لماذا لم يفلح (( صانع الملوك)) في تحرير العراق؟
هاجر القحطاني
حسنا فعل السيد مقتدى الصدر حين قرر الانعزال والتفرغ لطلب العلم . وليس مهما الان ان كان سيفعل ذلك في النجف الاشرف او في مدينة قم ، المهم ان تبعده الكتب وحلقات النقاش والدراسة عن اللعبة السياسية في العراق بالوقت الحاضر.
في هذا الابتعاد الطوعي سيكتشف السيد مقتدى الصدر زيف الادعاء الكبير الذي لمح اليه في حديث انعزاله وهو (( تحرير العراق )) . الذي حز في نفسه انه لم يفلح فيه – حتى الان كما استدرك مقربوه-
سيدرك طالب العلوم الدينية الشاب ان خوض معارك تحرير الاوطان يحتاج الى عدة بديهيات : الاتفاق على العدو. الاستعداد الكافي لطرده . وجود مشروع متكامل لتشكيل دولة وطنية بعد طرد المحتل ( بضمنه طبعا الدعم الدولي والاقليمي وما الى ذلك ) . وجود قادة اوقائد برؤية واضحة وكاريزما استثنائية لتحريك المشاعر، واخيرا توفر درجة من الوعي والارادة لدى المواطنين الذين سيتحملون تبعات معركة تحرير الوطن.
للانصاف ، كان مشروع السيد الصدر متوفرا على واحدة فقط من هذه البديهيات وهي الكاريزما الشعبية .
لفت القائد الشاب المتحدر من اسرة ذات بريق خاص في الوجدان الشعبي ، لفت الانظار اليه بسرعة بعد سقوط النظام السابق ، وصعد اسمه كالصاروخ في سماء ملبدة بالغيوم يربكها التباس كبير.
كان هذا العنصر الوحيد الذي استثمره مقتدى الصدر ايما استثمار ، وحقق من خلاله الكثير من الانجازات.
فقد هتفت باسمه الملايين ، التي حركها كما شاء في التظاهرات السلمية او العنفية . واثار الكثير من القلق لدى اللاعبين الاساسيين في الساحة العراقية من قوات احتلال وغيرها ، كما صار للكتلة الصدرية في البرلمان العراقي حضور كمي جيد ، ولتحركاتها اصداء مسموعة . ولعبت في وقت ما دور بيضة القبان التي رجحت كفة
الدكتور ابراهيم الجعفري مرشحا لرئاسة الوزراء. حتى سمي وقتها السيد مقتدى الصدر بصانع الملوك في الصحافة الامريكية.
لكن ذلك كله ذهب ادراج الرياح ، واهم ما في الامر كان الدماء الشابة التي هدرت في معارك ((جيش المهدي )) مع القوات الاجنبية او القوات الحكومية والميليشيات المنافسة.
الكتلة الصدرية في البرلمان تحولت الى مراقب سلبي . ميزتها مواقف مختلفة لكن مذبذبة ومتناقضة . لمع بينها نجوم شباب بسرعة ثم انطفاوا اسرع .
((جيش المهدي)) تحول الى صيد سهل وتناثرت اشلاؤه بين المدن .
حتى الانجاز السياسي المذهل بالتحالف الناجح – انذاك – مع الدكتور الجعفري والذي كان نصرا كبيرا للتيار الصدري ، صودر بلعبة سياسية اشد مكرا ثم تحول الى نقمة على التيار.
ربما ، يمكن ان نجادل بالحق الشرعي لكل مواطن في اختيار الطريق الذي يراه مناسبا للتعامل مع حدث جلل مثل وقوع البلد في قبضة احتلال اجنبي.
لكن ما لا يمكن الجدل بشانه هو التصرف والعبث بارواح الناس عبر فكرة سياسية تصعد حينا وتهوي حينا اخر.
ثم ان القاصي والداني يعرف استثنائية ما حصل ويحصل في العراق ، ولذلك يحتاج العراق الى قادة مبدعين لا يكررون اي نموذج دولي او اقليمي لمقاربة حل عراقي لازمة البلد.
حصاد خيار السيد الصدر ، كان للاسف الكثير من الدماء الشابة ، واتهاما بالتورط في فتنة طائفية نتنة ، وتورطا اخر بصراعات داخلية مع كتل شيعية اكثر حيلة واقوى نفوذا ، والاهم جيل وشريحة كاملة ارتبطت وجدانيا بمشروع التيار الصدري ، وتركت الان على قارعة الطريق في حيرة وتشوش.
مع كل ذلك فان في التيار ، رجالا صالحين ووطنيين مخلصين ، الامل في ان يعيدوا صياغة مشروع سلمي يستثمر الراسمال الرمزي للتيار الصدري وينخرط في عملية بناء ما يمكن بناؤه في مدن العراق