التقارب الثوري لتركيا مع سوريا و العراق
[align=center] تطور العلاقات بين تركيا وكل من سوريا والعراق
[/align]
[align=center]
[/align]
بقلم البروفسور رمضان جوزان رئيس قسم العلوم السياسية و العلاقات الدولية في جامعة تشانكايا
عقدت تركيا اجتماع مجلس التعاون التركي - السوري الاستراتيجي الرفيع المستوى الأول في دمشق عاصمة سوريا في الثالث عشر من تشرين الأول / أكتوبر 2009. و شارك في الاجتماع 10 وزراء من الجانب التركي و 15 من الجانب السوري و تم التوقيع على اتفاقيتين و التفاهم على 38 موضوعاً آخراً. و بعد يومين أي في الخامس عشر من تشرين الأول / أكتوبر 2009 عقد الاجتماع الوزاري لمجلس التعاون الاستراتيجي التركي – العراقي في بغداد. و تم التوقيع على 48 مذكرة تفاهم في الاجتماع الذي ترأسه رئيسا الوزراء و شارك فيه عشرة من الوزراء من الجانبين.
......................
في بادئ الأمر لا يسعنا إلا أن نصف هذه الاجتماعات و الاتفاقيات و التقارب السريع الذي حصل خلال ثلاثة أيام بانها "تطور ثوري". و هناك ثلاثة أسباب لوصفنا إياها بذلك: الأول: ان التوقيع على هذا الكم من الاتفاقيات و في مجالات مختلفة لا مثيل له في تاريخ الدبلوماسية المتحضرة. و السبب الثاني: التوصل إلى نقطة إيجابية في العلاقات مع هذه البلدان التي كانت على علاقة سلبية معها. أما السبب الثالث و الأخير: فهو التأثير المتوقع لهذا التقارب على البلاد المعنية و المنطقة في المستقبل.
في بادئ الأمر نستطيع القول أن التقارب التركي الشامل من سوريا و العراق يعتبر نقطة تحول في التاريخ. إذ كانت علاقة تركيا بهذين البلدين سيئة للغاية بحيث كانت هناك أقاويل عن حرب قد تنشب. على سبيل المثال كان هناك جو متوتر يسود العلاقات التركية – السورية تعود جذوره للحرب الباردة و يزداد توتره في التسعينات. فاحتفاظ سوريا بعبد الله أوجلان زعيم المنظمة الإرهابية بي كي كي، جعل من الدولتين عدوين و شكلت تركيا رأيا عاما مناهض لسوريا.
و بدأت العلاقات التركية السورية بالتحسن ببطء عقب التوقيع على (بروتوكول أدنه) عام 1998 و إخراج أوجلان من سوريا. و تم العديد من الزيارات الرسمية و غير الرسمية المتبادلة بعد عام 2003 أدت إلى تعزيز العلاقات السياسية و الدبلوماسية و التجارية و الاقتصادية و السياحية و الرياضية و التعليمية بين البلدين و تطور فهمها لبعضهما البعض باتجاه إيجابي و تبديل مشاعر التهديد و الحرب بمشاعر التعاون و الثقة.
إذا أخذنا هذه التجربة التاريخية في الاعتبار، نجد ان الاجتماعات و الاتفاقيات الموقعة في الثالث عشر من تشرين الأول / أكتوبر خارقة للعادة. إذ كانت أحد هذه الاتفاقيات رفع تأشيرات الدخول بين البلدين و نزع الحواجز. و من المتوقع التقارب في الفترة القادمة في المجالات التالية: التعاون العسكري في مجال المناورات المشتركة و تبادل الضباط و الأسلحة و التعاون في الأمن الحدودي و رفع حجم التبادل التجاري و التنقيب المشترك عن النفط و التعاون في مجال الكهرباء و الغاز الطبيعي و تأسيس خطوط هاتفية حمراء بين محافظي المدن الحدودية و الاستفادة من البعثات الدبلوماسية في الدول الثالثة و القيام بمشاريع في مجالات مختلفة.
أما بالنسبة للعلاقات التركية - العراقية، فنستطيع القول بأنها كانت بحالة سلبية مماثلة في التاريخ القريب. و على الرغم من أن العلاقات كانت على ما يرام حتى حرب الخليج عام 1990 إلا انها بدأت بالتدهور جزئياً عقب ذلك، و ساءت تماماً عقب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
نتيجة لضعف السلطة المركزية العراقية قامت المنظمة الإرهابية بي كي كي بزيادة هجماتها على تركيا من شمال العراق، و ازدادت الآثار السلبية لأكراد العراق على تركيا. لذا قامت القوات المسلحة التركية بالعديد من العمليات في العراق،و تلاشت مشاعر الثقة المتبادلة بين البلدين إلى أن أبرمت اتفاقية "التعاون ألاستخباراتي ضد منظمة بي كي كي الإرهابية" في واشنطن في الخامس من تشرين الثاني / نوفمبر بين الرئيس الأمريكي بوش و رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان و بدأت فترة تطبيع العلاقات بين تركيا و العراق. و رفع مستوى العلاقات من التطبيع إلى "تعاون شبه متكامل" عقب الاجتماع الذي عقد في بغداد في الخامس عشر من تشرين الأول / اكتوبر 2009 و مذكرات التفاهم المتفق عليها .
يتشابه مضمون الاتفاقيات المبرمة مع العراق بالاتفاقيات المبرمة مع سوريا و يمكننا ذكر أهمها كالتالي: التعاون لمكافحة الارهاب و التعاون في مجال الطاقة بما فيه رفع قدرة خط أنابيب كركوك – يومورتاليك للنفط و فتح بوابة حدودية ثالثة و انشاء خط سكك الحديد بين اسطنبول و بغداد و التعاون في مجالات التجارة و الاقتصاد و البناء و البيئة و الصحة و المياه و التعليم.
و أخيراً..ما هو مستقبل التعاون التركي – السوري و التركي – العراقي؟ النقطة الأولى التي يجب التركيز عليها هي ضرورة تطبيق هذه الاتفاقيات بنجاح. فعلى الرغم من ان الأطراف تتصرف بنية حسنة إلا انه يبدو ان تطبيق هذه الاتفاقيات ليس سهلاً. و ذلك لأنه بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية و الأمنية و السياسية التي تعيشها هذه البلدان الثلاثة فالاضطرابات الدولية و الإقليمية قد تشكل عقبة في تطبيق الاتفاقيات. و قد تخرج المشاكل القديمة و العميقة جزئياً إلى الضوء بين الحين و الآخر.
فلنفترض و نأمل بأن الاتفاقيات طبقت بنجاح، فيمكننا توقع انعكاسات ايجابية لها. فسيعم الرخاء و السلام و الأمن و الحوار في هذه الدول الثلاث أولاً. و إذا أثمر التعاون فقد تنجذب الدول الأخرى إلى هذا التشكيل. و مثلما أثر نجاح فرنسا و ألمانيا بانضمام الدول للاتحاد الأوروبي فقد يجذب نجاح التعاون التركي – السوري – العراقي الدول الأخرى إليه. و هكذا تتحول منطقة الشرق الأوسط من منطقة حروب و فقر إلى منطقة سلام و رفاهية. إلا أن هذه التطورات ليست بديلا أو تحالفا ضد أي منطقة أو أي دولة في الشرق الأوسط بل هي تعاون بحد ذاتها. إذ لا يجب أن نعتبر ذلك نموذجاً يضعف غرض تركيا التي تلعب دوراً هاماً في هذه المسيرة، من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
المصدر