بقلم: وليد لعبيدي
أول ما عرف الناس موفق الربيعي هو أنه كان وجها من الوجوه التي عينها الحاكم بول بريمر "مستشارا للأمن القومي" في وقت لم يكن هناك فيه شئ اسمه "امن قومي" بالعراق حيث انهار النظام البعثي بكافة مؤسساته المدنية منها والعسكرية وبقي الأمن العراقي الداخلي والخارجي بكامله بيد القوات الأميركية. ولا يعرف الناس من الجهة التي كانت تستشير السيد الربيعي وفي أي شئ فهو لم يثبت لا من بعيد أو قريب ان له باع بشئ اسمه أمن ولم يبد لنا أيضا أنه ممن يفقهون كثيرا بالسياسة. ويعتقد الكثيرون، وهم محقون، أن لا شئ يميز الربيعي سوى أنه أحد ممثلي أميركا في أجهزة الدولة وفي النظام السياسي الذي نشا بعد 2003. ويتذكر الجميع أنه كان من قام بتصوير عملية إعدام صدام مصحوبة بهتافات أراد القائمون من نقلها الإيحاء بأن عملية الإعدام كانت "انتقاما شيعيا " من شخص "سني" الأمر الذي استغله مفتو التكفير الذين يحركهم نظام آل سعود لتحريض المئات إن لم يكن الآلاف من قتلة القاعدة للدخول إلى العراق لتفجير أنفسهم. وعندما ووجه الربيعي وقتها بالحقيقة ادعى أن مرافقه هو الذي قام بالتصوير دون علم منه. تصوروا أن مستشارا للأمن القومي لا يستشيره مرافقه قبل الأقدام على خطوة مخالفة للقانون كهذه تسببت في سفك دماء الآلاف من العراقيين !
واليوم يقدم لنا الربيعي من خلال مقالته الموسومة " الأمام الحسين (عليه السلام) والائتلاف الوطني العراقي" المنشورة في موقع "صوت العراق" ليوم 30/12/2009 طبقا من قدر طعامه الذي رمى بداخلة كل ما وجد في السوق من فضلات الخضراوات التي تخلص منها الباعة. يحاول الربيعي في مقالته أن يقحم مفاهيم حديثة نشأت بتطور الاقتصاد الرأسمالي وما رافقها من تطور للعلوم ومن بينها علم الإدارة الذي يشمل علم إدارة الموارد والتي انبثق منها مفهوم الفساد الإداري والمالي على حادثة تاريخية مهمة في حياة المسلمين ولكن لا علاقة لها بعالم اليوم إلا بقدر الرمزية العميقة للحدث من حيث أن الحسين عليه السلام قدم نموذجا ملهما لأيمان الإنسان بقضيته واستعداده للدفاع عن إيمانه حتى لو كلفه ذلك حياته. يشوه الربيعي بمقالته تلك كل المعاني الرمزية الرفيعة تلك ويجيرها من خلال تعابير مثل "أصلاحي، تغييري، ًنهضوي، الهي، فساد إداري، دستور..ألخ" لأغراض دعائية متهافتة. لنكتفي بمثال واحد من أجل أن لا يصاب القارئ بغثيان إذا ما كررت عليه ما كتب الربيعي. يقول الربيعي: " وأراد (أي الأمام الحسين) الإصلاح الإداري في مقابل الفساد الإداري فقوله (عطلوا الحدود) إشارة إلى الفساد الإداري لان معنى تعطيل الحدود هو تعطيل وتجميد القانون والدستور الذي يحكم الناس والمجتمع والعمل بالقوانين العرفية والحزبية...". تصوروا أن الأمام الحسين برسالته الإنسانية الشاملة والعميقة قد خرج على بني أمية مطالبا ب "الإصلاح الإداري" على طريقة الإصلاح الذي ينادي الربيعي في مفاصل الدولة العراقية ! ويفسر الربيعي"تعطيل الحدود" الذي تحدث عنه الأمام عليه السلام بأنه "تجميد للقانون والدستور" وكأن في زمن الأمويين كان هناك شئ اسمه قوانين ودستور ! لا يبدو على الربيعي أنه يعرف أبسط ما يعرفه كل مسلم يملك درجة معقولة من الإلمام من أن القرآن خاصة بعد وفاة الرسول( ص) وحتى زمن قريب كان هو المصدر الوحيد للتشريع والذي كان القضاة يستنبطون أحكامهم منه تلك الممارسة التي انبثق عنا ما يسمي "الفقه الإسلامي "والذي هو علم استنباط الأحكام من النص والذي تطور إلى مذاهب مختلفة كلها معنية بتفسير ما ظهر وما بطن من النص القرآني.
ثم يواصل الربيعي رحلته المملة عبر مقولات تعكس المشاكل التي يعاني منها المواطن العراقي والتي لم يتعرض لها الربيعي في حياته مثل " الإصلاح الإداري وعدم استغلال السلطة وقيادة المجتمع بالشكل الصحيح" و" وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وعدم الاستحواذ على المناصب الإدارية والسياسية من قبل مجموعة الحزب الواحد أسمه الحزب الأموي حزب( يزيد بن معاوية )"إلى آخر السرد لينتهي بنا إلى ما هو "بيت القصيد" الذي هو الحديث عن " الذين يسيرون على مدرسة نهج الحسين واخص بالذكر الائتلاف الوطني العراقي الذي يتبنى فكر الحسين" !
أنا لا أدري و لا أظن أن قارئ مقالة الربيعي سوف يدري عن أي شئ يتحدث "الدكتور" ! من الذي "يستحوذ على المناصب الإدارية"؟ ومن هو "الحزب الواحد" الذي يتكلم عنه؟ ومن هو "الحزب الأموي" الذي يحكم عراق اليوم؟ولا أدري لماذا يعتقد الربيعي أن الائتلاف الوطني العراقي هو بشكل خاص له الحق بالادعاء أنه "يسيرون على مدرسة نهج الحسين" وأنه "يتبنى فكر الحسين"؟ وإذا ما أخذنا كلام الربيعي على محمل الجد وحاولنا أن نتصور مقاربته مطبقة على الواقع العراقي القادم فسوف نواجه في القريب العاجل وضعا يتمثل بانتصار حكم بني أمية الذي هو بمفهوم الربيعي ربما الحكومة الحالية بقيادة المالكي وحزبه "حزب بني أمية" على"حزب" الحسين عليه السلام وأتباعه الميامين المتمثلين بربع الربيعي وتعريضهم لمجزرة يندى لها الجبين. لا يعلم الربيعي أن الأمام الحسين عليه السلام كان يعرف أن موازين القوة لم تكن تميل لصالحه عندما خرج لمواجهة حكم بني أمية ولم يكن يبحث عن النصر ليقلب التاريخ السياسي بل ليسطر واحدة من أروع ملاحم البطولة والاستشهاد والتي سوف تظل منارا للأجيال ليتعلموا منه ماذا يعني الاستشهاد من أجل القضية. يتقمص السيد الربيعي شخصية أحد إتباع الحسين عليه السلام من أجل أن يحقق انتصارا انتخابيا يحمله إلى السلطة فيعمل على القضاء على الفساد الإداري والمالي ! أي امتهان لرسالة الحسين عليه السلام أكبر من هذا الامتهان؟
إن واحدة من أفضل تمنياتي هو أن أطلع على إطروحة "الدكتوراه" التي نال بواسطتها الربيعي "شهادته العليا" ومن هي اللجنة المحترمة التي ناقشت أطروحته وقررت إعطاءه هذه الشهادة ! لماذا هذه الأمنية؟ لأن الصياغة اللغوية التي يكتب بها الربيعي لا ترقى إلى صياغة شخص أجنبي تعلم اللغة العربية لبضعة أشهر أما بشأن المعاني فليس لي سوى أن أقول: "أيا حزني على الكلمات، لله درها كم عليها أن تتحمل من تفاهات وترهات كالتي ينطق بها الربيعي". تصوروا يا أخوان أن اللغة العربية، هذه اللغة العظيمة التي حملت أعظم المعاني الإنسانية الخالدة المتمثلة بالقرآن الكريم وبشعر المتنبي وبشعر الجواهري وغيرهم من العظام يستخدمها "الدكتور" الربيعي مكبا لنفايات "معانيه" . ولو كان الأمر بيدي لطالبت بمحاكمة الربيعي أمام لجنة محلفين تتكون من علماء دين ومن أساتذة اللغة العربية لامتهانه رسالة الحسين عليه السلام أولا ولامتهانه لغة القرآن ثانيا أما امتهانه لعقولنا نحن الناس العاديين فسوف نعلمه لقاء ذلك ما كان جاهلا ونأتيه بالأخبار قريبا إن شاء الله.