هذا ما يعتقده عدد من بائعي هذه الاحجار الكريمة وعشاقها ، ويؤكدون ان (مسبحة) الكهرب تفيد بشفاء مرض التهاب الكبد الفايروسي أو ما يعرف بـ (أبو صفار) ، اما (اليسر) و(الباي زهر) فاستخدامهما المستمر يساعد على تدفق الدم ويقوي أصابع ومفاصل اليد ويجعلها في حركة دائمة ومختلفة ! والمسبحة عبارة عن عقد مكون من مجموعة من الحبات (خرز) مثقوبة يجمعها خيط يمرر من خلال ثقوب في الحبات لتشكل حلقة حيث تجمع نهايتا الخيط ليمرر بقصبة من نفس نوع ولون الحبات تسمى (الشاهول)
واختلفت المصادر التاريخية في تحديد اصل (المسبحة) ، فمنها ما ذكرت ان الهنود هم اول من استخدمها وابدع بها والبعض الاخر أرجعها الى اقدم من ذلك وربطها بكل الديانات القديمة ، كما استخدمها البعض في ممارسة السحر والشعوذة ، فيما أشار اخرون الى ان العرب عرفوا هذا النوع من المسبحات بعد الفتوحات الاسلامية وأرجعوا ولادتها وظهورها الى الاسلام، وكانت تصنع في بدايتها من الطين المجفف لغرض التسبيح والاستغفار..
تصنع المسبحة في الوقت الحاضر من مواد مختلفة ، فقد تصنع من التربة المجففة وتلون بألوان شتى منها الأسود أو الأزرق الشذري أو البني الترابي أو تصنع على شكل حبيبات خزفية, كذلك قد تصنع من مادة (اليسر) المجلوب من البحر الأحمر وتصنع قرب مكة المكرمة حيث يتم تشكيلها ونقشها وتطعيمها بنقط من الفضة أو الرصاص، فضلا عن استخدام الصدف أو المرجان أو خشب أشجار الزيتون ونواة الأثمار ، ويصنع بعضها من الأحجار الكريمة مثل الكهرب والياقوت والعقيق والمرجان واللؤلؤ والفضة والذهب والستيل وعين النمر واللابيس لازوليه وقائمة طويلة من نفائس الحجر والمواد الأخرى أو من العاج المنقوش والمحفور, كما قد تصنع من المواد البلاستيكية الرخيصة
تتكون المسبحة من 99 حبة مع فاصلتين صغيرتين حيث يكون بين كل فاصل 33 حبة وشاهد أو من 33 حبة مع فاصلتين حيث يكون بين كل فاصل 11 حبة وشاهد. وللمسبحة أهمية كبيرة لدى بعض الناس قد تصل إلى درجة التقديس وربطها بأمور دينية ، فبعد ماء زمزم المبارك ، تعد المسابح من الاشياء المفضلة بالنسبة للحجاج الذين يسعى معظمهم لشراء هدايا تذكارية لذويهم واحبائهم من مكة المكرمة والمدينة المنورة ، اذ ليس ثمنها هو المهم بل المكان الذي اشتريت منه
ويختلف شكل وحجم المسبحة بحسب اختلاف الشعوب والبقاع ، اذ اطلقت عليها مسميات حسب المنطقة المنتجة أو المستخدمة ، فيقال (مسبحة اسطمبولية) دلالة على صناعة اسطنبول و(مسبحة نجفية) المنتجة في النجف و(مسبحة يسر مكية) دلالة على مسبحة (اليسر) المفضفضة أو المنتجة في مكة المكرمة و (الأفغانية) على مسبحة حجر (البازهر) ، كما قيل (مسبحة المانية) دلالة على مسبحة الكهرب المنتجة في المانيا (والأرض روم) على مسبحة المتحجرات السوداء في تركيا والمنتجة من تلك المنطقة (والنيسابورية) على مسبحة الفيروز المنتجة في إيران ، وغيرها كثير
وينتشر باعة (المسبحات) في كل مكان تقريبا ، وتجدها في الأسواق العامة أو في المتاجر أو قرب المراكز الدينية ، سواء تلك الموضوعة على بسطة أرضية أو معلقة في متاجر اسواق عريقة مثل سوق خان الخليلي في مصر وسوق المدرسة المستنصرية القديمة في بغداد وسوق (قباغلي شارصي) في اسطنبول وحوانيت عمّان والشام ومكة المكرمة وأسواق عديدة أخرى
ومن الطريف ان تجد ان (السبح) الثمينة بدأت تباع في غير اماكن بيعها التقليدية كالمطارات ومتاجر الفنادق الكبرى أو محلات الجواهر في جنيف مثلا وفي مدن أوروبية أخرى كباريس ولندن وكذلك نيويورك
يقول حسين فاضل احد هواة جمع (السبح) في بغداد ، ان أثمن هذه الأنواع ما كان من حجر الكهرب ، اذ يمتاز هذا النوع انه يوجد في داخله (حشرة) تعلق بالمواد الصمغية عند نزولها من الاشجار وتبقى محفوظة داخلها لمئات والإف السنين ، وتعطي هذه الحشرات شكلاً جمالياً لهذا النوع الفريد والنادر من الاحجار
ويضيف : وبسبب طبيعته التكوينية ، يمتاز حجر الكهرب بعطر الكافور ويباع اغلبه كما يباع الذهب بالمثقال والبعض الأخر يباع بالدولار ، ويكثر تواجده في روسيا والمانيا وبولونيا ويكون على شكل رغوة ويتكدس على مر مئات السنين ومن خلال التكدس يكون على شكل طبقات. ويؤكد ان الحجر الألماني او ما يسمى (ملك احجار الكهرب) يصل سعر أرقى انواعه النادرة المسمى (المغلف) إلى 20 دولاراً للغرام الواحد ويمتاز بالرائحة العطرة وعمره الطويل
وفي سوق الاستربادي أحد أهم اسواق بغداد التراثية في الكاظمية والذي يشتهر ببيع المسبحات على نطاق واسع يجد المرء العديد من النادر والثمين منها، اذ ان هناك انواعا تصل أسعارها الى اكثر من خمسة ملايين دينار واخرى ليست للبيع بل للعرض فقط لندرتها لانها تعد تحفا نادرة
ودخلت التكنولوجيا في صناعة المسبحة وتطورت وسائل انتاجها بدءاً من انتاج الاحجار الكريمة وشبه الكريمة الى ابتكار المواد المركبة والمصنعة والتي ادت بالنتيجة الى ازدياد انواع (السبح) المغشوشة والبلاستيكية واصبح التمييز والتفريق بينها وبين الاصلية امراً بغاية الصعوبة بالنسبة للناس العاديين غير الملمين بانواعها ومناشئها
ويؤكد الحاج أبو طالب والذي تجاوز عامه السبعين ولا زال يهوى اقتناء وشراء المسبحة انه عشق هذه الهواية منذ صباه ، ويتذكر ان اقتناء المسبحة في زمانه كان من ضروريات اكتمال الرجولة او مظهرها، كما يعتقد أبناء جيله. في حين يقول قاسم فؤاد ـ موظف ـ انه انه يقتني المسبحة لغرض التسلية والمتعة وقد اعتاد عليها وأدمنها في يده ولا يستطيع تركها حتى في أوقات النوم ، بل انه قد يضحي بمصروف البيت من اجل اقتناء مسبحة تعجبه. وما يثير الاستغراب ان احدهم اباح بسر وهو انه يقتني المسبحة غالية الثمن والفريدة لقصد التباهي أمام الآخرين مع العلم انه ليس من أصحاب الأملاك أو التجارة وحالته المادية ضعيفة وقد يلجأ إلى الاستدانة من الآخرين لغرض شراء المسبحة التي تعجبه ! وقد لا يجد علماء النفس او الاجتماع سبباً معقولاً لتفسير هذا العشق الجنوني الا اذا دخلوا عالم (السبح) الخاص والمثير ، وقد لا يخرجون منه الا واصابعهم تمسك بـ (شاهول) سبحة كهرب !

المؤتمر