مسؤولية العراقيين في العملية السياسية في هذه المرحلة(اية الله الشيخ محمد اليعقوبي )
بسم الله الرحمن الرحيم
مسؤولية العراقيين في العملية السياسية في هذه المرحلة
الحمد لله وحده وصلى الله على النبي وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
حينما نتحدث عن وظيفة الشباب المسلم وعموم العراقيين في هذه المرحلة فليس ذلك من آثار واستحقاقات توقيع الاتفاق بين مجلس الحكم الانتقالي وقوات الاحتلال لاننا قد ابدينا تحفظاتنا على هذا الاتفاق وبيننا نقاط الخلل فيه التي لا تنسجم مع الحقوق المشروعة لهذا الشعب، وانما اتحدث عن الوظيفة التي تمثل تكليفنا في كل حالة جديدة إذ ما من واقعة الا ولله فيها حكم والاحداث السياسية التي يمر بها البلد من أهم تلك الوقائع لانها تتعلق بالأمة جميعاً وتؤثر سلباً أو ايجاباً في مستقبلها سياسياً وثقافياً وأخلاقياً ودينياً واجتماعياً فهي من أهم مستحدثات المسائل الفقهية المرتبطة بافعال المكلفين كأفراد فالتعرف عليها وبيانها والعمل على تنفيذها -أي الاحكام الاجتماعية العامة- أكثر الحاحاً وأشد وجوباً.
من هنا كان لزاماً على علماء الاسلام (ايدهم الله تعالى) توعية الأمة وإرشادها إلى ما يجب أن تتخذه من مواقف بازاء القضايا التي تعترضها ومن تلك القضايا تسلّم العراقيين بانفسهم ادارة شؤون بلدهم وبناء مؤسساته التي تحفظ كيانه وتوفر للشعب حقوقه كافة وحتى لا تبقى ذريعة لقوات الاحتلال في البقاء ولا تتحقق هذه النتيجة الا من خلال خطوات:
1- توعية الأمة بمطالبها الحقيقية ومصالحها المشروعة والاصرار عليها وضرورة المشاركة الجدية الفاعلة في تحقيقها.
2- تنظيم شؤون الأمة وترتيب أمورها من خلال تأسيس الاتحادات والنقابات أو انشاء الاحزاب والجمعيات والحركات التي تتبنى تلك المطالب وتتخذ المنهج المناسب لتحقيقها.
3- وحدة الصف بازاء القضايا المصيرية وإن تعددت الرؤى وأختلفت المناهج فإن هذا امر طبيعي مادام هناك عقل يفكر ويقتنع بما يتوصل اليه ولكن يجب ان ننظر إلى هذا التعدد على انه حالة ايجابية باعتباره تنويعاً لآليات العمل التي تصب في الهدف الواحد لتتمكن من استيعاب كل شرائح المجتمع ذي القناعات المتعددة وعندئذ تجتمع هذه التشكيلات وتنسق اعمالها وتوحّد مواقفها وتتفق على مرشحيها في قوائم موحدة لتقف كلها صوتاً واحداً وراء هؤلاء المرشحين النزيهين الكفوئين مهما كانت انتماءاتهم بعيداً عن الانانية والمصالح الحزبية أو الشخصية ولا يكون حالة سلبية الا اذا لبس ثوب الانانية والفئوية والشخصية فيتعصب كلٌ لحزبه ويحاول إلغاء الآخر وتسقيطه.
4- الشعور بالمسؤولية وتحملها بشكل كامل ولا يلقيها على غيره وليعود نفسه هذه المعانات ولا يخلد إلى حياة الراحة والكسل ولا يكونوا كالذين قالوا لنبيهم (إذهب انت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) بل كالذين (قالوا لنبيهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله) وقد وجدت كثيراً من الناس الاكفاء الذين يتمتعون بثقة الناس ينسحبون من المسؤولية وكأنهم لطول حرمانهم من المواقع السياسية والوظيفية العليا ألفوا الحياة في الظل ولم يستطيعوا الخروج إلى النور ليروا ان اللذة الحقيقية في التعب والعناء لنيل رضا الله تبارك وتعالى قال تعالى (يا ايها الانسان انك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) وكلما كان العنت والمشقة في سبيل الله تعالى وإدخال السرور والسعادة على البشرية فهذا عمل مرضي لله تبارك وتعالى فان الامة كالجسد الواحد اذا اصيب منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى فاي تقصير من قبل العناصر الملتزمة النزيهة في ملئ المواقع الوظيفية والادارية من ادناها إلى اعلاها يعني اعطاء الفرصة للعناصر الفاسدة في اشغالها وسيكونون وبالاً على الأمة التي لا تلوم الا نفسها على هذا التقصير.
وتتحمل الحوزة العلمية الشريفة مسؤولية كبيرة في القيام بهذه الخطوات وتعبئة الأمة لاداء دورها الرسالي وان تتولى رعايتها على طول الخط وفي جميع المراحل.
والحوزة العلمية قد عملت بالوسائل التي تراها مناسبة للضغط على الاطراف المعنية بالقضية العراقية مما دفعهم إلى الرضوخ إلى مطالب الشعب المشروعة وتسليم السيادة اليهم وتمكينهم من ادارة البلد بانفسهم ونحن قد قدمنا مشروعاً لحل المشكلة السياسية في المرحلة الانتقالية قبل عدة أشهر ويبدوا انهم احتاجوا إلى كل هذه المعاناة والخسائر وتدهور الوضع ليقتنعوا بتنفيذه ومع ذلك فانهم التفوا عليه وصادروا عدة نقاط مهمة فيه وخصوصاً اجراء انتخابات حرة مباشرة لكل الشعب لاختيار اعضاء البرلمان الانتقالي ولجأوا إلى هذه التفاصيل والآليات المعقدة والطويلة.
وعلى أي حال فان على الشعب ان يشارك لاستنقاذ ما يمكن تحصيله من حقوقه وتختلف طبيعة المشاركة بحسب مؤهلات الشخص لموقع المسؤولية فيرشح من يجد نفسه أهلاً لموقع ما في انتخابات تلك الموقع ولكي تتوحد الاصوات وراء مرشح واحد جامع للصفات على المرشحين التفاهم فيما بينهم لكي ينسحب الجميع لمصلحة واحد منهم حتى لا تتشتت الاصوات فتضيع وتتحول القوة والكثرة إلى ضعف وهزيمة.
ويجب على الشعب الاستمرار بالمطالبة في اشراكه في الاختيار من خلال انتخابات حرة مباشرة من ادنى موقع إلى اعلاه سواء على مستوى المجلس البلدي أو المحافظ أو البرلمان أو رئاسة الجمهورية أو لجنة وضع الدستور واذا تعذر ذلك باوسع اشكاله فيمكن القبول بدرجة اقل منه الا انه لا بد ان تمنح الفرصة الكافية للشعب ليختار ممثليه ليكتسب المسؤولون شرعيتهم والا فان الفجوة تبقى قائمة بل تتعمق وتزداد حالة الاحباط والشعور بالغبن والظلم مما يؤدي إلى عواقب وخيمة.
ويجب استغلال الوقت وعدم اضاعته بل ينبغي الاستفادة من كل لحظة لتعبئة الطاقات وحشدها وتوحيدها واختيار المؤهلين وتعريفهم للجماهير وحثهم على دعمهم وانتخابهم وتسخر كل الوسائل والقنوات والآليات وتوظيفها لهذه العملية وتوعية الأمة بمواصفات وشروط من ينتخبونه فانها امانة ثقيلة يجب ان تؤدى إلى اهلها.
واحب ان اذكر هنا جواب سؤال عن الخطاب السياسي الشيعي وأهدافه وآلياته.
