بقلم: وليد العبدي

عندما كنا صغارا نلعب في شارع الحي ليس نادرا ما تنكسر رتابة لهونا عندما نرى حمارا تائها فيبادر لركوبه من كان لديه الجرأة منا بينما يتجنب ركوبه الآخرون خيفة أن يكون الحمار من النوع الرافس. يجري ذلك وسط جو من الهرج والمرح، هذا يضرب الحمار وآخر يتوسل راكبه للنزول ليأخذ دوره. واليوم أصبحت الكتابة المسكينة هي الحمار التائه الذي يمتطيه كل من شاء فهي لم تعد ترفس أحدا في أجواء البراح حيث الانترنت للجميع متاح . أنتج عراق اليوم "كتابا" بعدد السيارات التي دخلته بعد انهيار البعث ومن جميع الموديلات. ولكن لا بأس، فالجميع سواسية في أجواء الحرية النافسة، هذا يصبح سياسيا "بقاط ورباط" والآخر رجل قانون بقماط والثالث مناضلا من أجل حقوق الإنسان، التي ما عرفها العراق منذ زمان.
في مقالتها المعنونة "إسرار عراق ما بعد الانتخابات" والتي نشرتها في "المثقف" يوم 23/01/2010 (انظر رابط المقالة نهاية الصفحة) تصبح السيدة الفاضلة هيفاء الحسيني واحد من راكبي "الكتابة" وتصر على الركوب حتى بعد أن تسقط مرات ومرات من على ظهرها.

لنترك العنوان إلى نهاية البيان فنمسك بعنان ما ابتدأت به السيدة هيفاء "مقالتها" ، وهو اللازمة التي أكل الدهر عليها وشرب والتي تقول "يخطأ من يذهب إلى الاعتقاد... " والتي حورتها قليلا عن اللازمة المعروفة "يخطأ من يظن..." والتي هي بمثابة مصادرة مسبقة لأي رأي آخر غير رأيها الذي سوف "تسكبه" علينا كما يسكب ماء الغسيل على أحد المارة في الشارع دون اعتذار. ما رأيك يا سيدتي لو قلت أو قال أحد القراء الكرام "سأذهب للاعتقاد ولن أكون مخطأ"؟ دعينا نريك كيف.

تقول السيدة هيفاء "يخطأ من... بان الحل السياسي للأزمة العراقية مرهونا (تنصب خبر "أن" بدلا من أن ترفعه) بإرادة داخلية" ! هكذا وبخربشة طفل على ورقة بيضاء تلغي السيدة زينب إرادة الملايين من العراقيين الذين صوتوا ثلاث مرات في السابق، اثنتين منها في الانتخابات وثالثة في الاستفتاء على الدستور والتي بواسطتها رسموا الملامح الأساسية للمشهد السياسي العراقي للسنوات الست الماضية وسيواصلون دورهم ذاك في الانتخابات القادمة.
ثم تواصل السيدة هيفاء ضرب الكتابة بسوطها لتتحفنا بالقول المأثور: " ولا نذيع سراً لو قلنا ما كان الكبير كبيراً فيهم لو لم يكن مدعوماً من دول من خارج العراق". هكذا برأي السيدة هيفاء أتت إيران في الانتخابات الأولى والثانية حاملة صناديق الاقتراع فدخلت على مخادع العراقيين البلهاء وهم لا زالوا يتثآبون من نومهم وأجبرتهم أو أقنعتهم بأن يرموا أوراقهم في صناديق اقتراع الائتلاف العراقي الموحد وهكذا فعلت أمريكا والسعودية وسوريا مع الباقين ! و لا ندري في هذه الحالة كيف أن السيد علاوي لم يفز بالمرتبة الأولى رغم أن الدول الثلاث الأخيرة تؤيده !
.
تعتقد السيدة هيفاء إن "الكبار" من الدول المذكورة "تتزاوج" بينها فتلد كتلة لحمية منسجمة لا شحم بها يرأسها علاوي وكشكوله تضم في ثناياها الأكراد والتيار الصدري ! ؟ الائتلاف الوطني العراقي وائتلاف دولة القانون والحزب الإسلامي الذي بات، بعد تخلصه من مجموعة الهاشمي، يتمتع بقبول قطاعات غير قليلة من السنة خاصة ذوي التفكير الديني المعتدل، وغيرها من القوى كلها تقع خارج حسابات العملية السياسية من وجهة نظر السيدة هيفاء. لماذا؟ لأن الشعب العراقي غير موجود طالما أنها لا تريد أن تراه والذين سيقومون بالتصويت في الانتخابات هم الأمريكيون والسعوديون والإيرانيون والسوريون يدخلون العراق بعد أن يحصلوا على" فيزا" انتخابات من نقطة الحدود العراقية !
ثم انظروا إلى محلات بيع السيدة هيفاء. علاوي رئيسا للوزراء رغم أنف الناخب العراقي فهذا خيار أمريكا والسعودية، الأكراد بثلاث مليارات دولار خليجية (ربما ستتوسط السيدة هيفاء لهم لرفع المبلغ فهم يسوون أكثر) والتيار الصدري يأتي راكبا ومعه حمل كبير من الفستق الحلبي الذي رشته به إيران ! يجتمع هؤلاء فيشكلون حكومة الأهواء كما هو هوى السيدة هيفاء !

ثم تواصل السيدة هيفاء ترتيب الصفقة ألتي أتتها في الحلم (لا أدري إن كانت ستأخذ كومشن): "يتنازل الأكراد عن رئاسة الجمهورية مقابل رئاسة البرلمان مقابل ضمان مصالح كردية في بعض المناطق النفطية في كركوك وعدم التضييق عليهم في استغلال الثروة النفطية والغاز كمتنفس من الحاجز التركي حيث يضمن لهؤلاء انبثاق حكومة من ائتلاف ضامن لمصالحهم بحيث لا تتخذ أي قرارات ضد أياً منهم وان لا يخرج أي قرار من الحكومة إلى بعد أن يطبخ في مطابخ الكتلة التوافقية (الأم)".

تصوروا حسب فهم السيدة هيفاء أن الأكراد إنما " يتنازلون" عندما يتخلون عن منصب رئاسة الجمهورية التي هي منصب تشريفي حسب الدستور ليحصلوا على "منصب أقل أهمية" وهو رئاسة البرلمان وهو من المناصب المهمة والخطيرة ويأتي بالمرتبة الثانية في الأهمية بعد منصب رئيس الوزراء كل ذلك مقابل أن يحصلوا على "وعود" "بامتيازات" في "بعض" المناطق النفطية وأين؟ في كركوك! لو كنت في مكان الرئيس بارزاني لعينتك "وزيرة الصفقات الفاشلة" فليس هناك في ظني صفقة أفشل من هذه وإذا كان الأكراد لا يمانعون بالتحالف مع علاوي فكيف بربك رتبت لهم تحالفا مع الصدريين وهم يمثلون التيار المتشدد لدى الشيعة ولا يقفون موقفا مؤيدا لمطالب الأكراد؟ثم ما هذه الوعود الفضفاضة لتي سينعم بها الأكراد حسب ظنك؟ وكيف حسبت أن الصدريين سوف يتحالفون مع علاوي الذي أذاقهم العذاب يوم كانوا يمارسون العمل المسلح وتسبب في قتل المئات منهم و لا ندري إن كنت تتذكرين أحداث النجف كشاهد على ما أقول هذا عدى أن رئيس لجنة المسائلة والعدالة التي أقصت حلفاء علاوي الأقربين يرأسها القيادي الصدري السيد فلاح شنشل. القيادة الكردية يا سيدتي أذكى بكثير من تصوراتك ولن يجدوا الضمانة بكتلة كشكول ككتلة السيد علاوي تسيرها دول كالسعودية كما تقرين أنت ناهيك عن احتمال تحالفهم مع الصدريين كما أن الصدريين لن يتحالفوا مع علاوي إلا في أحلامك.

ثم تدخلك السيدة هيفاء بمتاهة من الكلمات التي لا تفهم "راسها من أساسها" تبدأ بالقول: " حيث تعهد أياد علاوي بدعم سوريا اقتصادياً ...إلى آخر "الخبطة" التي "يزيد رملها ويقل حصاها" لتنتهي بنا إلى قول آخر"مأثور" تلقفته من ثغور لا تفهم ما يدور فتتحدث عن ماكنة إعلامية (لا أدري إن كانت هي إحدى براغيها): تقوم " بتسقيط وتقليل شعبية ائتلاف دولة القانون التي فشل رئيسها بالمحافظة على الشعبية التي حصل عليها نتيجة اعتماده على مستشارين فاشلين صوروا له الأوضاع على غير حقيقتها". لا تأنف السيدة هيفاء أن تلوك علكة مضغها أناس قبلها هي علكة "المستشارين الفاشلين" ! هلا تفضلت يا سيدة هيفاء، وذكرت للقراء، واحدا من هؤلاء؟ هل ثامر الغضبان رئيس هيئة المستشارين الذي كان وزيرا للنفط في "حكومة" علاوي والذي يعتبر من أفضل خبراء النفط في الشرق الأوسط والذي قدمت له شركات نفطية كبرى عروضا يسيل لها لعاب الأثرياء للعمل معها كمستشار فرفض هو برأيك السديد "فاشل"؟ألم تسمعي المالكي على التلفزيون وهو يرد على "تهمة" الأربعين مستشار (طبعا من اختار رقم الأربعين اختاره عن قصد) فيِؤكد أن لديه ستة مستشارين كلهم يحملون درجات اختصاص عالية؟ ثم ما هذه ال " صوروا له الأوضاع على غير حقيقتها"؟ وما هي حقيقة الأوضاع برأيك؟هل أن البعثيين ليسوا هم من يقوم بالقتل والتخريب والخطف بالتعاون مع آل سعود وآل الأسد؟هل أن علاوي لم يكن يتواطأ مع الأنظمة العربية المعادية للعملية الديمقراطية بالعراق ضد الحكومة المنتخبة وليس كحكومته "البريمرية"؟ ألم يقم بالاتصال في أكثر من مناسبة بالبعثيين ليساندوه؟إقرأي الرابط التالي حول اتصاله من خلال عبد الستار الباير بعزت الدوري وفاضل محمد غريب المقيمين في سوريا: http://www.non14.net/display.php?id=6326
وإن لم تكتف فيمكني ذكر المزيد.

بعدها تحضر لنا السيدة هيفاء خلطة أخرى من الحصى والرمل تبدأها ب " وان يتشكل هذا التكتل بعد الانتخابات بعد أن تضغط السعودية على كل قوائم العرب السنة...و..و.".إلى آخر الخلطة العلاوية الكردية الصدرية المضاف غليها بهارات البولاني وابو ريشة والتوافق (التي لم تعد موجودة من الناحية الفعلية) لتعلمنا أن الولايات المتحدة "قد أيقنت من خلال معلوماتها " (مسكينة أمريكا لم تكن تفهم ما يجري) أن " أن ما يحدث في العراق من دمار وزعزعة الأمن هو نتاج سعودي عن طريق دعمها للقاعدة ودعم العنف الطائفي وكذالك الدعم الإيراني عن طريق المجاميع الخاصة ومنظمة بدر وفيلق القدس الذي يعمل في العراق وسوريا التي تدعم العبثيين الذين يؤمنون كافة أنواع الدعم اللوجستي لأعمال القاعدة في العراق ..." إلى آخر الخبيص.

عرفت بناءا (رحمه الله) عمل في البناء منذ أن ولدته أمه رغم ذلك لم يفلح في مهنته فأصبح موضوعا يتندر به الجميع. ذات يوم أتوا به في مهمة بناء بسيطة لا تحتاج لكثير خبرة وعناء. طلبوا منه أن يرفع حائط سطح الدار بضعة "سافات". ما كاد ينتهي من بناءها بعد سويعات حتى انهار كل ما بناه فقالوا له : "ما هذا يا أبو فلان " ! فرد عليهم: "لعد قابل تردوا يظل ميت سنة"؟ ! هكذا تفعل السيدة هيفاء تظن أنها بنت حائطا فما أن غادرتنا حتى انهار على رؤوسنا.
أما "أسرار ما بعد الانتخابات" فلا أدري لماذا استعجلت بكشفها السيدة هيفاء فعرف الناس أن للقطة مواء.

رابط المقالة
http://almothaqaf.com/new/index.php?...6-14&Itemid=54