تويتر لن يبقي ولن يذر ...
اتذكر عندما كنا شبابا في بداية التسعينات كنا نسمع ومن خلال الاعلام المسموع ( كاذاعة مونتيكارلو واذاعة لندن العربية واذاعة صوت امريكا ) عن ابتكار جديد يسمى بالقنوات الفضائية ؛ ابتكار جديد سيوفر فرصة للاطلاع على ثقافات المجتمعات الاخرى من خلال متابعة الافلام والبرامج القادمة من بلدان ماخلف الاحلام ؛ وهي اخبار شكلت صدمة مجتمعية كبيرة بين فئات المجتمع القابع بين العادات والتقاليد ؛ بدعوى ان مثل هذا الحدث سيسئ الى العادات والتقاليد المجتمعية التي ترقى حد التقديس خاصة فيما يتعلق بعلاقة المرأة بالرجل اي الجانب الجنسي في الموضوع ؛ وهو الامر الذي يبين حالة الازمة الجنسية التي تعيشها تلك المجتمعات المتولدة عن الكبت الذي هو نتيجة حتمية لمعاندة الطبيعة الخلقية في تكوين بني الانسان ؛ ولقد كان سلاح التدين والقدسية هو السلاح المستخدم في تمرير هذا التابو !!! ؛ وهو امر ارتاحت له القوى الدكتاتورية المتسلطة على رقاب الشعوب ليس في منطقنا فقط وانما في كل ارجاء الارض عبر التاريخ ؛ ولقد ابدعت قوى الاستبداد في استخدام الروايات والقصص ذات الطابع القدسي في تمرير مشاريع استعباد الانسان .
لقد خلقنا في العراق وعشنا كل سنوات الطفولة والصبا وبعضا من سني الشباب في ذلك السجن الكبير ؛ بكل ما يتوفر فيه من ادوات التكبيل بدءا من عالم العادات والتقاليد مرورا بالحروب العبثية والازمات الاقتصادية في بلد يعتبر من اغنى بلدان العالم وليس انتهاءا بالخوف الذي كان يكبل الجميع وهو خوف لايمكن ان يوصف بالجبن لانه كان خوف من المجهول ؛ فنحن في العراق مثلا وهو ليس المكان الوحيد في العالم كنا نعيش في انقطاع تام عن الخارج ؛ الخارج الذي لا اتصور ان اجدادنا وجداتنا رحمهم الله كانوا يتصورونه ؛ لان العالم ولاشك لم يكن يشكل لديهم الا المدينة او القرية التي يعيشون فيها وربما ولان وفق احدهم او احداهن الى السفر الى النجف او كربلاء مثلا للزيارة او دفن ميت فان ذاك قريب من حدود نهاية العالم وليس قبله الا مكة المكرمة التي يحلم الوصول اليها كل احد في ذلك الوقت .
واتذكر تماما كيف اننا في تلك الفترة كنا نعاني من الصداع وحالات الطنين الاذني الناتج عن التشويش الموجه نحو موجات الاذاعات العالمية ؛ هذا فضلا عن الرعب المصاحب لاحتمال اطلاع جلاوزة الطغات بان هناك من يطلع على اعلام غير اعلام السلطة .
ان مثل ذلك الاطار الذي كان يحيط حياتنا كعراقيين والذي عرفنا بعد حين انه يحيط مجتمعات اخرى تشترك معنا في كثير من المشتركات اهمها الدكتاتورية المقيتة ؛ اذ تبين ان دول مثل سوريا والصين وايران وليبيا وغيرها ؛ تماما كما كان هو الامر في الاتحاد السوفيتي السابق والمانيا الشرقية وغيرها ؛ والتي كانت هي الاخرى تعيش تلك المصادرة الغريبة لحرية الوصول الى المعلومة التي كفلتها حقيقة طبيعة الانسان قبل ان تقنن بالقوانين الدولية .
وفي الوقت الذي كان يدور الحديث فيه عن القنوات الفضائية كان هناك حديث عن عوالم جديدة تستخدم فيها التلفونات النقالة والانترنيت الذي سوف يغير مجريات الاحداث والتاريخ ؛ ولقد كان برنامج ( انترنيت كافي ) المذاع من اذاعة منتيكارلو النافذة الوحيدة لتخيل ذلك العالم الافتراضي البعيد المنال .
الا ان كل اساليب الانغلاق والتعتيم الاعلامي لم تصمد امام حقيقة ان مسيرة الحياة اسرع من كل اساليب مصادرة حرية الانسان . لقد اثبتت هذه الحركة السريعة حد الجنون ! للتكنولجيا المعلوماتية في العالم ان من لايواكب مسيرة الحياة بواقعيتها فستسحقة اقدام الواقعيون المدركون لحقيقة ان العالم اصبح قرية صغيرة وان كل حدث يؤثر فيه كل احد من اي مكان على الارض بل انها تتأثر بما هو موجود عند حدود المريخ ايضا .
ان المتابع النبيه لما يحصل الان في ايران وتونس ومصر يثبت بما لايدع مجالا للشك ان حركة المجتمعات قد تغيرت وان وجهتها اصبحت نحو المزيد من الانفتاح وليس هناك طريق للعودة الى الانغلاق في حال من الاحوال .
فلقد فعلها اليوتيوب واصبح بالامكان الاطلاع على اي حدث في العالم وبشكل شفاف وغير مؤدلج لان من يضع مادته على اليوتيوب في الغالب يكون فردا يتصرف من موقعه كانسان ضمن اطار الانسانية التي تستوعب الجميع ؛ هذا مع عدم نكران ان هناك الكثير من المواد المؤدلجة ؛ الا ان صورة الحركة المعلوماتية تشير الى انها تتجه نحن الاستقلالية الفردية بسرعة كبيرة ؛ ولنا في المدوانات الشخصية التي اخذت دورها الكبير في اظهار وجهات النظر الفردية ولازالت مثال على الذاتية التفكيرية المتحركة في اطار الانسانية العامة .
لقد كسر الفيس بوك حاجز الخوف الذي طغا على حياة الانسان في مجتمعات ( الصواب المطلق ) واصبح بالامكان ابداء وجهات النظر المختلفة والتحاور كل من موقعه وحيث يكون دون تكلف عناء التخطيط للقاء يشكل في دول الدكتاتورية جريمة يحاسب عليها القانون !!! فلقد اصبح بامكان مستخدموا الفيس بوك من شباب يدعون الى ارائهم من خلال هذه الشبكة الاجتماعية المتحررة ويتحاورون فيقررون التجمع والتحرك في يوم معين في مكان معين لهدف مخطط له بحرية او لاجل الاعتراض على امر ما ؛ وهذا ماحدث تماما في مصر ؛ في ثورة لن تكلف الشعب خسائر كبيرة في الارواح والممتلكات ؛ لان اي تحرك ضد تحرك الشعوب ستقدم عليه سلطة الطواغيت سيكون مفضوحا امام العالم عبر الفضائيات والانترنيت ؛ ولان العالم قرية صغيرة ولان بني الانسان قد اصبح اكثر قربا لفهم حقيقة ان الانسان بما هو انسان يشكل مجتمع متواصل غير منفصل بحال من الاحوال في اطار الانسانية التي بامكانها ان تضم الجميع ؛ فصار اي احد يريد القدوم على اي فعل يسئ للانسان الاخر معرض للعقاب ؛ نعم نحن في بداية الطريق الى هذا الوضع المثالي والحتمي ؛ الا ان الحركة الانسانية اكثر سرعة من التخوف بالتنبؤ بحدوثها .
لقد كان لتويتر الدور الكبير في الثورة الشعبية التي عمت ايران بعد الانتخابات الرئاسية الاخيرة ؛ ومع كل محاولات التعتيم والاغلاق الذي اتبعتها الحكومة الايرانية الا ان الصور والافلام والاخبار كانت ترد العالم فيطلع عليها كل العالم ؛ ليدلو كل ذي رأي برأيه ومن كل مكان كان في هذا العالم الكبير والمتكتل في قرية المعلوماتية الصغيرة والمتصاغرة ؛ وهو واقع يزيد الناس في الساحة قوة وعزيمة ؛ وهو امر انطبق ايضا على حالة الثورة الشعبية التي عمت تونس وتسببت في اسقاط النظام الدكتاتوري الذي جثم على مقدرات شعب سنين طويلة ؛ وهو الامر ذاته الذي يتكرر الان في مصر وباصرار اقل ما يقال عنه انه رائع . والقادم اكثر .....!
ان من لا يتعامل مع الواقع بواقعية فانما هو خارج منظومة الحياة ومسيرة الواقعية الطبيعية التي لن تتوقف ابدا حتى ياذن الله .....