س : هل تعتبرون ان الخطاب الساسي الشيعي ناضجاً في هذه المرحلة ام لا ؟ وعلى من تقع مسؤولية هذا الخطاب، على الحوزة العلمية ام على الاحزاب الاسلامية ؟
جـ : بسمه تعالى: ان الخطاب السياسي يعني الاطروحة والرؤية وبرنامج العمل الذي يقدمه أي حزب أو تنظيم لتحقيق الاهداف التي يعمل من اجل تحقيقها والخطاب السياسي الشيعي فيه مطالب عامة يشترك فيها مع جميع الطوائف والتيارات الممثلة للشعب واخرى خاصة بالطائفة نفسها لما فيها من خصوصيات في هذا البلد كوجود المرجعية الدينية والعتبات المقدسة والحوزة العلمية الشريفة والمظلومية وغمط الحقوق التي تعرضت لها خلال العقود السابقة والخطاب السياسي الشيعي لابد ان يشمل جميع هذه المحاور وتتحمل الحوزة العلمية والاحزاب السياسية مسؤولية كلا الخطابين وسوف أؤجل الحديث عن الخطاب الثاني الخاص اما الخطاب الأول العام فيمكن للحوزة ان تشارك فيه من خلال عدة خطوات:
1- وضع الاهداف العامة التي يجب السعي لتحقيقها.
2- الانفتاح على الاحزاب والتشكيلات السياسية الاسلامية الموجودة في الساحة والاطلاع على برنامج عملها لمعرفة مدى وعيها لهذه الاهداف وقدرتها على تحقيقها ونظافة آليات عملها ونزاهة واخلاص القائمين عليها وتقييم دورها.
3- دعوة المؤمنين المخلصين لتشكيل النقابات والاتحادات والجمعيات المتخصصة وغيرها لاستقطاب وتجميع الطاقات الكفوءة والنزيهة وحثها على العمل السياسي والاشراف على برامج عملها واطروحتها والحفاظ على جاهزيتها لممارسة دورها في ادارة البلد.
4- دعم واسناد الاحزاب والتشكيلات المؤهلة لتحقيق الاهداف المطلوبة وتوجيه الجماهير نحوها بالاليات المتعددة كاخراج المسيرات وعقد التجمعات.
ونستطيع ان نضع جملة من الخطوط العريضة لمطالب الأمة التي يراد تحقيقها وعلى الاحزاب بلورة وصياغة هذه الافكار في خطاب سياسي وآليات عمل تفصيلية كأي اختصاصي في مجال معين وتتفاوت الخطابات والاطروحات السياسية في النضج تبعاً لكفاءة وخبرة القائمين عليها ووعيهم واخلاصهم لقضيتهم والمهم هي الجدية في الانجاز ومنها:
1- نشر الفضيلة في المجتمع ومنع الفساد والانحراف والمحافظة على هويتنا الاسلامية الاصيلة.
2- وصول العناصر الكفوءة والنزيهة إلى موقع المسؤولية والادارة.
3- الارتقاء بمستوى العلم والمعرفة والوعي لدى ابناء الامة لتكون بالمستوى الحضاري المعاصر.
4- تحقيق العدالة في الأمة واستقرار الأمن وانعاش الوضع الاقتصادي للبلد.
5- الحفاظ على وحدة البلد وتركيبته الاجتماعية واستقلاله.
6- توفير الحقوق والحريات لجميع فئات الشعب وطوائفه واعراقه بما لا ينافي الفقرات اعلاه.
7- وضع دستور للبلد يضمن النقاط اعلاه ووسائل تفعيلها ولا يتقاطع مع الشريعة.
8- ضمان انتخابات حرة نزيهة لاختيار برلمان وحكومة تمثل بصدق تركيبة المجتمع العراقي وتحترم ارادته بحسب التوزيع السكاني.
ولكي يتحقق ذلك لابد من الحوار بين جميع التيارات الممثلة للشعب وانفتاح بعضها على بعض خصوصاً الاسلامية منها لتنسيق المواقف اتجاه القضايا العامة. فمسؤولية وضع الخطاب السياسي والعمل على انجازه على ارض الواقع تقع على الحوزة الشريفة والتشكيلات السياسية وعموم المؤمنين كل بحسبه ولكل فرد في الأمة تأثير في مستقبلها السياسي كالمشاركة في التصويت على الدستور بعد فهمه واستيعابه أو لانتخاب ممثيله في البرلمان والحكومة.
اسأل الله تعالى ان يأخذ بيد هذه الامة لما فيه صلاحها وفلاحها ونجاحها في الدنيا والاخرة انه نعم المولى ونعم النصير (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم).
محمد اليعقوبي
6 ذ.ق 1424
30/12/2003
[foq] لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه
الامام علي (ع)
السلام على امير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين[/foq]