رمضــأن غريب ..!
-رمضــان غريب ..!
-
في رمضان ، كلما سمعت أحداً في بيتنا يحسب الأيام الباقية عليه أحزن وينتابني شعور بضياع الفرص المتاحة لي ولقلة من الناس في عدة مجالات ..تعودت أن استغل كل ثانية من أيام رمضان في تنمية قدراتي حيث المقاعد الخالية و تحول شهر رمضان لشهر النوم لا صوم....أتمتع خلاله بجمال الطبيعة التي يهجرها البشر حتى الساعة الثامنة من كل مساء.... أتفرغ لشحن حملات التبرع واستغلال الضمير الذي ينحاز لفعل الخير إكراما لهذا الضيف العزيز ..
وبأنانية الإنسان المعهودة وإرضاء لذاتي المتغطرسة كنت أوجه جميع التبرعات لفقراء عالمنا متجاهلة من هم أحوج منهم في عالم تصادق مع الجوع والمرض والموت..!
وفي هذا العام دعتني صديقتي (حياة ) لقضاء أسبوع معها بالخارج لنختلس أيام رمضانية من عيون تتلصص على موائدنا..كانت الدعوة أكثر من مغرية لإرضاء بعض من فضولي.. فلبيت الدعوة بلا تردد .
كان رمضان مختلفا عن شقيقة الأكبر…فقد توجب على الصائم أن يحسن لحيته وعلى الصائمة أن لا تبالغ في طول ثوبها..كفاً للبلاء .. حتى صديقتي (حياة ) خلعت حجابها لضرورة ملحة…لكن يبقى لرمضان طقوسه الجميلة ولو تحت الحصار ..وكالعادة تمر الليالي الجميلة بنا على عجل ..انتهى الاسبوع مسرعا....ودعت صديقتي .. واتجهت إلى المطار ..
على الميزان كانت تقف حسناء جميلة جدا وطويلة جدا جدا .ابتسمت لي بهدوء وهي تتصفح جواز سفري..وقالت بالإنجليزية : اووو ..أنت من دبي…
قلت : نعم..
قالت : كنت في دبي العام الماضي..أنها دولة جميلة جدا ونظيفة..
قلت فرحة : شكرا ..وهمست بسري (دولة )! ..لكن الحمد الله ..هناك من يرى في بلادنا جمالا ونظافة..
سلمتني الجواز وتوجهت لنقطة الختم..كانت الأمور تسير على ما يرام..حتى آخر بوابة..هناك سارت أمور الآخرين وتوقف أمري …!
كانت فتاة فاتحة اللون على يساري ..ورجل غامق جدا جدا على يميني ..وكان خط السير يسير على عجل حتى رآني ذلك الغامق …! كان عملاقا مخيفا سخيفا ..في رأسه أذنان صغيرتان خيل إلي إنها آذان شيطان .. كان رأسه ضخما لدرجة مرعبة .. وكان عريض المنكبين .له عيناه جاحظتان وفم كنجمة داوود بعد أن حولها الصهاينة لمخروط ناري ...لفني بنظره تمحورت في بؤبؤ عيني .ثم .نظرت لي الحسناء الفاتحة نظرة لا تقل وطأتها عن نظرة الغامق علي .. ثواني مرت كأشواك معذبة في الرأس ..لا أنكر تلك الرعشة التي عصفت بي..غيبتني ثواني عن التوازن..لكني قاومت النظرات وشن حرب الأعصاب التي يتفق عليها رجال الأمن .. ..شحت بنظري عنهما لأفسد عليهما خطتهما اللئيمة ..ومددت للغامق جواز سفري..تحرك من مكانه وتعمد مواجهتي بنظرة أف 16 ….تصفح الجواز ثم حوله للحسناء الفاتحة … والتي بدورها طلبت مني الانتظار خلف خط السير السالك للمسافرين ..
كانت نظراتهم تجردني من الاستقامة..وتنعتني بلون شعري الداكن..ضغطت بيدي على الزجاج ..وضغطت ..وفجأة قبل أن أستوعب ما يحصل برز لي رجل بثياب مدنية أخذ الجواز من الفاتحة وقال لي: هيا اتبعيني
توارد صوته لأذني كالرصاص ..علت ضوضاء العيون ترقبني مستنكرة وجودي بهذا العالم ....سرت خلف الرجل في نفق أبيض الجدار مضيء بصورة ما ..حسبتني في ضوء عنبر العناية المركزة ..وبعد خطوات لا أعرف عددها وجدتني أقف أمام غرفة زجاجية عرض 120سم..بطول لا يتجاوز المترين ..فتح الرجل الباب وقال: انتظري هنا ..
أخذت أجر قدماي بشيء من الذعر..تهيأ لي أن الباب لا يفتح إلا من الخارج .....لحظات مرت بي ستبقى عالقة بالذاكرة ولن تنطمس معالمها تحت فيوض النسيان ، أنها ذاكرة الفشل حتى بفعل اقل ما يمكن فعله …!
شعرت المكان يلتصق بجسدي.. يحطم رأسي..أصابني هيجان عصبي اخرس أول ما أطبق الرجل الباب خلفه..
لم أحس بأي رغبة في بكاء أو نشيج.. خفت جدا وارتعبت ..ولكني واثقة من أنني لم أخطئ ..ولم أخرج عن المألوف .المسموح لنا فعله..
ضغطت وجهي على الباب ..نظرت إلى الخارج..رأيت عيون ترقبني مستنكرة وقوفي خلف الزجاج في مكان خصص للمشبوهين ..لم أستطيع أن أميز شيء.. كل ما كنت أراه أمامي مجرد أشباح مرئيات وهياكل تتحرك بأمان .. فجأة..علت ضوضاء الأوراق خلفي..
أدرت رأسي بفزع..كان يقف خلف النافذة موظف يبدو من ملامحه أنه من أصل عربي..قلت له بعصبية : لماذا أنا هنا….من حقي أن أعلم سبب عرقلة مغادرتي ..
قال: لا تخافي..ملفك نظيف والحمد الله ..
قلت : أنت عربي
قال بأسى : كنت عربي..تذكر ولا تعاد..شعرت بشيء من الاشمئزاز منه..مع بعض الأمان.
.قلت له : ما هي مشكلتي يا سيد...
قال : اسمعي ..سوف تغادري....ملفك نظيفا ..ولكن أنصحك التظاهر بعدم معرفة لغة أجنبية..
قلت : لماذا ..
قال : هذا أفضل لك..و سيختصر عليك الوقت..
شعرت بشوق غريب للالتصاق بالأرض الخشنة..بحاجة ملحة لظل النخيل والزيتون….ثم انطقي كل شيء في ناظري ..وعندما استيقظت كان رجل الأمن يشير لي كي أتبعه..
شعرت بالاختناق …وكأني ودعت حلمي خلف الباب الزجاجي..راودتني أفكار وأفكار..تمنيت لو أن زنار من البارود لف خصري..لتكون لي نهاية مشرفة كالنساء البواسل….
فجأة ظهرت حسناء رشيقة وليست رشيقة..رقيقة ..وليست رقيقة..فتحت باب لم الحظه..عجزت أن أبادلها بكلمة ومن ثم قالت هي بهدوء بارد : المعذرة على ما سببناه لك من إزعاج ..جوازك مع السيد/ سوبيز وهو في انتظارك أتمنى رحلة موفقة ..….ثم تلاشت أمامي ناظري ..لم ألحظ ذهابها ولم أحس بحفيف حذائها الرسمي على الأرض الناعمة..كنت ذاهلة.. .
ودخلت …
وجدتني أمام السيد/ سوبيز ..وما أن رأيته حتى انتابتني نوبة من الضحك….كان يشبه كوجاك
قال مستغربا : هل معك نقود.
قلت : معي ..
قال : حولت مبلغ غير مسموح بتحويله ..خاصة في هذا الشهر....
قلت : تقصد رمضان..
قال متجاهلا : نأسف لوضع اسمك في القائمة السوداء
قلت : لكنها نقودي ..أحولها إلى حيث أريد وقتما أريد..فما الغرابة يا سيد..
قال وهو يرد لي جواز السفر : عودي لبلادك ..وتذكري دخولك إلى بلادنا ممنوع بعد هذه اللحظة. .!
-
دعوة الى الخصوم قبل الأصدقاء لزيارة موقعنا في الرابط أدناه والذي يكفل للجميع حرية التعبير بعيدا عن التشهير والتجريح .
http://www.syriaforever.net
مع حبي واحترامي للجميع
إن الصحراء تتسع وتمتد ..فويل لمن يطمح الى الاستيلاء على الصحراء .