 |
-
العلامة المرجع فضل الله: مناخٌ جديد بين إيران وأميركا، والباب فُتح ولن يغلقه أحد!
آفاق العلاقة بين طهران وواشنطن
مجزرة ترشيحات الإصلاحيين تقوّيهم بـ"المظلوميّة".. وعلاقة طهران بدمشق تواصُلٌ واختلاف
فضل الله: مناخٌ جديد بين إيران وأميركا، والباب فُتح ولن يغلقه أحد
نصير الأسعد

في العودة إلى المسألة الإيرانية ـ الأميركية، وآفاق العلاقة بين طهران وواشنطن، كان لا مفرّ من الاحتكام إلى وجهة نظر المرجع الإسلامي الشيعي العلاّمة السيّد محمد حسين فضل الله وتقديره للأمور، باعتباره أبرز العارفين في خبايا السياسة الإيرانية والخبراء بها.
خلفيّات المقاطعة
يؤكّد السيّد فضل الله بدايةً، أن الثورة الإسلامية عند انطلاقتها لم تكن تحمل راية المقاطعة الكاملة التي لا تنفتح على تواصل سياسي مع الولايات المتحدة، بيدَ أن الحدّة والتعقيدات بدأت منذ احتلال الطلبة للسفارة الأميركية في العاصمة الإيرانية، وصولاً إلى "إيران ـ غيت" التي أوجدت حالةً ضبابيّة في بعض خطوط العلاقة أثناء الحرب مع النظام العراقي السابق، وتعقَّدت المسألة أكثر في ظل الحصار الذي فرضته أميركا على الجمهورية الإسلامية. وقد عملت أميركا في هذه المرحلة على أساس تقويض الواقع الإيراني عبر اجتذاب بعض المعارضين للنظام الإسلامي، ومنهم جهة مسلّحة هي منظمة "مجاهدي خلق" (التي يصفها المصطلح الرسمي الإيراني بـ"المنافقين"). ويقول السيّد إن هذا الخط الأميركي العدائي امتدَّ طوال حياة الإمام الراحل آية الله الخميني الذي كان يصرّ على سلبيّة العلاقة بأميركا إلاّ في نطاق شروط معينة، كان معروفاً سياسياً أنها من الشروط التي لا تخضع لها أمريكا، ولا تتنازل عنها إيران.
غير أنّ التطوّرات التي هزّت المنطقة قبل الحرب على العراق وبعدها، جعلت المسألة تنفتح على مناخ أقرب إلى الحالة المعتدلة، كما يقول المرجع الإسلامي، الذي يضيف أنه مناخٌ فتح النوافذ على ما يمكن أن يقترب من ترطيب الأجواء وتسهيل بعض المبادرات، لا سيّما مع دخول الاتحاد الأوروبي على الخط في الموضوع الذي أثارته أميركا، أي موضوع السلاح النووي الإيراني. وفي اعتقاد السيد فضل الله، أنّ إيران بدأت تدرس المسألة برمّتها بطريقة واقعية، واضعة في حساباتها أن أميركا عندما تحركت لاحتلال أفغانستان ثم لاحتلال العراق، إنما أصبحت على حدود إيران، وأنه يمكن للضغوط الأميركية أن تتحوّل إلى واقع غير محسوب، وإن كان العمل العسكري الأميركي مستبعداً في المدى المنظور.
ويلفت سماحة السيد إلى أن "الخطّة الأميركية" كانت، انطلاقاً من موضوع السلاح النووي، تتجه إلى محاصرة إيران دولياً على طريقة محاصرة النظام العراقي السابق، إذ بدأت تخطط مع الاتحاد الأوروبي لعرض الموضوع على مجلس الأمن الدولي.
الواقعية والمناخ الجديد
هنا شعرت إيران بجدية الضغوط، كما يقول السيّد، الذي يضيف أن الجمهورية الإسلامية شعرت أيضاً بأنه يمكن لهذه الضغوط أن تعقّد علاقاتها بسائر الدول. لذلك، عملت إيران على مواجهة الضغوط التي كانت تركّز على الطلب منها التوقيع على البروتوكول الذي يعطي وكالة الطاقة حرية تفتيش المنشآت الإيرانية من دون إنذار مسبق، فأبدت طهران استجابتها ومرونتها. ومما سهّل هذه المرونة برأي فضل الله، أنّ إيران كانت أعلنت على لسان أعلى جهة فيها أنها لا تنتج السلاح النووي، ما جعل الجمهورية الإسلامية لا تبدو وكأنها تقدم تنازلاً، ودخلت في مفاوضات استطاعت من خلالها أن تثبت أنها لا تسقط تحت الضغط، وأكَّدت عندما خضعت للتوقيع أنها لم تخضع لأميركا بل لمعاهدة مع الاتحاد الأوروبي. ويوضح السيد فضل الله هنا أن ليس في العالم السياسي "مطلق" في الحفاظ على الشعارات التي ربمّا انطلقت في ظروف معينة.
ويشير السيّد إلى "نظرة" لدى محلّلين سياسيين، تعتبر أن إيران قدمت تنازلات، سواء في أفغانستان أو في العراق. لكنه يبدي اعتقاده، أن ما قامت به إيران في أفغانستان والعراق كان خاضعاً لحسابات إيرانية تتصل بعلاقاتها بالمنطقة، وإن كان ما قامت به يلتقي مع بعض الخطوط الأميركية التي استفادت من المواقف الإيرانية. ثم حصل الزلزال الذي فتح العلاقات بين طهران وواشنطن على الصعيد الإنساني، فأعلنت إيران أنها لا تمانع في المساعدات الإنسانية.
على أنّ المرجع الإسلامي يرى أن بعض الإشارات والإيحاءات واللقاءات والتصريحات تختزن فرصةً جديدة للحوار بين الجانبين الإيراني والأميركي، لكن الأمر ليس بهذه السهولة بعد عقدين ونصف العقد من الصراع. لذلك يعتقد فضل الله أن الأمور وصلت إلى مرحلة الدخول في مناخ جديد، وأنّ الباب قد فتح ولن يغلقه أحد. ويضيف أنّ "إيران الأمن القومي وإيران القيادة، بلغت سنّ الرشد في المسألة السياسية التي تجعل بين الواقعية البراغماتية والمبادئ خطاً دقيقاً جداً لا يلتقي مع المشاعر التي دخلت في الشعارات الإسلاميّة الإيرانيّة ومطلقاتها". ويشدّد على أن السياسة الإيرانية تدرك أن لا مطلق في العالم، "لكنها تبحث عن ضوابط".
بين دمشق وطهران.. اختلاف في الظروف
ويتناول فضل الله العلاقة الإيرانية ـ السورية في ضوء ما تقدَّم على الصعيد الإيراني ـ الأميركي، فيقول في هذا المجال، إنّ العلاقة الإيرانية بدمشق كانت تحكمها الاستراتيجية في مواجهة التحديات المشتركة، لا سيما التحدي الإسرائيلي. لكنه يوضح أن كل دولة من الدولتين تعرف أن للأخرى ظروفاً مختلفة، ولذلك كان دائماً هناك نوع من التواصل والاختلاف في إطار احترام كل دولة للأخرى في ظروفها الخاصة. ويلفت إلى أنّ الاختلاف الذي حصل في المسألة العراقية ليس حادّاً على المستوى الاستراتيجي، طالما أن الدولتين تلتقيان على رفض الاحتلال، وإن كانتا تختلفان على المواجهة. ويقول إنّ الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني كمال خرّازي، ردمت بعض ما يراد له أن يعطي فكرة أنّ ثمـّة هوة بين العاصمتين، وذلك من منطلق أن لا خيار لهما إلا أنّ تبقيا على تواصل استراتيجي.
صراع التيارين المحافظ والإصلاحي
ومن ذلك، ينتقل السيّد إلى مقاربة الوضع الإيراني الداخلي، فيؤكد أنّ التنوّع والصراع على المستوى السياسي، بين محافظين وإصلاحيين، ليسا أمراً جديداً، لكنه يلفُت إلى تنوّع كبير بين موقع وآخر في إطار التيّار الإصلاحي حول المستقبل الإيراني، مما يخشاه المحافظون، تحت عنوان أنّ بعض التفكير حول مستقبل إيران ضمن الإصلاحيين قد يكون ثورةً على إسلاميّة الجمهورية أو تنازلاً عن ثوابت في القضايا الكبرى.. وممّا "يخيف" المحافظين أيضاً، أنّ أميركا تتحدث من حين إلى آخر عن تغيير النظام لمصلحة الإصلاحيين، الأمر الذي يجلب في المقابل أضراراً على الإصلاحيين، حيث يبدون وكأنهم يتحرّكون مع أميركا.
على أن سماحة السيد يسارع إلى القول، إن الصراع بين التيارين لن يؤدي في المستقبل المنظور إلى اهتزاز نظام الجمهورية الإسلامية، لأنّ ثمّة ضوابط على المستوى القيادي وعلى المستويين الأمني والعسكري تمنع الاهتزاز أمام الضغوط الأميركية، وإن كان ثمّة اهتزازات سياسيّة أو ثقافيّة في عدد من الأحيان.
لذلك، يعتبر السيّد أن مجلس صيانة الدستور في طهران، وقع في خطأ كبير لجهة رفض أعداد كبيرة من الترشيحات الإصلاحية، لأنّه لو تُرِكَ الإصلاحيون يدخلون اللعبة الانتخابية، لما كانت النتائج ستأتي في مصلحتهم، لأنهم قدموا وعوداً كبيرة ولم يتمكَّنوا من تحقيقها. وفي تقديره، أنّ هذه "المجزرة السياسية" تفيد الإصلاحيين، إذ تضعهم في مستوى المظلومية، لا سيما لدى جيل الشباب الذي يقف ضد المحافظين، وإن كان أقرب إلى الخيبة من الإصلاحيين. وفي رأيه أن المسألة تتوقف على كيفية إدارة قائد الجمهورية الإسلامية السيّد الخامنئي للموضوع بما يحفظ للبلد توازنه ولا يجعله يقترب من الهوّة.
ويختم السيّد فضل الله بملاحظة أن التفاهم بين التيارين ليس مفتوحاً على حوار يصل إلى نتائج، ذلك أن هناك مشكلات في النظام القضائي، وفي مسألة الحريات، حيث ثمة نقاش حول ما إذا كانت الحريات تسيء إلى النظام الإسلامي والإسلام إذا أفسح في المجال أمام من يختلفون معه، أو أنّ اضطهاد الحرية يجعل المضطهد شهيداً. ومن هنا، يعرب عن اعتقاده أن "الرياح التي تهبُّ على إيران من المنطقة والعالم حول حقوق الإنسان والحريات واستقلال القضاء، إضافةً إلى المسألة الاقتصادية، تشكّل أساساً للاهتزاز في إيران الذي لا نعرف كيف سيتمّ تداركه على مستوى تيارات النظام تأميناً لاستقراره".
المستقبل - السبت 17 كانون الثاني 2004 - العدد 1500 - شؤون لبنانية - صفحة 2
ماهو تعليقك؟
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |