الحركة الوهابية في شمال القوقاز
(النشأة، والصعود، والمستقبل)

الخميس 25 آذار (مارس) 2010، بقلم رومان سيلانتيِف
ترجمة : نوفل نيُّوف


لم يكن للمجتمع الإسلامي في روسيا مركز واحد، وكان يتألّف من عشرات الشعوب التي اعتنقت الإسلام في أزمنة مختلفة، وبأشكال مختلفة. وكان المسلمون في روسيا يتوزّعون في سبع مناطق، هي: المنطقة الداخلية (حوض نهر الفولغا)، والتافرية، وشمال القوقاز، والمنطقة السنّية وراء القوقاز، والمنطقة الشيعية وراء القوقاز، وآسيا الوسطى، ومنطقة السهوب (الكازاخية). غير أنه لم تبق في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي إلا منطقتان للمسلمين، هما: حوض الفولغا، وشمال القوقاز. وسنتحدّث في هذه المقالة عن خصوصيات منطقة شمال القوقاز .
أشدُّ المناطق تأسلماً: إذا كان المسلمون في شمال القوقاز ينتمون إلى قوميات كثيرة للغاية، ويعتنقون مختلف المذاهب الإسلامية، فإنّ معظم مسلمي حوض الفولغا ينتمون إلى قومية واحدة (الشعب التتري)، ويعتنقون المذهب السنّي الحنفيّ. ويعيش في منطقة شمال القوقاز الآن أكثر من 40% من المسلمين الروس، وما يزيد على 30% من إجمالي عدد تجمّعاتهم. على أنّ المسلمين من أبناء القوقاز تفوّقوا بدرجة ملحوظة على المسلمين داخل روسيا، وباتوا يشكِّلون في عدد كبير من مناطقها الأخرى، أي في مدن الأقاليم الوسطى، والشمالية الغربية، وسيبيريا، والشرق الأقصى، أكبر وأنشط جماعة ترتاد المساجد.
ينتمي مسلمو شمال القوقاز أساساً إلى اثنين من مذاهب الإسلام السنّي، هما المذهب الحنفي (المنتشر في كلّ مكان)، والمذهب الشافعي (الذي يعتنقه أساساً الشيشان والإنغوش وأكثر سكان داغستان). ويعيش في داغستان عدد غير قليل من المسلمين الشيعة الأذربيجان. ومن أهم ما تتصف به حياة المسلمين في شمال القوقاز الآن ميل كثيرين منهم إلى الطرق الصوفية التي كان لها نفوذ واسع في روسيا القيصرية بين الشعوب الإسلامية الموجودة في حوض الفولغا ومنطقة الأورال. على أنّ الطرق الصوفية قويّة على نحو خاص في داغستان التي ينتمي الجزء الأكبر من سكانها إلى أكبر طريقتين صوفيتين، هما النقشبندية والقادرية.
يعدّ شمال القوقاز أكثر مناطق روسيا تأسلماً. وفيه تقع البلدان الخمس التي يشكّل المسلمون أكثرية سكانها في روسيا، وهي: شيشانيا، وإنغوشيتيا، وداغستان، وكاراتشايفو ـ الشركس، وكابَردينو ـ بَلقاريا. والأغلبية الساحقة بين الحجّاج المسلمين الروس هم من داغستان التي يزيد عدد الطلاب في مؤسّساتها التعليمية الإسلامية على عدد أمثالهم في جميع المناطق الأخرى معاً. وفي شيشانيا وإنغوشيتيا وداغستان تؤيد السلطات المحلية عمليات الأسلمة، وتحاول أن ترفع درجة ترفيه حياة المسلمين هناك، حيث سمحت عملياً بتعدّد الزوجات، وأدخلت تدريس الإسلام في المدارس، ومنعت أشكال اللهو التي تتعارض مع دينها. وعاماً بعد عام تزداد مواقع مسلمي القوقاز قوّة، وقريباً ستتخلّى قازان وأوفا (أهم مدينتين تتريتين. ـ م.) عن مكانتهما، كأهمّ عاصمتين إسلاميتين، لمدينتَي غروزني (عاصمة شيشانيا) ومحجّ قلعة (عاصمة داغستان).
لقد تأسّست أوّل دار للفتوى في القوقاز ربيع سنة 1944 لتجمعَ تحت رايتها الشعوب الإسلامية المنتشرة في المنطقة. وكان الجزء الأكبر من مساجد المنطقة في تلك الفترة موجوداً في داغستان، فأصبحت المركزَ الدينيّ في حياة مسلمي شمال القوقاز. وفي هذه الجمهورية تحديداً انطلقت، خلال سنوات البيريسترويكا، حركة انبعاث عاصف للتقاليد الإسلامية ترافقت، لسوء حظّ المسلمين هناك، مع تصاعد حادٍّ لقوّة أكثر الراديكاليين الإسلاميين تشدّداً.
السلفيون يوجِّهون الضربة:
يصعب القول الآن متى ظهر أنصار الوهابية في شمال القوقاز. غير أن البداية لم تكن بنت الأمس، طبعاً. فقد كانت هناك معلومات موثوقة منذ خمسينات القرن الماضي حول وجود خلايا وهّابية في داغستان. وما إن جاءت البيريسترويكا حتى كانت تلك الخلايا الوهابية تمثِّل قوّة ذات وزن، ثم لم تلبث أن أعلنت عن نفسها بصوت عالٍ عام 1989. يومها تمكّن الوهابيون في بلدان آسيا الوسطى وداغستان من القيام بانقلابات في الإدارات الدينية في تلك المناطق وإبعاد المفتيين عن مراكزهم هناك. وسرعان ما أدّى ذلك في شمال القوقاز إلى سقوط دار الفتوى، وانشقاق المسلمين في داغستان وفقاً لانتماءاتهم القومية.
لقد كان تزايد هذا الانشقاق بين المسلمين التقليديين في شمال القوقاز مواتياً جداً لخصومهم الأيديولوجيين. كما أنّ الوهّابيين، الذين كانوا يفضِّلون أن يسمّوا سلفيين، أفادوا من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد، إذ كانت تصلهم من المسلمين في الخارج معونات مالية لا يستهان بها ساعدتهم على تجنيد أنصار جدد بسهولة. على أنّ عملية إرسال الشباب إلى المدارس الدينية في البلدان العربية وتركيا هي التي لعبت الدور الحاسم في تقوية الإسلام غير التقليدي هناك. إذ كان معظم أولئك الشباب يعودون وقد اعتنقوا الإسلام "النقي". ويرتبط التزايد العاصف في عدد الوهابيين خلال أواسط التسعينات بعودة المجموعات الأولى من أولئك الطلاب الذين كانوا يدرسون في الخارج. ومن جهة أخرى، ساعد على انتشارهم نشوب الحرب الشيشانية الأولى التي قدّمت لهم عوناً جباراً في هذا المجال، وشارك فيها مئات من الوهابيين المرتزقة تحت قيادة سيّء الذكر"خطّاب"، ما أدّى في المحصلة إلى انضمام أشدّ القادة الميدانيين إلى صفوفهم، ولا سيّما الأخوة باسايف والأخوة بارايف.
في عام 1998 بلغت مشكلة الوهابية في شمال القوقاز ذروتها. إذ بحلول ذلك التاريخ كان الوهابيون قد استولوا على السلطة عملياً في شيشانيا، ورسّخوا مواقعهم في البلدين المجاورين، داغستان وإنغوشيتيا، بعد أن أسّسوا على أراضي داغستان دولتهم الصغيرة في المنطقة الكادارية المحيطة بقرى كاراماخي، وتشابانماخي وكادار. وظهرت جماعات وهابية كبيرة في كاراتشايفو- الشركس، وكابَردينو ـ بَلقاريا، وإقليم ستافروبل. وراحت الصدامات بين الوهابيين والمسلمين التقليديين تنتهي بسفك الدماء، ثم بيّن الاغتيال العلني لمفتي داغستان، عبدولبَكاروف، بجلاء أنّ التفاهم مع الوهابيين لم يعُد ممكناً.
وقد تصدّر حملة محاربة الوهابية في شمال القوقاز كل من مفتي إنغوشيتيا محمد ألبوغاتشيِّف، ومفتي شيشانيا أحمد قاديروف اللذين تمكنا في أقصر الآجال من توحيد المسلمين التقليديين في منطقتهم، بل ومن إعادة تفعيل دار الفتوى بعد توحيد دُور الفتوى في سبع جمهوريات ضمن روسيا في "مركز التنسيق بين مسلمي شمال القوقاز". ثم أخذت تصدر في مناطق شمال القوقاز قوانين معادية للوهابية. وبعد التصدّي الناجح لهجوم باسايف على داغستان في عام 1999 امتدّ الصراع ضدّ الإسلام "النقيّ" ليشمل جميع الجبهات. ومن جهتهم لم يتعجّل السلفيون الاستسلام دون قتال. وقد تمثّل نجاحهم الأكبر في تعطيلهم الدائم جميع المبادرات الرامية إلى سنّ قانون يمنع الإسلام "النقي"، وهذا ما جعل الصراع الوقائي ضدهم مسألة شديدة الصعوبة. وقد ساعدهم في ذلك عشرات من المأجورين بين الزعماء الروحيين، والعلماء، والصحفيين، والمسؤولين الذين لم يتعبوا من التشدّق بتكرار الشعار الدعائي القائل بأن الوهابية ذات طبيعة سلمية. على أنّ الخدمة الهامة التي قُدِّمت للحركة الوهابية جاءت من زعماء "مجلس مفتيي روسيا" الذين لم يكفّوا عن الاحتجاج ضدّ مضايقات الوهابيين. فالمفتي راويل عين الدين، مثلاً، كان يؤكّد مراراً أن للسلفية طابعاً إيجابياً ويقف ضدّ منعها. وكانت النتيجة، كما صرّح نائب مفتي تترستان وليّ الدين يعقوبوف، أنْ تمّ في روسيا منع أنصار حزب التحرير الإسلامي والتبليغيين وغيرهم ممّن لم يقتلوا أحداً، فيما ظلّت نظرية الوهابية، التي راح ضحيّتها عشرات آلاف الناس، تعَد مسالمة وملتزمة بالقانون تماماً.
إلا أن الهزيمة في الحرب المفتوحة أرغمت الوهابيين على تغيير تكتيكهم، فراحوا يتراجعون تدريجياً عن سياسة إلقاء الرعب في قلوب الناس بالأعمال الإرهابية المثيرة والهجوم على المدن، وفضّلوا توجيه ضربات معينة ضدّ خصومهم الرئيسيين. وهكذا انتقل الإرهاب في شمال القوقاز إلى مرحلة جديدة ليصبح ظاهرة يومية. وبذلك بات الاعتداء على رجال الشرطة وأفراد قوى حفظ النظام الأخرى، وتفجير أنابيب الغاز والسكك الحديدية أقل إثارة للخوف والضجيج السلبي في المجتمع من الاستيلاء على المستشفيات والمدارس. وشرع الإرهابيون بالعمل جاهدين على إقناع الناس بأنهم لا يشكلون خطراً إلا على الموظفين المأجورين ورجال الشرطة والمشائخ المرتدّين عن الإسلام، بل وزعموا أن بسطاء الناس يستطيعون أن يعتمدوا على مساعدتهم النزيهة وحمايتهم. وقد أفاد الوهابيون في دعايتهم هذه من الفساد الكبير المتفشّي في أوساط "مسؤولي الدولة" في داغستان وإنغوشيتيا وعدد من الجمهوريات الأخرى.
ولمّا كانت التنظيمات الإرهابية مبنية بطريقة شبكية فإنّ نقاط ضعفها قليلة إلى أدنى حدّ، وتستطيع تعويض خسائرها بسرعة. وكان المقاتلون قد انتقلوا إلى تدبّر نفقاتهم بأنفسهم، فلم يعودوا بحاجة كبيرة إلى الأموال العربية، وفضّلوا الحصول على المال عبر ابتزاز رجال الأعمال. ثم تغيّرت التوجهات في دعايتهم أيضاً، فراحوا يتنكّرون بمظهر المسلمين التقليديين ويعملون تدريجياً على غسل أدمغة الناس لإحلال أفكارهم فيها. وتأتي فاعلية هذه الدعاية إلى حدّ كبير من كون الجزء الأكبر من وسائل الإعلام الإسلامية الناطقة بالروسية يؤيّد إلى هذا الحدّ أو ذاك أفكار السلفية، وكثيراً ما تمجِّد علناً زعماء التنظيمات الإرهابية السرية، كصاحب الصيت السيّء سعيد بورياتسكي، مثلاً.
وفي صيف 2006 أعلن الأمير العسكري في كابَردينو- بلقاريا، أمير أستيميروف (أمير سيف الله)، في كلمة له موجّهة إلى المسلمين في الجمهورية، نشرها موقع الإرهابيين الشيشان الإلكتروني "قوقاز سنتر"، أنّه يجري تنظيم قوائم بأسماء الخونة بين الأئمة، وسيوجَّه إليهم إنذار، ثم يُعطَون وقتاً للتوبة. وإذا لم يستجيبوا للإنذار فسوف يقتلون".
بعد هذا الإعلان الذي أطلقه "قاضي محكمة الشريعة في إمارة القوقاز" تسارعت كثيراً وتيرة الهجمات على الأئمة التقليديين في شمال القوقاز. فيوم 5/8/2006 قتل الوهابيون إمام الجامع الكبير في مدينة كاراتشايفسك عبد الكريم بيراموكوف في الجامع المذكور، وبعد أسبوع واحد قتلوا مساعده الإمام اسماعيل باتشايف. وكان المتهم الرئيس في عملية القتل واحداً من أنصار الوهابية هو أحمد صالباغاروف الذي سبق أن كان مطلوباً للقضاء الفدرالي بسبب عمليات قتل كثير من رجال قوات حفظ النظام. ويوم 25/8 من العام نفسه قُتِل رمياً بالرصاص في باحة بيته إمام جامع مدينة كيسلوفودسك أبو بكر كورجييف عضو "إدارة المسلمين الدينية" في جمهورية كاراتشايف والشركس وإقليم ستافروبل. وفي أثناء التحقيق بهذه الجرائم تمّت تصفية قتلة الأئمة، بينما حكم على رومان كايوشِف، قاتل أبو بكر كورجييف، بالسجن مدة 20 عاماً. وقد أودت هجمات المقاتلين حتى الآن بحياة أكثر من 60 من زعماء الدين الإسلامي وأفراد عائلاتهم، وأسفرت عن إصابة عشرات بجروح.
هل عادت الحرب مع الإرهاب؟
كان عام 2009 مأساوياً حقاً بالنسبة للمسلمين التقليديين. فبدلاً من 5 عمليات ضد أئمة المساجد في عام 2007 تضاعف هذا الرقم مرتين في عام 2009 (قُتِل خمسة أئمة وجُرِح خمسة آخرون). ثمّ قتل إمام آخر في مطلع هذا العام. وفي عام 2009 أعلن إرهابيون من "القوات المسلحة في ولاية إنغوشيتيا" مسؤوليتهم عن قتل الكاهن دانييل صيسويف الذي كان خامس كاهن أرثوذكسي يقتله الوهابيون. وأكثر الجرائم إثارة التي وقعت ضد المسلمين في عام 2009 تمثلت في عمليتي قتلٍ استعراضية استهدفتا اثنين من كبار الزعماء المسلمين اشتهرا بتشدّدهما ضد الوهابيين، هما: مفتي داغستان أحمد طاهايف الذي أُرديَ قتيلاً برصاصتين في رأسه يوم 25/5/2009، والنائب الأول لمفتي كاراتشايف والشركس، عميد المعهد الإسلامي في مدينة تشركيسْك اسماعيل بُستانوف الذي قتل مع ابنه في سيارته يوم عيد الفطر 20/9/2009. وبذلك خسر مسلمو شمال القوقاز اثنين من أبرز رجال الدين الذين كانوا يتصدّون فعلياً لتوسّع المتطرفين. وما يزال مكان المغدورَين شاغراً، لأن من يشتهون الموت برصاص الإرهابيين يتناقصون باستمرار.
يوم 15/1/2010 صرّح نائب وزير الداخلية في روسيا الفدرالية، أركادي يديلِف، بأن رجال الدين الإسلامي في شمال القوقاز يتعرضون لإنذارات بالقتل متصاعدة. وأكّد: "تزايُدَ عدد التهديدات التي يتلقاها رجال الدين الإسلامي الذين يدعون إلى محاربة التطرف الديني". والحقيقة هي أن كثيرين من الأئمة في المنطقة باتوا الآن أمام خيارين: فإمّا الإخلاص لدينهم وبالتالي تعريض حياتهم لخطر الموت، وإمّا الانخراط في الدعاية للوهابية والمجازفة – كحد أقصى – بدخول السجن مدّة قصيرة عقوبة على إثارة النعرات الطائفية، على غرار ما وقع في حينه لإمام مدينة بيتيغورْسْك عبد الله أنطون ستيبانينكو. وإذ يجد الأئمة أنفسهم على الخط الأمامي في الحرب ضدّ الإرهابيين فإنهم يطالبون بالحماية دائماً. غير أن تخصيص حراسة مسلحة لكل منهم مسألة غير واقعية، سيّما وأن الحراسة لا تضمن لهم الأمن ما دامت دوريات وزارة الداخلية نفسها تتعرض لهجمات المقاتلين، وهيهات أن يكون كل ما يُتَّخذ من إجراءات قادراً على وقف الإرهاب المتواصل ضد رجال الدين.
ينبغي الإقرار بأن الحرب ضد المتطرّفين الذين يتستّرون بالإسلام في شمال القوقاز ما تزال خاسرة حتى الآن. فمكافحة أصحاب الأفكار الراديكالية ليست بالصرامة المطلوبة، وما تزال المبادرة في هذه الحرب بأيدي المقاتلين الذين يوجِّهون ضرباتهم إلى قوات حفظ النظام، والموظفين، ورجال الدين الإسلامي بشكل يومي تقريباً. بل وحتى إجراءات قاديروف (الأب وابنه) الفعالة التي قضت على آلاف الوهابيين لم تستطع أن تُلحِق بهم هزيمة قاصمة. ذلك أن المقاتلين الذين تم إخراجُهم من شيشانيا قد تمركزوا في المناطق المجاورة، واستجمعوا قواهم للقيام بهجمات مضادّة على الأراضي الشيشانية. ومن الجليّ أن الحملة المعادية للوهابية يجب أن تكون على مستوى روسيا كلها، وأن تتصف بأقصى درجات الحزم. ولا بدّ للسلطات من إظهار إرادة قوية لمنع الإيديولوجيا الوهابية بوصفها إرهابية، سيّما وأن في الإمكان فعلياً إعطاءها تعريفاً دقيقاً.
لا يجوز الاعتقاد بأن احتدام الوضع في شمال القوقاز لا يهدّد، في أسوأ الحالات، بأكثر من خسارة روسيا هذه المنطقة. فهذا سيناريو متفائل للغاية. إذ ليس عبثاً أن يسمّي الوهابيون أنفسهم أتباع دين عالمي، ذلك أنهم يطمحون حقاً إلى السيطرة على العالم كله، وليس على القوقاز فقط. وهذا ما يجعلهم يصعِّدون حضورهم في روسيا كلها، بحيث يمكن أن نتوقّع فعلياً أن يبدؤوا قريباً بقتل الأئمة في موسكو وقازان وأوفا.
حقاً، إن محاربة التطرف الديني مسألة شديدة التعقيد، غير أنه ما من خيار آخر: فإمّا القضاء على الوهابيين كلّياً، وإمّا أن يقضوا هم على خصومهم، إن عاجلاً أو آجلاً. وينبغي الالتفات في هذا الخصوص إلى تجربة الدول الإسلامية التي تدرك جيداً مدى خطر التنظيمات السرية الإسلامية، فتبذل قُصارى جهدها من أجل شلّ نشاطهم غير عابئة بوجهة نظر وزارة الخارجية الأمريكية إلا قليلاً.
هوامش

المقال الأصلي باللغة الروسية، وعنوانه الكامل: "المشروع الوهّابي لشمال القوقاز. التطرف في جنوب روسيا تلقّى العام الماضي زخماً جديداً". وهو منشور في "ملحق الأديان" الذي تصدره جريدة "نيزافيسيمايا" (أي المستقلة) اليومية، بتاريخ 20/01/ 2010 .
كاتب المقال هو رومان أناتوليفِتْش سيلانْتيِف، الأستاذ المساعد في جامعة موسكو الحكومية للألسنية.