 |
-
600 قتيل عراقي.. من يهمه ذلك ؟...........
[align=center][glint]600 قتيل عراقي.. من يهمه ذلك؟...............دافيد ادواردز [/glint] [/align]
بعد قتال عنيف، ظهرت التفاصيل من مصادر وكالات الإغاثة والمستشفيات في الأسبوع الماضي، تفيد بأن 600 عراقي قد قُتِلوا وأن 1700 آخرين جرحوا في الفلوجة، وأن كثيراً منهم من المدنيين. ومن بين حطام أحياء الفقراء المدمرة، تنقل محطة تلفزيون “الجزيرة” تفاصيل الواقع: طفل دون الخامسة من العمر، طار الجزء العلوي من رأسه؛ طفل رضيع مصاب بحروق شديدة، وأنبوب يبرز خارجاً من صدره.ولم يظهر شيء من ذلك في وسائل الإعلام البريطانية، التي لم تعبر عن أي غضب أو استنكار لمشهد دولة عظمى، تشن حرباً على المناطق السكنية بالدبابات القتالية الرئيسية، والمدافع والطائرات المروحية الحربية.
وعندما بدأت المجزرة بعزم وإصرار، كرس برنامج “أخبار الظهيرة” في شبكة أخبار التلفزيون المستقل البريطانية، 6 دقائق للقتال في 7 ابريل/ نيسان. ولكن التركيز كان على قتل 12 جندياً من أفراد البحرية الأمريكية، والخسائر الأمريكية التي ورد ذكرها 11 مرة. أما الخسائر العراقية التي ذُكر أنها 66 قتيلاً فلم تُذكَر سوى مرتين.
وبعد ثلاثة أيام، ذكرت صحيفة “الاندبندنت” أن عدد الضحايا العراقيين بلغ عدداً مذهلاً هو 600 قتيل. ومع ذلك، كانت الصفحة الأولى من تلك الصحيفة تُظهر عراقياً يضرب جثة أمريكي ملقاة بجانب قافلة سيارات محترقة. وقد ذكرت صحيفة “الجارديان” الأرقام ذاتها عن الخسائر، ولكنها أبرزت صورة مجموعة من رجال البحرية الأمريكية، وهم يحملون رفيقاً جريحاً. وفي اليوم ذاته، أجمل مذيع محطة ال “بي. بي. سي”، جون سمبسون، الوضع في العراق بأنه “ليس كئيباً بصورة مطردة، بالنسبة الى التحالف، كما بدا حتى الآن”.
بكلمات أخرى، مع مقتل وجرح مئات المدنيين العراقيين على أيدي جيش الاحتلال الذي يتصرف من دون تفويض من الأمم المتحدة ومع سقوط 10 عراقيين مقابل كل إصابة في صفوف قوات “التحالف” ركزت وسائل الإعلام على محنة “التحالف”، وصوّرت القوات الغربية على أنها الضحية الأساسية.
وبعيداً عن الإحصاءات المجردة، فإن لهجة وسائل الإعلام كانت تعبر عن التحيز ذاته : حيث كانت توحي بأن “المدنيين الذين تعاقدت معهم” الولايات المتحدة، الذين هم مرتزقة في حقيقة الأمر، كانوا “يُذبَحون ببشاعة” من قبل “المتمردين” في الفلوجة بينما المدنيون العراقيون، كانوا “يُقتَلون” فقط أو “يَعلقون ضمن مناطق تبادل إطلاق النار”. وكان أخذ رهائن غربيين أمراً “مروّعاً”، و”أحد أقذر تكتيكات الحرب”، كما ذكرت شبكة “أخبار التلفزيون المستقل” البريطانية. أمّا تدمير الولايات المتحدة للفلوجة فقد كان “قتالاً شرساً”. ويوحي التركيز الشديد على أخذ الرهائن بأنه حتى التهديد بقتل الغربيين، يعتَبر أهم من القتلى العراقيين الذين سقطوا فعلاً.
إن لا مبالاة وسائل الإعلام بعمليات القتل الجماعي التي تُرتَكَب ضد العراقيين وغيرهم من شعوب العالم الثالث، تسير بطريقة منتظمة منسقة، مثلما الهواء الذي نتنفسه.
