 |
-
احذروا شهر الفوازير و المحيبس !
أيها الأخوة السلام عليكم و مبارك عليكم هذا الشهر الفضيل و نسأل الله أن يتقبل منا و منكم صالح الأعمال فيه و أن يمن علينا بتحرير أرضنا الإسلامية كلها و بعودة العراق و فلسطين لأهلهما.
الناس في تعاملهم مع رمضان على أصناف ، صنف يرى فيه أنه شهر المتعة و قضاء الوقت في الفوازير و زيارات الأنس و السمر و المحيبس و التهام أنواع الطعام و السهرات التلفزيونية ليلاً و السبات نهاراً ! و صنف يرى فيه أنه شهر "العبادة" و "الطاعة" و كأن العبادة لا توجد في غيره و الطاعة لا تؤدى في سواه! فيعكف على الإكثار من شعائر العبادة من كثرة الصلاة و قراءة القرآن ، فإذا ذهب رمضان عاد إلى سابق عهده و لم يخرج من صيامه و قيامه بثمرة لأن شهر "العبادة" قد انقضى !
إن الصيام عبادة قوامها أن يمتلك المرء نفسه و أن يحكم هواه ، و أن تكون لديه العزيمة التي يترك بها ما يشتهي ، و يقدم بها على ما يكره. فالصيام قوامه تحرير الإرادة الإنسانية و جعلهلا تبعاً لأوامر الله .. لا لرغائب النفس!
و قد شرع الله الصيام للناس كي يدربهم على قيادة شهواتهم ، لا الإنقياد لها ! فرمضان هو بمثابة المعسكر التدريبي يطوع المسلم فيه نفسه على الصبر و تحمل الإبتعاد عن المباحات كي يكون امتناعه عن المحرمات أسهل عليه بعد ذلك !
و من هنا حرم على المؤمنين من مطلع الفجر إلى أول الليل أن يجيبوا أقوى رغائبهم ، و أن يتمرنوا الحرمان الموقوت ، و أن يتدربوا عملياً على فهم الحديث الجليل (( حفت الجنة بالمكاره ، و حفت النار بالشهوات ))
إن الصيام امتناع عن الطبائع المادية للبطن و الفرج ، و هو امتناع أيضاً عن مطاوعة طبائع الغضب و الإستفزاز ، و الصائم ساكن و قور ، و ذاك أعون عليه على ذكر الله ، و صفاء النفس..
فرمضان ليس هو الغاية ، بل مطلوب و مقدمات لغاية سامية ترفع من عبودية الإنسان و توصله إلى المرحلة التي يتقبل الله فيها أعمال العبد ، و يضمن له مرضاته و الفوز و النجاة في الدنيا و الآخرة .. تلك هي مرتبة التقوى ، فقال عز وجل (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم .. لعلكم تتقون )) فهذه هي الغاية من الصيام إذن (( لعلكم تتقون )) ، و التقوى هي الثمرة التي يجب أن يخرج منها المؤمن بعد رمضان ، فجاء الصيام معيناً و موصلاً للتقوى إن قام صاحبه بحق قيامه و راعى فيه آدابه و حدوده ، فإن فعل ذلك تقبل الله منه سائر عمله ، قال تعالى (( إنما يتقبل الله من المتقين ))..
إن رمضان فيه فرصة عظيمة أن يراجع أحدنا عمله ، و يقلب نفسه و شهواته ، و يرى مواطن الضعف و الخلل فيها ، و الإنسان على نفسه بصيرة ، فيعزم على ان يحاربها في رمضان حتى يتغلب عليها و يتخلص منها فلا تعود اليه و لا يعود إليها ، فإن كان صاحب غضب فرمضان لا صخب فيه و مشاتمة و لا استفزاز ، فيكون عوناً له على ذلك (( فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم ))
و إن كان صاحب شهوة بطن أو فرج ، فهذه فرصة في أن يروض نفسه عن الإمتناع عن شهواتها و يعمل على تزكيتها.
حكى سيدنا سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه و آله وسلم- من آخر يوم من شعبان، قال:
(( يا أيها الناس! قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تطوع فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء))، قالوا: يا رسول الله! ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم، فقال رسول الله : ((يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن. وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار)).
في هذا الشهر الكريم تضاعف الحسنات، وتقال العثرات، وتجاب الدعوات، وهو شهر الصبر والمواساة والصدقات، فقد سئل رسول الل – صلى الله عليه و آله - (( أي الصدقة أفضل، فقـال: صدقـة في رمضان ))
و عن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس، و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن". و هذا يدفع المسلم لأن يستن بسنة نبيه فيتصدق على الفقراء من ذوي قرباه و من ذوي الحاجة كي يتصدق الله عليه بالرحمة و المغفرة و يزيده من فضله لأنه أكرم الأكرمين.
و لا ننسى أن ننوه بأثر الدعاء في هذا الشهر الفضيل في تزكية النفس و تربيتها على الإخلاص لله و الإنقطاع إليه ، فقد روي عنه – صلى الله عليه و آله و سلم – أنه قال (( للصائم عند فطره لدعوة ما ترد )) ، و قد توسطت آية الدعاء آيات الصوم لغرض عظيم ، و هي قوله تعالى (( و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ، فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )) .. و لو استعرضنا القرآن كله لوجدنا نمطاً ثابتاً في قوله تعالى يرد بها على أسئلة الناس للنبي (ص) بقوله (( يسألونك عن .. فقل ...)) فمنها ((يسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا )) (( يسألونك عن المحيض فقل هو أذى )) ((يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج )) (( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه )) قل قتال فيه كبير )) (( يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع )) (( و يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم ))(( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو )) ((يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي )) .. الخ في أكثر من عشرة مواضع و في كلها يجيب تعالى بنفس النمط (( يسألونك .. فقل .. ) إلا في هذا الموضع فإن رب العزة تبارك و تعالى هو الذي بادر في السؤال بالنيابة عن عباده و الإجابة عنه ، فلم يقل (( يسألونك عني فقل إني قريب )) بل جاء بلفظة المتلهف للرحمة – و لله المثل الأعلى – المنتظر لمن يساله فيعطيه (( و إذا سألك عبادي عني )) و لم يقل له (( فقل إني قريب )) لما توحي هذه اللفظة بالوساطة و التراخي الزمني ، بل قال (( فإني قريب أجيب )) كي يربط العبد به مباشرة بلا واسطة حتى في تبليغ القرب ، فسبحان الله ما أعظم رحمته و رأفته بعباده و هو العزيز الحكيم؟
فنسأل الله أن يوفقنا لصيامه و قيامه و يرزقنا رحمته و مغفرته و يجعلنا من عتقائه و أن ن يبلغنا ثمرته و يرفع به درجتنا عنده و أن يوفقنا لما يحب و يرضى و يجعلنا من عبادة المتقين.
أليس الله بكاف عبده ؟
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |