المهدي و " المتمهديون "
جواد قرشي
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ )
عن الإمام أمير المؤمنين عـلــيّ (عليه السلام) قال:
المستضعفون في الأرض، المذكورن في الكتاب، الذين يجعلهم الله أئمة: نحن أهل البيت، يبعث الله مهديهم فيعزهم ويذل عدوهم
أهنأكم بميلاد سيدنا و أمام زماننا محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام , مهدي امة محمد عليه و على آله أفضل الصلاة و السلام جعلنا الله من أتباعه و أنصاره و العارفين كيف نميـّـز بين الخبيث من الطيب و نحن ننتظر مقدمه الشريف فلا يستخـّـنا مدّعي أفاق فيزلـّـنا عن جادة الصواب التي بها نتصل بحبل الله.
بشكل سريع أتطرق الى أخبار الأعتقاد بمصلح ملامحه هي ملامح المهدي عليه السلام في صيغ مختلفة في أديان سماوية و وضعيـّـة في الشق الأول و أتناول في الشق الثاني أدعاء المهدوية و بعضا ممن أدعيت او أدعاها له.
فكرة الخلاص الأبدي على يد مصلح يتعهد هذا العالم الفاسد الملئ بالآثام بحكمتة و سلطانه فيحيل فساده الى صلاح و ظلمه الى عدل و فقره الى غنى ليست مقصورة على التشيع بشكل خاص و الأسلام بشكل عام بل تتعداهما الى بقية الأديان و المعتقدات فمثلا تبشر الديانة الهندية بمرحلة العصر الكالي بظهور أوتاراي المخلص الموعود به و المجوس يعتقدون برجوع مخلص اسمه (بهرام) الذي لا يختلف فكرته كثيرا عن فكرة المهدي في الأسلامً و اما البراهمة فأنهم أيضاً يعتقدون بظهور (كرشنا) مخلصا كما هو المهدي عليه السلام. اما اليهود فأيمانهم راسخ بظهور المصلح الذي تبدا تباشير عهده من تفجر الحرب العالمية الاُولىفي 1914 و تمر بتجمع اليهود في فلسطين حيث تبدأ المعركة الفاصلة التي تنهي وجود الشر في العالم ويبدأ حينئذ حكم الملكوت في الأرض لتصبح الأرض فردوساً. و في المسيحية من الدلالات بالمصلح المخلص الكثير الكثير و منها ما ورد في العهد الجديد – الأصحاح الأول بالقول " إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي إليكم كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء ". و في ديننا الأسلامي فأن الروايات مسهبة و متواترة بأخبار المهدي عليه السلام ففي طرق الخاصة في حديث ثابت بن أبي صفيـّـة عن الإمام الباقر (عليه السلام)، وفيه: ((ان الحسين (عليه السلام) قال: يظهر الله قائمنا، فينتقم من الظالمين. فقيل له: يا ابن رسول الله، من قائمكم؟ قال: السابع من ولد ابني محمد بن علي. وهو الحجة بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني. وهو الذي يغيب مدة طويلة، ثم يظهر، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً و تروي طرق العامـّـة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال:
«أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس، فيملأ الارض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال بالسويّة بين الناس».
اما على محور أدعاء المهدوية فنستطيع بشكل عام أن نشحـّـص ثلاثة محاور في هذا الأتجاه: -
الأول: من أدعيت له المهدوية و لكنـّـه رفض هذا الأدعاء جملة و تفصيلا
الثاني: من أدعيت له المهدوية و لكنه لم يرفض مثل هذا الأدّعاء لسبب او آخر
الثالث: من أدعى المهدوية لنفسه مع سبق تخطيط لما يريده من مثل هذا الأدّعـاء
ففي المحور الأول نجد أن من أوائل مثل هذا الأدّعاء ما ورد بحق محمد بن الحنفية أبن أمير المؤمنين و أخو سيدي شباب أهل الجنة من أبيهم عليهم السلام حيث كان يسلم عليه الكيسانيون " نسبة الى كيسان خادمه و قيل خادم أمير المؤمنين بالقول " السلام عليك يا مهدي " فكان يقول أجل، أنّا مهدي اهدي إلى الرشد والخير، ولكن اسمي اسم نبي الله، وكنيتي كنية نبي الله، فإذا سلّم أحدكم فليقل: سلام عليك يا محمّد، أو السلام عليك يا أبا القاسم " و بهذا أنكر بن الحنفية عليهم أدعاؤهم له بالمهدوية بما تعنيه حرفيا عن الرسول و عن الأئمة عليهم السلام. فلما توفي بن الحنفية أدعت الكيسانية أنه لم يمت و لكنه غاب في جبل رضوى من جبال الحجاز حتى يأذن الله له بالخروج و في هذا قال السيد الحميري:
[poem=font="simplified arabic,5,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,5,darkblue" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يا شعب رضـوى ما لمــن بك لا يــرى = و بـنـــا الـيـــه مـــن الـصـبــابـة أشـــوق
حـتــى مـتـى و إلــى مـتـى و لـــم الذي = يـا بـــن الــوصــي و انـت حــيّ تـــرزق[/poem]
حيث كان أشهر الذين كانوا يؤمنون بمهدوية بن الحنفية الى ان هداه الله الى معرفة الحق حين التقى بالإمام الصادق(عليه السلام) بمكـّة أيام الحجّ فناظره الأمام وألزمه الحجّة، وهداهُ إلى الحقّ فرجع عن مذهب الكيسانية و قال في قصيدة مشهورة له:
[poem=font="simplified arabic,5,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
تـجـعـفـرتُ بـاسـم اللـّـه واللـّـهُ أكــبــر = وأيـقـنــتُ أنّ اللـّـــــــــه يَـعْــفُـو ويَـغـْـفـِرُ
ويـُـثـبـِــتُ مهـمـا شـــاء ربـّي بـأمــره = ويمحو ويـقـضي في الاُمور ويـقــــــــدرُ[/poem]
و في المحور الثاني من نماذج الذين أدّعـيـت المهدوية لهم و لكنهم لم يحركوا ساكنا لرد مثل هذا الأدّعـاء الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز حيث نقلوا من أجله عن عمر بن الخطـّـاب قوله " إن من ولدي رجلا يملأ الأرض عدلا " و معلوم أن ام أبن عبد العزيز هي ام عاصم بنت عاصم بن عمر بم الخطاب. و لم يكتفي الأمويون بحديث بن الخطـّـاب بل وضعوا على لسان بيت النبوة قولا يعزز أدعائهم هذا فأدعوا أن هناك من سمع الأمام الباقر عليه السلام يقول " النّبي مناّ، والمهديّ من بني عبد شمس، ولا نعلمه إلاّ عمر بن عبد العزيز " و و اضح هنا السبب الذي من أجله أدّعى الأمويون مهدوية بن عبد العزيز و سكوت الأخير عن رد مثل هذا الأدعاء. و في نفس السياق أدعى المنصور الدوانيقي المهدوية لولده فلقبه بالمهدي و كما وضع وضـّـاعوا بني أمية الحديث على لسان أئمة الهدى بحق عمرهم فعل وضـّـاعوا بني العباس فعلهم فروى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد حديث لفـّـقوه على لسان ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعمه العباس: إن الله ابتدأ الإسلام بي، وسيختمه بغلام من ولدك وهو الذي يتقدم عيسى بن مريم.
كما أدّعى عبدالله بن الحسن بن الأمام الحسن (ع) ، ويسمى عبد الله المحض ، لأن أباه ابن الحسن وأمه بنت الحسين (عليهما السلام) المهدوية لولده محمد ودعا الى بيعته فتظاهر العباسيون ببيعته لأن ذلك أتى في وقت كانوا يهيئون فيه لوأد الأمويين و أستلاب الملك من أهله بيت النبوة و كان مثل هذا الأدعاء من البعض من هذا البيت خير غطاء يتوارون خلفه الى حين ثم انقلب عليه العباسيون فيما بعد واتفقوا مع أبي مسلم أن يبايع أبا العباس السفاح بالخلافة أما أهل البيت فقد انكروا هذه المهدوية أنكارا تاما و كان للأمام الصادق أكثر من موقف يكذّب فيه مثل هذا الأدعاء و منها أن محمد بن عبدالله بن الحسن الذي ادعوا له المهدية قال مرة للإمام الصادق (ع): ( والله إني لأعلم منك وأسخى منك وأشجع منك ! فقال: أما ما قلت إنك أعلم مني ، فقد أعتق جدي وجدك ألف نسمة من كد يده ، فسمهم لي ، وإن أحببت أن أسميهم لك إلى آدم فعلت ! وأما ما قلت إنك أسخى مني فوالله ما بتُّ ليلة ولله عليَّ حق يطالبني به . وأما ما قلت إنك أشجع مني ، فكأني أرى رأسك وقد جئ به ووضع على حِجْر الزنابير يسيل منه الدم إلى موضع كذا وكذا ! قال: فحكى ذلك لأبيه فقال: يا بني آجرني الله فيك) و هذا أعتراف من الأب بعدم مهدوية ولده ضمنا.
نأتي الآن الى المحور الثالث و هو يخص من أدعى المهدوية لنفسه مع سبق تخطيط و وعي لما يريده من مثل هذا الأدّعـاء فنجد أن أهل البيت عليهم السلام حرصوا كل الحرص على أن يبيـّـنوا بأن هذه المنزلة هي تنصيبا ألاهيا منصوص عليه من سيد البشر و خاتم الأنبياء بأمر من السماء و ما هو بنطق عن الهوى و لكنه وحي يوحى. نجد أن من أوائل المدّعين لهذا المنصب الخطير هو جعفر الكذاب و هو جعفر بن الأمام علي الهادي و أخو الأمام الحسن العسكري و عم الأمام الحجة عليهم السلام. ورد بطرق الخاصة عن الأمام زين العابدين عليه السلام عن ابيه عن جدّه المرتضى عن رسول الله عليه و على آله أفضل الصلاة و السلام قوله " إذا ولد إبني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين فسموه الصادق فإن الخامس من ولده اسمه جعفر يدّعي الإمامة إفتراءً على الله وكذباً عليه فهو عند الله جعفر الكذاب " و من هنا نرى جسامة مثل هذا الأدعاء زورا حتى أن رسولنا الكريم يتحسب لمثله بحديث يكشف فيه حقيقة هذا المدّعي قبل أكثر من مئتي سنة من ولادته. و رغم أنتماءه للبيت العلوي الا أن جعفر الكذاب كان من المتهتكين الماجنين المستخفين بدينهم و لم يتورع من الأرتماء في احضان السلطة العباسية نكاية بالحجة بن الحسن أبن اخيه فيروي التاريخ أنه حرّض الخليفة العباسي في وقتها فأمر الأخير باعتقال السيدة نرجس ام الامام و ضيـّـق عليها لكي تبوح بسر أبنها و مكانه فلم تفعل حتى فرّج الله عنها بعد حين و تجرأ بتقدم الناس للصلاة على أمامنا العسكري عليه السلام لكي يثبت أدعاءه بالأمامة من بعده فيروي لنا التاريخ أن هذا الكذاب ما أن تقدم للصلاة حتى خرج غلام ألى المصلين مناديا " تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة عليه منك " فتأخر الكذاب ليتقدم الحجة عليه السلام للصلاة على جثمان أبيه رغم الخطر المحدق به من خطوة كهذه من أعداءه العباسيين لكي لا يتخذ الكذاب بصلاته هذه حجة على الناس بأنه الأولى بعد العسكري بالأمامة و من مفارقات التاريخ أن هذا الكذاب لما حمل إلى الخليفة العباسي عشرين ألف دينار عند وفاة الأما العسكري عليه السلام وقال له: يا أمير المؤمنين.. تجعل لي مرتبة أخي الحسن ومنزلته!!. قال له الخليفة: اعلم أن منزلة أخيك لم تكن بنا، إنما كانت بالله عز وجل، ونحن كنا نجتهد في حط منزلته والوضع منه، وكان الله عز وجل يأبى إلا أن يزيده كل يوم رفعة، لما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة. فأن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما كان في أخيك، لم نغن عنك شيئا.
و قد كثر المدعون للمهدوية في التاريخ و منهم محمد بن تومرت مؤسس دولة الموحـّـدين من المغرب في القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلاد حيث ادعى المهدوية لنفسه وقال: "أنا المهدي المعصوم، أنا أحسن الناس معرفة بالله ورسوله"، ورفع نسبه إلى النبي صلى الله عليه و على آله وسلم و نشر هذه مبادئ على شكل خطب ومؤلفات مشروحة شرحا مستفيضا، وفرض على اتباعه قراءة جزء منها كل يوم بعد صلاة الفجر و أمر بإلقاء خطبة الجمعة باللهجة الأمازيغية لأنه من أصول أمازيغية. أما في العصر الحديث فلعل جيهمان العتيبي الموظف في الحرس الوطني السعودي لثمانية عشر عاماً و صهره محمد بن عبدالله القحطاني والذان درسا على منهج محمد بن عبدالوهاب الفقهي الأشهر بين مدعي المهدوية ففي محرّم من العام 1400 هجري، الموافق لنوفمبر من العام الميلادي 1979. دخل جهيمان وجماعته المسجد الحرام في مكة المكرمة لأداء صلاة الفجر يحملون نعوشاً للصلاة عليها صلاة الأموات بعد صلاة الفجر، وما أن انفضّت صلاة الفجر حتى قام ليعلن للناس نبأ المهدي المنتظر وفراره من "اعداء الله" واعتصامه في المسجد الحرام و قدّم جهيمان صهره محمد بن عبدالله القحطاني بانه المهدي المنتظر، ومجدد هذا الدين حيث قامت قوات الأمن و الجيش السعودية معزّزة بقوات الكوماندوز الفرنسية بمحاصرة الحرم المكي و تبادلت النيران مع جهيمان و مهديه و أتباعهم فأصاب المسجد الحرام ضرر بالغ جرّاء تبادل النيران ليستسلم جهيمان ومن بقى من أتباعه. بعد فترة وجيزة، صدر حكم المحكمة بقطع رؤوس 61 من أفراد الجماعة، وكان جهيمان من ضمن قائمة المحكومين بالإعدام.
و في الختام اهنأكم مرة أخرى بهذا الميلاد الميمون و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آلـه الطيبين الطاهرين