انتخبوا ..قائمة الإنتهازيين الأحرار

بقلم راسم المرواني‏



رغم أننا لسنا متشائمين بالقدر الذي يجعلنا سلبيين ، ورغم أننا نعرف بأن الأرض لا تخلو من الشرفاء والطيبين في كل زمان ومكان ، ولكن ، يبدو أن هناك الكثير من الناس الذي لا يحملون مبدأً معيناً ، ولا فكرة معينة ، ولا شكلاً محدداً ، وهذا يشمل كل جانب من جوانب حياتهم وتوجهاتهم ، فهم يؤمنون بأنهم مخلوقون لكل العصور ، ويتصورون أنهم محاطون بهالة من القداسة والحصانة بحيث يحق لهم التصرف ضمن المساحة التي يختارونها لأنفسهم في كل زمان ومكان ، فهم القياديون والمفكرون والساسة والعلماء ، وهم من يستحقون التحدث نيابة عن الأمة بأسرها ، وهم المناضلون المضحون المُضطهدون ، ولذا فهم المؤهلون لكل الأدوار ، وخصوصاً الأدوار ذات المنفعة المادية والحصانة المالية .

ولكن الوقائع والحوادث تؤكد أنهم (إنتهازيون) .

فهم الناعقون مع كل ناعق ، الذين كانوا – وما زالوا - يحملون أوراقهم وأقلامهم ويقفون في صفوف المتملقين للسلطان ، والذين كانوا يحلمون برضا أعوان السلطان ، فبيوتهم ومحلات عملهم كانت مراتعَ خضراء وأحضاناً دافئة ومتكأً وثيراً لأعوان السلطة السابقة .

يتزلفون لرجال الأمن وأزلام السلطة المقبورة والحالية على حساب الدين والمباديء والإنسانية ، ويهادنون الظالمين والمجرمين والقتلة تحت ذرائع من الخوف والضعف ، ويتلحفون بعبارة سحرية لا تقبل النقض أو التفكير ، إنها عبارة (التقية واجبة) ، أو عبارة (كل لشـّة تتعلّك من كراعها) ومعناها أن كل ذبيحة تتعلق من أرجلها كما قال البهلول حين امتعض من تصرفات هارون الـ (لا رشيد) ومظالمه ، وهذه العبارة هي التي أعادتنا الى زمن العبودية ، وعرضتنا في سوق النخاسة للبيع تارة ، وللشراء تارة ، و(للإيجار) تارةً أخرى .

كان البعض من هؤلاء - المناضلين المثقفين – المرشحين الآن لقيادات الحكومات المحلية المتمثلة بمجالس المحافظات في العراق ، يطبلون ويزمرون ويرقصون على جراح المستضعفين ، ولا يتورعون عن التصفيق وهز الرؤوس إعجاباً بـ (جلاّدهم) المُلهم ، والمناضل منهم كان يصم أذنه أو يعمي بصره أو يُخرس لسانه في ميادين الحقيقة ، والأغرب من ذلك أنهم كانوا يقومون بدور فاعل في تثبيط عزيمة الآخرين ، ويلقون عليهم باللائمة والنصح بتجنب التعرض للسلطان وجرائمه ، ويتحايلون على المناضلين الثائرين كي يثنوهم عن جادة الحق والتغيير بذرائع شتى ، كما فعل أهل الكوفة مع أبنائهم حين خرجوا لنصرة مسلم ابن عقيل ، فقد سادت عندهم مقولة (الجبناء) :- (ما لنا ومسلم ...ما لنا والتعرض للسلطان ؟) متناسين قول رسول الله (ص) : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا يُقرِّبان أجلاً ، ولا يمنعان رزقاً .

هؤلاء – أنفسهم – الآن يقومون بدور جديد ، وعلى نفس الصعيد ، فهم الأن في واجهة الحدث ، يؤسسون الأحزاب ، ويقودون التجمعات ، ويحضرون الإجتماعات ، ويرتون القوائم ، وينفقون الأموال ، ويطعون الوسترات ، ويدّعون أنهم من أهل الخبرة في السياسة ، وأنهم من الذين تاهوا في دروب النضال ‘ وأنهم ..وأنهم …وأنهم ، وبدأت مزايداتهم بأرواح ودماء الشهداء الزكية ، وأخذوا يتشدقون بعلاقتهم بالمناضلين السابقين ، بل والأخطر من ذلك ، أن بعضهم (وقـّع) على صك (شيك) مبلغ كبير للجهة التي قامت بترشيحه ، على أمل أن تستوفى مبالغ الشيكات والتعهدات من أرباح مجالس المحافظات ، وبعضهم اختصر الطريق ، ودفع ما عليه دفعه للوصول إلى المقدمة ، ربما لأنه يخاف الله ، ولا يريد أن يبقى بذمته دين لأولياء نعمته .

الكثير من الانتهازيين ، وتجار المبادئ ، أصبحوا الآن في واجهة الصفوف ، وفي طليعة القوى ، فبعضهم صار مسؤولاً في التجمع الفلاني ، وأحدهم صار مسؤولاً للحزب الفلاني ، وأحدهم صار أحد كبار المناضلين في الحوار الفلاني ، وحتى أن أحدهم الآن من المتنفذين في الجيش الفلاني .

أحد المرشحين ، زارته أخته قبل الحملة الإنتخابية ، وعاتبته لأنه يدفع الأموال للحملة الانتخابية ، ولا يمنحها بعض هذا المال لتجديد وترميم بيتها ، فأجابها قائلاً / أم فلان !! فدوة أروحلج ...لا تلحين .. هاي الفلوس الجاي أصرفهه على الدعاية الانتخاية !! راح تجيب فلوس ، بس ادعيلي الله يوفقني ، وراح أبنيلج بيتين بمكان بيتج ، وتتدللين .

أحد المرشحين ، وقبل سنين ، سأله رجل قائلاً :- شيخنا !! عندنا بيت مؤجر ، تسكنه امرأة ، تبين لنا إنها مومس وساقطة ، فهل يحق لي طردها ، فأجابه دون تمحيص ...أطردها وأرم أغراضها في الشارع ، فهرع الأخ سعيداً هذه الفتوى (الفضائية) ، وطردها من اليت مع أبنائها الصغار ، وسلب حتى أثاثها ، وتبين لي بعدها أنها أم لخمسة أيتام وأشرف من صاحب البيت وشيخه صاحب الفتوى .

أحد المرشحين ..أعرفه ، استطاع استغلال (دم) ابنه الشهيد للحصول على المناقصات والمقاولات بشكل دنئ وخسيس ، هو الآن يريد أن يقود محافظته .

مرشحون ، (أغلبهم) المقاولون ، المهندسون ، أصحاب المكاتب التجارية ، المتنفذون ، أصحاب الشركات الوهمية ، الحالمون بالسلطة ، الباحثون عن الجاه والمرابون .

وليس بوسع المرء إلا أن يقف مندهشاً أمام هؤلاء ، صامتاً عاجزاً أمام قدرتهم على استبدال الوجوه والأدوار ، والحقيقة أنني لا أستطيع أن أُخفي خوفي الشديد على مستقبل الدين والوطن من اضطلاع هؤلاء - ونظرائهم – بالأدوار المهمة في المجتمع ، وليس هناك من يضمن لى تساقطهم على أعتاب هذا الزمن المصاب بالتهافت والتداعي ، ولا أعرف بالضبط هل أسدل ثوبي عن هؤلاء وأنزوي في ركن من أركان بيتي وأشغل نفسي بمشاهدة الـ (صبايا والشباب) عبر الستلايت ؟ فأكون بذلك قد أرحت واسترحت ، أم أحمل مقصلتي – التي يتذكرها الكثيرون – على ظهري من جديد ، وأُشعلها ناراً يصل دخانها الى (سابع جار) ؟ وليكن بعدها ما يكون .

لا تخلوا الأرض من الفضيلة ، ولن تخلو من الرذيلة ، ولستُ سلبياً إلى الحد الذي أنفي فيه وجود الوطنيين والشرفاء من قوائم المرشحين ، ولست أنكر معرفتي ببعض أهل النصح والوطنية والطيبة بين المرشحين ، ولكن حين أرى تمزيق الصور والإعلانات الانتخابية للمرشح (الفلاني) من قبل أنصار المرشح (الفلاني) المتنفذ ، ومنع أنصار المتنفذ (الفلاني) لأنصار المرشح (الفلاني) من لصق الإعلانات والبوسترات وتهديدهم بقوة السلاح والسلطة ، أشعر أننا لسنا بخير ، وأن زمن (القائد المفروض) آت لا محالة .

أحتاج إلى وقت للتفكير واتخاذ القرار ، ولكنني لا أُخفي خوفي – حتى لحظة اتخاذ القرار – من أن أستيقظ صباحاً لأجد المدرسة الأبتدائية التي أمام بيتي وقد تحولت الى مقر دعاية لقائمة جديدة ، تزينه لافتة طويلة وعريضة ، تقول :- انتخبوا.... قائمة الانتهازيين الأحرار .