لكي لايدور دولاب الدم من جديد في العراق



عصام حسن*

Esam126@hotmail.com



بعد الانتهاء من اللقاء التلفزيوني الذي تم على فضائية المستقلة مساء 19/10/2003حول ظاهرة السيد مقتدى الصدر وتداعياتها، اخبرني المخرج بان احد المتصلين بالقناة - عبر الهاتف- يود الحديث معي.

كان المتحدث –كما اخبرني- يتحدث من الرياض ويعتب علي لانني كنت ديبلوماسيا اكثر من ما يجب في اجوبتي عن ظاهرة السيد مقتدى، ولم اضع النقاط على الحروف،وخيّبت ظنه ،فقد كان يتوقع مني"صولات وجولات" –حسب تعبيره- الا انه لم يشاهد ها طيلة ساعتين من البث المباشر.

قلت للمشاهد العزيز ليست هي "رجولة" ان اصول واجول، بعنتريات ماقتلت ذبابة –حسب تعبير نزار قباني- في موضوع يجب ان يعالج بعقل مفتوح وشفافية متناهية وعبارات موزونة، فالتيار الذي نتحدث عنه شاب يافع،يتمتع بقابليات القوة والاندفاع والعنفوان، وما يراه يعتبره جزء من معتقد ودين، ولابد ان يكون خطابنا السياسي معه، منسجما مع مايحمله من مواصفات تكوينية ان اردنا ان نعالج حالات الاندفاع التي تشكو منها.

ان مجموعة السيد مقتدى لم تتخرج من حلقات حزبية او خلايا سياسية، لنتحدث اليها بما يشبه حديثنا مع الاخرين، انهم شباب على سجيتهم وفطرتهم ونقائهم، وجدوا فراغا سياسيا وامنيا –بعد سقوط النظام البائد- فملؤوه ، فيما استنكف الاخرون من التصدي لملء هذا الفراغ لاعتبارات معروفة.

من هنا فان من يريد محاكمة هذا التيار عليه استيعاب تجربته، واعطائها حقها سلبا او ايجابا، والا فسيكون الحكم بعيداعن الواقع.

فعندما تحاكم منتميا الى احدى الحركات السياسة العريقة فانك تستعين باليات ومعايير تختلف عن محاكمة محب او متعاطف او نصير لهذا التيار اوذاك، فالاحزاب والحركات لها ضوابط"صلبة" في انتقاء العناصر والافراد المنتمين لها، وكتابة الخطاب السياسي، اما التيارات المفتوحة- على مصراعيها - فليس فيها،كل تلك الضوابط الصلبة، انها تشبه- الى حد بعيد- صلاة الجماعة، فليس لامام يصلي الجماعة ان يسأل المؤتّمين خلفه،عن وضوئهم وسيرتهم وسوابقهم، فالمتعاطف مع التيار يأتي وينضم دون اذن من احد، لان الابواب مشرعة بالاصل، بينما الاحزاب والحركات الاصل في ابوابها ان تكون موصدة، وهي لاتفتح حتى لمن يطرقها،بل انها تذهب وتنتقي العناصر التي تجد فيها المواصفات المطلوبة تم تفاتحها.

من هنا فان اللغط الذي يثار- مؤخرا- حول مجموعة السيد مقتدى الصدر والممارسات المنسوبة اليها، يجب ان ينظر اليها من هذه الزاوية لفهمها ودراستها وتقويمهالتكون دقيقة او اقرب الى الواقع، عندها يستطيع المراقب ان يقترب من الحكم والتحليل بخطى مستقرة ورؤية ثاقبة.

وقد اثبتت الاحداث الاخيرة حجم المبالغات- وبعض المغالطات- التي سقطت فيها وسائل الاعلام المختلفة،عندما زعمت ان اقتتالا قد وقع بين ميليشيا هذا المرجع اوذاك، او تصريحات نسبت لمساعد هذا المرجع او ذاك، وكانت المحصلة الحقيقية ان هذا المرجع ليست لديه ميليشيا اساسا، او مساعد ينطق باسمه،والخطأ الذي يرتكب-اعلاميا- بحق هذا الطرف يمكن ارتكابه بحق الطرف الاخر ايضا.

ان الدم العراقي استرخصه الطاغية صدام،وان العراق الجديد يجب ان لايسمح لدولاب الدم ان يدور في فضائه، ليحصد ارواح شبابنا بهذه الحجة او تلك،وليس امامنا الا ان نعارض باسلوب متحضر ونرفض الاحتلال بنفس الاسلوب،وان لانسمح للاساليب البعثية ان تعيد دورة العنف في خلايا مجتمعنا الذي لم تندمل جراحاته بعد.

*سياسي-اعلامي عراقي