الخطاب ألإعلامي وأثره على إختيار الناخب العراقي

بقلم / أحمد سعيد / أُستراليا
ألإعلام في اللغة هو ألإخبار، وأُعلِمَ بالشيء أي أُبلغَ عنه وأُخبر به ومنه التعليم أي تبليغ المعلومات .
وألإعلام إصطلاحاً هو ألإخبار بالأحداث وإنتقاء المعلومات والتدقيق في صحتها ونشرها بناءً على وجهة نظر معينة في الحياة وبحسب كيفية المرسل أو المُخبِر بالمعلومة وبالشكل المراد به إيصال تلك المعلومة للمتلقي .
وألإعلام هو نوع من أنواع ألاتصال بألاخر لإيصال فكرة معينة للمتلقي والسعي لبرهنة صحة هذه الفكرة أو المعلومة ، وتتعدد وسائل نشرالمعلومات بحسب الكيفية وألامكانية المتاحة لمصدرها .
وبالتأكيد فأن التطور المذهل والسريع في مجال التكنولوجيا والتقنيات المعرفية الكبيرة والمتنوعة ساعد وبشكل كبير جداً في تنوع وتعدد وسائل الخطاب ألإعلامي في عصرنا الحاضر .
سخرت ألإنتخابات العراقية هذه الامكانيات بشكل كبير جداً وبمختلف الوسائل وألاشكال وبأمكانيات مادية هائلة جداً بدءاً باللفتات التي تحمل صور المرشحين وأنتهاءً بالرسائل الهاتفية لتوجيه الخطاب الاعلامي لعقلية المواطن العراقي وعلى مختلف مستوياته الفكرية والعلمية لتحاول كل جهه سياسية أو حزب إستقطاب الناخب وكسب صوته لصالحها وهو بالتالي ما يلبي مطامح تلك الكتلة او ذلك الحزب ، ومما لاشك فيه فأن هذا الخطاب يختلف في بياناته وطروحاته ومنهجه بحسب طبيعة وأيدلوجية الحزب أو الكتلة السياسية التي تروج لنفسها وبالتالي ما يتناغم ومتطلبات الناخب ويدغدغ مشاعره ويحاكي أفكاره بقصد ضمان تأييده وألاستحواذ على صوته ، حتى لو تخطت بعض الوعود الى مستوى اللامعقول والخيالية في الطرح إذا لم تتعارض ونوايا مصدرهذا الخطاب ، وعليه فقد لُوحظ وجود ثلاث إتجاهات متنازعة في الساحة ألاعلامية العراقية بهدف ألتأثيرعلى إختيار الناخب العراقي وتحديد مسارهذا ألاختيار وهي كألاتي

1- ألإئتلاف الوطني العراقي بكل مكوناته السياسية والتي يعتبر أبرزها المجلس الاعلى ألاسلامي الذي يتزعمه عمار الحكيم والتيار الصدري الذي يقوده مقتدى الصدر وتيار ألإصلاح الوطني برئاسة إبراهيم الجعفري . وما يجمع بين الثلاثة البارزين في هذا ألإئتلاف هو كونهم من الشيعة ، وعليه فأنهم أرادوا من خلال خطابهم ألإعلامي لفت نظر الناخب الشيعي بشكل خاص الى أخطاء الحكومة ومناطق الضعف في أداءها وإن كانوا هم أنفسهم جزءً من عمل تلك الحكومة إلا انهم صوروا في خطابهم ألإعلامي أنفسهم كأنهم ضحايا لها والمتربصين لإخطاءها التي تمس مصالح الناخب ، وإن الحكومة كان همها الوحيد ألاستحواذ على السلطة وبالتالي على المال العام ، وأن عملها لم يكن بمستوى المسؤولية وأداءها كان فاشلاً في مجال الخدمات والامن وإلاعمار ، وإن هناك ملايين من البطاقات ألانتخابية التي طبعت دون الحاجة وبمبالغ طائلة لغرض ألاحتيال على الناخب وأوجدت تعبير الرفض لعودة فكرة الحزب الواحد أو القائد الواحد بتلميح مباشر لحزب الدعوة ورئيس الوزراء السيد نوري المالكي ، وغيرها من وسائل ترويج الخطاب ألاعلامي ألاخرى ، وسخرت فضائيتها ليلاً ونهاراً لآظهار صورتها وكأنها المنقذ وألامل الوحيد للشعب العراقي وللفرد الشيعي خاصة ، وللخروج من مأزق طائفيتها المفضوحة مزجت في إئتلافها بعض المرشحي من العرب السنة الذين لهم سلطة ونفوذ عشائري أو مادي على الناخب السني .
ونحن نرى إن أدءها لم يكن ناجحاً بالشكل الذي يمكن أن يترك بصماته على أختيار الفرد العراقي ، لان ألإئتلاف الوطني يتحمل الجزء ألاكبر من أعباء المسؤولية السياسية وتقع على عاتقه العديد من حالات التقصير وأللامبالاة في تدني مستوى ألاداء السياسي في حكومة السيد نوري المالكي لكونها جزء من تلك الحكومة ولا يمكنها أن تتنصل عن المسؤولية في ذلك ، وتلك الحقيقة كانت ملموسة لدى المواطن في الشارع العراقي وبالتالي فأن نتائج ألانتخابات الاولية قد عكست هذا ألاستنتاج بشكل واضح بحيث لم يتمكن هذا ألإئتلاف من تحقق مكاسب كبيرة بالمقارنة مع عدد الكتل والاحزاب المنطوية تحت لواءه .
2- القائمة العراقية التي يتزعمها أياد علاوي ، وقد أخذ خطابها ألإعلامي شكلين وُجّهَ ألاول نحو الدول العربية وخاصة دول الجوار والولايات المتحدة وحاولَ هذا الخطاب ترسيخ فكرة خبيثة حول شخص رئيس الوزراء الحالي السيد نوري المالكي أو أيٍ بديل أخر له من حزب الدعوة في الحكومة القادمة وهذا مايعني أنه سيكون شيعياً بأنه أداة المشروع التوسعي ألايراني في المنطقة وأن هذا القادم سيكون له دورٌ بارز في إقامة ما يسمى بالهلال الشيعي الذي يربط كل من إيران والعراق وجنوب لبنان ، وهو المشروع الذي بنى الخطاب ألاعلامي لتلك القائمة ومنذ سقوط نظام البعث في عام 2003 تصوراته وطورها ومهد لزرع بذوره في عقول ساسة ومواطني دول الجوار والعرب وبالتالي فأن هذا المشروع يشكل تهديداً مباشر لحكّام السعودية لكون سكان أكثر مناطقهم غنى بالنفط هم من الشيعة في مناطق الحسا والقطيف ناهيك عن مخاف مصر الفاطمية والمراكز ألاسلامية التي تتبنى المذاهب الاخرى ، وهو بالتالي تهديد للمصالح ألامريكية في ألشرق ألاوسط المرتبطة بشكل مباشر ورئيسي بالمصالح ألاسرائيلية ، وقد نجح هذا الخطاب في كسب الدعم والتأييد العربي بعد مباركة الولايات المتحدة ألامريكية ودعمها المباشرله نتيجةً لتقديم الوعود والتنازلات سلفاً وعلى حساب مصلحة العراق لتلك الدول وكانت السعودية ومصر أول المهللين لهذه القائمة والمباركين لتوجهاتها ، أما الشكل ألاخر لهذا الخطاب فقد صب جهده على داخل العراق وتمكن علاوي من تصوير نفسه ممثلاً شرعياً لكل العرب السنة وكأنه المنقذ لهم من الحكومة الشيعية التي إجتثت كل من المطلك والعاني اللذان يعتبرا ألان رموزاً للبطولة والتضحية كما صورهما الخطاب ألاعلامي للقائمة التي أفلحت وبنجاح غير متوقع في كسب الصوت السني بعد أن برعوا في العزف على وتر الطائفية وصوروا قضية منع مرشحيهم وكأنها عملية إستئصال لحق الناخب السني العراقي للحد من سلطته داخل البرلمان العراقي ، وخاصة بعد تصريحات الرئيس ألايراني محمود أحمدي نجاد بخصوص موقف إيران من حزب البعث ومعارضتها لعودته والتي أسهمت فيه تلك التصريحات وبنوايا إيرانية مشكوك فيها في تأليب العرب السنة ضد الحكومة المنظور لها من قبلهم وبفعل تأثير ذلك ألاعلام وكأنها الغاصبة لحقوقهم السياسية والدستورية في البلد ، وقد قطف علاوي ثمرة هذه النتائج بدهاء وخبث بعد أن حصد أصواتهم لمصلحته وأفرغ المحتوى الحقيقي للإنتخابات في المناطق الغربية من العراق من خلال خطاب قائمته ألإعلامي وتحويلها الى عملية صراع حول احقية الولاء للعراق أو لايران وتمكن من ترسيخ صورة العمالة الشيعية في ذهن الناخب العراقي السني وبعض المتطلعين للعلمانية من الشيعة والمناداة بالحذرمن التوجه ألاسلامي في حكم العراق من قبل ألاحزاب ألدينية والتي يمثلها حزب الدعوة ألاسلامية برئاسة ألامين العام للحزب السيد نوري المالكي ، وقد أعتمد علاوي على تأريخيه المليء بألانحرافات السياسية وماضيه البعثي في كسب الدعم وإستقطاب هوى الناخب العراقي .
3- قائمة دولة القانون التي يترأسها السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الحالي ، والتي أتسم خطابها بنوع من الصدق وإلاعتدال في الطرح ، فضلا عن مزج مرشيحها بأسماء من كلا الطرفين السني والشيعي وحاولت أن تحدد مسار عملها القادم بعيداً عن المحاصصة التي أسندت أليها كل أسباب القصور في الاداء الحكومي ، ولم يغفل خطاب قائمة دولة القانون عن التلويح وبشدة لمنجزات الحكومة وخاصة في المجال ألامني ومباشرة بناء الدولة العراقية الجديدة خلال ظروف غير طبيعية وفي وقت تكالبت فيه كل القوى وألاطراف المعادية لبناء العراق الجديد ، وبصراحة كان خطابها ألاعلامي كعمل جماعي ضعيف جداً أذا ماقورن بألاتجاهين ألاخرين وذلك بسبب ضعف إمكانية إعلام القائمة من عدة جوانب مهنية وسياسية وحتى قنواتها الفضائية التي تبنت حملتها وهي (المسار) و( آفاق ) لم تكن بالمستوى المطلوب ، لولا ألالتفاتة الذكية التي بادر بها السيد رئيس الوزراء وبتوقيت محسوب من على شاشة قناة السومرية والتي كشف فيها الكثير من الملابسات وألاشكالات التي واكبت العملية السياسية في عهده ، ومقدار العراقيل والمؤامرات التي كانت تضعها الفئات والكتل السياسية المحسوبة على ألاتجاهين السابقين ، في سبيل التمهيد لخطابها ألإعلامي ضد الحكومة وخاصة شخص رئيس الوزراء ، تاركين أنطباعاً مشوشاً في عقل الناخب العراقي حول مصداقية ونزاهة أداء حكومته ، ولكن وكما أسلفت كان لإيضاحات رئيس الوزراء دورها الكبير في تغيير الكثير من التصورات في ذهن المواطن وأعادة حساباته التي كانت عرضة لعملية إلتفاف إعلامي قوي من ألاتجاهين السابقين . وكان من المفترض أن يكون الخطاب ألإعلامي أكثر وضوحاً في محاكاته الناخب وخاصة في عملية كشف الصفقات السياسية الخارجية التي أبرمتها كتل الخصوم من أجل منع ترشيح السيد المالكي لرئاسة وزراء ثانية ، لما يترتب على هذا الترشيح من إضرار بمصالح تلك ألاحزاب والكتل وكذلك مصالح الدول الممولة لهم والداعمة لإعلامهم .
وبناء عليه فأن واقع الحال يُحتم على حكومة المالكي الفائزة في ألانتخابات البرلمانية رغم ما واكب عمليات العد والفرز من حالات تزوير كبيرة جداً تضع البلد على حافة الهاوية ، أن تتبنى خطاباً إعلامي يأخذ بعين الاعتبار ألاتي
أ- أن يكون الخطاب ألاعلامي رصيناً ومتماسكاً لا سيما وإنه يمثل وجهة نظر الحكومة .
ب - أن يتبنى توجيه هذا ألخطاب أساتذه ومسؤولون أعلاميون يتسمون بالحرفية وألابداع والصدق في توجيه هذا الخطاب .
ج- ألابتعاد عن المثالية المتزايدة في توجيه الخطاب ألإعلامي ومراعاة واقع الحال وكشف عراقيل ألاداء الحكومي بعيداً عن المجاملات السياسية التي دفع ثمنها المواطن العراقي وخاصةً فيما يتعلق بموضوع تزوير نتائج تلك ألإنتخابات وكشف كل ملابساتها والدول التي ساهمت في العبث بأرادة الناخب وزورت إختياره الذي دفع ثمناً له دماءً سالت تحت وقع القذائف في العديد من مناطق بغداد وباقي المحافظات .
د- تحديد ميزانية عمل تليق بتوجيه الخطاب ألاعلامي بأعتباره خطاب الحكومة وأظهار أكبر ألامكانيات ألاعلامية لعكس التجربة الناجحة في البلد من خلال ألاعلام الناجح .
Ahmedsaeed1991@yahoo.com