توترات سياسية وأمنية تعيشها الرمادي



نيرمين حامد


مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات، بدأ الصراع يحتدم بين "مجالس الصحوات" العشائرية في محافظة الأنبار وبين "الحزب الإسلامي" المهيمن على مجلس المحافظة. وانتقلت عدوى الخلافات إلى داخل فريق "مجالس الصحوات" نفسه، ليغدو التوتر السياسي الذي تعيشه مدينة الرمادي (مركز المحافظة) باعثا جديدا على قلق الأهالي إلى جانب قلقهم من عودة أعمال العنف إلى مدن وضواحي الأنبار.

ويخشى المراقبون من أن تسخين الأجواء السياسية، بين "قوات صحوة العراق" التي يقودها الآن الشيخ أحمد أبو ريشة، و"الحزب الإسلامي" بزعامة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، قد تعيد أوضاع المحافظة الأمنية إلى المربع الأول.

فقد شهدت المحافظة ذات الغالبية السنية في الشهرين الأخيرين ترديا امنيا واضحا بعد أشهر قليلة من طرد تنظيم القاعدة منها على يد قوات "مجالس الصحوات". اذ وقعت سلسلة من الانفجارات بين سيارات ملغمة وعمليات انتحارية وعبوات لاصقة راح ضحيتها العشرات بينهم أعضاء في "الحزب الإسلامي" وقياديون في "مجالس الصحوات"، وتبعها بأيام سقوط وتحطم طائرة شحن أميركية في منطقة الحبانية الواقعة شرق مدينة الرمادي لم تتضح إلى الآن تفاصيل سقوطها، ما يثير مخاوف من عودة القاعدة الى المدينة أو تسلل المزيد من الانتحاريين إليها.

ومع بدء العد العكسي لإجراء الانتخابات المحلية في محافظات العراق، بدأ تبادل الاتهامات بين الطرفين يطفو على السطح، حيث تتهم "مجالس الصحوات" الحزب الاسلامي بالتفرد في إدارة المحافظة، وبمحاولة تزوير الانتخابات، ودفع رشاوى إلى الناخبين وتوزيع قطع من الأراض وأملاك الدولة على بعضهم، فيما ينفي الحزب هذه الاتهامات ويقابلها باتهامات مماثلة، ويسعى في الوقت نفسه إلى شق صفوف "مجالس الصحوات" واجتذاب عدد من زعماء العشائر للتحالف معه.

وأتى البيان الذي أصدره أمين سر "مؤتمر صحوة العراق" ونائب محافظ الأنبار الشيخ مؤيد الحميشي، والذي تلقت "نقاش" نسخة منه، ليكشف عن عمق الخلافات بين قيادات مجالس الصحوة في المحافظة السنيّة، بعد أن بدأت الانشقاقات تظهر على السطح، وأعلن العديد من زعماء العشائر تشكيل أحزاب وحركات سياسية مستقلة، كـ "حزب الطموح" بزعامة الشيخ عبد الجبار الفهداوي و"الجبهة الوطنية لإنقاذ العراق" بزعامة الشيخ حاتم السليمان.

وأورد بيان الشيخ الحميشي مجموعة من الأسماء تضم أربعين قياديا في "مؤتمر صحوة العراق"، كان الحميشي واحد منهم، أعلنوا انسحابهم من المؤتمر الذي يجمع تحت مظلته أبرز زعماء العشائر الذين شاركوا في دحر قوات القاعدة من المحافظة.

وبرر الحميشي انسحابه ورفاقه، بقيام زعيم المؤتمر الشيخ أحمد أبو ريشة بعقد تحالفات سياسية مع "تجمع المستقلين الوطني" وهو كيان سياسي تابع للحزب الإسلامي ، معتبرا أن تلك التحالفات لا تخدم "منهج الصحوة" على حد وصفه.

وبيّن الحميشي أن رئيس "مؤتمر صحوة العراق" احمد أبو ريشة أبدى في الآونة الأخيرة ميلا سياسيا صوب الحزب الإسلامي من خلال إعلانه التحالف الثنائي بشكل شخصي ودون الرجوع لرأي باقي قادة الصحوة، وأن هذا الإجراء "يخالف منهج قادة الصحوة السياسي الذي تعاهدت عليه والذي يمنع عقد أي تحالف مع هذا الحزب".

وأضاف البيان أن الزعيم أبو ريشة "بهذه الخطوة قد أهدى الحزب الإسلامي جميع انجازات قوات الصحوات وتضحياتها في طرد تنظيم القاعدة من محافظة الأنبار".

وكان الشيخ علي الحاتم أمير عشائر الدليم، الذي أسس تنظيما سياسيا مستقلا لخوض الانتخابات تحت مسمى "الجبهة الوطنية لإنقاذ الانبار"، قد ذكر في لقاء سابق مع "نقاش" ان "الحزب الإسلامي بدأ يتغلغل بين العشائر ويغدق عليهم الأموال لغرض كسب أصواتهم الانتخابية" مبدياً تخوفه من حصول عمليات تزوير في الانتخابات.

وتبعه بالقول الشيخ حميد الهايس المنشق بدوره عن "مؤتمر صحوة العراق" والذي أسس تنظيما مستقلا لخوض الانتخابات تحت مسمى "مجلس إنقاذ الأنبار"، أن "الحزب الإسلامي بدأ بعقد صفقات سرية مع بعض شيوخ عشائر المحافظة لإقناعهم بدخول الانتخابات في قوائم ترفع شعار الاستقلالية لكنها مرتبطة سراً بالحزب"، مؤكدا انه سيتم الإعلان قريباً عن أسماء الشيوخ المتواطئين مع الحزب الإسلامي.

ويقلل الحزب الإسلامي (36 مقعدا من أصل 41 مقعدا في مجلس المحافظة) من جهته، من أهمية تصريحات زعماء العشائر، واصفا إياها بـ "الجعجعة الاعلامية". ويعزوا قياديون في الحزب ارتفاع حدة التصريحات والاتهامات إلى افتقاد زعماء الصحوة إلى "التقاليد السياسية" بسبب أنهم "جديدون على الخريطة السياسية، ويعتقدون أن السياسة تعني المزيد من تبادل الاتهامات".

ويؤكد الحزب الاسلامي وعلى لسان هاشم الطائي احد القياديين فيه، بأن "الحزب لم يأت الى مجلس المحافظة بدون انتخابات، لكنه كان القوة الوحيدة التي شاركت في انتخابات عام 2005". ويؤكد الطائي ان "الانتخابات القادمة ستشارك فيها كيانات سياسية جديدة، وسيكون مجلس المحافظة خليطا من الأحزاب والكيانات التي ستأخذ مكانها في المجلس بصورة شرعية".

ويخشى المراقبون من أن يؤدي الصراع السياسي فيما بين العشائر من جهة، وبينها وبين الحزب الاسلامي من جهة ثانية، إلى تقويض التعاون بين الشركاء في الحكومة المحلية المقبلة. في حين لم تستبعد وسائل إعلام محلية، عودة النشاطات المسلحة الى الأنبار بالترافق مع التحضيرات للعملية الانتخابية، وبعد صدور النتائج. سيما أن القوات الامريكية التي أعلنت قبل شهرين عن تسليم الملف الأمني للعراقيين، والتي بقيت محتفظة بمهمة تولي امن أجزاء من المحافظة، أعلنت من جديد أنها ستكمل هذه الخطوة بشكل نهائي بعد إجراء عملية الانتخابات وستترك للعراقيين تولي مهمة أمنهم بأنفسهم.

لكن قائد القوات الجنرال مارتن بوست اكد ان تسليم الملف الامني للعراقيين "لا يعني ان القوات العراقية غير قادرة على السيطرة على امن المحافظة فقد تلقت تدريبات من قبل 80 فريقاً تدريبياً وهي الآن باتت مكتفية ذاتيا".

ومثلت محافظة الأنبار منذ سقوط النظام السابق أحد أهم معاقل تنظيم القاعدة و "تنظيم دولة العراق الإسلامية" التابع لها، قبل أن يقوم الشيخ عبد الستار ابو ريشة شقيق الرئيس الحالي لـ "مؤتمر صحوة الانبار" أحمد أبو ريشة في سبتمبر/أيلول 2006 بقيادة تحالف عشائري تحت مسمى "مجالس الصحوات" بدعم من القوات الأمريكية والعراقية، نجح في تطهير المدينة من المجموعات المسلحة وأعاد الأمن إليها، ليندمج عناصر قوات "الصحوات" لاحقا في صفوف الجيش والشرطة ودوائر الدولة، في حين أعلن قادتها عن تشكيل كيانات سياسية تعتزم التنافس على مقاعد مجلس محافظة الأنبار.