 |
-
ارحموا الموانئ يرحمكم الله
د.سامية حامد المنصوري
ليس دفاعا عن وزارة النقل وموانئها, ولا هجوما على تلك المؤسسات الحكومية الممعنة في تهديم صروحنا الاقتصادية في الجنوب. ولكنها محاولة لترميم
سقوف الموانئ العراقية, التي عصفت بها أعاصير تخبطات التشكيلات الوزارية الأخرى. ويبدو ان تلك التشكيلات سدلت ثوب خيلائها, وسدرت في غلوائها. وراحت تستبيح مرافق الموانئ ونشاطاتها. وفرطت بحقوقنا التنموية. وهكذا كثرت جراحات الموانئ. واتسعت الفتوق والخروق بين جنباتها. فالموانئ عبارة عن مسرح كبير مخصص لاستقبال السفن من كل حدب وصوب. وهي تتلقى مقابل خدماتها اجورا ضئيلة تكاد تكون رمزية بالقياس مع ما تتقاضاه الموانئ الأخرى. وتتعامل الموانئ العراقية حصريا في المسائل البحرية. وليس لها أية علاقة بما يقع على المصدّر والمستورد من حيف وظلم مفضوح. وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر. ان رسوم الموانئ تعد مجرد مبالغ مالية تافهة إذا ما قورنت بما تستوفيه المراكز الجمركية القابعة بين الأرصفة. والتي لا هم لها سوى التربص بالتاجر الوطني والأجنبي على حد سواء. بذريعة تطبيق احكام القانون. لكن تداعيات هذا السلوك الأقتصادي الشاذ تلقى دوما في سلة الموانئ. كونها تمثل الحاضنة الرسمية لكل من يرغب بالعبث بتجارتنا الدولية متسترا بكل الذرائع والشرائع الملفقة والمصدقة والمفبركة. فتوالت على هذه الحاضنة الطعنات, وسالت دماء الموانئ في قعر دارها. .
والحديث عن هذه الخروقات ذو شجون. فبالأمس القريب التقيت في رأس الخيمة جارتي, التي تشاركني البناية نفسها. وأرتني قائمة الرسوم الجمركية المترتبة على سيارتها المشحونة بحرا إلى العراق. وكانت بحدود مليون وربع المليون بالعملة العراقية. بينما كانت اجور الموانئ بحدود ثلاثة آلاف دينار فقط. بمعنى أن ما تتقاضاه الجمارك في الميناء يصل إلى أرقام فلكية. ولا حاجة لنا بمقارنتها باجور الموانئ العراقية. وهذا مجرد مثال لرسوم سلعة واحدة فقط. فما بالك برسوم آلاف الأطنان والسلع والبضائع والحمولات. ولا تنسوا الهبات النقدية والعينية المسحوبة من جيب المستورد بالاكراه الرسمي المعلن. .
ولا تستغرب عزيزي القارئ اللبيب إذا ما علمت أن معظم الوزرات العراقية لها قواعد للجباية وجني الأرباح المنظورة وغير المنظورة في عقر دار الموانئ, وعلى حساب سمعتها, ومستقبلها المهدد بهذه التصرفات غير المحسوبة. وليس للموانئ أي سلطة على تلك القواعد. الأمر الذي دفع التاجر العراقي إلى توريد بضاعته عبر المنافذ الحدودية لأقليم كردستان. لأن الرسوم الجمركية هناك تختلف اختلافا جذريا عنها في البصرة. فالرسم المفروض على جهاز الهاتف النقال في الجنوب هو 35 دولارا امريكيا. بينما تستوفي جمارك الشمال دولار ونصف الدولار فقط عن كل جهاز. وشتان بين هذا وذاك. .
وتجد في الموانئ دوائر الحجر الصحي والبيطري والزراعي, ودوائر فحص النماذج الغذائية. وهي بطبيعة الحال واجهات رسمية للإبتزاز العلني. فالفحص يجري خارج الموانئ, وبعيدا عن عيونها. ونتائج الفحص تعتمد على ما يجود به المستورد من إكراميات. والمطلوب من المستورد خوض معركة مضنية مع لجان الفحص والكشف والتدقيق. أما مسألة الحرص على صحة المواطن فهي مجرد يافطة للتمويه. ترزح تحتها تراكمات الفساد المستشري في أروقة المختبرات. .
وللنماذج المسحوبة من البضاعة حكاية غريبة يندى لها الجبين. فالنماذج عبارة عن كميات كبيرة تؤخذ من بضاعة المستورد, ولا تعاد إليه, وتعد من الغنائم (المشروعة). وللوقوف على صحة هذا الكلام, اطالب هيئة النزاهة بكشف الحقائق واستنطاق التجار, ومحاسبة المتلاعبين باقتصادنا, والمتاجرين بصحة اهلنا في العراق. وتكاد تكون جميع السياقات الرسمية في الموانئ مرهونة بما يدفعه التاجر من هبات وعطايا وهدايا. وهذه الحقائق لا تحجبها الإدعاءات الباطلة, ولا تغطيها سحب النفاق المتستر ببنود القانون واحكامه. .
ثم تعرضت الموانئ إلى غزو سافر شنته عليها الهيئة العامة للضرائب, التي وجدت لها ملاذا في الموانئ. وشرعت بالمحاسبة الضريبية, واستيفاء المبالغ الطائلة. ويحق لي أن اتسائل عن سر هذا الغموض الذي يكتنف تصرفات هيئة النزاهة. وتعمدها الابتعاد عن رصد تلك التصرفات المنغصة. أم إن واجباتها باتت محصورة في تتبع الهفوات الفردية للموظفين. أليس من واجبها أن تستقصي الحقائق, وتشخص اسباب الأنحراف في تجارتنا الخارجية, التي شرقت وغربت, ثم استقر بها النوى في الموانئ البديلة. وهناك أكثر من جهة متخصصة بممارسة التدمير الاقتصادي المعلن والمبطن, بذرائع واهية, ومبررات خاوية. ثم ما هو دور غرفة التجارة ؟. وأين مزامعها في الذود عن حقوق التجار ؟. وما هي انجازات وزارة الموارد المائية في تنظيف شط العرب ؟. واين وزارة التخطيط من وضع الخطط اللازمة لتطوير الموانئ ؟. وما سر لهفة وزارة المالية وراء تحقيق المزيد من الأرباح في ظل سلطة الموانئ, ومن دون ان تسعى إلى توفير الدعم المالي لها ؟؟؟. وما سر تحامل وزارة التجارة على موانئنا, وحرصها على توريد البضائع عبر الموانئ البديلة ؟؟. بينما تدير ظهرها إلى منافذنا البحرية. وما الذي قدمته وزارة التجارة لتدعيم دور وزارة النقل في التصدي للمشاكل الاقتصادية المزمنة ؟؟. ولماذا تصر وزارة الصحة على إبقاء المختبرات خارج الموانئ ؟؟. ولماذا تصر مديرية الطرق والجسور على عدم ترميم الطرق البرية المؤدية إلى الموانئ.
إنها والله حرب إقتصادية مستعرة من الداخل, شاركت فيها معظم التشكيلات الحكومية في تقويض دور الموانئ, وشل حركتها, وإخراجها من الخدمة. والمتضرر في كل الأحوال هو الموانئ والتاجر, ومن ثم المواطن المسكين, الذي يتحمل في نهاية المطاف تسديد فاتورة التكاليف المضافة على المادة المستوردة. ولا شأن للجهات المعنية بهذا الأمر سوى تحريض دوائرها لممارسة الغطرسة الإدارية, واستثمار تواجدها في هذا المنفذ الاقتصادي الحي, وقذف التهم الملفقة بوجه إدارة الموانئ. فتراهم يتحدثون عن مشاكل السفن الغارقة عبر وسائل الإعلام المتاحة. ولم يبادر أي منهم إلى مد يد العون والمساعدة من أجل صيانة بحرنا الأقليمي. وكأن البحر كله صار من ممتلكات الموانئ وحدها. واكتفت التشكيلات الأخرى بلعب دور المتفرج الشامت. والمستغل العابث. .
أن موائنا في أمس الحاجة اليوم إلى تظافر كل الجهود والطاقات الوطنية المخلصة, وتسخيرها في خدمة الموانئ. وهذه دعوة اطلقها من هذا المنبر الحر, واوجهها إلى كل من يجد في نفسه القدرة على الاسهام في توفير الأجواء الصحية لرئة العراق وشرايينه, ويتيح لبوابته المطلة على الخليج الانفتاح المثالي على المرافئ العالمية. ونطالب التشكيلات الوزارية بوجوب تذليل العقبات, وتبسيط الإجراءات, وتقديم أفضل الخدمات. وأن تحذوا حذو ادارة الموانئ العراقية, التي ما انفكت تبذل الجهود المضنية من أجل تحسين صورتها, والظهور بالمظهر اللائق. ولا ينبغي التفريط بهذه المؤسسة الأقتصادية العريقة, وحري بكل من يمتلك الحس الوطني أن يتجنب سلوك الطرق الممجوجة, التي باتت مكشوفة ومقززة. فقد تراكمت تداعياتها السلبية فوق كاهل الموانئ المثقل بالأعباء, التي خلفتها الظروف القاسية منذ ثمانينات القرن الماضي. وانتهكت الوزارات حقوقها, وأربكت عملها, وتدخلت في شؤونها, ومنعتها من بسط سلطتها على مرافقها. ولينظر العاقل المنصف إلى الموانئ العربية, التي أخضعت جميع التشكيلات العاملة فيها إلى سلطات موانئها. ومنحتها الحرية المطلقة في التعامل المرن مع خطوط الشحن البحري. ومن يتجول في البلدان العربية في شرق الأرض وغربها سيجد أن الموانئ تحمل هذه اليافطة (( سلطة الموانئ والجمارك )). فالكل يعمل تحت هذه السلطة, ويتلقى منها التعليمات والتوجيهات المباشرة. وليس فيها من يتصرف على مزاجه الاداري المقيت من دون رادع أو وازع. . ختاما أقول : (( ارحموا الموانئ يرحمكم الله )). وامنحوها السيادة المبنية على الأسس الإدارية الرصينة في التعامل مع التاجر العراقي وتنشيط قدراته. وهذا هو النهج الذي سلكته البلدان العربية. وتسلقت من خلاله سلم المجد والتطور. مما جعلها تقف اليوم في مصاف البلدان المتقدمة . . .
تنويه من شبكة الفهد الاخبارية:
-------------------------------
تؤكد شبكة الفهد الاخبارية جملة وتفصيلا عما ورد بمقالة الدكتوره سامية حامد المنصوري ولدينا بعض الوثائق التي تؤكد مدى عمق الفساد الاداري في الموانيء حيث كانت الشبكة جزأ من هذا الابتزاز الغير شرعي , وفي حالة رغبة هيئة النزاهة بتوفير الدلائل فلا مانع لهم من مفاتحة ادارة الشبكة.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |