
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة salam
الناس تخاف على دكاكينها على حساب الدين والمذهب...
*يقول المجاهد العظيم علم الدين الامام الخالصي الكبير في رده على اسئلة بعض المثقفين :
أشفق بعض المثقًّفين على المؤلف لمّا رأوا قيام الجهّال في وجهه، وشدّة الضوضاء و الجلَبَة؛ فكلَّموه بكلمات ليٌخفف من دعوته. فأجابهم بأجوبة رأيت من اللازم أن أقتطف منها شيئاً؛ لأعرضه على المرشدين من دعاة الحقّ كي ينهجوا منهج المؤلّف، ويسلكوا مسلكه، ولهم في ذلك أكبر الفائدة في الدنيا والآخرة.
وبين اولئك: المثقّفين، والوزراء، والولاة، والأمراء، والأساتذة، والقضاة، والعلماء، والأدباء، ومن ترأس الوزراء وغيره:
١) يا مولاناّ لماذا أثَرتَ الرأي العام ضدَّك؟ إن الناس كانوا يتبرّكون بتراب أقدامك، والآن يسبّونك، فلماذا بيّنت الأحكام الشرعيّة بهذه الصراحة؟
الجواب: إن من استأنس بالله استوحش من الناس، وإن مَن كبٌر في عينه الخالق، صغٌر فيها المخلوق، وإن إقبال الناس وإدبارهم سواء، وإن الرياء الكفر، وكتمان الحق فسق عظيم، وإن المسلم لا يطلب الرياسة لنفسه، وإنما يطلب الخير لأمّته، وفي الحديث: (( ماذئبان ضاريان في غنم تفرّق رٌعاتها؛ بأضرّ على الدين من حبّ الرياسة)) وإن حرب أهل العالم بأسرهم في الله؛ ألذّ- لمن عرف الله- من القصور المشيّدة، والنمارق المنضّدة. وسواء علي تبرّك الناس بتراب قدمي أم سبّوني، وكلاهما مخالف للدين.
٢) الناس ضالّون، ولا تنجع معهم المواعظ، فلو تتركهم على ضلالهم ولم تتحمّل هذا العناء.
الجواب: وليس الوعظة كلّه للهداية، وقد يكون للمعذرة، فقد قال الله تعالى: (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) سورة الأعراف آية ١٦٤.
٣) إن الحكومة كانت تهابك؛ بالتفاف الناس حولك، والآن لاهيبة لك في قلب الحكومة.
الجواب: وسواء علي هابتني الحكومة أم لم تهبني، وإذا احتقرتني وأنا على الحق؛ خير من أن تهابني وأنا على الباطل.
٤) إن الناس كانوا يأتون إليك بالأموال الكثيرة؛ فنفرتهم بفتاواك وانقطعت عنك أموالهم.
الجواب: وما صُنعي بالأموال أن يأتيني بها الناس؛ إذا كان الله تعالى قد غضب عليّ لكتمان الحق، وقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦) سورة البقرة
٥) أيُّ فائدة في قولك إن الأرنب حلال؟ دع الناس يأكلونه أو لا يأكلونه، واسترح من هذه الجلبة و الضوضاء.
الجواب: إن كتمان حكم شرعي لم يعرفه الناس حرام، ولا سيّما على حَمَلة أحكام الدين؛ سواء أكان ذلك في الأرنب أم في الكلب وقد قال الله تعالى((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )) سورة البقرة آية ١٥٩. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: (( من علم علماً فكتمه؛ ألجمه الله يوم القيام بلجام من نار)).
وقد أباح الله لحم الأرنب على كراهة في القرآن المجيد و الأحاديث الصحيحة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام فكيف أكتمه؛ لقول قائل إرضاءً للناس.
٦) إن الناس يشربون الخمر، ويٌقامرون، ويزنون، ويأتون بالموبقات فلو تصدّيت لإرشادهم، وتركتهم يقولون في الأذان ماشاؤوا، فأي ضرر في ذلك؟
الجواب: الحرام كله إثم؛ سواء أكان ذلك شرب خمر، أم مقامرة، أم تغيير حكم شرعيّ، أم خروجاً عن حدود ما أنزل الله. وإن البدعة أشدّ حٌرمة من ارتكاب جريمة أو اكتساب إثم ؛ ولذلك يٌقتل صاحب البدعة شرعاً، ولا يٌقتل كل مَن ارتكب إثماً.
٧) هذا فلان (أحد المجتهدين) ساكت لا يتكّلم، والناس ملتفون حوله يأتون إليه بالأموال ويتبرّكون به، فلو فعلت مثله.
الجواب: ايريدون أن أتاجر بالدين؛ فأبيعه لجلب الأموال، والتفاف الناس حولي. وماذا ينجيني من الله لو فعلت ذلك؟ وأي شيء يفيدني جلب الأموال والتفاف الناس حولي أذا جئت يوم القيامة مٌغيّراً لحكم من أحكام الله، أو ساكتاً عن إظهار حق أو إبطال باطل؛ كما فعل فلان و فلان؟ ألم يرد الحديث (( إن الساكت عن الحقِّ شيطان ،أخرس)).
٨) الرياء والتدليس والدجل واجب لجلب الناس، والصراحة حرام؛ لأن الناس ينفرون منها.
الجواب: الرياء حرام، وقد يكون شِركاً، والناس لايٌنجون من عذاب الله إذا أرضيتهم وأغضبته.
٩) إني تصدّيت لأمر، ولمّا رأيت الناس لا يرغبون فيه؛ تركته وجلبت الناس إليًّ، فلو فعلت مثلي.
الجواب: الرجل السياسي الذي لا يعرف الله يجلب الناس إليه بالسير على أهوائهم، فإذا رآهم لا يرغبون في أمر تركه الى ما يرغبون فيه، وعالم الدين لايمكن أن يتّبع أهواء الناس، بل يتّبع ما أنزل الله؛ وإن حاربه كلّ مَن على وجه الأرض، وقد قال الله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ(١٨) إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ١٩) سورة الجاثية. وقال تعالى (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ )سورة البقرة آية١٢٠ . وفي ذلك وردت آيات أخَر وأحاديث متواترة.
١٠) لو اشتغلت بالتدريس، وتربية العلماء والطلاب؛ لكان خيراّ لك من هذه الصراحة التي لا تستطيع معها نشر العلم، وتربية العلماء ورجال الدين.
الجواب: يُطلب منّي أن اربِّي علماء وأدرّسهم بما تهواه الناس، لا بما أنزل الله. وأي فائدة في تربية علماء لا يعرفون الدين بل يسيرون على ميول أولي الهوى والضّلال، وإذا توقّفت تربية العلماء على محو الدين؛ فعدمهم خير من وجودهم.
١١) إن الناس يقولون: الخالصي له عِلم، وليس له عقل؛ لأنه نفّر الناس عنه وبقي وحده.
الجواب: إن العقل ما عُبد به الرحمن واكتسب به الجنان، وإذا كان العالِم لا يعمل بعلمه بل يتركه لجلب الناس؛ فأي عقل له؟ والعاقل مَن اتبع علمه وإن نفر عنه جميع الناس، وإن أقبلت عليه الدنيا وأهلها، ومن جلب الناس بترك العلم، ومحو الحقّ فذلك الذي لا عقل له.
١٢) إن فلاناً (أحد المجتهدين) عاقل لأنه سكت ولم يتكلّم واستطاع أن يبني مدرسة ذات طوابق كثيرة وفيها طلاب، وأنت صرّحت بالحق؛ فنفر الناس عنك، ولم تستطع أن تفعل مثل مافعل فلان، وبقيت مدرستك معطلّة.
الجواب: أي عقل في وضع حجر على حجر، وجمع جاهل الى جاهل، وضم مٌراءٍ دجّال الى مُراءٍ دجّال، وترك الحقائق الدينيّة، وترويج البدع والخرافات؟ أفي ذلك خير للدنيا أم للآخرة؟
١٣) إن المجتهد الفلاني، سُئل عن البكاء على الحسين عليه السلام في الصلاة، فأجاب بقوله: (صلّ وابك على الحسين) وهذا هو العاقل، فلو فعلت مثله في أجوبتك؛ لكانت لك الرياسة المطلقة على جميع المجتهدين.
الجواب: والمجتهد الذي يفعل ذلك أجدر أن يٌسمّى غافلاً أو مجنوناً أو جاهلاً، وذلك الذي وصفه الله تعالى بقوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) سورة الحج آية١١.
وما صٌنعي بالرئاسة؟ وأي فائدة لي بها؛ إذا عبدْتٌ الخلق، وكتمتٌ الحق، وتكلّمت بالأحجيات والألغاز لإضلال الناس، ولم أصرِّح بفرائض الله وسننه خوفاً من هذا وذاك؟ وقد قال الله تعالى: ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ) سورة الأحزاب آية ٣٩.
١٤) إنك لم تبق لك صديقاً، لأنك تتعرّض لكل الناس؛ تقول لشارب الخمر: لا تشرب، وللمقامر: لا تٌقامر، وللمرابي: لا تُراب، ولأهل الدجل و الرياء: لاتٌراؤوا ولا تٌدجّلوا، وللظالم: لا تظلم، ولمانع الزكاة: أعطِ زكاتك، وللخطيب (الروزخون) : لا تكذب على الله ورسوله والأئمّة صلوات الله عليهم، ولتارك الصلاة والصوم: صلِّ وصٌم، ولتارك الجمعة: ترك الجمعة فسقٌ وحرام، والبيع والإشتغال وقت صلاة الجمعة حرام، وللسافرات: احتجبن، وللمغنّين: لا تغنّوا، وللمستمعين للغناء لا تستمعوا، وللقضاة: احكموا بالعدل، ولأئمّة الجماعة في الصلاة: لا تعدّدوا الجماعات واعقدوا جماعة واحدة، ولروّادي الملاهي والمقاهي: أتركوا اللهوا و اللعب ولا تجلسوا مجالس البطّالين ولا تركنوا الى الفسق و الفجور، ولمن يمضي الى السينما: لاتنظروا الى مافيها من صور خلاعة وفحشاء وفجور، ولخدّام الضرائح المقدّسة وسدنتها: نَزِّهوها عمّا لا يرضى الله من الشرك والقذر والفجور والزيارات الباطلة المشتملة على الغلو والكفر، ولطلبة العلم في المدارس الدينيّة: هذه الدروس كلّها مخالفة لما جاءت به الشريعة الإسلاميّة من العلوم والأدلة، وللمجتهدين: لاتٌفتوا بما يُخالف الكتاب والسنّة، وللملحدين الشيوعيين: إنكم أرجاس أنجاس، وللمستعمرين الظالمين: أنتم ظلمة مستعمِرون فاخرجوا من البلاد، وللشيخيّة والقاديانيّة، والبابيّة و البهائية والقرامطة الأغاخانيّة والدروز والكاكائيّة والشبك: أنتم غلاة كفّار، وللسلفيين الوهّابيين: لا تجمدوا على آراء ابن حزم وابن القَيِّم وابن تيميّة وابن عبد الوهاب؛ فالشريعة أوسع من ذلك، ولا تتهموا جميع المسلمين بالشرك، وللبراهمة: لا تعبدوا البقر... وهكذا تتعرّض لكل الناس حتى لم يبق لك في الدنيا صديق ولا حميم، فكيف تستطيع أن تعيش بين الناس؟
الجواب: دعني أبيّن أحكام الله؛ وليكن كلّ الناسِ أعدائي، فما ألذ هذا الموقف، وإني لفرح به، تراني إذا وقفت للصلاة إماماً للجمعة؛ أستقبل الناس بوجهي في الخطبتين لهدايتهم وإرشادهم ووعظهم، وبعد الخطبتين أترك الناس خلفي وأتوجه الى الله، أفلا أكون كذلك في جميع أوقاتي؛ أستقبل الناس لهدياتهم، ثم أتوجه الى الله تاركاً خلقه وراء ظهري، وما أطيب العيش وأرغده؛ إذا كان كذلك، وصرت عبداً لله لا للناس!!:
فياليت الذي بيني وبينك عامر --- وبيني وبين العالمين خراب
وقد قال الله تعالى في وصف المؤمنين: ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤) سورة آل عمران
هكذا كانت أجوبة المؤلِّف، وكذلك كانت أقوال المثقّفين؛ هم لايذكرون الله ولا الدين ولا الآخرة في ملامهم وشفقتهم، ويتوجّهون الى دنيا زائلة فانية، سرعان ما يتركونها ويمضون الى الله الذي نسوه فنسيهم وأنساهم أنفسهم. والمؤلِّف لا يذكر في أجوبته إلا الله والدار الآخرة موقناً أنه سيخرج من هذه الدنيا قريباً ولايُجديه ما جمع فيها؛ لأنه تاركه. وإن المؤلف يتلو دائماً قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) وقوله تعالى: (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) وقوله تعالى: (وَلَئِن قتِلتمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)
من مقدمة الجزء الثاني لكتاب اسرار احكام الشريعه للخالصي
مدير ديوان النشر و الترجمة والتأليف
لجامعة مدينة العلم للإمام الخالصي الكبير
في الكاظمية
١٩٥٧م
*منقول