما ما كان إلا بسبب الضغوط الخارجية وتغير التوازنات السياسية في المنطقة بعد حرب الخليج الثانية وتحسين صورة هذه الدول في الرأي العام الغربي بعد تأثرها. وبزوال تلك الضغوط زالت أسباب الإصلاح السياسي وبالتالي توقف العمل فيها بشكل كامل. وقد مثلت هذه صدمة في أوساط أنصار المعارضة السعودية والمؤيدين للدخول في إصلاحات مع الدولة. فالكتاب الشيعي ما يزال ممنوعاً والمساجد غير مسموح بها وفي مناطق أخرى كانت مجرد القراءة وممارسة طقوس العزاء أمر ممنوع يُفضي للسجن ولم يُعترف بالمذهب الشيعي رسمياً وبقي مجلس الشورى بشكله الصوري لا قرار له ولا تمثيل للشيعة فيه بما يتناسب مع نسبتهم السكانية.
ولكن رافق رجوع المعارضة الشيعية للداخل خروج معارضة سلفية للخارج مسببة قلق أكبر للدولة. جدور المعارضة السعودية السلفية تعود لشهر مايو من عام 1993م, حيث تم تشكيلها تحت إسم "لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية" برئاسة أكاديميين من حملة الشهادات العليا, محمد عبد الله المسعري وهو خريج جامعة غربية يحمل شهادة الدكتوراة في الفيزياء النظرية ومساعده سعد الفقيه وهو طبيب جراح «و قد إنشق سعد الفقيه عن رئيس اللجنة محمد المسعري في عام 1996م» وتشكيلها جاء كنتيجة مباشرة لمعارضة الإسلاميين السعوديين لتواجد اليهود والنصارى على أراضي الجزيرة العربية وتردي الأوضاع الإقتصادية بعد حرب الخليج الثانية. فقاموا برفع ورقة إصلاحات للملك فهد أسموها "النصيحة" طالبوا فيها بتعميق الإصلاحات للنظام السياسي. وفي أبريل من سنة 1994م, تم تهريب رئيس "لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية" في السعودية محمد عبد الله المسعري إلى لندن حيث تم فتح مكاتب للجنة هناك وبدأت نشاطها السياسي ضد السعودية معلنة عن تبنيها السبل السلمية والأساليب الحضارية للدعوة للإصلاح والتغيير في السعودية.
وبعد نقل مقرها من السعودية للندن شن النظام السعودي حملة إعتقالات واسعة ضد المتشددين الإسلاميين والمتعاونين معها ومن بينهم الشيخ سلمان فهد العودة والشيخ سفر عبد الرحمن الحولي. وكان تبرير الدولة لهذه العمليات من إعتقال رجال دين وأساتذة جامعيين ومسؤولين حكوميين وطلبة إلى قيامهم بإجراء إتصالات بجهات خارجية ترى المملكة أنها معادية لوحدة البلاد. وأدت هذه المواجهات لخروج جماعة أصولية إسلامية بإسم "كتائب الإيمان" التي أخذت تهدد بشن هجمات على المصالح الغربية أو خطف مواطنين أميركيين وأوروبيين إذا لم يتم إطلاق سراح الشيخ سلمان العودة خلال خمسة أيام وهو إن لم يحدث في التوقيت ذاته الذي هددوا فيه, ألا أنه جاء فيما بعد بتفجير الخبر. وبهذا تكون السعودية قد إستبدلت معارضة «الشيعية» مكروهة بمعارضة «سلفية» محبوبة من المجتمع السعودي.
واللجنة تبنت لغة سياسية ليبرالية وديمقراطية تدعو لحرية القول والتجمع والتعددية وذلك لإستمالة الموقف الرسمي الغربي والصحفيين للتأثير في مراكز صنع القرار الغربي كمجلس العموم البريطاني والكونغرس الأمريكي. ولكن وراء هذا الموقف الإعلامي تقف مجموعة من مواقفها المبدئية وسياستها المعلنة في الداخل السعودي والتي تقع إلى يمين السياسة الوهابية للحكم السعودي وأكثر تزمتاً في مطالبتها بتطبيق الشريعة الإسلامية بحيث يبدو النظام السعودي الحالي نظاماً عصرياً إذا ما قورن فكرياً باللجنة ويصبح ليبرالي التوجه إذا ما قورن بالسياسات الخارجية التي تدعو إليها اللجنة.
فقد أدى إنخفاض الريع الإقتصادي الخليجي عموماً بسبب فاتورة الحرب التي كلفتها حوالي «650 مليار دولار» وإنخفاض الريع الخاص بطبقة الأمراء وإزدياد أعدادهم لتضاعف حالات الفساد وممارسة النهب من قِبل الأمراء والتي تجاوزت المنطقة الشرقية لتعم مناطق أخرى. كما أدى ذلك لهبوط مستوى دخل الفرد السعودي وتقليل رواتب الموظفين فزادت وتيرة الفساد الإداري والمالي تبعها حالات نهب تجاوزت المناطق التقليدية لتصل لمناطق الشمال والمنطقة الغربية والجنوبية, ثم بدأت أسماء جديدة من الأمراء والأميرات تدخل في قائمة النهب المنظم وبدأ شكل جديد من النهب بالخروج على السطح وهو السيطرة على القطاع الخاص كإنشاء شركات وبنوك ومؤسسات ومزارع وجامعات خاصة ومدراس أهلية وجامعات ومشاركة رجال الأعمال في مشاريعهم التجارية الصغيرة منها والكبيرة وسيطرة على الإحتكارات كقطاع الإتصالات وسكة الحديد والعديد من مرافق الدولة الحيوية من قِبل إمراء آل سعود محولين ملكهم السياسي لملك فعلي واقعي مطبق على أرض الواقع.
وبهذا تكون حرب الخليج الثانية أشبه بورقة التوت التي سقطت عن الجميع لتبين عدة حقائق صُدم بها العقل العربي وبشكل متتالي من حقيقة أطماع العرب في الخليج إلى حقيقة حكام الخليج وحقيقة السعودية وطبيعة إسلامها وإمكانية إنقلاب الحامي لعنصر تفكيك ثم تؤكد على نظرية التاريخ الحديث بأن ما يحمي الدولة وحده هو الإنسجام الإجتماعي بين مواطنيها ووقوف الشعوب وراء النظام. والإنسجام الإجتماعي السعودي لا يمكن حدوثه إلا بعد تفكيك الدولة من جديد ثم إعادة دمج الأقاليم على أساس جديد لا يعني بالضرورة عودة الدولة السعودية.
ألا أن أكبر هذه الأوراق كانت ورقة التوت السعودية, فقد أبرزت هذه الحرب أهم نقاط الضعف السعودية بشكل جلي. وأهمها داخلياً هو خروج معارضة وهابية تكفر الحكومات الخليجية وعلى رأسها حكومة السعودية للإستدعائها جنود يهود ونصارى في أرض الجزيرة وتدعو لجهاد هذه الأنظمة. ووضوح ضعف وهشاشة تماسك ووحدة الدولة السعودية.
للحديث تتمة في الجزء القادم...
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |