طالب أحد أكبر فقهاء المسلمين الشيعة شيخ الأزهر بتقديم الاعتذار للمسلمين بسبب دعمه لقرار فرنسا بحظر ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس الحكومية. وقال السيد محمد حسين فضل الله المرجع الشيعي في لبنان في خطبة الجمعة (الثالث من الشهر الحالي): لقد أساء شيخ الأزهر الى الإسلام والمسلمين عندما أعطى الدولة الفرنسية الحجة الشرعية الإسلامية في إصدار القرار باعتبار مبدأ الحق. وأضاف: >المطلوب منه الاعتذار للمسلمين والوقوف إسلاميا من أجل حماية الإسلام من كل ضغط في الداخل والخارج<.

وكان شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي قد أكد قبل ذلك بثلاثة أيام أن من حق فرنسا إصدار قانون يحظر ارتداء الحجاب في المدارس ودعا المسلمات في هذا البلد الى الامتثــال للقانون إذا صدر.

وقبل ذلك وفي 20 كانون الأول (ديسمبر) الماضي انتقد فضل الله الذي يعد أحد أبلغ العلماء المسلمين المتحررين في الفقه وفي التقريب بين المذاهب وبين الثقافات والأديان في رسالة مفتوحة الى شيراك قرار فرنسا حظر ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس، معتبرا أن منع الحجاب يمثل اضطهادا لحرية الإنسان المسلم.

وكتب فضل الله في رسالته: هل بلغت العلمانية مستوى من الضعف بحيث يخاف القائمون عليها من قطعة قماش او قلنسوة توضع على الرأس أو صليب يوضع على الصدر؟ إنه منطق لا معنى له . دعا فضل الله اللبنانيين الى طرد كل الذين يصلبون الوطن على خشبة أطماعهم، ويقتلون المواطن في مجازر الفساد والهدر، ويشوهون هذا الجمال الطبيعي النادر للبنان بالقبح الأناني الموغل في بحيرات الوحول وعواصف الغبار، ويدفعون بالشعب الى المتاهات السياسية والاقتصادية والتربوية: >وإذا التقوا المأساة في ما قد يوحي بالوحدة، فإن المسألة هي أن الناس تتحدث عن سر المأساة ومن صنعها، وكيف يمكن ان نتفاداها<. وقال في هذا الصدد >لقد عشنا في أجواء الدموع، ولكن السؤال: اي دموع؟ هي دموع التماسيح في بعض الناس<.

وفضل الله الذي خص >المشاهد السياسي< بحوار صحفي في غمرة استعداداته للتوجه الى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج، يتبوأ أعلى مرتبة دينية في قائمة فقهاء علماء الشيعة واشتهر بجرأته في فتاواه وعدم تقيده بمن سبقه وبفصاحته اللغوية وغزارة علمه واجتهاده في تناول مسائل ذات طابع سياسي تردد ويتردد كبار علماء الإسلام في الخوض فيها فضلا عن تميزه بمداخلاته في القضايا الصحية والاجتماعية التي تحتاج الى إفتاء واضح فيما لم يرد ذكره من قبل في أمور الحياة والموت:



< نتحدث عن قضية الحجاب وكأن العالم خال من الهموم والمشاكل والتحديات ليثير العالم المتقدم قضية الحجاب وكأنه مؤامرة على الغرب أو محاولة تغيير للهوية الأوروبية؟

> لعل المشكلة في فرنسا في خلفياتها السلبية تاريخية ضد الاسلام بحيث تحولت الى رواسب عميقة تتمثل بين وقت وآخر في بعض النقاط التي تتصل بالجانب الديني وان كانت تنفتح على الجانب السياسي انطلاقا من مصالحها. والواقع هو اننا حاولنا في رسالتنا الى الرئيس جاك شيراك ان نؤكد على النظرة الاسلامية لهذا الامر الهامشي للقضايا الكبرى للاسلام والمسلمين والمستضعفين في العالم كله. لكننا اردنا ان نؤكد المفهوم وهو ان قضية الحجاب تتصل بالالتزام الديني وفي حرية المرأة المسلمة في اردتدائه كمسلمة وليس كمجرد رمز لا يمثل إلا حالة تقليدية.

< كيف؟ هل يمكن بيان ذلك؟

> كنا نحاول ان ننبه الرئيس جاك شيراك الى ان اثارة هذه المسألة ليست في مصلحة الامتداد السياسي الفرنسي في الواقع العربي والاسلامي من خلال العلاقات السياسية وكنا نتحدث مع فرنسا الدولة بأن العلمانية لا تمنع الحجاب لا في المدارس ولا في غيرها لأنها تلتزم الحريات الشخصية وهذا جزء من الحريات ولذلك فاننا نلزم فرنسا حواريا بما التزمت به ولا نريد ان نتدخل كما أثير في الشؤون الفرنسية او نريد ان نضغط عليها، ففرنسا دولة كبرى مستقلة لا يستطيع احد من الخارج ان يفرض عليها لكن كنا نلاحظ انه ليس من السلبية ان نناقش فرنسا حتى في قوانينها الداخلية كما تناقشنا فرنسا وكل اوروبا في قوانينا في الواقع العربي والاسلامي او في التشريعات الاسلامية لأن المسألة الثقافية هي مسألة حرة في العالم كله وبإمكان أي إنسان ان يناقش القضية وهذه هي وجهة نظرنا. وكنا نقول ان فرنسا الحرية التي اطلقت حقوق الانسان لا يجوز لها ان تضطهد الفتيات الصغيرات اللاتي يلتزمن بالحجاب كفريضة دينية ولا يجوز لها ان تمنعهن من الدراسة لو اردن الالتزام في هذا المجال.



معركة

ولهذا نحن كنا في الواقع نتحفظ على ما تحدثوا به من ان هذا يمثل حالة عدوانية او ان هذا يمثل حالة من الطوائفية وهكذا لان الحجاب لا سيما بالنسبة إلى طالبات المدرسة الابتدائية والثانوية لا يمثل اي استفزاز للاخرين تماما كما ان الحجاب في الشارع الفرنسي لم يمثل استفزازا لبقية الفرنسيين، وهكذا كان ونحن لا نريد ان نخلق من هذه معركة كبرى تنفي العالم الاسلامي وعالم المستضعفين مما يدبر له من الخطط المضادة لحريته واستقلاله وأمنه وثقافته وما الى ذلك. ان المسألة هي مسألة حوار يوضح الحقيقة ولا يحاول ان يثير معركة.



اللوم

< لماذا نلوم الغرب على رفضهم تحجب المرأة المسلمة لديهم بينما ينظر الى المرأة في العالمين العربي والإسلامي بكثير من مواضع عدم الأهلية، فهل هناك نقص في تكريم المرأة في الدين الإسلامي عن سواه من بقية الأديان؟

> اننا عندما ندرس الاسلام فاننا نرى ان الاسلام كرم المرأة فجعلها مساوية للرجل في الحقوق والواجبات واذا كانت بعض الاختلافات في بعض التشريعات فانما هو اختلاف من حيث طبيعة الدور وليس اختلافا في الميزان الانساني فانسانية المرأة كانسانية الرجل وهي تمثل القيمة الايجابية في نتائجها كما تمثل القيمة السلبية كما هو الرجل تماما، وهكذا رأينا انه حتى في الحياة الزوجية ان الاسلام لم يكلف المرأة حتى في شؤون البيت المنزلي بل جعل لها الحرية في ذلك ولم يجعل للرجل حقا عليها ان تقوم بشؤون البيت حتى في تربية الاولاد لأن الله يريد لها ان تقوم بذلك من خلال عطائها الانساني ومن خلال روحيتها بالامومة وبالمشاركة على اساس المودة والرحمة. واذا كان الاسلام يطلب منها بعض الالتزامات للزوج كما يطلب بعض التزامات الزوج للمرأة وانما هو من جهة الالتزام العقدي باعتبار اننا نعتبر ان الاسلام لم يكره المرأة على ان تتزوج لكنه قال لها انها إن تزوجت فعليها ان تلتزم بما التزمت به بنتائج هذا الزواج من خلال حريتها في الالتزام وقال لها ان تفرض الشروط التي تلائم تطلعاتها في المستقبل على الزوج كما يجوز للزوج ان يطلب شروطا خارج نطاق مقتضيات العقد الزوجي. وهكذا اراد الله للمرأة ان تتعلم واراد لها ان تتثقف.



الحقوق

< هناك من يستخدم النص القرآني في مصادرة الحقوق خاصة المتعلقة بالمرأة، فما حكم ذلك؟

> نحن نرى ان للمرأة الحق في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والعلمية ونرى ان النظرة السلبية للمرأة في عقلها او في شخصيتها او انسانيتها هي نظرة غير صحيحة ولا علاقة لها بالاسلام. بل ان المرأة انسان كما هو الرجل الانسان ولها الحق في دخول الحياة العامة ومشاركتها في الحياة العامة مع الضوابط الاخلاقية التي ليست هي قضاء وقدر على المرأة او على الرجل بل هي مشتركة بين الرجل والمرأة.



انتقاص

< فهل فرض الحجاب انتقاص من حق أصيل من حقوق المرأة؟

> أبدا. الجانب القيمي جانب مشترك. واذا كان الاسلام قد فرض الحجاب على المرأة فلا ليلغي انوثيتها فهي يمكن ان تعيش الانوثية الكاملة في بيتها الزوجي وفي المجتمعات النسائية. اما في المجتمعات المختلطة فقد اراد لها الاسلام ان تخرج كإنسانة توحي بالعقل والارادة والمشاركة والثقافة ولا تتحرك في المجتمع كأنثى تثير الاشتهاء والرغبة لتتحول في نظر الناس الى مجرد جسد في هذا المجال.



التفكير السلبي

< لكن التفكير السلبي في أمور المرأة وأوضاعها ومكانتها، لم ينقطع حتى داخل المجتمع العربي والإسلامي وهو أمر لا شأن للغرب فيه، فما هو موقف الإسلام من ذلك؟

> اننا نقول لكل الذين يفكرون بشكل سلبي بانسانية المرأة، ادرسوا واقع المرأة في العالم لتروا ان المرأة قد تتفوق على الرجل. وقد تساويه في هذا المجال. فليس هناك نقص في امكانات المرأة العقلية والثقافية وما الى ذلك ونحن نستشهد دائما بما تحدث به القرآن عن ملكة سبأ التي اظهرها القرآن انها تفوق الرجال عقلا وتفكيرا وتخطيطا في المجالات الصعبة وفي غيرها.

حكم الشرع

< فما هو الحكم الصحيح لوضع المرأة في الإسلام؟

> نحن نقول ان الرجل ليس رأس المرأة في الاسلام وانما هو شريك المرأة في الانسانية وفي كل مواقع الحياة والحياة الزوجية هي حياة الحقوق المتبادلة > ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة< وليست درجة التقوية ودرجة القيمة وانما هي درجة المسؤوليات في عملية توزيع الادوار، باعتبار ان الرجل كلف بمسؤولية الحياة الزوجية وما الى ذلك. ولهذا فاننا نعتقد اننا اذا فهمنا الاسلام فهما منفتحا واعيا فنجد ان القرآن قد ساوى بين الرجل والمرأة في جميع الجوانب السلبية > الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة < وقوله تعالى ايضا > السارق والسارقة فاقطعوا ايديهما < كما تحدث عن المسلمين والمسلمات والصالحين والصالحات الى آخر الآية في سورة الاحزاب على اساس المساواة بينهما.



الانتخاب

< خلافا للفهم الصحيح للقرآن الكريم وموقف الشرع من المرأة فإن الكثير من الدول العربية حكومات أو أنظمة إن صح القول او كتلاً وتيارات إسلامية أو شعبية، تنكر على المرأة حقوقها السياسية وتعاملها بقليل من العدالة، ماذا تقولون عن ذلك؟

> نحن أصدرنا أكثر من فتوى امام هذا الجدل الذي دار في بعض الدول والذي ما زال يدور فيها او في دول اخرى عربية او اسلامية او سواها وقلنا في الفتوى ان من حق المرأة ان تترشح للانتخابات ومن حقها أن تنتخب وان تُنتخب وان تشارك في كل القضايا السياسية باعتبار ان لها دورا في كل تطورات المجتمع وحماية المجتمع من كل التحديات التي تواجهه. لذلك فاننا لا نتصور ان هناك اية تحفظات على مسألة المشاركة السياسية لا سيما في عملية الانتخاب بالنسبة إلى الاسلام لأن المسألة السياسية هي مسألة وكالة واعطاء الوكالة.



الوكالة

< ما المقصود بالوكالة هنا؟

> الوكالة هنا المقصود بها ان المُنتَخَب يأخذ وكالة من الشعب الذي انتخبهُ وان يَنتخِب او يُعطي الوكالة للشخص وعملية الوكالة سواء في الامور التجارية او الاقتصادية العامة او الشخصانية هي أمر ثابت في التشريع الاسلامي للرجل والمرأة واذا كان البعض يتحفظ من جهة الجانب التشريعي الفقهي فهذا مشترك بين الرجل وبين المرأة.



القيادة

< لكن هناك تحفظات فقهية في مجالات أخرى أعلى ربما من التفويض أو التوكيل أو الانتخاب، ما حكم ذلك وفي أي مجال؟

> نعم هناك تحفظات فقهية حول قضية القيادة العليا وهناك بعض المناقشات من بعض العلماء المسلمين أخيرا في هذه المسألة التي بدأ الجدل يدور حولها بحيث انها لا تعتبر من المسلمات الدينية الاسلامية في إبعاد المرأة عن المراكز القيادية. ان المسألة تدور على أساس اجتهادي ولكن اجتهادنا هو ان للمرأة الحق في المشاركة السياسية ضمن الضوابط الاسلامية كما ان للرجل الحق في المشاركة السياسية على أساس الضوابط الاسلامية.



الكفاءة

< إذن ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله، أي أن وضع المرأة وثقافتها وفكرها وأهليتها وصوابها هو الذي يمنحها أو لا يمنحها حق أن تحصل على هذا الوضع أو ذاك، هل هذا صحيح؟

> هو كذلك. كما الرجل. اي ان المسؤوليات العامة مثلا كالمسؤوليات الخاصة تخضع لمسألة الكفاءة وتخضع لمسألة الامانة ومسألة الصدق ومسألة القيم التي تجعل الانسان أمينا على المجتمع وأمينا على دوره ومسألته فاذا كانت المرأة من خلال تربيتها ومن خلال القيم التي تحملها إذا كانت أمينة على بيتها وأمينة على مجتمعها أو على الانسانية كلها فلها ان تتحرك وان تعطي رأيها و تعمل على اساس التغيير للواقع الفاسد بمختلف الوسائل المشروعة كما هو الرجل. اننا نقرأ آية في القرآن الكريم يقول فيها عز وجل: >والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر<. والمعروف هو كل ما يرفع كمستوى الانسان في حقوقه وواجباته وتطلعاته وحاجاته مما يحبه الله ويرضاه والمنكر هو كل ما ينحط بمستوى الانسان في ذلك كله مما لا يرضي الله وهذا أمر مشترك بين المرأة والرجل ويشمل الجوانب السياسية وهناك معروف سياسي ومنكر سياسي ويشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والى ما الى ذلك.



المستوى الحضاري

< سماحة الإمام، هل أنت راض عن وضع المرأة في العالم العربي والإسلامي؟

> انا لا أرى ان وضع المرأة في العالم العربي والاسلامي يمثل المستوى الحضاري الذي اراده الاسلام لهذا العالم واراده للمرأة بالخصوص. ان بعض الناس يقولون ويتحدثون عن ضعف المرأة ولكننا عندما نقرأ القرآن الكريم نجد انه تحدث عن ضعف الانسان ولم يتحدث عن ضعف المرأة وكما اراد الله للانسان الرجل ان ينمي انسانيته بتقوية نقاط الضعف كذلك اراد للمرأة هذا المعنى. المرأة انسان كامل الانسانية كما ان الرجل كامل الانسانية. لكن طبيعة هذا التكامل بين المرأة وبين الرجل هو الذي يجعل للانسان، ويجعل للمجتمع أساس السلامة.

< مثل ماذا؟

> نحن نقرأ في بداية الخليقة أن اللّه لم يحمل المرأة مسألة إغواء آدم إذا صح التعبير كما أنه لم يحمل الرجل اغراء المرأة وانما كانا ضحيتين للشيطان. وهكذا نجد على ان المشكلة الآن في كل عملية الانحراف الاجتماعي والاخلاقي والسياسي ان المسألة ليست مسألة المرأة في نقاط ضعفها والرجل في نقاط ضعفه ولكن المسألة لشياطين الانس والجن الذين يدمنون عملية الشيطنة فيهيئون كل الوسائل للاغراءات السياسية والاخلاقية والاجتماعية والاقتصادية وما الى ذلك. لهذا فاننا بحاجة الى ثورة ثقافية فكرية تغيّر هذه المفاهيم التي تضطهد المرأة في انسانيتها كما المفاهيم التي تضطهد الرجل في انسانيته ولا سيما الرجل المسلم من خلال المستكبرين ومن خلال الذين يريدون ان يفرضوا انفسهم وثقافتهم على الناس بطريقة القوة.

المشاهد السياسي