 |
-
فيروس التطرف الغربي - السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله)
فيروس التطرف الغربي
سماحة آية الله العظمى المرجع السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله )
جريدة السفير (لبنان)
الخميس، 8 كانون ثاني «يناير» 2004
لعل رئيس الوزراء البريطاني، عندما يحصر المشكلة في ما يسميه بفيروس التطرف الإسلامي يريد أن يرد على الشعوب الأوروبية التي أعلنت من خلال استطلاع المفوضية الأوروبية أن إسرائيل هي الخطر الأكبر الذي يهدد أمن العالم، في إشارة واضحة الى رفض خيارات هذه الشعوب في الوقت الذي لا تتوانى بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية على الزعم بأن اجتياح العراق كان بهدف نشر النموذج الأرقى للديموقراطية في المنطقة، ولا ندري كيف يمكن لفاقد الشيء أن يعطيه ولمن يقرر ضرب قرارات شعوب العالم والشعوب الأوروبية بخاصة في رفض الحرب، كيف يمكن أن يقدم دواء شافيا لمن يطلقون عليهم "الدول المتوحشة" أو "المارقة" وما الى ذلك.
من الواضح أن المشكلة التي يعانيها العالم تكمن في سياسة الهيمنة الأميركية التي تتحرك بعقلية إمبراطورية تعمل على سحق الشعوب، وخصوصا العربية والإسلامية منها باسم الحرب على الإرهاب، لتعطي الأولوية لإسرائيل في تحقيق مصالحها وأطماعها على حساب أمن الشعب الفلسطيني وحريته في تقرير مصيره، ولتترك لها الحرية في معاكسة كل قرارات الأمم المتحدة، لتبقى اللجنة الرباعية الدولية مجرد عنوان من العناوين السياسية التي تضاف الى اللائحة السياسية الشكلية التي تمثل الديكور الدولي المتجدد للمسألة الفلسطينية فيما يستمر شارون بأعماله الإرهابية من دون أن يشعر بأي ضغط أميركي أو أوروبي.
إن وزير الخارجية الأميركي يتحدث عن أن "هزيمة الإرهاب" تشكل أولوية لبلاده من دون أن يتحدث عن أسباب هذا الإرهاب الكامنة في خلفيات السياسة الأميركية، ويقول إن سياسة أميركا "جعلت السلام أقرب" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولعله يقصد أن كثرة المجازر التي يصنعها شارون والتي تدعمها واشنطن تدفع الفلسطينيين للاستسلام على أساس أن إسرائيل من أمامهم وأميركا من ورائهم.. ليعطي دليلاً إضافياً على أن جلّ ما تسعى له الإدارة الأميركية في المنطقة هو تأمين المصالح الأميركية والإسرائيلية التي تتمثل في انتزاع آخر عناصر القوة والإرادة عند العرب والمسلمين باسم الحرب على الإرهاب، كما أنه (باول) يهدد الفلسطينيين بضرورة الرضوخ الى ما يريده شارون وذلك عبر تقديم أميركا لنفسها كراع رسمي للمشروع الإسرائيلي الذي يستهدف سحق الفلسطينيين أو كساعي بريد لنقد شروط شارون.
لقد كنا نقول دائماً بأن الإسلام لا يبرّر العمليات الإرهابية التي لم تطاول المواقع الغربية فحسب، بل طاولت البلدان الإسلامية نفسها، ولكن المسألة هي أن العرب والمسلمين هم ضحايا الحرب الإرهابية المنظمة التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في طول المنطقة العربية والإسلامية وعرضها، وهم الذين يدفعون أثمان هذه الحرب بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ويُراد لهم أن يدفعوا أثماناً إضافية من مستقبل أجيالهم ومن ثرواتهم الباطنية ومن خلال وصم أعمال المقاومة الشريفة التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي ب"الإرهاب". ونحن نعتقد أن الإدارة الأميركية عندما تتحدث عن مواصلة الحرب على ما تسميه الإرهاب كأولوية استراتيجية في سياستها فإنما تقصد بذلك مواصلة الحرب على كل البلدان العربية والإسلامية لتطويعها وإخضاعها تحت عناوين نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان.
إننا نقول لوزير الخارجية الأميركية ولرئيس الوزراء البريطاني إن المشكلة الحقيقية تكمن في العقلية التسلطية والإمبراطورية التي تتحرك فيها الإدارة الأميركية ومن يدور في فلكها وان الأخطار التي تتهدد العالم تكمن في تطرف المحافظين الجدد في أميركا وفي تطرف اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية وفي تطرف الليكود في إسرائيل وفي المظاهر المتطرفة للعلمانية الغربية التي يعمل بعض أقطابها على تشجيع الإسرائيليين على ارتكاب المزيد من المجازر ضد الفلسطينيين، كما يعمل بعض الذين ينتمون إليها على نفي الآخر في الوقت الذي يزعمون أنهم يعملون على نشر ثقافة الاعتراف بالآخر... إنه النفاق الغربي الذي نعرف بأنه لا يشمل كل الشرائح الغربية، ولكننا نخشى من أن هذه العقليات التي صنعت نماذج متعددة من التطرف في منطقتنا سوف تعمل على نشر المزيد من الفوضى التي تؤسس لمزيد من الإرهاب والتطرف باسم الحرب على الإرهاب، وقديماً قال الشاعر:
إذا استشفيت من داءٍ بداءٍ
فأقْتَلُ ما أعلّك ما شفاك
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |