العلاقة بين الرئاسات الثلاث
في البلدان التي تتوزع فيها السلطات بين التشريع والتنفيذ تحدث بعض التداخلات والاجتهادات ،والعراق من البلدان التي مازالت فيه الكثير من القضايا يشوبها بعض اللبس و لايحاول بعضهم فهمها وتقبلهابل يسعى لتغليفها بطابع آخر مع أن الدستور كان واضحا في تقسيم السلطات .
وقد تنبه الرئيس جلال الطلباني الى مدى الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية فطلب من خلال اجهزة الاعلام ولاكثر من مرة أن تكون له صلاحيات أكبر ضمن اتفاق أسماه ب(الاتفاق الجنتلمان) وفعلا استطاع رئيس الوزراء نوري المالكي أن يمتص الكثير من الاشكالات التي نتجت بين رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري وبين الرئيس جلال الطلباني التي أدت الى تلكؤ بناء العراق الجديد.وسارت العلاقة بشكل قد يكن طبيعيا على المساربالرغم من بعض الاشكالات في مايتعلق بالمصالح القومية والوطنية وتفسيرهما من قبل الرئيسين.
وحاول نائبا الرئيس أن يدخلا على خط الصلاحيات والقرارات المصيرية متحججين بفقرة الانفراد والمخاوف الاخرى التي يحتفظون بها،فكانت الاشارات والتلميحات وصولا الى الشكوى والتذمر ،ودخل الجانب الامريكي على هذا الخط فكان اتفاق 3+1 واسماه النائبان بالمجلس التنفيذي ، بينما كانت رؤية رئيس الوزراء تتمثل في اطلاع مجلس الرئاسة على التحركات العامة ،وليس القضايا التفصيلية التي تضر وتعرقل عمل الحكومة .
وكلما تستقرالاوضاع تكون الحاجة الى هذا الاتفاق قد تلاشت باعتبار أن الدولة العراقية والعملية السياسية تسير بالاتجاه الصحيح.
وكلما تحسنت العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء كلما تلاشت طموحات المعرقلين للعملية السياسية ،وكانت آخرها مسالة التمثيل العراقي في قمة الدوحة التي كانت مشاركة العراق فيها فاعلة وايجابية أعادت بعض الروح في الغياب العراقي عن هذه القمم ،وقبل ذهابه أصدر مكتب رئيس الجمهورية بيانا يشير الى (تكليف) رئيس الوزراء بحضور القمة !!!
مما أدى الى أن يأتي الرد سريعا من العضو البارز والقيادي في حزب الدعوةالاستاذ علي الاديب حول صلاحيات رئيس الوزراء وصلاحيات رئيس الجمهورية ،ويأتي الرد من مستشار رئيس الجمهوية القانوني ليخلط الاوراق بين قبول اعتماد السفراء وبين العلاقات الخارجية ورسمها ولاادري هل فرق المستشار بين الجزء والكل فالتوقيع على قبول السفراء لايعني انها رسم للسياسة الخارجية بل هي الجزء المكمل لها.
وحسنا فعل المالكي بصرحاته المعهودة مع الطلباني لتوضيحه خلفيات هذه التصريحات وبيانات الرئاسة التي يُراد لها تعكير صفو العملية السياسية ككل وتعكير العلاقة بين الطلباني والمالكي التي كانت جيدة جدا في الفترة الاولى من تولي المالكي لرئاسة الحكومة
وربما هذه لن تكون الاخيرة وستتبعها الكثير من هذه الامور كلما ازدادت وتيرة نجاحات رئيس الوزراء في سياسته الداخلية والخارجية.
وبات واضحا أن مسار العملية السياسية بهذا التوجه سيؤدي الى سقوط الكثيرين ممن أفرزتهم أحداث التاسع من نيسان عام 2003ولهذا نرى التوجه نحو تأزيم العملية السياسية وخلط الاوراق وهناك اتفاق ضمني بين كل القوى التي ساءها النتائج في انتخابات مجالس المحافظات فبدأت تسعى الى تأزيم العلاقة بين الحكومة والبرلمان من خلال تحليلات سياسية تُشير الى (سيطرة )الحكومة
على البرلمان للنيل من النجاحات المتحققة في المجال الامني
،وازداد الوضع تفاقما بعد استقالة المشهداني من رئاسة البرلمان ومحاولة الحزب الاسلامي الائستثار بهذا الموقع الحساس ليكون الممثل الوحيد للمكون السني التي قسم بها الامريكان الحصص على الثلاث ((الاكراد والسنة والشيعة)) بعيدا عن الاستحقاق الانتخابي لتبقى العملية السياسية مهددة بفعل التجاذبات الطائفية والقومية .
ويبدو أن الحزب الاسلامي هو الفائز الوحيد من اجتماع دوكان حيث صوت اطراف دوكان جميعهم لمرشح الحزب أياد السامرائي لرئاسة البرلمان.
وربما فشلت هذه المحاولة حتى هذه اللحظة بعد تردد المحكمة الاتحادية في اتخاذ قرار فاصل في تفسير معنى الاغلبية هل هي أغلبية الجلسة أم أغلبية لكل أعضاء البرلمان؟
وبدأت قبل ذلك التحليلات الاعلامية التحريضية التي أشارت الى سيطرة الحكومة (رئاسة الوزراء) على البرلمان بعد التصويت بسحب الثقة من احد أكبر امراء الحرب (محمد الدايني ) الذي سقط ليكون اول الساقطين في مسلسل سقوط امراء الحرب القادم.
واجتمعت القوى المتضررة من نتائج انتخابات مجالس المحافظات لتشن حربا غير دستورية تحاول فيها قص الاجنحة فبدأت بخفض التخصيصات المالية لرئاسة الوزراء ومن ثم اصدار قرار بنع الحكومة من سحب المبالغ المطلوبة من الاحتياطي!!!
وقد لاتستقر العلاقة بين البرلمان والحكومة حتى يستقر وضع الائتلاف العراقي الموحد الذي أضحى غير موحدا منذ دخول المجلس الاعلى بقائمة منفردة في انتخابات مجالس المحافظات وساءت العلاقة اكثر بعد التسريبات التي أشارت الى اتفاق المجلس مع الاخرين في اجتماع دوكان وكانت الصدمة في النتائج الانتخابية لمجالس المحافظات مما قلب الموازيين وجعلت الكثير من القوى تراجع مواقفها وتستعد مبكرا للانتخابات البرلمانية التي بدأت بالحرب البرلمانية على رئيس الوزراء.
فتوجهت الانظار لخلق مشكلة الموازنة ومصايف الرئاسات الثلاث وربما ستعمل بعض القوى على استدعاء الوزراء واحراج الحكومة ،وسيحاول بعض المفسدين التستر خلف هذا الاستهداف فتضيع الحقوق وهنا لابد لرئاسة الوزراء من تبدأ بطرح هذا الملف علنا لسحب البساط من تحت أقدام المعرقلين لبناء العراق الجديد.
وهكذا تبقى العملية تتخذ طابع المد والجزر لحين بروز تكتلات جديدة قبيل الانتخابات تستطيع أن تتوافق فيما بينها حتى خوض الانتخابات التي قد تُسقط الكثير من العروش والرجال الذين برزوا للسطح بعد أحداث التاسع من نيسان ولذلك سننتظر حتى موعد الانتخابات .
عبدالامير علي الهماشي