العراق بين النموذجين التركي والايراني
تعددت زيارات رئيس الوزراء العراقي الى الجارتين تركيا وايران اللتان كانت لهما علاقة قوية مع النظام السابق ولكنهما لم تعارضا التغيير في العراق ودعمتا العملية السياسية من الناحية الاعلامية وفي البيانات الرسمية لحكومتي البلدين وربما تجمعهما مصلحة واحدة في أن تكون هناك حكومة مركزية قوية فإيران تخشى من ((الجار الاسرائيلي))كما تشير الدعايات والتسريبات الاعلامية والاستخبارية وكذلك تريد تركيا أن تطمئن لحدودها الجنوبية
والبلدان يختلفان إختلافا جوهريا في الرؤية للقضايا العالمية والواقع السياسي في منطقة الشرق الاوسط وكلاهما يعتز بإنتمائه القومي والحضارة التي ينتمي إليها وربما غلب الجانب القومي على الاداء السياسي للكثير من السياسين في البلدين الجارين
وتركيا حليفة الولايات المتحدة الامريكية والذراع الجنوبية لحلف شمال الاطلسي وإيران عدوة الولايات المتحدة رقم واحد ومن خلفه الحلف الاطلنطي
ويأتي الحديث بمناسبة زيارة رئيس الوزراء الى تركيا وربما تؤجل الزيارة الى ايران لارتباطات رئيس الوزراء بملفات عديدة في العراق وربما تكون زيارة عمل لاتستفرق الا يوما واحدا
وقبل التحدث عن النموذج التركي الذي شهد نهوضا متناميا منذ خروج البلد مهزوما من الحرب العالمية وحتى يومنا هذا الذي يعتبر نموذجا ومثالا في الشرق الاوسط لابد لنا من إطلالة سريعة على ما قامت به تركيا منذ التغيير في التاسع من نيسان حتى يومنا هذا حيث شهدت تباينا في توجه الجارة تجاه القوى السياسية والواقع السياسي الجديد في العراق ومن ثم نلقي نظرة على مانريده كعراقيين من الجار الشمالي
فتركيا كغيرها من البلدان الاقليمية والمجاورة للعراق تفكر وفكرت في إيجاد مواطئ قدم يضمن لها مصالحها الستراتيجية على المديين القريب والبعيد وحاولت مؤسسات الدولة التركية الدخول الى العراق بعدة طرق لامجال للخوض فيها بصورة تفصيلية لاننا في مجال الاستعراض وليس في مجال ملاحقة الاحداث الماضية
وبما أن الحكومة التركية الحالية تنتمي الى التيار الاسلامي القومي فقد أجبرها هذا التوجه الى العودة الى أحلام الماضي برعاية تركيا للقوى التي ترفع شعارا اسلاميا ومن الطبيعي أن يكون الميل الطائفي حجر الاساس في هذا التحرك لذلك تم تسهيل عقد المؤتمرات وعقد الصفقات السياسية لتقوية هذا التوجه بمواجهة المد الطائفي الاخر ،وركزت على الجانب القومي فقامت بدعم شخصيات سياسية ويقوة ممن يملكون اصولا ((تركمانية) للوصول الى رئاسة الاحزاب السياسية
ولايخفى على المطلعين أن الدولة التركية تحاول أن تكون الراعية لابناء القومية التركمانية ولكنها أخطأت حينما لعبت على الوتر الطائفي بين أبناء هذه القومية مما أضعف موقفهم وشتت قواهم بصورة واضحة وكانت القوى التي تملك علاقات وثيقة مع تركيا تتحدث بلهجة التشكيك والعداء ضد الحكومة العراقية المركزية
وبعد أن فرضت الحكومة المركزية واقعا سياسيا جديدا شعرت تركيا بخطأها الفادح وبدأت بإعادة رسم خارطة جديدة للتعامل والايحاء الى القوى التي تملك مع علاقات وثيقة وقوية أن تتعامل مع الحكومة المركزية بصورة جدية وبثوب آخر يختلف تماما عن ما سبق
وربما يكون التوجه الاخير في صالح تركيا فوجود حكومة مركزية قوية وعراق موحد يطمئنها على حدودها الجنوبية وما يطبخ ضد استقرارها وكذلك ضمان تدفق النفط العراقي اليها بأسعار مناسبة
وما نريده من تركيا كجار قوي هو الاستفادة من تجربتها ونجاحها في المجال العمراني والاقتصادي وقوة بنيتها التحتية بالرغم من الضغوط الاقتصادية التي مر بها البلد على مدى عشرات السنين ودعم العراق الجديد برؤية مستقلة وفقا للمصالح الستراتيجية المشتركة بعيدا عن احلام الماضي
وربما يكون نجاح الحكومة الحالية في التعايش مع الواقع العلماني التركي من خلفه مؤسسة عسكرية لاتسمح حتى بارتداء الحجاب في الجامعة نموذجا للحكومة العراقية للتعايش مع التنوع السياسي والقومي والمذهبي في العراق
ولكن تبقى مسألة المياه مشكلة عالقة قد تعكر صفو العلاقات بين البلدين اضافة الى تلكوء الشركات التركيا في تنفيذ بعض الالتزامات في مواني العراق الجنوبية والمدن العراقية
وتبقى تركيا البلد الذي يثير إعجاب زائريه فهي تجمع بين ارث الماضي وحداثة الحاضر تجمع في عمرانها بين صخور القلاع المنتشرة على الشولطئ وبين العمارة الحديثة ذات الطراز الغربي
ولذلك يمكن لتركيا أن تلعب دورا مهما في مجال الاعمار والاستثمار في مجالات الطاقة والبناء إذا ماتوفرت الرغبة الحقيقية في هذا المجال وهو ما أراه واضحا في التوجه الاخير لتركيا
عبدالامير علي الهماشي