كريستوفر برينتس : إيران متهمة بقتل الكثيرين من العراقيين وبالتدخلات السرية والمعلنة
السفير البريطاني يتوقّع تطوّر (ديمقراطية الأغلبية الشيعية)في ظل تحرّك مصري جديد و(خصومة سعودية)
شؤون سياسية - 01/12/2009 - 12:00 am


السفير مع رئيس الوزراء البريطاني
بغداد/لندن/الملف برس:
تحمّل العراق سنوات من "الهجمات الهدّامة" من قبل جارته المتشدّدة إيران التي عملت باستمرار على تقويض الحكومة العراقية التي يدعمها الغرب، وكانت إيران مسؤولة بشكل مباشر عن الكثيرين من القتلى في العراق، طبقاً للسفير البريطاني الذي غادر بغداد مؤخراً، والذي يتوقع تطور "ديمقراطية الأغلبية الشيعية" وسط بلاد العرب لأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط. ويرى السفير أن مصر بدأت تهيئ نفسها لتحرك جديد حيال العراق، فيما ستكون الخصومة السعودية "محرجة"!.
ويقول مارتين تشولوف مراسل صحيفة الغارديان في بغداد إنّ هذا "التقييم الصارم" صدر عن كريستوفر برينتس، في نهاية سنوات من وجوده في بغداد، كأحد كبار المستشارين للحكومة البريطانية بشأن الأوضاع الإقليمية في الشرق الأوسط. وأوضح برينتس أن انسحاب القوات البريطانية يعني أن العراقيين والعرب والعالم أيضا لم يعودوا ينظرون إلى المملكة المتحدة على أنها دولة محتلة.
وبرينتس –الذي عمل لأربع سنوات سفيراً في الأردن من 2002-2006، قبل أن يتولى منصبه سفيراً في بغداد- يؤكد أن إيران مازالت تحاول ممارسة نفوذها في العراق. وقال: "يضغط الإيرانيون في الوقت الحاضر وبشكل كبير، لكنهم يمارسون ذلك عبر خطوط ناعمة، برغم أننا لا نكاد نرى أي دليل على أنهم تركوا تدخلاتهم المباشرة والقوية التي كانوا قد استخدموها في فترات سابقة".
وأوضح برينتس قوله: "هناك دليل واضح على أنّ الإيرانيين دعموا الميليشيات الشيعية، وموّلوها، وشجعوا عدوانيتها في العراق". وقال "إن الإيرانيين مسؤولون بشكل مباشر عن عمليات القتل للكثيرين من العراقيين".
ومن جانب آخر، فإن السفير البريطاني الذي غادر العراق الأسبوع الماضي، أعطى "علامة تفاؤل" بقوله: "إن العلاقات البريطانية مع إيران مثيرة للانتباه، لأننا رحّبنا بالكثير من مظاهر تجديد الاتصالات بين لندن وطهران". وعلـّق برينتس على ذلك قائلاً: "أعتقد أن إيران بدأت تستخلص بعض الدروس بشأن السلوك غير المقبول في العراق، وما يعتبر بنّاء في نطاق مصالحهم".
وقال إن العراق أيضا بدأ بالظهور ثانية بعد ست سنوات من الانغمار في الفوضى وغياب القانون، وأخذ الآن يمارس دوره الإقليمي الذي سيعزز سيادته على أرضه، وأكد أنّ الحضور البريطاني في العراق يقتصر الآن على 100 جندي يساعدون في تدريب القوات البحرية العراقية في ميناء أم قصر الجنوبي. وأوضح قوله بهذا الصدد: "نحن نسمي حضورنا هنا احتلالاً لأسباب قانونية صحيحة". واستدرك قائلاً: "لكن تلك الكلمة لها عيب فرض تصورات خارجية من خلال حضورنا. ولهذا فإن رحيل قواتنا عن العراق، يعود بالعلاقات بين البلدين الى وضعها الطبيعي".ويرى برينتس أن النظام في العراق قد استعيد جزئياً بسبب تضاؤل تدخلات الدول المجاورة، وأيضاً بسبب تزايد احترام المواطنين لحكم القانون. لكنّ هذه المكاسب قوبلت بمشاكل أضرت بالوضع الأمني في البلد كانتشار الفساد المالي والإداري، وضعف ثقة المواطنين بالمسؤولين وبالسياسيين عموماً. ومازال المشرعون العراقيون يحاولون –باستماتة- تمرير مشروع قانون الانتخابات الذي أصبحت الحاجة إليه ماسة. وبسبب كل ذلك سُمي العراق الأسبوع الماضي، وللسنة الثانية على التوالي واحداً من بين أقل خمس دول في العالم من حيث "الشفافية".
وفي الوقت نفسه، مازال المسؤولون العامّون في البلد يتعرضون للاغتيال، برغم التحسن الأمني في نقاط التفتيش، ذلك لأن التمرّد السُنّي المتطرف استعاد قدرته على الشروع في تنفيذ هجمات بارزة. وتعقيباً على وضع العراق في خانة الدولة الـ170 من أصل 175 دولة في دليل الشفافية العالمي قال: "تلك واحدة من المسائل التي تجعل كل فرد يدرك أن العراق مازال بحاجة الى تقدم مهم في العملية السياسية".
وأضاف السفير البريطاني قوله: "أعتقد أن المرء يمكن يعرض تفسيرات لكيفية تطور العملية السياسية، لكن نقطة الضغط التي يركز عليها كل الشركاء الدوليين، هي أننا يجب أن نتوجه في المعالجات نحو الحكومة العراقية والطبقة السياسية". وتؤكد صحيفة الغارديان أن حكم القانون يحتاج الى عمل مستمر لسد الثغرات الأساسية، إضافة الى أن العراقيين أنفسهم يعترفون بذلك. وهناك جهد حقيقي لمواجهة الخلافات في إطار العملية الدستورية.
وتابع السفير حديثه: "من ناحية القوات الأمنية والشرطة، هناك مناقشات صحية في الإعلام عن أعمال تعذيب. وأعتقد أن مثل هذه الطروحات، تعتبر بذور نظام سيحترمه المواطنون في المستقبل. ولا توجد هناك أية أوهام بصدد تقدم العملية السياسية التي يحتاج العراق الآن الى المزيد من اطرادها.
وعلى صعيد الدبلوماسي، يعترف برينتس، أن الشرق الأوسط مازال يكافح من أجل نظام جيوبوليتيكي "جغرافي-سياسي" جديد، والذي تظهر فيه ديمقراطية الأغلبية الشيعية متجذرة وسط بلاد العرب للمرة الأولى. وقال السفير البريطاني –من جانب آخر- هناك "خصم رئيس" واحد، يتمثل في مصر التي بدأت تتهيأ لهذه الحقيقة الجديدة. وأوضح أن القاهرة "حليف وفيّ" لبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، وكانت قد وقعت مع العراق اتفاقية ستراتيجية تغلبت على ست سنوات من علاقات العداء، تلت سقوط النظام الذي كان يهيمن عليه العرب السُنّة.
وأكد برينتس قوله: "أنا أفهم وأقبل أن هناك تحفظات مهمة، وبشكل خاص من السعودية، بشأن ما برز في العراق". وأضاف: "إن حكومة بدستور ديمقراطي، سوف تعكس رأي أغلبية السكان الشيعة في العراق. والعلاقات مع السعودية ستكون محرجة جداً، لكنها حتى الآن مسيطر عليها باحتياطيات النفط السعودي".
وبشأن السؤال طويل الأمد، ما إذا كانت المجموعات الطائفية والإثنية في العراق ستستمر في البقاء معاً كـ"عراقيين"، أجاب السفير البريطاني المغادر،قائلاً: "يبدو أن هناك تصميماً متجذراً للبقاء معاً، حتى بالنسبة لإقليم كردستان، ويتضح هذا كمبدأ أساسي مهم، وعلى الرغم من أنهم لا يتحدّثون عن ذلك، إلا أنهم مشغولون به تماماً. إنّ الوحدة العراقية متجذرة في الخيال الشعبي العراقي، والمواطنون يعبّرون عن هذه الرغبة، وأعتقد أن هناك فهماً بهذا الاتجاه".