 |
-
واقع المرأة الصحي في الريف العراقي
[grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]د. مزاحم مبارك مال الله[/grade]
إن دراسة موضوع الواقع الصحي في الريف العراقي يحتاج الى جملة من المعطيات الهامة،والتي في أي حال من الأحوال لايمكن أن تكون بمعزل عن معطيات الواقع الإقتصادي والإجتماعي والبيئي والتربوي والتعليمي والثقافي للريف نفسه بشكل خاص وللبلاد بشكل عام،هذا إضافة الى أن المناخ العشائري والذي يعيشه الريف تحكمه عادات وتقاليد خاصة تدعونا الى أن ننظر إليها بأنها أحد أسباب سمات الصورة التي نراها اليوم في الريف.
فالمواطن الريفي (وأقصد الذي يعيش وينشأ ويعمل ويحيا بالريف) العراقي يعاني الأمرَين من واقع متخلف وفي بعض الأحيان مأساوي حيث تكون حياته مرتبطة بواقع تقوده ظروف تئن تحت وطأة التخلف الحضاري والصحي.وفي حقيقة الأمر فإن الريف يعاني من صعوبات حياتية أملتها وسببتها السياسات الخاطئة التي إنتهجتها الحكومات المتعاقبة،هذه الصعوبات أفضت الى واقع صحي متخلف بل في الكثير من الأحيان يكون هو بؤرة لتفشي العديد من الأمراض وخصوصاً تلك التي تنتقل بالعدوى المباشرة أو غير المباشرة.ولكن لأجل أن نكون منصفين يجب أن لا نغفل بعض الإجراءات التي تتخذها الجهات الصحية هنا أو هناك رغم محدودية هذه الإجراءات لأن المشاكل المنعكسة عن الواقع أكبر من حدود إمكانيات تلك الجهات.
فبالإضافة الى الأمراض المنتشرة بين أبناء الريف نجد الجهل وعدم الدراية والمعرفة بالإرشادات الصحية حول مختلف النواحي الصحية هو العامل المشترك بين غالبية سكان الأرياف هذا إضافة الى سيادة الأعراف المتخلفة وسيطرة الشعوذة وأساليب الدجل التي تتخذ منها بعض الوجوه مهنة يسترزقوا بها على حساب صحة المساكين والمتاجرة بأمراضهم.
أن قلّة بل ندرة المراكز الصحية المتخصصة في الأرياف وفقدان الكادر الطبي والصحي المتخصص ـ الكفء فيها قد ساعد على ظهور أو تواجد القابلات غير المأذونات،الختانين و..الخ من العناوين،وكذلك ساعد على سيادة المضمدين والممرضات في تلك المناطق،ورغم إحترامنا وتقديرنا لهؤلاء الممتهنين لايجوز تعدادهم ضمن الكادر الطبي المتخصص وإنما ضمن الكادر المساعد أو المعاون للطبيب أو الطبيبية،ولايجوز النظر إليهم وكأنهم المرجع الطبي والصحي في هذه المنطقة الريفية أو تلك، ثم ومرة أخرى وبسبب قلة هذه المراكز وكادرها وكذلك بسبب هبوط مستوى الوعي الصحي وتفشي الجهل والأمية بين سكان الأرياف قد ساعد الى حدٍ ما على سيطرة الأساليب المتخلفة بالتعامل مع الأمراض وسيادة مفاهيم بعيدة تماماً عن العلم وعن واقع الحال الصحي والمرضي للناس،لقد خضع أبناء وطننا في القرى والأماكن النائية والزراعية منها وكذلك ذات الطابع البدوي الى العديد من الأوهام الجاهلية والتي أصبحت الى حدٍ ما قناعات لاتتزعزع،بل وصلت الى حد الإيمان الراسخ وبالتالي مناصِبة العلم والمعرفة العداء والإستهزاء بهما.
لقد راح ضحية هذه الأعراف والتقاليد والأوهام والأفكار المشوّهة العديد من المرضى وخصوصاً الأطفال منهم والنساء.ولايسعنا هنا إلاّ أن نسوق بعض الأمثلة والتي نوردها ليس لحصر وإحصاء الأمراض :
(حالة الصرع ـ يقولون إن جنيّاً دخل رأس المريض،حالة الحمى السوداء ـ يعالجونها بإرضاع الصغير المصاب من حليب أنثى الحمار أو الماعز،إلتهاب العين وإنسداد الأنف لدى الرضّع يعالجونها بوضع قطرات من حليب الأم في عين أو أنف الرضيع،حالة الإسقاطات المتكررة لدى بعض المتزوجات يعدوّنها عمل سِحر للمصابة فيبدأون بأخذ الوصفات من بعض المشعوذين والذين قسماً منهم يتخذون من الدين ستاراً يوارون به أفعالهم الشنيعة،حالة إلتهاب عرق النَسا يعمدون مباشرةً الى طريقة الكي في العلاج،في حين وكما هو معروف وشائع إن آخر الدواء هو الكي،وحالة المغص المعوي الشديد ولأي سبب تجدهم يطلقون عليه مصطلح عجيب غريب ألا وهو ـ صرته مشلوعة ـ فما المقصود؟ لانعرف ! وحالات إسهال الأطفال المنتشرة بالأرياف يسمونه ـ الطفل كارف ـ وهذا مصطلح أخر عجيب غريب،أما حالات تعسر الولادة والتي أسبابها عديدة جداً ـ سنتناولها بالتفصيل ـ فهي الأخرى عديدة وسببت الكثير من المآسي، هذا عدا حالات الطوارئ التي يتعرض لها أهالي الأرياف كالسقوط من علو،عضة كلب،شدّة خارجية من إحدى الدواب، لسعات الحشرات..الخ).
هذا غيض من فيض فالأمثلة عديدة جداً والمواضيع منوعة.والسؤال الذي يطرح نفسه هو متى يتسنى للمواطن الريفي أن ينعم ويستفيد من التقدم العلمي والتطور الطبي والثورة التكنولوجية خصوصاً ونحن نعيش القرن الواحد والعشرين؟
يبدو أن السؤال مهم جداً والإجابة عليه عملياً في غاية التعقيد،إذ إنه ولأجل قلب الواقع المر فالموضوع برمته لاينفصل عن القيام بثورة صحية وبيئية في كل المجتمع،وهذه الثورة مقوماتها القضاء على الأمية،تغيير وتطوير وتحديث المناهج الدراسية،مد شبكة الكهرباء والماء والصرف الصحي،تعبيد الشوارع وإنشاء المراكز الصحية والمستوصفات،تركيز ونشر التوعية الصحية والثقافة الطبية،القيام بالحملات الخاصة بالأمراض المشتركة،...الخ
ونظراً لصعوبة ومأساوية الواقع الصحي في الريف العراقي فإن ذلك يدفعنا أن نكيف مقالنا وفق هذا الواقع،وبالتالي سنناقش الموضوع بكل مفرداته وفق منهجية مختارة قابلة للتطوير والإستزادة.
كنّا قد أشرنا الى أن الواقع الصحي في الريف يئن من قيود التخلف وهو جزء من صورة الحالة العامة السائدة في الريف ذاته،وإن المرأة ضمن هذه الخطوط تعاني بشكل مزدوج من مضاعفات هذا الواقع،حيث إنها تكون هدفاً للأمراض وضحية لها،وبنفس الوقت تكون مقيّدة بالواقع المتخلف الذي يحدد إمكانيات التعامل مع هذا الواقع. فرغم قساوة الواقع والظروف التي أشرنا إيها تجد إن المرأة الريفية قد واجهت هذا الواقع على حساب صحتها وعلى حساب عمرها وتعلمها وتربيتها ثقافياً وصحياً.وقدر تعلق الأمر بعنوان الموضوع الذي نتناوله سنسلط الضوء على الواقع الصحي الذي يسود الريف العراقي وبالتالي تأثيرذلك الواقع على وضع المرأة الصحي الفعلي.
يمكن إجمال المعطيات العامة لما تواجهه المرأة في الريف من أمور تهم صحتها بما يلي :ـ
أولاً ـ الجهل والأمية :ـ
من وجهة نظرنا فإن تحت هذا العنوان تقبع علّة العلل،فبسبب الجهل والأمية المتفشية والتي تفشت بشكل ملفت للنظر(وخصوصاً) خلال العقدين الأخيرين إنتعشت المفاهيم المتخلفة رغم إنها موجودة أصلاً،إضافة الى الشعوذة والدجل وأصبحت هذه المفاهيم (الرجعية والغيبية) هي السائدة على كل القرارات التي يتخذها أهل المريضة أو تلك التي يتخذها ممتهنو الطبابة (وخصوصاً الطبابة الفطرية ـ إن صح التعبير )،وبالتالي وكنتيجة حتمية ستكون المريضة ضحية هذا الجهل.وكمثال نذكر أن الكثير جداً من الحوامل لم يسجلّن في قسم رعاية الحوامل بل يجهلن وجوده رغم إنه ركن أساس من عمل كل مركز صحي وبالتالي سيخسرن رعاية طبية في غاية الأهمية حيث إن هذه الرعاية توفر اللقاحات الخاصة بالحوامل وأهمها لقاح ضد مرض الكُزّاز وهو من الأمراض المتوطنة في العراق وبالريف بالذات ،وكذلك فإن الرعاية تراقب صحة الحامل بشكل عام وتحدد المخاطر التي من الممكن أن تتعرض لها كالضغط الدموي (والذي إرتفاعه يسبب حالة تُعرف بـ/ تسمم الحمل / حيث يؤدي في حالة عدم خضوعه للسيطرة الطبية المباشرة الى تعرض الأم التي تلد لحالة الصرع وربما الى وفاة الوليد أو حتى وفاته في رحمها وفي حالات عديدة تم تسجيل وفاة الأم نفسها )،وكذلك السكري وفقر الدم إضافة الى مراقبة نمو الجنين،وبشكل عام تجد أهلنا في الريف يجهلون حقيقة هذه الخدمات بل ولايعترفون بها أحياناً،مستندين في ذلك الى إن كل نسائهم أيام زمان لم يراجعن طبيب ولم يأخذن لقاح.
ومثال آخرـ حالة حمى النفاس،وهي حالة في غاية الخطورة وتودي بحياة المصابة فيما لو لم تُعالج لأنها متسببة عن نوع من أنواع البكتيرياـ،حيث يفسر أهل الريف حصولها الى إنّ النفساء قد زارتها إحدى العاقرات أو إحدى الحسودات،خصوصاً إذا كانت تلك النفساء قد ولدت وليداً ذكراً !
ويسبق كل هذا مثال آخر يتعلق بالمعرفة والوعي الصحيين وهو الفحوصات التي من الواجب أن يجريها أي خطيبين قبل الإقدام على الزواج لأن في ذلك أهمية بالغة في تحديد صنف دم كل منهما وتحديد الإجراءات التي أحياناً يجب إتخاذها في حالة وجود إختلافات تؤدي (مستقبلاً) الى إسقاطات أو مشاكل بالحمل.
ومن الأمور الشائعة أيضاً هو الأعتقاد السائد إن المرأة هي المسؤولة عن جنس الجنين،أي يعتقدون أن هناك نساءً يلدن ذكوراً وأخريات يلدن إناثاً،وحقيقة الأمر إن الرجل هو المسؤول عن جنس المولود لأن خلية الرجل الجنسية فيها نوعان من الكروموسومات (إكس،واي) بينما في خلية المرأة الجنسية نوع واحد من الكروموسومات وهو (إكس)،فإذا أعطى الرجل لزوجته أثناء الإقتران إكس كان الحمل أنثى،أما إذا أعطاها واي فإن الحمل يكون ذكراً،هذه حقيقة علمية لاجدال فيها وبذلك فإن هذه الحقيقة ستسقط الحجة من يد الرجل الذي يسعى الى الزواج من إمرأة أخرى لتلد له ذكوراً !!
ومن الأمثلة المؤلمة والتي تتعرض لها بعض المتزوجات بسبب جهل أزواجهن وخصوصاً في يوم الزفاف والإقتران الجنسي هو عدم إفتضاض البكارة وظهور قطرات الدم التي تنتظرها العشيرة(بفارغ الصبر!)،مع العلم فقد ثبت علمياً/ طبياً وتشريحياً إن غشاء البكارة أنواع ويتفاوت سمكه ومطاطيته بين فتاة وأخرى وتعيسات الحظ تلكم النسوة اللاتي غشاء بكارتهن من النوع السميك والذي لايُفض بسهولة أو هو من النوع المطاطي ومقترنات برجال هم لايفقهون بالعلم والحياة شيئا.
أضف الى ذلك خصوصية المجتمع المنغلق في الريف إذ إنه يعمل على غلق كل منافذ المعرفة والدراية من حول البنات فتراهن يعانين من الكبت ويواجهن مصائرهن بكل حَيرة وجهل تام بحيثيات الحياة وتبقى الأم أو العمّة هي الموجّه الأوحد لهن الى أن يتم إذابة ما بقي لهن من معالم شخصيتهن الممسوخة.
غياب أو ضعف الخدمات الحضارية، وبناءً على الهيكلية (المفروضة) في مجتمعنا الريفي في جعل العنصر النسوي هو الخادم و العنصر الذكري هو المخدوم ـ طبعاً هذا التقسيم معمول به في المدينة والمناطق الحضرية أيضاًـ لذا نجد إن المرأة تعاني من أجل توفير وتهيأة كل أسباب راحة الرجل بل من أجل كسب رضاه،وفي جميع الأحوال فإن كل هذا (الواجب) يقع على حساب صحتها وقابليتها،لذا فالمرأة الريفية تعاني من آلام جسدية منوّعة وحتى في سن مبكرة،أضف الى ذلك ما تعانيه من أهوال الحمل والولادة والسهر مع الوليد...الخ
ولمّا كانت الخدمات الحضارية معدومة أو قليلة أو متلكأة أو بالية ـ قديمة فإن المرأة هي التي تعوّض وهي التي تسد النقص الحاصل،لذا فإن كل الجهات الرسمية المعنية (والمرتبطة) أساساً بحكوماتها تتحمل كامل المسؤولية في المعاناة التي يعانيها أهالي القرى والأرياف والمناطق النائية بشكل عام والمرأة بشكل خاص.
هذا من جانب ومن جانب أخر فأإن ضعف هذه الخدمات قد أدى الى زيادة نسبة الأمراض بين سكان الريف و الى تقديم المزيد من الضحايا ولذات السبب.
أن الخدمات التي من الواجب توفيرها للناس في الريف يجب أن تشمل :
1.الخدمات الصحية :
والتي تشمل بناء وتأسيس أعداد من المراكز الصحية العمومية والمتخصصة،إضافة الى مستشفى هنا وأخرى هناك وحسب الرقعة الجغرافية والكثافة السكانية،والإبتعاد عن أسلوب بناء مركز صحي بسيط يكون إسناداً طبياً لأقضية ومدن بعيدة.إن الريف والواقع البيئي الزراعي يبدوان أحوج الى الخدمات الطبية والصحية من غيرهما وذلك بسبب الطبيعة البنيوية للريف المتمثلة بالتعايش مع المزروعات والحيوانات وما ينتج عن ذلك من أمراض مشتركة مع الإنسان،لذا فإن الإهتمام البيطري يُعد في غاية الأهمية، وإنشاء المستشفيات البيطرية أهم .إن المعطيات الطبية المتوفرة عن الريف العراقي تشير الى توطن بعض الأمراض مثل الكوليرا،التدرن،البلهارزيا، إلتهاب الكبد الفيروسي،الكزّاز،الحمى السوداء،داء القطط،الأكياس المائية،الديزنتري، الديدان المعوية،وغيرها .
أن تسيير الفرق الصحية البشرية والبيطرية بشكل مستمر يساعد ويساهم بشكل فعال على تحجيم وحصر إنتشار العديد من الأمراض. إن هذه الفرق يجب أن تأخذ على عاتقها مهام الفحص والعلاج إضافة الى (وهو الأهم) التوعية الصحية،لقد ثبت بما لايقبل الشك أن التوعية الصحية تساهم بشكل فعال في التقليل من هذه الأمراض.
أن الغالبية العظمى من نساء الريف بحاجة الى الرعاية الصحية الخاصة وتتركز هذه الرعاية بالحوامل بالذات لما يتعرضن له من مشاكل تحتاج مثل هذه الرعاية (كما أوضحنا ذلك سابقاً) إضافة الى الرعاية المطلوبة للاتي يلدن خصوصاً إذا عرفنا إن العديد منهن يتعرضن الى عسر الولادة أو الى حمى النفاس،ولاننسى الإصابات المسجلة بالكزّاز.
2.خدمات المياه الصالحة للشرب والإستعمال :
لعب إنعدام مد شبكة المياه الصالحة للشرب أو في أحسن الأحوال إن وجدت فهي متآكلة،في الريف دوراً مؤلماً بل مأساوياً في إنتشار الأمراض ومنها تلك التي تنتقل بواسطتها، مثل الكوليرا وإلتهاب الكبد الفيروسي والأمراض المعوية والجلدية المختلفة،وليس هذا وحسب وإنما أدت هذه الحالة الى معاناة مضاعفة تعانيها المرأة،ففي الكثير من المواقع الريفية تضطر المرأة وللأسف الشديد الى أن تستخدم المياه غير الصالحة للشرب أو حتى غير الصالحة للإستعمال البشري لكونها لم تخضع للتصفية وغير معقمة،فالمرأة هي المسؤولة عن توفير ونقل هذه المياه من الترع والسواقي وفي غالب الأحيان من مواقعها البعيدة الى البيوت،ثم تعمل هذه المسكينة على تصفية وتنقية تلك المياه.هنا تتجلى إزدواجية المعاناة فمن جهة الجهود الجسدية التي تبذلها المرأة وما يترتب على ذلك من تأثيرات على صحتها ومن الجهة الأخرى ما يمكن أن تتعرض له من أمراض جراء إستخدام هذه المياه.
3.خدمات الصرف الصحي :
وهي ذات المشكلة الخاصة بالمياه الصالحة للشرب،فهما صنوان لايفترقان فما دام هناك شبكة للمياه الصالحة للشرب والإستعمال فيجب أن تتوفر شبكة الصرف الصحي،والمطلوب إدامة هذه الشبكات، فقد دلت نتائج تحاليل الأمراض التي تعصف بالقرى الى إن إنعدام أو تآكل شبكة الصرف الصحي(إن وجدت) تقف وراء الغالبية العظمى منها.ولتأمل الصورة بشكل أوضح حينما نتصور حالة نسائنا الريفيات وهن يرمين بالمياه القذرة الناتجة عن التنظيف وغسل الملابس وغير ذلك من النشاطات اليومية في الأزقة أو في مياه الجداول والترع وبالتالي يساعدن بشكل مباشر على تلوث البيئة وما ينتج عن ذلك من مردودات صحية سلبية خطيرة.
