هل يخدم البارزاني الأكراد؟
الحزبان الكرديان مطالبان بموقف واضح وموحد من pkk وعلى المتطرفين التخلـّي عن عنجهية ((العقلية الإقطاعية))


هل يخدم البارزاني الأكراد؟ ثمة نظريتان أو نظرتان بهذا الصدد، فالمراقبون الأكراد "المتعصّبون" لكرديتهم أكثر مما يجب، يقولون إن زعيمهم السياسي (مسعود البارزاني) يقود معركة (التمهيد للاستقلال) ولهذا فهو ينطلق في كل مسألة خلاف مع الحكومة المركزية من نقطة (الشد) لا (الإرخاء) سواء بخصوص كركوك أو خانقين أو أية أرض مختلف عليها، أو بشأن النفط وعقوده، أو بشأن الانتخابات، أو حتى بشأن الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة، التي يدعو الزعيم الكردي الى توقيعها ((كما هي))!.
أما المراقبون الأكراد "المعتدلون" فيقولون إن سياسات كاكه مسعود يمكن أن تؤدي الى التهلكة، لأن عملية توتير المناخ السياسي مع العرب السنة الذين تشكل مناطقهم (قوس الداخل) المواجه لكردستان يمكن يضغط على خاصرتها، خاصة إذا كان مدعوماً بالحكومة المركزية. أما (قوس الخارج) المفتوح على تركيا وإيران، فهو وإن كان مرهوناً بالظروف والمصالح و(تواطؤات الأهداف) إلا أنّ (استراتيجية عامة) تحكمه، وهي لا تسمح بتاتاً بتطلعات (البارزاني) السرية والمعلنة أنْ تتنفس على راحتها.
وإذا كان الأكراد "المتعصبون" قد أكدوا جدوى (العناد) و (الصلابة) و (العنتريات) أحياناً، فإن "المعتدلين" لا يقبلون بذلك، ويعتقدون كل الاعتقاد أنّ المواقف الحادة والمدببة، يمكن –في ظروف أخرى- أن تنعكس على الشعب الكردي (ضرراً تاريخياً) يعيده الى (نقطة الصفر) التي يعيشها أكراد إيران وأكراد تركيا. أما إذا كان الرهان على أميركا مثلاً، فالمؤكد أنّ (قدراتها) الحالية لا يمكن أنْ تستمر الى ما لا نهاية، فهي قد تفقد الكثير من طاقاتها تحت ظروف ربما تكون غير موجودة الآن، لكنها يمكن أنْ تظهر فجأة ومن دون انتظار. ودليل ذلك الأزمة المالية الخطيرة التي تهدد حتى الآن بوقوع (كوارث اقتصادية) في الولايات المتحدة، ولأن كل شيء في أميركا يعتمد على المال والاقتصاد، فالأمر حينئذ يفرض التغييرات تبعاً لذلك (الاعتماد)!.
إن (البارزاني) حتى الآن لم يقدم على خطوة واحدة، تدلل على حرصه السياسي لِـ (تعزيز الوحدة العراقية). إن كينونة أي زعيم سياسي عراقي في دهوك أو السليمانية أو البصرة أو الأنبار أو النجف أو الموصل، لا تمنحه حق (أن يحود النار لكرصته) من غير أنْ يفكر في الآخرين، فالمحافظات وحتى الإقليم الكردي ليست دولاً داخل الدولة، ليكون لها علمها وجيشها وحكومتها وبرلمانها بصيغة تختلف تماماً عما ينص عليه الدستور أو (روح الدستور) لأن مادة القانون في كثير من الأحيان صماء بكماء، لا يعبّر عنها أو يجسدها إلا التطبيق. وفي تقدير المراقبين الأكراد المعتدلين، إن السياسة الحالية للحكومة الكردية غير موفقة بنسبة عالية، وينظر أحد الخبراء الأمنيين الأميركان إلى عواقبها على أنها وخيمة ضد الأكراد بشكل خاص، لأنها لا تعزز الأمن الذي تتمتع به كردستان، إنما هي مصدر للاضطرب و(شاحنة ضخمة) للتوتر والقلق وزرع (البغضاء) في قلوب الآخرين وعقولهم.
إن الذي يميل الى خدمة شعبه يجب أن لا ينسى الماضي ولا متغيرات الحاضر، كي يفهم الى أين هو ذاهب في المستقبل. وفي رأي من يلتزم هذا المسار أن القيادة الكردية الحريصة على مصلحة الشعب الكردي، يجب أن تتحلى بالصبر وبـ (التفهم) المنطقي لما يحيط بالقضية الكردية محلياً وإقليمياً ودولياً قبل أن تقدم على أي فعل (مشلول الإرادة)!.
وبالتأكيد فإن المواقف العاقلة والهادئة والمتينة، تحقق المكاسب في ظرفها وسنتها وفي إطار بعدها الإنساني. أما سياسة الشد المستمر، و(التعصب) في المواقف السياسية، ومحاولة فهم التحولات أو تفسيرها على أساس ما يتصرف به الآخر، أو انعكاساً له، فهذه بلا شك من أكبر المشاكل وأعقدها، لأنها تفرّغ (الرؤية السياسية) لمصير الشعب الكردي من أية خطة ستراتيجية مستقبلية تجيد قراءة ((مكامن المصلحة الحقيقية والواقعية للشعب الكردي)) وليس ((المصلحة المفترضة أو الافتراضية)). بمعنى أن القيادة الناجحة هي التي لا تغامر بحياة الناس تحت (تأثير محفزات مؤقتة) أو هي تاريخياً (قابلة للزوال).. ((فإلى أين نحن ذاهبون؟).
هذا السؤال وجهه (طه أغول) المحلل السياسي في صحيفة (ملليت) التركية، واهتمت بنشر الإجابة عنه وكالة (تركش برس). يقول المحلل: دعونا ننظر الى المشهد الذي تظهر فيه مؤشرات مسار أحداث مواجهة تركيا لـ (الإرهاب): ثمة مجاميع تأتي من شمال العراق لتهاجم مخفر (داغلكا) الحدودي العسكري..تقتل 12 وتجرح 17 جندياً برغم كل أسلحتهم الثقيلة في 21 تشرين الثاني 2007.
واختطف إرهابيو pkk–القول للمحلل السياسي التركي- 8 جنود وقتل 32 إرهابياً في النزاع الذي دام لساعات عدة في اليوم نفسه. وفي ذلك اليوم جرت مناقشة ضعف الاستخبارات. ثم تتالت الأحداث:
-خوّل البرلمان الجيش التركي في 28 تشرين الثاني 2007، بتنفيذ عمليات تدوم لسنة ضد المتمردين.
- نفذ الجيش التركي أول عملية في 1 كانون الأول 2007 ضد 50-60 متمرداً داخل الحدود العراقية.
-هاجم المتمردون مخفر أكتوتان الحدودي من شمال العراق بأسلحة ثقيلة، وقتلوا 15 وجرحوا 21 جندياً في 4 تشرين الأول 2008.
ويستنتج المحلل السياسي التركي أولاً: أن معظم الهجمات حدثت تحت غطاء العامل الجغرافي في منطقة هاكاري فجبالها الوعرة والحادة ووديانها العميقة، تصعّب الأمر حتى على الاستخبارات الألكترونية. أي أنّ الولايات المتحدة التي تعبئ كل تقنياتها ضد المتمردين فشلت تماماً في رصد عمليات التسلل من خلال هذه المنطقة التي تشبه في تضاريسها القاسية الحدود الجبلية بين أفغانستان والباكستان. وثانياً: أن المتمردين يمكن أن يهاجموا بأسلحة ثقيلة. وهنا يتهم المحلل السياسي التركي الزعيم الكردي مسعود البارزاني بدعم المتمردين من على بعد 5-10 كيلو متر. ويقول إن المتمردين فقدوا الكثير من قوتهم منذ تسعينات القرن الماضي، لكنهم حتى الآن يستطيعون التسلل مستفيدين من تضاريس المكان ومن (مساعدة البارزاني) حسب رأي المحلل، لينفذوا هجماتهم ضد المخافر الحدودية التركية. والشارع التركي له شكوك بأن الفشل الاستخباري والمعلومات الألكترونية و(القمرصناعية) هي السبب.
وبعد سنة من الفشل التركي في القضاء على (التمرّد)، ستأخذ القوات التركية سنة أخرى لتشن عملياتها الجوية التي بدأتها قبل يومين ضد ملاذات المتمردين، داخل الأرض العراقية، وربما تنفذ هجمات برية.
فإلى أين يذهب الأتراك؟
وما الذي سيفعله البارزاني؟
الأتراك يتعاملون –طبقاً لنسيج تاريخهم الطويل- بغطرسة متناهية ولا يكشفون في تقاريرهم أو حواراتهم أي شكل من أشكال مناقشة قضية مصيرية بالنسبة لتركيا، وبالنسبة لملايين الأكراد في كردستانها، تماماً كما هي الحال في كردستان إيران. إنهم يهملون بقصد حتى قبول أن يقرأ هؤلاء الناس ويكتبون بلغتهم. وفي العموم ينكرون أية حقوق قومية لملايين لا يمكن مهما كانت الظروف أن تتنازل عن جذورها وموروثها وتقاليدها ولغتها ودينها وثقافتها. وكل الذي تفهمه أنقرة –يشاركها حلفاؤها في الناتو واشنطن ودول أوروبا- أن هؤلاء إرهابيون ومتمردون وقتلة وأنهم يجب أنْ يسحقوا. إن الحكومة التركية لا تريد أن تعترف أنها بحاجة الى فتح حوار مع هؤلاء المتمردين (لأن إرهابهم حتى إذا كان إرهاباً مرتبط بقضية على الأرض ولها جذورها) وهي قضية لا تشبه (الإرهاب الذي يتلفع بصوفة الإسلام) فهؤلاء الناس أصلاً ماركسيون. وهذا لا يعني دفاعاً عنهم.
في الحقيقة إن تركيا لا تعرف إلى أين هي ذاهبة. وكل الذي تعرفه أنها ذاهبة الى الحرب والى سحق المتمردين. وهي (تطنطن) بهذا الكلام منذ سنوات طويلة.
وبعد: ما الذي سيفعله البارزاني؟ وهو المتهم تركياً بدعم هؤلاء المتمردين وإيوائهم وفتح المستشفيات أمامهم، أو في الأقل عدم التضييق عليهم؟. وقبل كل الشيء، يمكن القول إن الرجل يراعي أنهم أكراد (أبناء قوميته) وأنهم يتعرضون لظلم تركي طويل الأمد. وأن مسألة عدم الاعتراف بكفاحهم إنما هي حالة تفرضها مصالح دول تتحكم بالعالم. لكنْ ما الذي يستطيع فعله البارزاني؟ في الحقيقة لا شيء. لأنه لا يمتلك (تصوراً استراتيجياً) للتعامل مع هذه الحالة، هو أيضا لا يفهم إلا قانون القوة، التي يمارسها ضد الأكراد بـ(أساليب ترجع في طبيعتها الى حكم الإقطاع المتخلف) خاصة أن (جلال الطالباني) أدان هجمة الجمعة التي أدت الى مصرع 15 جندياً. و(البارزاني) أيضا جرّب الشد مع الأتراك وتراجع لأسباب معروفة. وحسب تقدير المراقبين الوسطيين في أربيل: يجب أن يقرر الحزبان الكرديان الرئيسان (استراتيجية ثابتة وموحدة) للتعامل مع قضية pkk والحرب التركية لمحوهم