لماذا لا يشمل الناتو مصر وإسرائيل والعراق؟
توماس فريدمان



المطلوب جيش عراقي صغير ومكافئ للقوة الإيرانية، ولن يتحقق ذلك الا بالانضمام للحلف.
ظللت أعارض بشدة، ولفترة طويلة، توسيع حلف الناتو، لأن ذلك ربما يؤدي إلى رخاوة الحلف. ولكن بعد أن توسع الناتو ليشمل 26 دولة، فإنني أتساءل: ولماذا التوقف عند هذا الحد؟
فالمخاطر التي ينتظر أن تواجه الناتو في المستقبل، لن تأتي من الشرق أو من روسيا، ولكنها ستجيئ من الجنوب، أي من الشرق الأوسط وأفغانستان. ولذلك إذا كان هدف الناتو تحقيق الأمن الأوروبي، فينبغي ألا يقتصر وجوده على أوروبا، وإنما يحتاج إلى فرض الأمن في هذه المناطق الأخرى ايضا. وليتمكن من إنجاز هذه المهمة، على الناتو أن يضم ثلاثة أعضاء آخرين: هم العراق ومصر وإسرائيل. نعم: ما وقعت عليه عيناك صحيح تماما، فأنا اقصد ما أقول.
دعونا نطرح المنطق الذي يؤيد مثل هذا الاقتراح، ولنبدأ حديثنا بالعراق. إذا تكونت حكومة شرعية في العراق، فإننا سنواجه مباشرة تحديين أمنيين هناك; الأول: ما هو حجم الجيش الذي يحتاجه العراق؟
وكما ذكر مايكل ماندلباوم، من معهد جون هوبكنز للشؤون الخارجية فان «يحتاج العراق إلى جيش يكون حجمه كافيا لردع إيران، ولكن لا يكون من الضخامة بحيث يخنق الديمقراطية العراقية ويؤدي إلى تهديد كل المنطقة كما كان يفعل صدام بجيشه الهائل الحجم».
باختصار، نحن نريد أن يكون الجيش العراقي صغيرا ولكن لديه من القوة ما يكافئ القوة الإيرانية. وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هي أن ينضم العراق إلى حلف الناتو، فتكون لديه القوة الرادعة دون أن يضطر لتكوين جيش ضخم.
يضاف إلى ذلك، أنه حتى إذا قام نظام ديمقراطي بالعراق، فإن التجربة ستكون غضة وطرية العود لفترة ربما تطول. وستحتاج هذه التجربة إلى قوة احتياطية، وراء الأفق، تكون ضمانة للديمقراطية وتحول دون أن يقوم حزب أو شخص لمصادرتها بعد اليوم. وستكون هذه القوة حامية للديمقراطية العراقية مثلما يتكفل الجيش التركي بحماية الديمقراطية في تركيا الحديثة. والقوة المثالية التي يمكن أن تضطلع بمثل هذه المهمة هي الجيش العراقي المسنود بقوة دولية، مثل الناتو، بحيث تشتمل في نفس الوقت على مكوّن عربي إسلامي. وإذا كان العراق، عضوا بالناتو فإن ذلك سيجعل نشر هذه القوة أسهل كثيرا من الناحية السياسية، والتي يمكن أن تكون قاعدتها في الصحراء، ولكنها تظل حاضرة عند الطوارئ.
وهذا يقودنا إلى السبب الذي يجعل من الضروري لحلف الناتو أن يدعو مصر إلى عضويته وهو تحديدا قضية العمالة. وكما شرح لي اللورد روبرتسون، قائد حلف الناتو، فإن كل الدول الأعضاء بحلف الناتو بما فيها كندا، لديها فقط 1.4 مليون جندي، ولكن القوة التي يستطيع الحلف استخدامها «في مهام خارجية لا تتعدى 55 ألف جندي. أما بقية القوات، فإما أنها تمارس أعمالا مكتبية، أو هي غير مدربة على أية مهمة أخرى غير البقاء الساكن في مكان واحد باوروبا لردع الاتحاد السوفياتي أو هي مفتقرة للدعم اللوجستي والهندسي وللقيادة الفعالة التي تكون ضرورية في حالة إرسالها في مهام بعيدة المدى».
يضاف إلى ذلك، أن كثيرا من الجيوش الأوروبية، نقابية، ولا يعمل أفرادها يومي السبت والأحد. وما دامت كل قوة الناتو القابلة للاستخدام خارجيا، موزعة حاليا على مهام حفظ السلام، فإنه سيكون قد بلغ قصاراه، إذا لم تعاد صياغته عسكريا. ونكون نحن أيضا قد استنفدنا كل حيلنا.
ولكن مصر لديها فائض في القوة البشرية العسكرية لا تدري ماذا تفعل به. وسيؤدي إدخال مصر إلى عضوية الناتو، إلى إعطائه الشخصية العربية الإسلامية التي يحتاج إليها، مما يسهل عليه كثيرا أداء مهام حفظ السلام في بلدان مثل أفغانستان والعراق، كما يوفر الموارد ويرفع من مكانة الجيش المصري بربطه بالغرب.
كما أن المدافعين عن توسيع الناتو، بضم دول أوروبا الشرقية ذات الديمقراطيات الهشة، كانوا يستندون إلى أن ذلك يؤدي إلى ترسيخ الديمقراطية وتحقيق الاستقرار في تلك الدول. فهل هناك بلدان يحتاجان إلى دعم الإصلاحات أكثر من مصر والعراق؟ لا شك أنهما أكثر أهمية من لاتفيا.
أما سبب إدخال إسرائيل إلى الناتو، فسيجعل الوصول إلى عملية السلام أسهل كثيرا لأنه سيعطي الإسرائيليين إحساسا عميقا بالأمان. كذلك إذا دخلت مصر إلى الناتو، فإن وجود إسرائيل سيحافظ على ميزان القوى.
وأخيرا، إذا كان مقدرا للإسرائيليين والفلسطينيين أن يصلوا إلى اتفاقية سلام، في أي وقت، فإنهم سيحتاجون دون ريب إلى قوة دولية لحفظ السلام، والقوة الوحيدة التي يمكن أن أفكر فيها هي قوة تابعة للناتو بقيادة اميركية. وإذا كانت إسرائيل ومصر كلتاهما عضوين بالناتو، فإن قوة حفظ السلام التابعة له ستكون أكثر قبولا من قبل الرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني على السواء.
على كل حال، أنا لم افقد قواي العقلية! إنني جالس هنا في رئاسة الناتو، أستمع إلى مسؤولي الحلف وهم يحدثونني عن أن مستقبلهم في الجنوب، ولكنهم لا يملكون القوة البشرية التي تحملهم إلى هناك، وأحاول أن أربط بين هذا وبين إمكانيات هذه البلدان الواقعة إلى الجنوب. وعندما تهتدي إلى هذا الربط فإن الحل يكون سهلا: إذا لم تكن قادرا على حمل محمد إلى الجبل، فعليك أن تحمل الجبل إلى محمد وإلى موسى أيضا.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»
عدد : 9099