4.المدارس والمعاهد التعليمية :
سلطّنا الأضواء في الصفحات الماضية على الدور الكبير الذي تلعبه الأميّة ولازالت في تأخر الوعي الصحي،والأمية باتت من معوقات التقدم العلمي بكل الإتجاهات والمجالات،ومما يؤسف له فإن الأمية متفشية في مجتمعنا منذ عقود بعيدة وزادتها تعقيداً وتأثيراً سلبياً تلك السياسات المتخلفة والدكتاتورية التي إنتهجتها الحكومات والتي تعاقبت على سدة الحكم العراقي.ففقدان المدارس في الرقع الجغرافية الريفية مترامية الأطراف أو بُعد القليل الموجود منها قد ساعد أو بالأحرى أدى الى ظاهرة ظهور أعداد كبيرة جداً من الأميين وخصوصاً بين الشباب والشابات،هذا من جانب ومن جانب أخر فالنظرة الضيقة والمتأخرة عن ركب الحضارة والمتمثلة بمنع البنت من التعليم أو في أحسن الأحوال من مواصلة تعليمها ووفق مختلف التبريرات والحجج والتي تتراوح(بين أن البنت في النهاية لها زوجها وبيتها فلا داعي ولا فائدة من العلم ومن التعليم وبين إدخال مفهوم ذهاب البنت الى المدرسة ضمن الأعراف والعرض والشرف وغير ذلك). مجمل هذه الصور والتي تعكس مستويات متباينة من الأمية قد أدت بشكل مباشر الى إنخفاض وفقر مستوى الوعي الصحي بين الفئات العمرية الحساسة والتي تُعد العمود الفقري في تشكيلة أي مجتمع،والنتيجة تفشي الأمراض الإنتقالية وغير الإنتقالية بين كل أفراد المجتمع الريفي ذي السمات الإجتماعية والبيئية الخاصة.
5.منظمات المجتمع المدني :
مما لاشك فيه أن منظمات المجتمع المدني تلعب دوراً فاعلاً في عملية البناء الإجتماعي فيما لو توفرت لتلك المنظمات ظروف العمل إيجابية ومناسبة،و مما هو معروف فإن تلك المنظمات تلعب دوراً إيجابياً إستثنائياً في المناطق الريفية ذات الخصوصية الخاصة،هذا الدور يتجسد كقوّة ساندة للجهات الصحية ـ الطبية والبيطرية.إن غياب فعل وجهود هذه المنظمات قد ساعد الى حدٍ ما الى بقاء النساء الريفيات قابعات بعزلتهن عن الحضارة وعن العلم وبالتالي لايوجد ما يحرّك الساكن.
الحالات المرضية النسائية الخاصة و تعاني الكثير من النساء في الريف الى مشاكل صحية متعددة الأوجه والتي تبدو بحاجة الى الإهتمام الخاص لما تسببه هذه المشاكل من أزمات صحية بل وإجتماعية،هذه الأزمات تبدأ بسيطة مفردة وتنتهي معقدة مزدوجة أو متعددة.أن الغالبية العظمى من هذه الحالات تظهر على شكل إلتهابات إضافة الى الحالات المَرَضية الخاصة بالمرأة ،علماً إن الإلتهابات النسائية كثيرة ومتعددة وتشمل على الأغلب وبشكل عام أو هكذا ما يرد بالأحصائيات 1) إلتهابات الجهاز التناسلي،2) إلتهابات المسالك البولية،3) آلام الظهر والمفاصل ،4) الدوالي.
إن الدوالي وآلام الظهر والمفاصل رغم قسوتها إلاً إنها من الأمور الشائعة جداً بين النساء بشكل عام وبين نساء الريف بشكل خاص وذلك لمجمل الأسباب الواردة فيما تقدم .أما الإلتهابات والحالات الخاصة (والتي نقصد بها مثلاً هبوط الرحم،النزوفات بأنواعها،الأورام السرطانية..الخ) فهي عديدة ومنوعة وتشمل كل أجزاء الجهاز التناسلي (المهبل،عنق الرحم،الرحم،الأنابيب و المبايض) وكذلك كل أجزاء الجهاز البولي (الأحليل،المثانة،الحالبين والكليتين).إن غالبية الإلتهابات سببها غياب أو تخلف الوعي الصحي بين نساء الريف إضافة الى الظروف البيئية والصحية السائدة،وما يُثير الحسرة هو إن الغالبية من هذه الأمراض سببها عدم إتباع الوسائل الصحية الخاصة بحياة المرأة والتي مردّها الجهل والبعد عن الحضارة وتقدمها.
هذا من جانب،أما الجانب الأخر والذي يشكّل 50% من الأسباب فهو الرجل القَرَوي نفسه،لأن الرجل في جهله وتخلفه لايختلف قطعاً عمّا تعاني منه المرأة،وغالباً ما تكون الأمراض مشتركة بين الزوج والزوجة.
أن أهم أسباب هذه الإلتهابات والحالات الخاصة مايلي :
1.إستخدام وسائل بدائية وغير حضارية ولا صحية أثناء حصول الدورة الشهرية.
2.التخلف الصحي من قبل الرجل أثناء الإقتران الجنسي.
3.كثرة مرات الحمل أثناء سن الإنجاب (15 ـ 45) عاماً.
4.المستوى الهابط في النظافة العامة وبشكل عمومي.
5.تعدد وسائل نقل العدوى،سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بما فيها طرائق تُستعمل يومياً كالماء مثلاً.
6.إهمال جوانب الصحة العامة.
7.إتباع مفاهيم لاصحية تفرضها قناعات الجهل والتخلف.
8.توطن العديد من الأمراض في الريف بشكل عام.
هذا إضافة الى بعض الأسباب الأخرى والتي إما أن تدخل بشكل مباشر أو غير مباشر ضمن قائمة مسببات الإلتهابات النسائية.إن الخجل والخوف يلعبان دوراً أساسياً في تحوّل الحالات المرضية الى مزمنة وربما تتفاقم الى أصعب من ذلك.
إن الأحصائيات (رغم عدم دقتها) دلّت على إتشار العديد من الأمراض التي تسببها الجراثيم والطفيليات في البيئة الريفية مقارنةً مع إنتشارها في المدينة، وهذا يُشير الى أن هناك عوامل معينة تساعد على إنتشار مثل هذه الأمراض ومسبباتها في المجتمع الريفي،مما يٌحفّز ضرورة الإهتمام الخاص بالواقع الصحي للريف.
إن مضاعفات مثل هذه الأمراض متعددة أوعلى أقل تقدير فإنها من الممكن أن تؤدي الى سلبيات أخرى ليس من الصعب أن نجملها بما يلي :
1.تفاقم الأزمة الصحية للمرأة بشكل عام،إما على شكل حالات مزمنة صعبة العلاج أو على شكل أورام سرطانية وأحياناً تؤدي الى فقدان هذا العضو أو ذاك من جسد المرأة.
2.التأثيرات النفسية المؤلمة حقاً لدى المرأة.
3.إنتشار الأمراض بطرق العدوى المختلفة.
4.تعطيل الطاقة الإنتاجية والقابلية العملية للمرأة الريفية.
5.عدم الإنجاب أو تأخر الحمل أو حصول الإسقاطات المتكررة.
إن الواقع الصحي يعم بكل خصائصه السلبية والإيجابية على كافة شرائح وفئات المجتمع،وإن صحة الفرد هي الى حدٍ ما مرآة لصحة المجتمع.ولكن ورغم هذه الصورة العمومية تبقى هناك خصوصيات صحية ومَرَضية لهذه الشريحة الإجتماعية أو تلك الفئة حيث تحكمها عوامل العمر والمهنة والطبيعة الجسمانية العامة.وبما أن العمر يُعّدُ أحد أهم المؤثرات الخاصة بالأمراض لذا وإتماماً لموضوعتنا،سنتناول وببساطة وضع الطفولة الصحي في الريف.إن موضوعة وضع الأطفال الصحي في الريف لايمكن فصلها عن مجمل ما ورد أنفاً،حيث إن واقعهم هو إمتداد لواقع أمهاتهم بل هو جزء من الصورة نفسها،إلاّ إن الفئة العمرية تتحكم بطبيعة أمراضهم،أي بمعنى أن هناك أمراضاً خاصة بالأطفال،إن سبب هذا يعود الى :ـ
1.الطبيعة المَرَضية لمسببات الأمراض.
2.الصورة المناعية في أجسام الأطفال.
3.البناء التشريحي والفسلجي لأجهزة أجسام الأطفال.
لذا يمكن تقسيم ملامح الوضع الصحي للأطفال الى ما يلي :ـ
أولاً ـ نتائج إستخدام المفاهيم والتقاليد الريفية .
ثانياً ـ الأمراض الإنتقالية.
ثالثاً ـ نتائج النشأة الريفية.
ففيما يخص نتائج تطبيق وإستخدام المفاهيم والتقاليد يمكن أن نشخّص الظواهر السلبية التالية :ـ
1.الإستعانة بالجِدّة لتوليد الحامل،ورغم التطور البطئ الحاصل بأهلية المولِدات (الجدات) للقيام بهذه المهمة الخطيرة،إلاّ إن العوائل الريفية لازالت تفضّل توليد النساء لدى الجِدّات علماً إنه من الناحية الطبية لايوجد ما يمنع من الإعتماد على الجدات بتوليد النساء إلاً إن هناك ضوابط غاية في الأهمية يجب الإحتكام إليها خوفاً على الوليد وأمه.
2.إستخدام القماط،وثبت إن القماط عبارة عن قيد مؤلم للطفل،وليس له علاقة بإستقامة عظام الطفل،على العكس فقد لاحظ الأطباء إن مساوئ القماط كثيرة وهو أسلوب غير صحي للوليد.
3.إستخدام أساليب غير صحية ولا صحيحة مع بعض ما يعترض وضع الرضيع،مثال ذلك حينما يكون أنف الرضيع محتقناً (مسدود) يعمدون الى تنقيط بعض قطرات حليب الأم في أنفه ! وضع الكحل في عيني الطفل،إستخدام دهن الطبخ لحالات جلدية...الخ.
4.النظرة غير الصحية في التعامل مع حالات الإسهال التي تنتاب الطفل،فالغالبية من اهلنا في الريف لايعتقدون بوجود الجراثيم أو الإلتهابات،وإنما يعتقدون بأن الرضيع قد (كرف) شيئاً ما،أي أنه تَنَفَس رائحة إحدى الحيوانات مثل القنفذ !! أو إنهم يستخدمون الـ ((كي)) على بطن الطفل.
أما ما يخص الأمراض الإنتقالية فإن الواقع يقول إن الناس في المناطق الريفية والنائية بحاجة الى الرعاية الإستثنائية حيث أن العديد من هذه الأمراض لازالت متوطنة في العراق،وبهذا المجال نؤكد على :ـ 1.إن العديد من العوائل الريفية لاتلقح أطفالها .
2.إن العديد من العوائل لاتلتزم بالجدول الزمني للقاح أطفالها.
3.إن بعض العوائل تنتقل الى أماكن سكنية أخرى وبالتالي لاتتابع تلقيحات أطفالها.
4.إن العديد من العوائل تمتنع عن تلقيح أطفالها بحجة أن الطفل يتمرض بعد التلقيح.
5.إن العديد من العوائل تهمل لقاح الأطفال مجرد حصول مشاكل عائلية أو زعل الأم الى بيت اهلها .
وفي مجال النشأة الريفية وما ينشأ عنها من سلوكيات وتصرفات سلبية تؤثر بهذا الشكل أو ذاك أو بهذا الأسلوب أو ذاك بمجمل الصفات أو السمات الصحية العامة فإننا نستطيع أن نحصر العديد من العادات والسلوكيات التي يعتادها الطفل والتي تؤثر عليه سلباً :ـ
1.عدم الإهتمام بالصحة العامة وإنسحاب المعتقدات الريفية عليه من حيث يدري أو لايدري.
2.إهمال النظافة الشخصية،وعدم إيلاء جانب الوقاية من الأمراض المشتركة أهميتها الخاصة،ومثال ذلك : عدم الإهتمام بنظافة وتعقيم بعض المنتوجات الزراعية فيتناولها مباشرة على إعتبار إن هذه المواد طازجة ولاتحتاج الى التعقيم متناسياً إن العديد من الأمراض الطفيلية تنتقل عن طريق المأكولات الزراعية غير المعقمة أو المغسولة.
3.عدم الإكتراث بالأمراض التي من الممكن أن تنتقل بواسطة ممارسات خاطئة كالسباحة بالترع والسواقي ومثال ذلك البلهارزيا.
4.عدم نشأة الطفل بما يتناسب مع ما يجري من تطور حضاري وتقدم تكنولوجي،إضافة الى عدم الإستفادة من قابلياته الذهنية والعقلية وتنمية مواهبه.
ولأجل أن يتكامل موضوعنا حيث عرضنا الصورة الإجمالية لواقع الصحة في الريف مسلطين حزمة ضوء على وضع المرأة والطفل فيه وكذلك إستعرضنا الأسباب العامة التي نعتقد بأنها الكامنة وراء جمهرة ملامح هذه الصورة السلبية بكامل إطارها،لذا نرى أن ندلو ببعض ما نراه مناسباً من أجل القيام فعلاً بتغيير هذا الواقع المؤلم بل والمحزن،خصوصاً وقد أصبحت بعض المناطق الريفية بؤرة حقيقية لأمراض عُدّت متوطنة في بلدنا لاسيما وإن هذه الأمراض بإمكانها أن تنتقل الى أماكن أخرى ريفية وغير ريفية.
ويبدو من عرضنا الموجز للأزمة الصحية النسوية في الريف والذي بيناه أعلاه من إنها ليست بالحالة السهلة ولا بمشرقة الأبعاد،بل تحتاج الى دراسة مستفيضة تقوم على أساسها خطة أو خطط متكاملة هيكلها الأساس، السقوف الزمنية، من أجل أن تساهم بشكل مباشر برفع مستوى الواقع الصحي بين النساء في الريف حيث يشكلّن نسبة عددية أكثر من الرجال في المجتمع العراقي .
أن هذه الدراسة يجب أن تقوم على ركائز علمية لاتقبل إهمال أي منها وهي :ـ
أولاً ـ تشكيل لجان عالية التخصص من وزارات الصحة،الزراعة،البيئة،التخطيط،التربية والتعليم،الثقافة،الإعلام،الكهرباء،المرأة ووزارة حقوق الأنسان.
ثانياً ـ التنسيق مع مراكز البحوث العلمية الجامعية العراقية والإستفادة من العلاقات العلمية العالمية المتبادلة .
ثالثاً ـ إشراك منظمات المجتمع المدني.
رابعاً ـ العمل على هيكلة عمل لجان إختصاص تقوم بكافة المسوحات الميدانية،وإن هذه اللجان يجب أن تتوزع وفق ما يلي :ـ
1.لجنة المسوحات الصحية.
2.لجنة المسوحات البيئية.
3.لجنة المسوحات البيطرية.
4.لجنة المسوحات الإنشائية (مراكز صحية،رياض أطفال،مدارس،معاهد،مراكز المجتمع المدني)
5.لجنة المسوحات الخدمية (الكهرباء،الماء،الطرق،المواصلات)
6.لجنة نشر الوعي الإجتماعي والثقافي والصحي.
خامساً ـ إستقدام خبراء الصحة والبيئة الدوليين.
سادساً ـ تقديم مقترحات الحلول وفق سياقين :ـ
1.العاجل والسريع والقريب الأجل.
2.البعيد الأجل.
إن إستكمال آلية عمل هذه الخطط من شأنه أن يضع النقاط على الحروف ومن شأنه أن ينقذ الواقع الصحي في أرياف العراق.
ومن أجل إنجاز نقلة نوعية في واقع الريف الصحي،فإننا نقترح القيام بما يلي :ـ
1.بناء مراكز صحية وفق أسلوب البناء الجاهز.
2.بناء مستوصفات مركزية تتوفر فيها وسائل التكنولوجيا الطبية المتقدمة وتساهم بحل الأزمات الصحية للمواطنين في تلك المناطق.
3.إيلاء الأرياف إهتماماً خاصاً جداً بتوزيع الأطباء والكادر المساند لهم وفق خطة التوزيع الخاصة بوزارة الصحة،مع مراعاة إحتساب حوافز أساسية للعاملين في المجال الصحي والطبي في تلك المناطق.
4.أعادة تأهيل القابلات وكافة الكوادر الوسطية الذين يعملون هناك.
5.إستحداث أسلوب الفرق الطبية الجوّالة والتي بإمكانها أن تصل الى أقصى المواقع وكذلك المواقع التي يُعّد الوصول إليها صعباً كالأهوار مثلاً.
6.القيام بحملات تلقيحية خاصة بنساء وأطفال الأرياف ضد الأمراض الأنتقالية.
7.بناء مراكز المجتمع المدني والتي تعمل على إشاعة الثقافة الصحية والإجتماعية والعامة بين العوائل بشكل عام وبين النساء بشكل خاص.
8.مد شبكات الطرق والكهرباء والماء والإتصالات وإيصالها الى كافة المساكن وفي أبعد المواقع.
9.نشر المدارس أو المراكز التعليمية والعمل على معالجة الأميّة علاجاً جذرياً.
10.إنشاء رياض الأطفال.
11.إنشاء معامل ومصانع تساهم بشكل مباشر على خلق طبقة عاملة وكذلك تساهم على الإرتقاء بالمستوى المهني والإنتاجي وبالتالي برفع وعي ومدارك الناس هناك.
12.القيام بحملات التوعية الإجتماعية والصحية وبكافة الوسائل التثقيفية والإعلامية،مع الإهتمام بتأسيس محطات إذاعية وتلفازية محلية موجهة.
13.إيلاء الشبيبة الإهتمام الخاص فهم العمود الفقري لأي مجتمع.
14.إستصدار تعليمات مركزية من أعلى سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية في البلد تقضي بضرورة إجراء كافة
التسهيلات الإجرائية الخاصة بتطوير الريف والنهوض بواقعه.
إننا نعتقد إن الريف العراقي بحاجة الى ثورة حقيقية تقلب واقعه الحالي الى واقعٍ إنساني أفضل.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |