مقال لفهمي هويدي رفضت صحيفة الأهرام نشره
استقواء هنا.. واسترضاء هناك!
فهمي هويدي
(1)
'على العرب أن يحلقوا رؤوسهم بأيديهم قبل أن يحلقها لهم غيرهم'. هذه العبارة قالها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وهو يتحدث إلى مؤتمر شهدته صنعاء مؤخرًا، وكان موضوع الإصلاح والديمقراطية على رأس جدول أعماله. وهي عبارة لا تخفي دلالتها، من حيث إنها تبدو منبهة ومحذرة من أنه ما لم تبادر الدول العربية إلى إنجاز خطوات الإصلاح، فقد يفرض عليها ذلك من 'الخارج'. ولئن قالها الرئيس اليمني في العلن، فإن الآخرين عملوا بالنصيحة في صمت ودون إعلان، تجلى ذلك في كم الرايات واللافتات التي باتت ترفع شعار الإصلاح في العديد من العواصم العربية، حتى يحسب المرء أنه صار 'نشيد المرحلة' المقرر لعام 2004، الأمر الذي يشير إلى أننا سوف نظل طيلة العام نسمع أصداء النشيد ونتابع الممارسات التي تصدر استجابة له وتعبيرًا عنه بشكل موازٍ مع نداءات الإصلاح الداخلي. شهدنا في الشهر الماضي سلسلة من المؤتمرات الدولية كانت منطقة الخليج مسرحًا رئيسًا لها. وقد اختلفت عناوينها حقا، إلا أن القاسم المشترك بينها ظل يدور حول مد الجسور مع الغرب، بالدرجة الأولى مع الولايات المتحدة ثم أوربا، وقد شاركت في مؤتمر أكاديمي من هذا القبيل، كان موضوعه 'إسهام المسلمين في الحضارة الإنسانية'، دعا إليه مركز أبحاث التاريخ الإسلامي باسطنبول واستضافته الجامعة الأمريكية بالشارقة، وشارك فيه علماء ومتخصصون في مختلف فروع المعرفة من 14 دولة. ومن التعليقات الطريفة التي سمعتها من أستاذ كندي مخضرم أن الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر أصبحت دولة شرق أوسطية، ليس فقط لأن الهاجس الأمني ارتفع لديها بشكل مفرط حتى صار محركًا للعديد من إجراءاتها في الداخل وسياساتها في الخارج؛ وإنما أيضًا لأن الحضور الأمريكي في العالم العربي أصبح مكثفًا، خصوصًا من جانب الباحثين والسياسيين ورجال الإعلام، الذين أصبحوا متواجدين فيه بشكل دائم، ومشاركين ثابتين في كل المؤتمرات التي أصبحت بعض العواصم العربية تتنافس في عقدها. استطرد محدثي الكندي قائلاً: إن أغلب أعضاء الكونجرس وحتى عهد قريب لم يكونوا يعرفون شيئًا عن بعض بلدان الشرق الأوسط، وبدؤوا الآن يحددون تلك البلدان على الخريطة ويتعرفون إلى أسمائها. ودلل على أنهم لم يكونوا مشغولين بالعالم الخارجي على إطلاقه وليس الشرق الأوسط وحده بقوله: إن نصفهم لم يكن لديه جوازات سفر أصلاً. ثم همس في أذني قائلاً: إنه التقى مرة على عشاء بعض أساتذة الجامعات الأمريكية إثر عودته من زيارة قام بها لإحدى العواصم العربية، وتطرق الحديث إلى الموضوع الإسرائيلي، وأدرك أثناء الكلام أنهم يتصورون أن الفلسطينيين هم الذين يحاولون انتزاع الأرض من اليهود الذين هم أصحابها الأصليون، وعندما شرح لهم حقيقة الأمر، وبيٌن لهم أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض، وأن الإسرائيليين احتلوها منهم وطردوا أهلها، ثم أقاموا دولتهم في عام 1947، عندئذ تبادل الجالسون النظرات وقال أحدهم: هذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها هذا الكلام. وقال آخر معاتبًا: لماذا لم تقل لنا ذلك من قبل؟!
(2)
سواء كان تواتر الحديث عن الإصلاح في العالم العربي خيارًا أم اضطرارًا، فالشاهد أن راياته ولافتاته أصبحت تملأ الأفق العربي، داعية تارة إلى الحوار الوطني بين مختلف القوى والتيارات الفكرية والسياسية وبين ممثلي السلطة، ومنادية تارة أخرى إلى إقامة مؤسسات المجتمع المدني وتوفير الهياكل اللازمة لحيوية الجمعيات الأهلية ورعاية حقوق الإنسان. ومطالبة في مرة ثالثة بتمكين المرأة وإثبات حضورها في مجالات العمل العام، ليس المهني والوظيفي فحسب، وإنما السياسي أيضًا... إلخ. أيًّا كانت الدوافع إلى ذلك، فالثابت أن إشهار هذه اللافتات جاء تلبية لأشواق الجماهير، وأنه حرك الكثير من المياه الراكدة في العالم العربي، وفتح شهية الناشطين في مختلف المجالات بذات القدر، فلا ينكر أحد أن هذا التطور رفع من سقف الحوار العام، وطرح للمناقشة ملفات عالقة كانت مسكوتًا عنها منذ أمد بعيد في بعض الأقطار. وهو ما أشاع في الأجواء العربية روح التفاؤل والأمل التي افتقدناها طويلاً. وذلك مبرر كاف للترحيب بما حدث، وإحاطة اللافتات التي رفعت والإجراءات التي اتخذت بما تستحقه من حفاوة وحماس. غير أن هناك بعدًا جوهريًّا في المسألة ينبغي الانتباه إليه؛ هو أن نجاح تلك المساعي له شروطه وبيئته الضرورية. وما لم تتوافر تلك الشروط؛ فإن ما يبذل من جهد سيصبح من قبيل زراعة عضو في جسم غريب عليه، وعند الحد الأدنى غير متجاوب معه. ولكي أوضّح فكرتي؛ فإنني أزعم أن قيم الحوار والمجتمع المدني وحقوق الإنسان هي من ثمار وإفرازات التطبيق الديمقراطي، الذي يتمثل في توفير حقوق المشاركة والمساءلة والتداول والانتخاب الحر، وأشدد في هذا الصدد على أن التطبيق الديمقراطي يظل هو الأصل، وكل هذا الذي نتحدث عنه وندعو إليه فرع عنه. وهو ما ينسحب أيضًا على موضوع تمكين المرأة، الذي ليس له أن يتحقق إلا إذا توافر للجميع حق المشاركة بغير تمييز. حيث يتعذر تمكين المرأة في مجتمع محرومة فئاته المختلفة من أي تمكين. ما يدعوني للتنبيه إلى ذلك أن ثمة تجارب عديدة مررنا بها حاولت أن تفصل بين الفرع والأصل، فدعت إلى الحوار وإلى إقامة مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان، في حين غيبت الأساس المتمثل في الممارسة الديمقراطية التي تغذي هذه الفروع جميعها. الأمر الذي جعلنا بإزاء وضع شاذ مسكون بالمفارقة، حيث توافرت أمام الأعين ثمار الديمقراطية وهياكلها ومؤسساتها، في حين فقدت الديمقراطية روحها وقيمها. ثمة مشهد نموذجي في هذا الصدد تجسده تجربة أحد أقطار المغرب العربي، فقد اجتاحت الدولة حينا من الدهر 'صرعة' اسمها حقوق الإنسان؛ فشكلت لأجلها منظمات متخصصة، وأنشئت باسمها إدارة في كل وزارة وديوان في كل محافظة، ومكتب في كل قسم شرطة، وتحولت إلى منهج دراسي في الثانويات والجامعات، وخصوصًا في الكليات العسكرية. الأمر الذي حول البلد كله إلى سرادق يلهج فيه الجميع بذكر حقوق الإنسان وفضائلها، حيث توفر لها كل شيء باستثناء أمر واحد فقط هو: احترام حقوق الإنسان! وكانت النتيجة أنه بعد استيفاء كل عناصر الشكل على ذلك النحو، احتلت الدولة مرتبة متقدمة في انتهاكات حقوق الإنسان التي رصدتها تقارير منظمة العفو الدولية!
(3)
حين توضع العربة أمام الحصان فذلك مسلك لا يبشر بالخير. من حيث إنه يقطع الطريق على كل أمل في إمكانية التحرك إلى الأمام. وفي المشهد الذي نحن بصدده؛ فإن تفعيل قيم الديمقراطية التي سبقت الإشارة إلى أهمها بمثابة الحصان الذي يجر العربة ويصل بها إلى بر الأمان. وما لم يتحقق ذلك فإننا سنظل بإزاء مشهد عبثي ليس فيه من الديمقراطية المنشودة سوى شكلها وهياكلها دون استحقاقاتها ووظائفها. ومن الأسف أنها سمة شبه عامة في التطبيقات المنسوبة إلى الديمقراطية في أغلب أقطار العالم العربي، ذلك الفصام البائس بين الشكل والمضمون، وتقديم الشق الأول أو الاكتفاء به بديلاً عن الثاني. وهو المعنى الذي عبرت عنه كتابات غربية عدة أشارت إلى لجوء البعض في العالم العربي إلى الفصل بين الديمقراطية والليبرالية، وتفريغ التطبيق الذي يرفع راية الديمقراطية من أي مضمون ليبرالي. ثمة سمة أخرى مرصودة في خطاب الإصلاح بالعالم العربي، هي أن الذين يتصدون للإصلاح الديمقراطي هم نجوم ورموز الممارسات غير الديمقراطية باختلاف مسمياتها. الأمر الذي يكاد يعطي انطباعًا بأن ما يجري أقرب إلى مسايرة 'الموضة' والاستجابة لضغوط المرحلة، والميل مع ريحها، أكثر منه جهدًا مخلصًا ينشد الإصلاح الحقيقي ويتحراه. إذ لا يبعث على الاطمئنان من أي باب أن يكون دعاة الإصلاح في هذا الزمان هم أنفسهم رموز التسلط والقمع حتى عهد قريب. وأن يصبح مستبدو الأمس هم المبشرين بالديمقراطية اليوم، ودعاة الإقصاء السابقون هم أهل الحوار اللاحقين، وأن يكون ركائز الفكر البالي والقديم هم أنفسهم المبشرين بالفكر الجديد. ذلك أن سلوكًا من ذلك القبيل يوحي بأن الأمر ليس مأخوذًا على محمل الجد. وأنها مجرد 'أدوار' تؤدى تبعًا لمقتضى الحال، وليست هناك أهمية لطبيعة الدور ولا أهدافه؛ لأن الأهم هو تواصل الاستمرار وضمان البقاء بأي زي وبأي ثمن. إذا صح هذا الذي ندعيه؛ فمعناه أن الجهود التي ترفع راية الإصلاح تستهدف التجمل به بأكثر مما تستهدف إحداث تغيير جاد يمثل خطوة إلى الأمام، ويتجاوب مع أشواق الجماهير. معناه أيضًا أن المستهدف من المساعي الجارية هو توجيه رسالة إلى الخارج وليس تحسين أوضاع الداخل. معناه كذلك أن المشكل لم يحل، وأننا سنظل نراوح مكاننا، الأمر الذي من شأنه أن يكرس الانسداد السياسي ويزيد من درجة الاحتقان والتوتر.
(4)
لا تكاد تقارن محاولات تجميل الجسور في الداخل بجهود مد الجسور مع الخارج. فما يسمى بالحوار الوطني في الداخل _ مثلاً _ هو من قبيل التنفيس في أحسن فروضه، وربما كان من قبيل 'طق الحنك' الذي لا يقدم ولا يؤخر في حالات أخرى. وذلك منطوق لا غرابة فيه، فحوارات الداخل هي بين طرف قوي هو السلطة، وطرف آخر ضعيف أو مستضعف هو المجتمع. أما في الحوار مع الخارج؛ فالسلطة هي الطرف الضعيف أو المستضعف، بينما الممثلون الغربيون والأمريكيون بوجه أخص هم الطرف الأقوى، وحين تكون الموازين بهذا الشكل؛ فإن نتيجة الحوار تصبح معروفة سلفًا، حيث يصبح الفوز من نصيب الطرف الأقوى بطبيعة الحال. حين أعلنت الولايات المتحدة عن الحرب الاستباقية ضد مظان الخطر الحقيقي أو المتوهم، واعتبرتها جزءًا من متطلبات ما سمي بـ"الحرب ضد الإرهاب"، ثم حين أعلنت في وقت آخر عن حرب 'الأفكار'؛ فإنها وسعت كثيرًا من إطار ضغوطها على العالم العربي والإسلامي. وبعد أن أصدرت واشنطن قانون محاسبة سوريا، في أعقاب قانون إحلال السلام في السودان، ثم لوحت بعد ذلك بإمكانية إصدار قانون محاسبة السعودية، ثم أعلنت بعد احتلال العراق عن فكرة إعادة رسم خرائط المنطقة ، حين لجأت واشنطن إلى كل ذلك فإنها وضعت العالم العربي في موقف دفاعي، وإن شئت فقل إنها وضعته في قفص الاتهام. وإذا أضفنا إلى ذلك أنه من جراء ما جرى في أحداث 11 سبتمبر؛ فإن بعض العواصم العربية (انتابها شعور بالذنب) بدت حريصة على تداركه والتكفير عنه. وكانت حصيلة ذلك كله أن سارع كثيرون إلى التودد إلى الولايات المتحدة واسترضائها عبر رسائل ومبادرات عدة. وإلى جانب الرسائل التي وجهت إلى الإدارة الأمريكية؛ فإن جهودًا أخرى بُذلت لمحاولة تحسين صورة العرب والمسلمين التي شوهت لدى الرأي العام الغربي. وقد بلغ ذلك التشويه ذروته في الولايات المتحدة الأمريكية، تدلل على ذلك تلك الواقعة التي ذكرتها قبل قليل والخاصة باقتناع بعض عناصر النخبة هناك بأن الفلسطينيين هم الذين يحاولون اغتصاب الأرض من 'أصحابها' الإسرائيليين. وهي من نماذج التشوه المدهش الشائع بين الأمريكيين، الذين يخضعون لغسيل مخ دائم ولحصار معلوماتي محكم، وصفه أحد الخبراء بأنه 'ستار الكتروني' حاجب وعازل، أقرب إلى الستار الحديدي الذي فرض على مواطني وشعوب الاتحاد السوفيتي. كان مؤتمر الشارقة الذي شهدته نموذجًا لمحاولات تحسين الصورة وتصحيح الذاكرة، من حيث إن أوراقه وأبحاثه دارت حول محور أساسي هو أن العرب والمسلمين كانوا داخل التاريخ وليس خارجه كما يروج البعض، وأنهم كانوا صناع حضارة ولم يكونوا متفرجين عليها أو مستهلكين لها (الكلام عن الماضي وليس الحاضر بطبيعة الحال). إن التواصل مع الأكاديميين والباحثين لا بأس منه، حيث المشكلة ليست مع أهل العلم والاختصاص، وإنما هي أساسًا مع غلاة أهل السياسة والإعلام المنحاز والرأي العام المغيب في الولايات المتحدة؛ فتلك مصادر الضغط الذي حير العالم العربي وأرهقه بالمطالب المعقولة وغير المعقولة.
(5)
لست واثقًا من أنها مجرد مصادفة أن تشهد عواصم عربية عدة سلسلة من المؤتمرات الحوارية بين الأمريكيين والعرب، وفي نفس الوقت تطلق في الهواء مبادرات تعبر عن الرغبة في التفاهم مع إسرائيل. ومصدر الشك عندي نابع من أن الولايات المتحدة في كل حوار تستصحب إسرائيل معها، سواء فوق الطاولة أو تحتها!. كما أن بعض أهل السياسة في العالم العربي باتوا يعتقدون أن الطريق إلى قلب الإدارة الأمريكية يمر بإسرائيل. النخب الإسرائيلية على الأقل قرأت رسائل التقارب أو التقرب إلى واشنطن من هذه الزاوية. فهذا (جاي باخور) المستشرق الإسرائيلي المعروف ومدير موقع صحيفة 'يديعوت أحرونوت' على شبكة الإنترنت، يقول في مقال نشرته له الصحيفة في 8/1/2004: "إن الخوف من الولايات المتحدة غشي أنظمة الحكم العربية، وأن الانهيار المروع لنظام صدام حسين أثبت للعواصم العربية أن ثمة زلزالاً في الشرق الأوسط. ولكي يتجنب هؤلاء آثار الزلزال ويكسبوا ود واشنطن؛ فإنهم يحاولون استخدام الجسر الإسرائيلي؛ ذلك أن إسرائيل _ والكلام لا يزال له _ أصبحت الملاذ الأخير للعالم العربي، للوصول إلى واشنطن والإفلات من شر ضرباتها". أحد كبار الغلاة في الحكومة الإسرائيلية _ وزير الإسكان الجنرال احتياط (إيفي إيتام) _ قال للتليفزيون الإسرائيلي: "حتى لو قدم قادة الأنظمة العربية جماجم أبناء شعوبهم من أجل أن يسير فوقها شعب إسرائيل؛ فان ذلك ليس مبررًا كافيًا لكي نتعامل بجدية مع رسائل الغزل الصادرة عن بعض العواصم العربية. فقادة تلك الأنظمة تملكهم الفزع من هول ما شاهدوه، حيث ظهر طبيب (المارينز) الأمريكي وهو يقلب بين يديه رأس صدام حسين. وهذا لب القضية. إنهم يحاولون التقرب إلينا لكي يثبتوا للرجل رقم واحد في العالم (يقصد الرئيس بوش)، أنه بالإمكان تأهيلهم لكي يتم إخراجهم من القائمة السوداء، التي تضم نادي محور الشر". لا أريد أن أتعرض للأصداء الإسرائيلية لقرار العقيد القذافي إلغاء خطط بلاده لتصنيع أسلحة الدمار الشامل، واستقباله لأعضاء الكونجرس الأمريكي لأول مرة منذ أكثر من عشرين عامًا، ولا للمبادرات السورية الداعية إلى التفاوض مع إسرائيل؛ لأنها تراوحت بين السخرية المرة والبذيئة، وبين الاستخفاف والازدراء الشديدين (مثلاً ؛ بنيامين نتنياهو وزير المالية ورئيس الوزراء الأسبق قال: "إنه يجب عدم إعطاء أي أهمية لسوريا ولدورها؛ لأنها بعد احتلال العراق أصبحت مجرد قرية صغيرة لا يجدر لدولة إسرائيل أن تأخذها مأخذ الجد." ).
(6)
لا يستطيع المرء أن يهرب من المقارنة بين الصورتين، ما يقال عن الإصلاح في الداخل الذي يفترض أن يستصحب مصالحة بين السلطة والمجتمع، وما يجري على صعيد مصالحة السلطة ذاتها مع الخارج. وعند المقابلة يفاجأ المرء بأن جهود الداخل مسكونة بالاستقواء والتصلب مع الالتفاف حول الإصلاح وتفريغه من مضمونه، بينما مساعي الخارج متسمة بالمرونة المفرطة والانصياع والاسترضاء. ثمة مشهد في إيران الراهنة يجسد تلك المفارقة. فالمحافظون أيدوا الانصياع للإرادة الدولية التي تختفي وراءها الضغوط الأمريكية، وقبلوا بتعليق مشروع تخصيب اليورانيوم، ورحبوا بفتح المفاعلات النووية للتفتيش حتى المفاجئ!. في حين أنهم تصلبوا واستأسدوا على الإصلاحيين ومنعوا قادتهم من الترشيح للانتخابات المقبلة. وفي الواقع العربي عديد من المشاهد المماثلة، التي يكون الاستئساد على الداخل هو القاعدة فيها، بينما استرضاء الخارج يمضي بلا حدود .. واأسفاه!!
السلام عليك يا ابا عبدالله