للوهلة الأولى لا يبدو العراق مكانا مثاليا لقضاء عطلة تحت الشمس، فالارهابيون واللصوص يجوبون الشوارع التي تشوهت بآثار القنابل واطلاق الرصاص الذي تضج به العاصمة العراقية ليلا.
لكن بالنسبة لواثق هندو فإن هذا البلد سيكون من أكبر المواقع السياحية. قال هيندو مشيرا بحماس كبير الى خريطة كبيرة للعراق على أحد جدران مكاتبه الواسعة في شارع الكرادة «أنت لديك هنا كل المواد الأولية. فالعالم ما زال ينظر الى هذا المكان على أنه مهد الحضارة البشرية. أنت لديك بابل ونينوى وبالقرب من أور هناك جنة عدن».
والمقاول هندو، 55 سنة، لا يريد فقط الاستناد الى التاريخ كعنصر جذب للسياح بل انه يتصور جولات سياحية منظمة تتضمن الاقامة في فنادق ومنتجعات بأربعة نجوم. وبامكان الأسر الأميركية التنقل في باصات صغيرة على شوارع رئيسية جديدة، والتزلج على الماء وربما بناء مدينة ديزني لاند عند بحيرة الحبانية. أما السياح المتدينون فبامكانهم أن يتجهوا الى المواقع التي دفن فيها النبيان يونس وأيوب (عليهما السلام) أو الى مدينتي النجف وكربلاء المقدستين. وأضاف مبتسما وهو ينقر على الخريطة بأصابعه: «سيقبِّلون الأضرحة وينفقون النقود أيضا».
لكن القليل من رجال الأعمال يشاركون تفاؤل واثق هندو. فهذا البلد في نهاية الأمر هو المكان الذي حدده الارهابيون المتزمتون بأنه ساحة قتالهم الأساسية. ولم تزل الكهرباء لا يعوَّل عليها بحيث أن أفضل الفنادق في العاصمة ليس بامكانه ان يضمن توفر تكييف هوائي مستمر في صيف تبلغ درجة الحرارة أثناء نهاراته أكثر من 45 درجة مئوية.
لكن اذا كان لمساعي اعادة اعمار العراق أن تنجح في العراق فانه من الضروري في هذه الحالة وجود أفراد مغامرين ومستعدين لتحمل المخاطر مثل هندو، حسبما يقول المسؤولون الأميركيون. فهو يمتلك نقودا للاستثمار وقد أسس شركة سياحية ويأمل ان يبدأ بجلب السياح هذا الخريف. وقال الكولونيل وليام دايس الاداري العسكري الذي يشرف على وزارة السياحة ان «أسلوب هندو جريء». ويعمل هندو منذ أبريل (نيسان) الماضي كمستشار لوزارة السياحة أيضا.
وهندو القصير القامة والبدين ذو الابتسامة الجذابة والعينين الزرقاوين غير غافل عن المخاطر الموجودة هنا. لكنه يؤكد أنها ستختفي تدريجيا خلال عام واحد، مع استقرار البنى السياسية للبلاد وعودة الناس الى العمل. ويمكن للسياحة أن تسرِّع هي الأخرى بتحقق هذه العملية حسبما قال هندو.
«هل تعرف لماذا يتسيَّس الناس هنا»؟ سأل هندو بعد أن رفع حاجبيه بطريقة خبيثة. «لأنهم يفتقدون التسلية».
ومثل أي رجل أعمال جيد يسعى لحماية رهاناته أسس هندو شركة أمن خاصة ويتم تدريب 1200 رجل للعمل فيها.
والسياحة بالنسبة لهندو هي آخر مشروع جريء يفكر في تنفيذه. وهو قد ابتدأ عمله أولا في وزارة النفط العراقية خلال السبعينات ثم أسس شركة استشارات تجارية ومكاتب للترجمة وفي كلا المجالين حقق هندو نجاحا كبيرا.
بعد حرب الخليج الثانية سنة 1991 بدأ باستيراد السجائر وحقق من ذلك أرباحا كبيرة حسبما قال هندو. لكن المسؤولين الحكوميين اغتصبوا الأموال منه ثم أجبروه في الأخير على التخلي عن تجارته. فتحول الى تجارة الكحول ثم الى البيرة لكن الشيء ظل يتكرر مرارا. وسُجن ثلاث مرات لكنه تمكن من تجنب مشاكل كبيرة مع مسؤولي النظام السابق.
وقال هندو: «كنا نزيهين في العمل، وندفع بشكل سليم ونعرف الكثير من الناس». لكن الشكوك دارت حوله بسبب رحلاته المتكررة الى شيكاغو حيث يدرس ابناه نادر ورافد وكلاهما يحمل الجنسية الأميركية وقد أمضيا نصف عمريهما في العراق وهما الآن معه في بغداد لمساعدته في مشاريعه.
بعد انتهاء الحرب كان سهلا على هندو العودة الى تجارة استيراد الكحول لكن السياحة تمنحه الفرصة كي يكون طلائعيا في هذا الميدان. ولم يرحب العراق في السابق بالسياح فتحت حكم صدام حسين كان القليل من الناس يتجرأون على السفر الى العراق وكان التعامل معهم كأنهم جواسيس حيث يظل رجال المخابرات يتعقبون كل حركاتهم.
وقبل وصول صدام حسين الى الحكم كان العراق أكثر انفتاحا وتظهر كراريس سياحية قديمة تعود على أوائل السبعينات النساء بشعر أسود طويل وتنورات قصيرة يقفن أمام شلالات. لكن القليل من الأجانب جاءوا لزيارة العراق بسبب سمعة العراق السياسية من حيث غياب الاستقرار السياسي وتفشي العنف فيه. ولم يكن هناك أي سياحة داخلية أيضا. فالأثرياء العراقيون كانوا يفضلون الذهاب الى أوروبا للتخلص من حرارة الصيف.
ويخطط هندو للبدء بتوفير ثلاثة خيارات سياحية أولية، وتبدأ كلها من البصرة التي يوجد فيها مطار صالح للخدمة. ستركز الجولة التي أمدها يومان على زيارة المدينة القديمة أور، أما الجولة التي تمتد الى أربعة أيام فهي تغطي وسط العراق وهذا يتضمن زيارة مدينتي النجف وكربلاء. أما الجولة التي تستغرق أسبوعا فانها تدخل شمال العراق أيضا لزيارة نينوى التي كانت ذات يوم عاصمة الدولة الآشورية القديمة.
وقال هندو: «في الشمال هناك بحيرات جميلة لم تُستغل أبدا من قبل. وفي الجنوب هناك الأهوار. صدام قام بتجفيفها لكن حالما تضع ماء فيها فانها ستصبح فينيسيا الشرق الأوسط». ولكي يدعم وجهة نظره أخذ هندو كاتب هذا التقرير معه لزيارة أنقاض بابل الواقعة الى شرق بغداد. وهناك نزل هندو من سيارته وتقدم أمام المراسل الى حقل مغطى بالنفايات في وقت كانت أصوات الرصاص تلعلع عند حافة الحقل، لكن هندو لم يرتدع، وأشار بيده الى طابوقات من الطين المشوي كانت ذات يوم تشكل جزءا من قصر ملكي: «هذه هي الطريقة التي كانت تبنى فيها بيوت بابل». وكان ذلك الموقع قد جُدِّد قبل عدة سنوات وفيها يقف أسدان جديدان مبنيان من الصخر. ثم انفجر صوت قوي كأنه قنبلة جعلت المراسل يتلفت بخوف حوله لكن بدا هندو كأنه لم ينتبه الى الصوت، بل راح مواصلا حديثه: «أنت قد تنصب خيمة هنا، فيستطيع الناس ان يتوقفوا هنا ليأخذوا وجبة طعام خفيفة». ثم نظر الى الشمس بعينين نصف مغمضتين ليردد حالما: «سيكون مكانا جميلا حقا».
* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»