الحياة تعود إلى طبيعتها تدريجياً في بغداد






٢٩/١٠/٢٠٠٨ الأربعاء







سؤال يراود الكثير من المهتمين بالشأن العراقي وكنا قبل وصولنا الى العاصمة العراقية نتوق الى ملامسة الواقع ولم يكن هناك تخوف او خوف لدى اعضاء الوفد الذين اطمأنوا لنجاح الزيارة في ظل الحرص الكبير لدى المجلس الاسلامي العراقي صاحب الدعوة على تأمين كل متطلبات الامن والسلامة من خلال توفير مرافقين من الشرطة العراقية حرصوا طوال الزيارة على مرافقتنا في حلنا وترحالنا.



الملاحظة البارزة في شوارع بغداد كثرة السواتر الاسمنتية المنتشرة بكثافة على الطرقات خصوصا داخل المنطقة الخضراء التي تتركز فيها القوات الامريكية ومعظم المسؤولين العراقيين باستثناء نائب رئيس الجمهورية الدكتور عادل عبدالمهدي الذي يقيم في منزل متواضع في احد الاحياء الشعبية خارج المنطقة الخضراء.


ولدى سؤالنا رئيس الوزراء نوري المالكي عن الحواجز الاسمنتية التي تحول بعضها الى جداريات جميلة اكد انه يتوق قريبا الى ازالتها لتعود الحياة الى طبيعتها مشيرا إلى ان القاعدة هزمت في العراق وبدأت هجرتها المعاكسة الى الدول التي جاءت منها مشددا على ضرورة ان تأخذ هذه الدول حذرها.


خلال جولاتنا على المسؤولين العراقيين لم نلحظ اي حادث امني بل على العكس رأينا الناس يتجولون في بغداد بصورة شبه طبيعية وفي بعض الشوارع زحمة سير يعود بعضها الى اقفال المنطقة الخضراء امنيا على المواطنين واضطرارهم الى سلوك طرق اخرى للانتقال والتنقل في ارجاء العاصمة العراقية التي بدت وكأنها تنفض عن نفسها غبار المآسي والالام التي رافقت العراقيين منذ فجر التاريخ.


بغداد يومك لا يزال كأمسه

صدر على طرفي نقيض تجمع

يطغى النعيم بجانب وبجانب

يطغى الشقا فمرفه ومضيع

في القصر اغنية على شفة الهوى

والكوخ دمع في المحاجر يلذع

ومن الطوى جنب البيادر صدع

وبجنب زق ابي نوامس صرع

ويد تكبل وهي مما يفتدى

ويد تقبل وهي مما يقطع

فتبيني هذي المهازل واحذري

من مثلها فوراء ذلك اصبع

واذا لمحت على طريقك عتمة

وستلمحين لان دربك اسفع

شدي وهزي الليل في جبروته

وبعهدتي ان الكواكب تطلع



هذه الابيات للمرحوم الشيخ احمد الوائلي التي انشدها في مهرجان الشعر في بغداد تعبيرا عن حال بغداد خلال الحكم الصدامي وبدت لنا اثار هذا التباين واضحة خلال تنقلاتنا رغم ان المسؤولين العراقيين يبذلون جهودا كبيرة للارتقاء بمستوى معيشة الشعب العراقي ليتمكن من تأمين العيش الكريم.


وخير دليل على ذلك ما اكده لنا رئيس جامعة الكوفة الدكتور عبدالرزاق عبدالجليل العيسى الذي قال ان راتبه كان يقدر بحوالي ثلاثة الاف دينار عراقي اي ما يكفي لشراء كرتونة بيض فقط اما الان فان راتب الاستاذ الجامعي فيتراوح بين الفين الى الفين وخمسمائة دولار امريكي.


خلال وجودنا في بغداد تلقينا دعوة للغداء من امين العاصمة د. صابر العيساوي في حديقة الزوراء التي يخترقها نهر دجلة وتمتد على مساحة 750 دونماً.


التجول في الحديقة يؤكد عودة الحياة الى طبيعتها والصور المرفقة خير دليل على ذلك حين تجولنا في ربوعها ونحن مشدوهون من الجمال الرائع للمساحات الخضراء وحركة الناس ووجوههم وكأن لسان حالهم يقول لابد للقيد ان ينكسر وقد انكسر فعلا.. حديقة الحيوانات تشغل جزءا من الحديقة التي يرتادها الزوار والمتنزهون بكثافة حتى ان عدد زوارها بلغ ثلاثة ملايين زائر خلال فترة عيد الفطر المبارك حسبما اكد لنا مدير عام المتنزهات.


وخلال وجودنا في هذه الحديقة قام تلفزيون الفرات التابع للمجلس الاسلامي الاعلى باستضافة عدد من اعضاء الوفد في برنامج تلفزيوني تناول الزيارة والعلاقات الكويتية العراقية لم يسعفنا الوقت خلال الزيارة لاشباع الحس الصحفي لدينا حين كنا نتوق الى زيارة الكثير من المناطق والاسواق الا ان كثافة اللقاءات والمواعيد مع المسؤولين حالت دون ذلك غير ان ما رأيناه يكفي للقول ان بغداد انتصرت على الموت وها هي تفتح ذراعيها لاشقائها واهلها وقلبها الكبير ينبض حبا ووفاء.


بغداد.. يا زهو الربيع على الربى

بالعطر تعبق والسنا تتلفع

يا الف ليلة، ما تزال طيوفها

سمرا على شطآن دجلة يمتع

يا لحن »معبد« والقيان عيونها

وصل كما شاء الهوى وتمتع.



كنا نتشوق للقاء رئيس جمهورية العراق جلال الطالباني الذي كان قد عاد للتو الى بغداد من السليمانية وكان يعاني من بعض الاضطرابات الصحية لكن نائب رئيس الجمهورية الدكتور عادل عبدالمهدي اكد لنا انه بصحة جيدة ويتكلم ببطء ولانه عصبي نصحناه ان يتكلم بهدوء حفاظا على صحته.


تم تحديد الموعد للقاء الرئيس طالباني وتوجهنا بسيارات تابعة لرئاسة الجمهورية لكننا توقفنا عند نقطة امنية اسفل احد الجسور حيث قام عناصر الحماية بتفتيش السيارات بواسطة الكلاب المدربة وايضا تم ادخال معدات التصوير الى غرفة جانبية لتفتيشها دقائق قليلة وانطلقنا باتجاه قصور الرئاسة التي كان شيدها الديكتاتور صدام حسين لنفسه وعائلته ومقربيه.


جمال اخاذ التقطنا له بعض الصور خلال تحركنا بالسيارة وودنا التقاط المزيد الا ان مساعدي الرئيس لم يسمحوا لنا حتى اضطررنا للطلب من الرئيس طالباني للسماح لنا بالتصوير فوافق الا اننا عند خروجنا من منزله منعنا من التصوير ثانية انتظرنا لحظات قبل ان يدخل الرئيس طالباني متوكأ على عكاز ويصافح اعضاء الوفد بحراك وسعادته باللقاء واضحة على محياه.



افرد لنا ساعة كاملة اجاب فيها على تساؤلاتنا مشددا على ان المعاناة من الممارسات الهوجاء للنظام العراقي البائد مشتركة بين الكويت والعراق في الاول نحن ثم انتم الكويت قدمت له الاموال والمساعدات والتسهيلات فكان جزاؤها جزاء سنمار وبعد ان استفاض في الحديث معنا عن الاوضاع السياسية والعلاقات الكويتية العراقية رحب بالمشاريع الاستثمارية العربية في العراق مشيدا بالاستثمارات الكويتية الحالية في مدينة النجف.


طلبنا من الرئيس طالباني ان يذكر لنا اخر نكتة قيلت عن الرئيس العراقي فلم يتردد وقال اتصل الرئيس التركي عبدالله غول بالرئيس العراقي وطلب منه ان يعطي منطقة كركوك للتركمان فرفض وبعد اخذ ورد قال له الرئيس العراقي حسنا نعطيكم كركوك وانتم تعطوننا »نور« رسائل أخوة ومحبة حملناها وانطباعات ومشاعر طيبة تركها هذا اللقاء المميز مع الرئيس طالباني وكان لنا لقاء آخر مع نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الذي رحب كثيراً بأعضاء الوفد وقال: هناك تحديات تواجه المنطقة ويجب أن يكون لدينا رؤى للتعامل مع المستقبل، يجب أن يثق الكويتي أن أخاه العراقي لم يكن له دور في الحماقات السابقة منتقدا موقف أحد النواب الذي تحفظ على تسليح الجيش العراقي معتبرا أنه نتيجة تراكمات الماضي.


وأضاف اليوم قوة العراق هي قوة الكويت والعكس بالعكس مشيرا إلى أن العراق أخذ ما يكفي من الدروس لعدم تكرار أخطاء الماضي مشددا على أن المشتركات أقوى بكثير من المسائل الخلافية التي يمكن الوصول إلى حلول مناسبة لها.


كما تحدث عن موضوع الديون العراقية للكويت داعيا الى عقد جلسات للحوار حول هذا الموضوع وقال: لماذا نسمع رسائل رسمية من خلال الإعلام، لتكن هناك جلسة مع جدول أعمال بهدف نبيل هو العلاقات المتميزة.


وختم قائلا: الكويت بالنسبة لنا الدولة الأولى بالرعاية، بل هي فوق الرعاية.


لقاء آخر على جانب كبير من الأهمية مع نائب رئيس الوزراء رافع العيساوي الذي استقبلنا بحضور وزير الدفاع السابق سعدون الدليهمي معتبرا أن زيارة الوفد الإعلامي الكويتي باكورة عمل جاد لإعادة بناء الثقة والأخوة متمنيا أن تكون هناك زيارات أخرى على مختلف المستويات.


كما تحدث الدكتور سعدون الدليمي فعبر عن سعادته بالزيارة مشدداً على المشتركات الكثيرة التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين.


كما استقبلنا أيضا نائب رئيس الوزراء الدكتور برهم صالح الذي تحدث مطولا عن الوضع الجديد في العراق وقال: لا أخفيكم أن كل كردي يحلم بدولة كردية مستقلة، لكننا نسعى إلى بناء عراق متآلف موحد مشيرا إلى أن الوضع الدستوري الجديد أعطى للأكراد نوعا من الطمأنينة والأمان.


رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان العراقي الشيخ همام حمودي الذي يرأس أيضا لجنة تعديل الدستور شدد خلال اللقاء على أن النظام الآن منتخب على أسس ديموقراطية مشيرا إلى تمركز السلطة والقرار في مجلس النواب.


وقال إن وزير الدفاع لا يستطيع أن يعين قائد فرقة في الجيش بل الأمر منوط بمجلس النواب وأضاف: بالنسبة لتعيين سفير للعراق في الكويت فإن هذا الموضوع هو موضوع معركة داخلية، حيث أن كل طرف يريد أن يكون السفير عنه.


كما تحدث عن التشويه الإعلامي للديموقراطية في العراق.


الوفد التقى أيضا نائب رئيس مجلس النواب الشيخ خالد العطية الذي تحدث مطولا عن دور مجلس النواب في الحياة السياسية مؤكداً أن موقف المجلس من الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة سيتحدد بعد أن يتم عرضها على المجلس.


وخلال وجودنا في بغداد التقينا الشيخ حمد الهايس رئيس مجلس إنقاذ الأنبار الذي جاء خصيصا من محافظة الأنبار وكان لقاء وديا أكد فيه أن الأنبار أصبحت خالية من فلول القاعدة واستفاض بالحديث عن مجالس الصحوة التي أكد أن تكوينها عشائري بحت، وبالدرجة الأولى من عشائر الدليم، وقال إن ما فعله عناصر القاعدة في الأنبار شيء خارج عن الخيال من عمليات قتل وإبادة جماعية، وحتى الأطفال، وقال إن عناصر القاعدة خطفوا فتى وكان وحيداً عند أهله، فدعوا أهله وقاموا بذبحه أمامهم وقال إن الذي يقتل أكثر عندهم يترقى إلى درجات أرفع في القيادة وقاموا بإعلان الدولة الاسلامية وطبقوا نظام طالبان، أضاف المدارس حرام في عرفهم وحتى الزواج غيروه على طريقتهم، وكانوا يطلبون ممن لديه زوجتان أن يتخلى عن واحدة لصالح المقاتلين العرب »أسوة بالنبي (صلى الله عليه وسلم) الذي آخى بين المهاجرين والأنصار« حسب تعبيرهم.


وحذر الشيخ حميد الهايس الكويت من القاعدة وقال: انتبهوا، فهناك معهد في الكويت خرج أعداداً منهم، وقال سيمناهم الخوارج، فأرسل شيخ الأزهر لنا رسالة وقال لا تنطبق عليهم خوارج، بل خوارج الخوارج.. اقتلوهم وقال: لو تركت الأمور لنا لما بقي منهم شخص واحد، لكننا في دولة قانون، وتدخل القضاء في عملنا وأضعف مشروعنا بالقضاء عليهم نهائيا.


وأوضح أن عناصر القاعدة لا يعرفون مصدر الأموال التي تأتيهم مشيرا إلى أن الخطف كان مصدرا أساسيا لتمويلهم وكانوا يقتلون حسب المزاج، ومشروعهم هو القتل واتهم الشيخ الهايس سورية بالمسؤولية عن إدخال عناصر القاعدة إلى العراق، وقال: سورية مسؤولة عن كل أعمالهم، ونحن ممنوع علينا دخول سورية، أضاف: أعتقل إيرانيون عن طريق الخطأ، لكن لم يثبت أي توسط لإيران في دعمهم.


وتحدث الشيخ حميد الهايس عن تحسن الوضع الأمني في الأنبار وقال: كنت سابقا آتي إلى بغداد في موكب حراسة مؤلف من سبع سيارات، لكنني اليوم جئت بسيارة واحدة.


وعن العلاقة مع التيار الصدري قال: هم أصدقاؤنا، ونصحناهم عدة مرات: »كافي عنف« الشيخ حميد الهايس له موقف من جبهة علماء المسلمين ويقول لو أمسكنا حارث الضاري فسنعتقله بسبب صدور مذكرة توقيف بحقه.


وكشف رئيس مجلس إنقاذ الأنبار أنه التقى المرشح الديموقراطي باراك أوباما »وقلت له نريد إقامة دعوى على برايمر بسبب مواقفه ضد الشعب العراقي، قال: سنساعدكم ونوكل لكم محاميا«.


أضاف: كنا مرتاحين لمواقفه، ونطالبه في حال وصوله إلى البيت الأبيض بسحب القوات الأمريكية من العراق حتى نسقط حجة كل حاملي السلاح.


وسألناه: ماذا سيحصل لو خرج الأمريكيون ؟


قال: هل نحن بلا موقف وبلا قوة؟ لن نعتدي على أحد ولن نسمح لأحد بالاعتداء علينا، ولن نقبل بإعطاء أمريكا أي امتيازات، ولا نقبل أن تحكمنا أي دولة.


وختم حديثه بالقول: في الانتخابات القادمة سأترشح عن مدينة الصدر، والمرحلة القادمة مرحلة تغيير شعبية وأنا واثق أني سأنجح.





تاريخ النشر 30/10/2008