هل حجزت؟

[align=center]سياحة الفضاء الخارجي منخفضة التكلفة بعد عامين![/align]

اتصل بوكيل السفريات: إطلاق نموذج أوَّلي من فندق فضائي يمكن ان يكون الخطوة الاولى لسياحة فضائية شعبية.

ميدل ايست اونلاين
بقلم: رجب سعد السيد

ثمة من يرى العالم الآن مثل مبنى شائه الملامح، متعدد الطوابق، مليئا بالممرات والسراديب، كأنه ذلك الذي أقامه "فرانز كافكا" في إحدى رواياته؛ يسكنه أناسٌ تتفاوت اهتماماتهم؛ فبعضهم يكتفي بالجلوس على الأرض عند المدخل، يستند ظهره إلى الجدار، ولا يفعل شيئا غير تناقل حصوات في مربعات وهمية، ثم لا يلبث أن ينال منه الملل، أو التعب، فينصرف عما كان يجهد نفسه به، ليطويه النعاس!. ثم تدلف، وتجوس في الطابق الأرضي، والطوابق القليلة التي تليه، فتجد الوجوه ذاتها، وقد تكون اكتسبت قدرا من الحماس والحركة، في سعيها للبحث عن طعام؛ فإن وجدته، سكنت، فقد كان ذلك غاية المراد. ثم لا تلبث أشكال أخرى للحياة تتبدَّى كلما صعدت للطوابق الأعلى، حيث تتضح ملامح عمارة للمبنى، وحيث الأضواء مبهرة؛ وهناك، ستجد من تختلف اهتماماته تماما عن ذلك الكاسد عند مدخل المبنى، والذي لن يتعدى نطاق حركته، على مدى سنوات حياته، كيلومترات قليلة .. ستجد في الأعلى من يفكر، ويستعد، للارتحال في سياحة تخترق به حدود جاذبية الأرض، إلى الفضاء الخارجي، بمركبات فضائية تتسابق الشركات الآن في تصنيعها وإمدادها بمختلف وسائل الأمان والراحة.

لقد شغلتنا همومنا عن متابعة ما يجري من حولنا .. مجرَّد المتابعة. والمؤسف في ذلك لا يتمثل في أن الهوة بيننا وسكان الطوابق الأعلى تتزايد، فالموضوعية تفرض علينا الاعتراف بأن ثمة عدَّائين قد خذلتهم عضلاتهم، وهم يتهيَّأون للتنحى من مسار السباق؛ ولكن المؤسف – حقاً – أننا لم نعد، حتى، نتابع قطار العَّدائين المنطلقين، ولا ومناوراتهم وأساليبهم في تجاوز المنافسين.

أثارت هذه الشجون أخبارٌ تفيد بأن الشهور المتبقية من هذا العام ستشهد سباقا كبيرا بين عدد من الشركات الكبرى العاملة في مجال مركبات ومعدات الفضاء، لإحراز مزيد من التقدم في مجال رحلات الفضاء منخفضة التكلفة.

كان مكوك الفضاء قد عاد إلى رحلاته في منتصف هذا العام ليقوم روَّاده بمهام جديدة، تستهدف تذليل العقبات وتسهيل رحلات الفضاء؛ لكن الحدث المهم الذي شهده النصف الأول من الشهر الحالي – يوليو 2006 – هو إطلاق نموذج أوَّلي من "فندق فضائي". وقد تزامن هذا الحدث مع تزايد واضح في نشاط إطلاق أنواع من الصواريخ التي ينتجها القطاع الخاص، وتتميز بالتصميمات المبتكرة، وصغر الحجم، وبتعدد مرات إطلاقها. ويتوقع المراقبون أن يصبح العام 2006 علامة مهمة في تاريخ اشتغال رأس المال الخاص في صناعة الصواريخ. والفندق الفضائي عبارة عن محطة فضائية خاصة مستحدثة التصميم، ويتكون من وحدة بنائية أساسية مزودة بما يشبه المرسى، لاستقبال وحدات فندقية مشابهة، تضاف إلى الوحدة الأساسية لاستيعاب أفواج سائحي الفضاء. والوحدة الفندقية ذات جدران قابلة للاتساع، إذ يكون حجمها مختزلاً عند إطلاقها من الأرض، وما إن تتخذ مكانها في موقع الفندق حتى تنتفخ جدرانها، فتتسع الوحدة أو الجناح الفندقي ليصل حجمه إلى 330 مترا مكعَّبا، ليستوعب ستة أفراد يمكنهم أن يعيشوا به أياماً في راحة تامة. ويتوقع مالك شركة الفندق الفضائي أن يعمل فندقه في صورته النهائية، وبكامل طاقته الاستيعابية بحلول عام 2012؛ وأعلن المالك أن شركته ستبيع هذه الوحدات الفندقية الفضائية للشركات السياحية المنافسة، في مقابل 100 مليون دولار للوحدة!.

كانت بداية نشاط القطاع الخاص في مجال إطلاق مركبات فضائية في 21 يونيه 2004، عندما أطلقت مركبة الفضاء "سفينة الفضاء 1" من مركز في صحراء الموجاف الأميركية، وكانت أول مركبة تنطلق برواد فضاء يبنيها القطاع الخاص. وكان ذلك يعنى نهاية عصر كانت الحكومة الأميركية تحتكر فيه هذه الأعمال والمشروعات الضخمة، ومجيء شركات خاصة تتطلع لاستثمار الفضاء سياحياً، بإطلاق مركبات تقوم برحلات مدارية، وفنادق فضائية تستقر في مدارات ثابتة وتستقبل المسافرين إليها الراغبين في قضاء بعض الوقت في الفضاء الخارجي. ولكن السؤال الذي يردده المراقبون ويبحثه الاقتصاديون، هو : هل سيكون الطلب على مثل هذا النشاط السياحي الاستثنائي كافياً لاستمرار هذه الرحلات السياحية الفضائية؟. ويصل التفاؤل لدي إحدى الشركات التي تعتزم العمل في مجال سياحة الفضاء الخارجي إلى حد إعلانها عن دراسات أجرتها تتوقع أن عدد سيَّاح الفضاء لن يقل عن 20 ألف سائح، سنوياً، بحلول 2020!. وتقول الشركة إن برامجها للسياحة الفضائية موجهة، بالدرجة الأولى، إلى أثرياء أميركا الذين يتلهفون على تجريب حالة انعدام الوزن عقب الخروج من مجال الجاذبية الأرضية، وإلى مشاهدة تقوُّس الكرة الأرضية من الفضاء؛ وفي سبيل ذلك، لن يترددوا في حجز بطاقات السفر إلى الفندق الفضائي، والتي ستبلغ قيمتها مائة ألف دولار في بداية انطلاق هذا البرنامج، قد تنخفض إلى 50 ألفا إذا تحقق الرواج المأمول.


وإذا حدث أن تعطَّلت برامج السياحة الفضائية التي تتبناها شركات القطاع الخاص الأميركي، فإن ذلك سيكون بسبب بطء استجابتها لتحدِّي تحقيق سرعة الإطلاق المناسبة لصواريخها، فقد كانت السرعة التي انطلقت بها "سفينة الفضاء 1" في 2004 لا تتجاوز 3 ماخ (3 اضعاف سرعة الصوت)، ويعمل الفنيون والعلماء لدي هذه الشركات الآن على زيادة هذه السرعة إلى 25 ماخ، لتكون الصواريخ قادرة على رفع السائحين الفضائيين إلى مدار الفندق الفضائي؛ فإذا تحققت هذه السرعة، فإن أول وحدة فندقية ستتخذ مدارها – مأهولة بالسائحين – بعد عامين من الآن، معلنة أن حلم السياحة في الفضاء الخارجي أصبح حقيقة.


رجب سعد السيد