هل تصلح الفيدرالية للعراق؟
جعفر الحسيني
بدءاً، لابد من التأكيد بأن الفيدرالية، وخلافاً لما هو شائع في العراق اليوم، لا تعني التقسيم، أو بالأحرى لا تؤدي إلى التقسيم. بل أن أغلب الدول الفيدرالية (الاتحادية) هي اليوم أكثر تماسكاً واستقراراً من الكثير من الدول البسيطة (الموحدة). والحقيقة أن تماسك الأولى واستقرارها، وعدم استقرار الأخيرة، يتعلق بالظروف الاقتصادية والسياسية والتاريخية لتلك الدول، أكثر ما يتعلق بكونها فيدرالية أو غير فيدرالية.
إن العراق المؤلف من جماعات دينية وعنصرية مختلفة، هو مجتمع مختلط، سواء كان ذلك بالمفهوم التقليدي للمجتمع المختلط، أو بالمفهوم الذي استعمله البروفيسور أدورد شلز، قاصداً به القوى الكثيرة، والمتناقضة في المجتمع، والتي تؤثر على سير الأمور فيه (1). وهناك من يفضل أن يسمي هكذا بلد بـ (الدولة المتعددة المجموعات) (2).
ويبدو أن النظام الفيدرالي (الاتحادي) هو الحل الأكثر استعمالاً في هكذا حالات (3). فآلياته تتيح المجال لتعايش جماعات من السكان في إطار دولة واحدة، بالرغم من أنها ليست على درجة كافية من التجانس لإقامة دولة موحدة. فالاتحاد هو الذي يجعل ممكناً قيام دولة الولايات المتحدة وتكوين الأمة الأمريكية. وعن طريق الاتحاد أمكن في سويسرا لقوميات متـباينة في اللغة والدين أن تتعايش في دولة واحدة (4).
وفيما يتعلق، بالفيدرالية كشكل للعلاقة بين بغداد وإقليم كردستان، فإن هذا قد غدا أمراً واقعاً، أو تطوراً طبيعياً لوجود إقليم كردستان منذ عام 1991. حيث شكل الإقليم – منذ ذلك التاريخ – ما يسميه القانون الدولي بدولة فعلية.
وتنشأ الدولة الفيدرالية عادة بأحد أسلوبين: الأول، اتحاد دولتين أو أكثر، والثاني ينتج عن تفكك دولة بسيطة (موحدة) إلى عدة دويلات، ثم تنتظم في اتحاد يجمعها (5).
لكن الصيغة القائمة بين بغداد وإقليم كردستان، هي شكل من أشكال الدولة الاتحادية، أو كما يقول علماء القانون الدستوري، إنها تنظيم إقليمي جديد للدولة البسيطة يقترب بها إلى حد ما من تنظيم الدولة الاتحادية، بقصد معالجة وضع أقليات قومية أو لغوية أو أوضاع تاريخية (6).
فهي ليست فيدرالية وإن سميت بذلك تجاوزاً. فالدولة الفيدرالية يفترض أن تتكون من حكومة كردية وحكومة عربية، وحكومة ثالثة (اتحادية) يتم تقاسم (مراكز القرار فيها) بين العرب والأكراد مناصفة، وهو الأمر غير المطروح (7).
وأياً كان الأمر، فالمشكلة لا تكمن في العلاقة الفيدرالية بين بغداد وإقليم كردستان. إنما المشكلة ربما تكمن في مكان آخر، حيث يراد تعميم الفيدرالية على كل العراق، وبالتالي تقسيم العراق إلى ثلاثة أو خمسة أو سبعة أقاليم.
فالفيدرالية تصلح للبلدان الصناعية ولا تصلح للبلدان ذات الاقتصاد الريعي. فثمة إشكالات عديدة وخطيرة تنشأ حول توزيع الثروة بين الأقاليم الفيدرالية في البلد ذي الاقتصاد الريعي. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن النظام الفيدرالي يحتاج إلى نفقات ضخمة، حيث لكل إقليم ميزانية دولة كاملة، الأمر الذي سيثقل – في حالة العراق – كاهل دولة خاوية ومدمرة ومستنزفة.
أما تجربة الإمارات العربية المتحدة – وهو دولة ذات اقتصاد ريعي – ففضلاً عن ظروفها التاريخية الخاصة، وكونها دولة قليلة السكان، فإن نظامها السياسي هو نظام اتحادي خاص، لا يمكن تسميته مطلقاً بالنظام الفيدرالي.
فالنظام الفيدرالي يقوم على مبدئين، هما مبدئي المساهمة والاستقلال. ويعني الأول: (أن تساهم الأقاليم الأعضاء في تكوين القرارات التي تلزم الاتحاد بكامله). أما الثاني: فيعني استقلال الأقاليم في إدارة شؤونها (8).
وإذا كان المبدأ الثاني متحققاً في حالة دولة الإمارات، فإن المساهمة في تكوين القرارات الاتحادية – خاصة المهمة منها – تكاد تقتصر على الإمارتين الأغنى بالنفط (إمارتي أبو ظبي ودبي). وعموماً، فليس هناك في دولة الإمارات مؤسسات منتخبة – كما يقتضي النظام الفيدرالي – لا على المستوى المحلي ولا على المستوى الاتحادي.
إن سؤالين خطيرين، مرتبطين ببعضهما، يطرحان نفسيهما بقوة في حالة العراق، الأول: على أي أساس سيتم تقسيم العراق إلى أقاليم فيدرالية؟، والثاني: من الذي يضمن أن هذا التقسيم – أياً كان – سيكون مرضياً للجميع ونهائياً؟ فسكان بعض المحافظات الذين يتم ضمهم لهذا الإقليم أو ذاك قد يطالبون غداً بالانفصال عنه وتكوين إقليم خاص بهم!
إن الأنظمة الفيدرالية لم تنشأ بطريقة كيفية، إنما كانت وليدة ظروف تاريخية واقتصادية خاصة بها، فنشأت قوية وراسخة. أما في مثل ظروف العراق – حيث يراد في ليلة وضحاها تعميم تجارب أخرى عريقة – فإن الفيدرالية، أو على نحو أدق تعميمها على كل العراق، إن لم يفتح بوابات الفوضى، فسيخلق دولة مشلولة سياسياً واقتصادياً.
تعاريف:
1- الدولة الفعلية: هي الدولة التي لم تحصل على اعتراف دولي بها.
2- الاقتصاد الريعي: هو الاقتصاد الذي يعتمد على انتاج وتصدير سلعة واحدة كالنفط أو السكر .. الخ.
هوامش:
1) البروفيسور دينكن ميتشل، معجم علم الاجتماع، ص 160-161.
2) د. فايز عبد أسعيد، الأسس النظرية لعلم الاجتماع السياسي، ص 92.
3) المصدر السابق، ص 93.
4) د. كمال الغالي، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية، ص 106.
5) المصدر السابق، ص 92.
6) المصدر السابق، ص 89 (الهامش).
7) جعفر الحسيني، قانون إدارة الدولة والدستور الدائم، جريدة المؤتمر، في 8 حزيران 2005.
8) د. كمال الغالي، المصدر السابق، ص 95-96.
المواطن - العدد 874 - الثلاثاء 17/2/2009
http://paper.almowaten.com/NewsDetail.aspx?NID=9629