بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في حديث الكساء اليماني
الأنوار الإلهية بين باطن الشمس وظاهرها
لم تكن هذه الـ(بعض الأيام) التي دخل فيها سيد الكون على ابنته غير بيان خلاب لجمالية الأمر الإلهي بوصفه أمراً شديد الوطأة ثقيلا يحتاج إلى صفحة نظيفة حقيقة النظافة كي تنزل حروفه وكلماته وتتثبت أركان عرشه من دون أن يكون لرماد الدنيا في فضائها حضور .. ولشدة نقاء هذه الصفحة بانت عليها علائم الضعف وهي تتلقى الفيض الإلهي وبشارة السماء في التنصيب الإلهي الذي احتاج هذا التمهيد الطويل منذ آدم إلى يومنا هذا ، فلم يكن آدم غير حامل لمسند الخلافة الإلهية ولم يكن من كلف من البشر بالنبوة وبالرسالة غير مثابات للخلافة الإلهية ولذلك كل مثابة عندما تستبين حالها تسأل ربها في أن تكون هي درة تاج الخلافة الإلهية ولكنها عندما ترى من آيات ربها الكبرى تخشع وتخضع وتشكر الله أن كانت ياقوتة من ياقوتات التاج الإلهي الذي حمله آدم ومن أجله سجدت له الملائكة ، وكم كان الحمل عظيماً ، وهكذا دار الزمن دورته الإلهية لتشهد الأرض تراكض الياقوتات إلى محالها من تاج الله النازل إلى الأرض في زمن اغبرّ فيه أفقها وتكأب وجهها ، وقفزت (أنا) هذا المخلوق المخادعة إلى السطح لتتأله وتصير هبلا وعزى ومناة ولات ... ولات حين مناص ... وهنا كان الحضور الإلهي في بادية خالية إلا منه سبحانه حيث أن مسرح الحضارة الجديدة القديمة يبدو مكفهراً ماديا وليس فيه ما يثير أو يدعو للتنافس أو التناحر والحياة في هذا الوادي الغريب قد أخذت تتبين معالمها فالسادة هم تجار قريش وعبيدهم الذين يسهرون على خدمتهم وبين هاتين الطبقتين توفرت لوازم حياة الـ(أنا) التي حجزت لها مكاناً في قلب بيت إبراهيم الخليل بل في قلب إبراهيم الخليل مبالغة في التحدي وإعلاناً عن جدية المواجهة بين كلمة الله وكلمة الـ(أنا) ومسرح المواجهة واد غير ذي زرع !!!
لقد دخل سيد الكون على ابنته وهو حامل لهذه البشرية المتمردة عرش الله بشارة يكشف فيها ظلمة التردي في دهاليز الشيطان المظلمة وأنار لها طريقا إلى الله سبحانه ، فكان سيد الكون دستور الله وكلمته التي تتحرك على الأرض وكان نائبه أداة التنفيذ للدستور الإلهي وكانت بضعته بيت هذا الدستور الذي برحيله تحول إلى بيت الأحزان!!!
وهذا هو بيت الله يتكلم قائلاً : عن فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قالت : دخل علي أبي رسول الله في بعض الأيام فقال : السلام عليك يا فاطمة فقلت : عليك السلام ، قال إني أجد في بدني ضعفا ، فقلت له اعيذك بالله يا أبتاه من الضعف !!!
وهاهو البيت الذي يجد فيه سيد الكون رَوْحُهُ وراحته يعيذ السيد بالغيب الذي أرسله منه حاملا كلمته ، وكان قبل ذلك السلام مستهله ومحله ، والتعويذ خفف عنه ثقله فما كان منه إلا أن قال : يا فاطمة ايتيني بالكساء اليماني ، فغطيني به ، فأتيته بالكساء اليماني ، فغطيته به ، وصرت أنظر إليه ، وإذا وجهه يتلألأ كأنه البدر في ليلة تمامه وكماله !!!
نعم كان باطن الكساء عالم الكلمة وفضاؤها المظهر لنورها لقد كانت كلمة الله تسير بين الناس وقليلون إن لم أقل نادرون هم من لمحوا هذا النور الذي ملأ أريجه بيت الكلمة ، لقد كان الكساء مفتاح لسر الكلمة ... وكانت الكلمة لسان الكساء الناطق والكلمة والكساء في بيت الله فهذا الإعداد الإلهي العظيم كان يجري في بيت الله والناس عنه غافلون !!!
ويكمل البيت حكايته الإلهية قائلاً : فما كانت إلا ساعة ، وإذا بولدي الحسن قد أقبل ، وقال: السلام عليك يا أماه فقلت: وعليك السـلام يا قرة عيني ، وثمرة فؤادي ، فقال : يا أماه إني أشم عنـدك رائحة طيبة ، كأنها رائحة جدي رسول الله ( صلى الله علية وآله وسلم ) فقلت نعم إن جدك تحت الكساء، فاقبل الحسن نحو الكساء ، وقال : السلام عليك يا جداه ، يا رسول الله ، أتأذن لي أن أدخل معك تحت الكساء ؟ فقال : وعليك السلام يا ولدي ، ويا صاحب حوضـي ، قد أذنت لك فدخل معه تحت الكساء .
وبعدما قرت الكلمة واستقرت وأخذت من الزمن ساعة قرارها أقبلت كلمات الله تباعا كي ترى البشرية أي رسالة لله سبحانه نزلت في ذلك اليوم السعيد جدا على الأرض ولعظم سعادته خفي أمره على الناس إلى يومنا هذا ، لقد كانت كلمة العدل أول الكلمات التي دخلت إلى فضاء كلمة الله فسلمت عليها بـ(الرسالة) فهي ثمرة فؤاد بيت الله وصاحب حوض الكلمة ، وهذا الصاحب لابد ان يكون هو عدالة الكلمة ؛ أي عدالة التوحيد وبعد أن أخذت العدالة مكانها وقرت واستقرت زمنا ، أقبلت كلمة الله الثانية كما حكت سيدة النساء : فما كانت إلا ساعة ، وإذا بولدي الحسين ( عليه السلام ) ، قد أقبل وقال : السلام عليك يا أماه ، فقلت وعليك السلام يا ولدي ، ويا قرة عيني ، وثمـرة فؤادي فقال لي : يا أماه ، إني أشم عندك رائحة طيبة:إنها رائحة جدي رسول الله ، فقلت : نعم إن جدك وأخاك تحت الكساء ، فدنى الحسين ( عليه السلام ) نحو الكساء ، وقال : السـلام عليك يا جداه السلام عليك يا من اختاره الله ، أتأذن لي أن أكون معكما تحت الكساء ؟ فقال : وعليك السلام يا ولدي ، ويا شافع أمتي ، قد أذنت لك ، فدخل معهما تحت الكساء. وهذه كلمة النبوة قد أقبلت (حسين مني وأنا من حسين ...) فكانت الثمرة الثانية وقرة عين بيت الله سبحانه هي النبوة فكان الحسين نبياً يسير إلى مذبح الحقيقة بقدمين راسختين وكان دخوله ثانيا إلى فضاء كلمة الله العليا هو إيذان ببدء مراسم الذبح ليشكل الدم الطاهر أرجوحة النار التي أرهقت الطواغيت وخلقت من جبروتهم رعبا يقطنهم فينفسون عنه بفنون العذاب التي يبتكرونها مع من لا يخضع لهم ويرضى بحكومتهم ، لقد نزع دم الحسين(ص) أي رحمة من قلوب الطواغيت كيفما كانوا وخلت قلوبهم إلا من العصيان والتمرد والجبروت ، لقد كانت كلمات سيد الكون في وصف النبوة إنها منه وهو منها بيانا جليا أن النبوة من التوحيد فلا نبوة بلا توحيد (عند التنزيل) ، وأن التوحيد من النبوة (عند التأويل) أي أن في زمن التأويل لا توحيد لمن لا يكون نبيا ، مثلما كان في زمن التنزيل لا توحيد لمن لا يكون نبياً ، ولا أعني بالنبوة هنا (الوظيفة) بل اعني بها العمل والحركة في الحياة وهذا الذي يوفق لذلك ينبأ وتحدثه الملائكة في عقله ويصبح عقله مآلا لها ترتاده كل حين بإذن ربها ويصبح حرمها الآمن فيمشي الملائكة مطمئنين في أرضه ، ويصبح الملائكة رسل الله إلى أولئك الذين أمنت أرضهم بحلول كلمة الله فيها ... وحلولها في تلك الأرض يستنبتها شفاعة فتكون كلمة النبوة شافعة لمن استنبتها في أرضه بل وسبيله إلى حوض التوحيد ، ولما أخذت كلمة النبوة قرارها في حضن التوحيد أقبلت الإمامة كلها بشخص علي(ص) لتعلن عن دخول الركن الأساس من أركان بيت الله حيث قالت كلمة الله(البيت) : فأقبل عند ذلك أبو الحسن علي بن أبي طالب ، وقال : السلام عليك يا بنت رسول الله ، فقلت : وعليك السلام يا أبا الحسن ويا أمير المؤمنين ، فقال : يا فاطمة إني أشم عندك رائحة طيبة ، كأنها رائحة أخي ، وابن عمي رسول الله ، فقلت نعم ها هو مع ولديك تحت الكساء ، فأقبل علي نحو الكساء ، وقال : السلام عليك يا رسول الله ، أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء ؟ قال له : وعليك السلام يا أخي ، ويا وصيي ، وخليفتي ، وصاحب لوائي ، قد أذنت لك ، فدخل علي تحـت الكساء ، لقد كان لدخول كلمة الإمامة الى عرش الله رابعاً فإنه ـ وبحسب ما أفهم ـ إيذانا بقيام عرش الله على أرضه بعد اكتمال الأركان بكلمة الإمامة ، وبدء مرحلة لإمارة حيث أن أمير المؤمنين (كلمة التوحيد والعدل والنبوة والإمامة) هي التي تمير المقبلين عليها من فيضها العميم ، ورد في مناجاة الراجين (يامن إذا سأله عبد أعطاه ، وإذا أمّل ما عنده لغه مناه ، وإذا أقبل عليه قرَّبه وأدناه) ، لقد كان لدخول كلمة الامامة الكساء اليماني إعلان إلهي لأول مرة يكشف فيه أركان عرشه الاربعة ، ففي كل العوالم كان هناك ركن مغيب عن أن يراه أهل ذلك العالم ، إلا في هذا العالم فقد أظهر الله سبحانه أركان عرشه بـ(محمد(ص) كلمة التوحيد ، والحسن(ع) كلمة العدل ، والحسين(ع) كلمة النبوة ، وعلي(ص) كلمة الإمامة) وهذا الركن الرابع الذي جعله الله سبحانه حضن حجر العهد (الحجر اليماني) حتى أنّ الركن صار معروفاً بـ(الركن اليماني) إعلانا لا يقبل التأويل أن اليماني هو باب كلمة الإمامة التي لا يكون المؤمن بها مؤمنا حتى يؤخذ منه البيعة لها غيباً فيما مضى ، أو ظهوراً في يومنا الحاضر ، ذلك أن المحنة في الإمامة محنة هذا العالم !!! والمحنة تتركز في أن الأمة لم تعتد الدخول على علي(ص) من باب جعله الله له ، بل كانت تدخل اليه من أي باب من أبوابه ، والمتأمل في كلمة (علي) يجدها بثلاثة أركان (ع/ل/ي/...) وركن رابع خفي غير ظاهر مدار الابتلاء في هذا العالم ، ومن يلتفت الى أنّ محمداً(ص) التنزيل له أربعة أركان (م/ح/م/د) ، ومحمد التأويل كذلك له اربعة أركان (أ/ح/م/د) وفي التأويل يكون الظهور لركن الـ(ألف) بيان لفاطمة(ص) ومحنتها في الأولين والآخرين (السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك ، وكنت لما امتحنك به صابرة) الذي كان مخفيا في التنزيل بركن الـ(ميم) ، ولعل هذا الذي يجول ي رأسي نافع كشفه وهو أن أصل الكلام أربعة أحرف هي أركان العرش (أ/ل/م/ب) ومن هذه الإحرف الشريفة خرج الخلق كله فمن محمد(ص) وفاطمة(ص) كان ظهور (الأم) وفاطمة بمعنى من المعاني هي ظاهر الشمس ومظهرتها فصدق عليها قول أبيها(ص) (أم أبيها فاطمة) وكأني به(ص) يشير بتلميح عظيم البيان فائق اللطافة أن فيها(ص) إمامة أبيها(ص) وملكه الكوني بوصفه لاهوت الخلق كله ، ومن علي وفاطمة(صلوات الله عليهما) كان معنى (أب) وكان معنى (أل) التي معروف عنها أنها تأتي للتعريف ولولاهما ماكانت المعرفة ، وتأتي للعهدية وفيهما كان العهد والميثاق ولذلك بعد دخول كلمة الامامة عرش الله(الكساء اليماني) جاءت كلمة بيت الله لتكون سور العرش الصابر على سره ، ولقد كان لكسر ضلعها يوم الدار دلالة عظيمة عند الله سبحانه حيث كان امتحانا عظيما أكدت فاطمة من خلاله استحقاقها العظيم عند الله سبحانه ومكانتها التي لا يدانيها فيها أحد من الخلق فكانت وستبقى ولا تزال المعنى الحقيقي السامي للأمومة فهي (صلوات ربي وسلامه عليها) سيدة نساء العالمين ؛ الأولين والآخرين ، وهي أم شيعتها وأمانهم يوم الفزع الأكبر وهي قلب محمد(ص) النابض وبضعته البتول فكان دخولها خامساً لعرش الله هو إعلان وإيذان ببدء العد العكسي لحكومة الجبت والطاغوت وعند هذا الحد ساترك القارئ يعيش أجواء العرش بكلمات الله سبحانه على لسان الزهراء(صلوات ربي وسلامه عليها) :
فلما أكتملنا جميعا تحت الكساء ، أخذ أبي رسول الله بطرفي الكساء ، وأومأ بيده اليمنى إلى السماء وقال اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، وحامتي ، لحمهم لحمي ، ودمهم دمي،يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم ، أنا حرب لمن حاربهم ، وسلم لمن سالمهم ، وعدو لمن عاداهم ، ومحب لمن أحبهم ، إنهم مني وأنا منهم ، فاجعل صلواتك وبركاتك،ورحمتك وغفرانك ورضوانك علي وعليهـم واذهـب عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيـرا ، فقال الله عز وجل : يا ملائكتـي ويا سـكان سماواتي ، إني ما خلقت سماء مبنية ، ولا أرضا مدحية ، ولا قمرا منيرا ، ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يـدور ، ولا بحرا يجري ، ولا فلكا يسـري إلا في محبة هؤلاء الخمسة ، الذين هم تحـت الكساء ، فقال الأمين جبرائيل : يا رب ومن تحت الكساء ، فقال عز وجل : هم أهل بيت النبوة ومعـدن الرسالـة ، هم فاطمة و أبوها ، وبعلهـا وبنـوها ، فقال جبرائيـل : يا رب أتـأذن لـي أن أهـبط إلى الأرض ، لأكون معهم سادسـا ؟ فقال الله : نعم ، قد أذنت لك ، فهبط الأمين جبرائيـل وقال : السلام عليك يا رسول الله ، العلي الأعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك : وعظمتي وجلالي ، إني ما خلقت سمـاء مبنية ، ولا أرضا مدحيـة ، ولا قمرا منيرا ، ولا شمسا مضيئة ، ولا فلكا يدور ، ولا بحرا يجري ، ولا فلكا يسري ، الا لأجلكم و محبتكم وقد أذن لي أن أدخل معكم ، فهل تأذن لي يا رسول الله ؟ فقال رسول الله : وعليك السلام ، يا أمين وحي الله ، انه نعم قد أذنت لك ، فدخل جبرائيـل معنا تحت الكسـاء ، فقال لأبـي أن الله قد اوحى اليكم ، يقول : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ، ويطهركم تطهيرا ، فقال علي لأبي يا رسول الله ، أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : والذي بعثني بالحق نبيا ، واصطفاني بالرسالة نجيا ، ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض ، وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا ، إلا ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة، واستغفرت لهم الى أن يتفرقوا ، فقال علي ( عليه السلام ) : إذا والله فزنا وفاز شيعتنا ، ورب الكعبة ، فقال أبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا علي و الذي بعثني بالحق نبيا ، واصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا ، وفيهم مهموم إلا وفرج الله همه ، ولا مغموم إلا وكشف الله غمه ولا طالب حاجة إلا وقضى الله حاجته ، فقال علي (عليه السلام ) : إذا والله فزنا