قال هيكل: "أنا بأقول وفاة عرفات لا يمكن أن تكون طبيعية، فى شواهد تقول إنها مش طبيعية، أمامى منذ سنة 2001 المجلس القومى الإسرائيلى اتخذ قراراً بتصفية عرفات، قيلت صراحة، ورأيت بنفسى نائب رئيس الوزراء الإسرائيلى يقول على شاشة التليفزيون الإنجليزى، نحن نعتبر ياسر عرفات يديه ملطخة بالدم، وقد قررنا أنه مجرم حرب وتصفيته، ولما قيل هذا الكلام الدول العربية جريت، وتدخل الرئيس الأمريكى بوش، وقال إن شارون وعد بأنه لا مساس بعرفات شخصياً، وبعدين عرفات مشى فى طريق المفاوضات، ووجد نفسه أمام ثوابت لا يستطيع أن يتنازل عنها، وأولها حق العودة، وبالتالى توقف وأصبح عقبة فى نظر الإسرائيليين، وفى سنة 2004 نشرت هاآرتس رسالة من واشنطن تقول فيها، إن شارون ترجى الرئيس بوش أن يعفيه من المحافظة على حياة عرفات، وأننا تركناه منذ 2001 حتى 2004، فيقول الرئيس الأمريكى، طب ما تتركها لربنا فيرد شارون: "ألا ترى إحنا نعطى مساعدة واحدة إلى الله، وشواهد أخرى نجد تصفية القيادات الفلسطينية عملية منظمة، أحمد ياسين راح بصاروخ، وعبد العزيز الرنتيسى، والدكتور الشقاقى، كل زعماء المقاومة من فتح إلى الجهاد إلى حماس، كله اتصفى".
يضيف هيكل: "فى الصيف الماضى اتصل بى عرفات وقال لى إنه كان فى محاولة انقلاب ضدى وأحبطتها، وبعدين رجع كلمنى تانى وقال إنى جاهز لقدرى، ولقاء خالقى، تحس إن فيه حاجة، وبعدها تلاقى الرجل عرفات يصاب بمرض خطير ويذهب إلى فرنسا وألاقى الفرنسيين محتارين وأطباءه يشككون، ومش قادرين يتكلموا، لا عايزين يحرجوا أنفسهم مع الأمريكان ولا مع الإسرائيليين ولا مع العرب، ويبدو أن كل هؤلاء عايزين يخلصوا.. إيه الخطأ لو حد قال إن الأمر يقتضى التحقيق"؟..
وزاد هيكل فى أقواله:"قرأت ملخصاً للتقارير التى جاءت من فرنسا وقالوا ليس هناك سم نعرفه، عايز أعرف ما هو الضرر؟ وما هو الحرج أن نتكلم بوضوح؟". انتهى كلام هيكل الذى قاله بعد موت عرفات، الذى كان أول محاولة علنية للقول بأن عرفات لم يمت موتاً طبيعياً، وجاء كلام قدومى ليحرك المياه الراكدة فى هذه المسألة.
قال عرفات لهيكل، إن محاولة انقلاب كانت تتم ضده، واستطاع أن يحبطها، والمعروف أن دحلان كان قد قاد مسيرة فى الأرض المحتلة ضد السلطة الفلسطينية بقيادة عرفات، وضمت هذه المسيرة عشرات من أنصاره، وقيل وقتها إنها لم تكن مجرد تعبير عن غضب لكسر حالة الجمود، وإنما كانت أكثر من ذلك، كانت محاولة انقلاب قادها دحلان فى العلن، وفى الخفاء كانت الخيوط تستكمل مع أشخاص آخرين للتخلص من عرفات نهائيا.. فهل تم التفكير فى التخلص من الرجل بطريقة أخرى بعد أن فشل الانقلاب؟
السؤال السابق يقودنا إلى ما قاله قدومى، وإلى طبيعة التحليل السياسى، الذى ذكره هيكل، والذى نستخلص منه أن عرفات كان قد أصبح عقبة فى أى طريق للتسوية، فيما يعنى أن التخلص منه يساعد على إسراع الخطى نحو التسوية التى كانت ترغب فيها إسرائيل ومعها أمريكا، أضف إلى ذلك فإن ما قاله هيكل حول ما ذكره الأطباء الفرنسيون بأنه "ليس هناك سم نعرفه"، يذكرنا بمحاولة الموساد الفاشلة لاغتيال خالد مشعل فى العاصمة الأردنية عمان، والتى تمت عن طريق رش سائل عليه، وصمم وقتها العاهل الأردنى الراحل على أن يأتى علاجه من إسرائيل باعتبارها الجهة التى تعرف سر هذا السائل السمى، وكان له ما أراد، والقصة بهذا الوصف تقودنا إلى التأكيد على أنه وفى إطار لعبة أجهزة المخابرات، قام الموساد بالإشراف على نوع السم الذى تم دسه إلى عرفات، وكان من النوع الذى فشل الأطباء الفرنسيون فى معرفته، كما فشل من قبل الأطباء الأردنيون فى معرفته فى محاولة اغتيال خالد مشعل.
وإذا كانت الشواهد السابقة تقود إلى ترجيح كفة اغتيال عرفات، فإن السؤال الذى يفرض نفسه الآن.. ماذا عن حجم تأثير ما قاله قدومى على الساحة الفلسطينية؟
فى القراءة الأولى، نحن أمام مشهد يشير إلى دراما نهاية جيل آباء الثورة الفلسطينية المتمثلة فى منظمة التحرير الفلسطينية، ففاروق قدومى يجلس فى غربته دون سند حركى، أما محمود عباس فسيبقى دم عرفات فى رقبته أمام الفلسطينيين، مما يزيد فى تآكل رصيده ليس أمام الفصائل الفلسطينية المعارضة التى تقف ضده من الأصل على طول الخط، وإنما أمام حركة فتح التى يقودها حاليا، وسيؤدى هذا التآكل إلى مزيد من الانشقاقات فيها، فقنبلة قدومى ستجد من يؤيدها، فى مقابل من سيكذبها من رجال عباس، وبالتالى سيتولد مزيد من الشرذمة فى صفوفها، وأمام هذا التشرذم ستجد حركة حماس الفرصة سانحة لها أمام الداخل الفلسطينى، وهذا يعد قراءة ثانية فى نتائج قنبلة قدومى، التى لن ينفع معها أسلوب التكذيب السريع الذى لجأت إليه اللجنة المركزية لحركة فتح بإصدار بيان سريع تنفى فيه رواية قدومى، فلا اللجنة المركزية تم عقدها من الأساس، ولا الرأى العام الفلسطينى والعربى أمامه لجنة نزيهة ومحايدة تقول كلمتها فى هذه القضية الشائكة.