العراق الجريح بات المؤشر في لعبة المنطقة
مساومات دوليّة وإقليميّة... ومشهد الانقسام الّذي يُحاكي اللّعبة اللّبنانيّة

قيل عن لبنان فيما سبق إنّه "بارومتر" المنطقة... الّذي يرصد عناصر الضّغط السياسيّ فيها، صعوداً وهبوطاً، ويسجّل أرقام هذا الضّغط ريثما تصل المسألة إلى نهاياتها "التّعيسة" في الحروب المتصاعدة هنا وهناك، أو "السّعيدة" في بعضٍ من الاستقرار السياسيّ الّذي تُمنّن الدّول الكبرى أهل المنطقة به بين مرحلةٍ وأخرى...
ويُقال ـ في هذه الأيّام ـ إنّ "بلاد الرّافدين" باتت هي المؤشّر لسير الأحداث وتطوّرها على مستوى المنطقة كلّها، وخصوصاً في أعقاب الانتخابات النيابيّة التي تمّت "بنجاح" في آذار الفائت، والّتي رُسمت ـ على أساسها ـ الأحجام الدّاخليّة للجهات والأحزاب والمكوّنات السياسيّة العراقيّة، فبانت الصّورة "الخارجيّة" بشكلٍ أوضح، وخصوصاً في مدى تأثير هذه الجهة الدّوليّة أو تلك الجهة الإقليميّة في الواقع العراقيّ الدّاخليّ، من خلال تأثيرها في هذا المكوّن الّذي أفرزته الانتخابات واحداً من بين مجموعة المكوّنات السياسيّة العراقيّة القديمة المتجدّدة، أو الباقية على حضورها وثوابتها ووجودها. فالانتخابات العراقيَّة أعطت الانطباع أنّ الانقسامات الحاصلة ليست بالضّرورة مذهبيّةً، ولكنّ القوائم الانتخابيّة بدت خلال هذه الانتخابات، كمصدرٍ من مصادر الانقسام، حيث أعطت الفرص لبعض المجموعات، للخروج من دائرة القائمة الأمّ، إلى دوائر أخرى، لتبدو الأرض السياسيّة العراقيّة مهيّأةً لتحالفاتٍ جديدة، ربّما تنقلب فيها الصّورة عن تلك الّتي أفرزتها الانتخابات في صيغتها الأولى المباشرة.
كما أنّ "التشتّت" الذي أصاب "المجموعات" الانتخابيّة الرّئيسة، انعكس على "الجهود" الجارية داخل الحدود وخارجها لتأليف الحكومة العتيدة، حيث "ذهبت السّكرة وجاءت الفكرة"... لينظر العراقيّون من حولهم، فيكتشفوا ما سبق للّبنانيّين اكتشافه، من أنّ الإمعان في المحاصصة يعني المزيد من التدخّلات الخارجيّة، ومن أنّ الذّهاب إلى هذه العاصمة وتلك لـ "ترسيم" الحدود السياسيّة الدّاخليّة في العراق، سيعني أنّ الحلقة الأضعف في هذه "المبارزة" غير النّاجحة هو العراق نفسه... حيث يذهب سياسيّوه وقادته إلى الآخرين ليسألوهم: ماذا تريدون، بدلاً من أن يسألوا أنفسهم: ماذا نريد؟!
ووسط هذه المعمعة، يخرج وحش التّفجيرات الذي لا يأخذ إجازةً، كما جرت العادة، بل يدخل إلى قلب المنطقة الخضراء في بغداد، فيجعلها سوداء أو حمراء... راسماً لنفسه المشهد الّذي يريد... وملوّحاً بالجثّة الأمنيّة على ضفاف الجثّة السياسيّة.
عراق الشّهيد السّعيد السيّد محمد باقر الصّدر، الذي تمرّ ذكراه مسرعةً في هذه الأيّام... هو المؤشّر فعلاً... فهو العراق الجريح الّذي لم يخرج من قبضة الاحتلال الذي لا يزال يراهن على الحاجة إليه في غياب التوافق الداخليّ، وضياع مؤشّر قيام حكومة الوحدة الوطنيّة ـ إلى الآن ـ وهو عراق الخطوط المتباعدة في الضّغوط الهائلة، النّازلة على العراقيّين من المواقع الإقليميّة والدوليّة المتباعدة أو المتقاربة، أو السّاعية لإبرام الصّفقات على حساب اللّحم الحيّ للعراقيّين الذين كانوا ضحيّة الطّاغية، وأريد لهم أن يكونوا كبش الفداء لحساب أمريكا ومصالحها ومصالح غيرها ومن يسير في فلكها في المنطقة.
العراق هو المؤشّر في تفجيرات بغداد الّتي ربّما "حاكت" تفجيرات موسكو وبيشاور وداغستان... وهو المؤشّر في رحلة البحث عن حكومةٍ لا تأتي إلا بعد جولات استطلاعٍ متواصلةٍ من تركيا، إلى سوريا، إلى السّعوديّة، إلى إيران، وإلى لبنان...
لبنان الّذي يبعث بخالص تحيّاته وودّه إلى الشّقيق المتخم بمشاكله، "المترع" بآلامه... الدّاعي له بالخلاص، وعدم الذّهاب نحو خمسة أِشهر إضافيّة لقيام الحكومة... "حكومة الوحدة الوطنيّة"، ورجاء لبنان الدّائم ألا يدخل هو في دائرة المساومة مع العراق... فتعود المأساة من حيث عادت لعبة المساومة الإقليميّة والدوليّة، ويكون الجواب لمن يسأل عن سير الأوضاع في المنطقة:
كأنّنا والماءُ من حولنا *** قومٌ جلوسٌ حولهم ماءُ
التاريخ:24 ربيع الثاني 1431 هـ الموافق: 09/04/2010 م
http://arabic.bayynat.org.lb/nachrat...etahia_365.htm