بعد يوم واحد من ذبح 271 عراقياً ضمن سلسلة من الهجمات بالقنابل في مدينتيْ كربلاء وبغداد العراقيتين، في 2 مارس/ آذار، خصصت نشرة أخبار الساعة السادسة في هيئة الإذاعة البريطانية، أقل من عشر ثوانٍ لهذه الفظائع. وكانت أخبار الساعة السادسة والنصف في شبكة أخبار التلفزيون المستقل، أحسن حالاً، إذ أنفقت دقيقتين على الهجمات. وفي النشرة الإخبارية ذاتها، خصصت خمس دقائق، أي ضعف المدة، للمقابلات المسجلة لديانا، أميرة ويلز الراحلة. وبعد يومين، غابت أخبار أسوأ المذابح التي ارتُكبت في العراق منذ الإطاحة بصدام، عن كلتا المحطتين الإخباريتين.
في المقابل، لاقى مقتل 200 شخص في مدريد تغطية إخبارية متعاطفة متواصلة على مدى أكثر من أسبوعين. وفي 12 مارس/ آذار، وبعد نسيان الفظائع الأشد من هذه، التي جرت في العراق قبل أيام فقط، وصف بيل نيلي، من شبكة أخبار التلفزيون المستقل، هجمات مدريد بأنها “أسوأ الفظائع الإرهابية منذ 11سبتمبر/ أيلول”. وبعد يومين من هجمات العراق، كانت افتتاحية براجماتية فعلاً في صحيفة “الجارديان” تركز على انعكاسات ذلك على الغرب: حيث كتبت:
“بدّد رجل الدين الشيعي، آية الله السيستاني الغضب الشعبي، بإلقاء اللوم على عاتق المحتلين الأمريكيين، الذين حمّلهم مسؤولية غياب الأمن في كربلاء. ولكن رسالته الحقيقية كانت التخفيف من هول ما حدث، والحفاظ على الوحدة والشيعة حتى الآن يفعلون ذلك تماماً”.
قارن هذه النبرة مع نبرة افتتاحية نُشرت في الصحيفة ذاتها بعد ثمانية أيام فقط: “كان الأمر يشبه نسخة حديثة من صور الحرب المروعة التي رسمتها ريشة الفنان (الاسباني) جويا (1746 1828). قطار لنقل الركاب من الموظفين الذاهبين الى عملهم أو العائدين منه، يتحطم، وتنفصل أجزاؤه بعضها عن بعض. جسد من دون رأس ملقى على مقدمته.طفل عمره ثلاث سنوات محترق من قمة رأسه حتى أخمص قدميه.أيادٍ وأرجلٌ مبتورة مبعثرة على أرصفة المحطة، مِزَقٌ من اللحم البشري متناثرة على الطريق، هواتف متحركة تئز فوق الجثث المطروحة بعيداً، الجرحى ينتحبون عاجزين على الرصيف..” وهكذا.
وأبرز الأمثلة الحديثة على هذا التحيز، هو سيل الإعلام العظيم والأسى المتدفق، على مدى الأسابيع والشهور، ردّاً على مقتل 3 آلاف شخص في نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وفي المقابل، فإن قتل أكثر من 3 آلاف مدني نتيجة للقصف الأمريكي البريطاني لأفغانستان، لم يكد يذكره أحد. ففي 2يناير/كانون الثاني ،2002 ذكر محلل وسائل الإعلام ادوارد هيرمان، أن أول مصاب أمريكي محارب في أفغانستان، وهو ناتان تشابمان، قد تلقى من التغطية الإخبارية في وسائل الإعلام الأمريكية أكثر من كل المصابين الأفغان مجتمعين.
وحقيقة أن وكالات الإغاثة كانت قد حذرت من أن القصف، بل حتى التهديد بالقصف، سوف يعرض للخطر حياة 7،5 مليون نسمة من الأفغان، المعتمِدين على طعام المعونات مع اقتراب الشتاء.. هذه الحقيقة لم تكد تتطرق لها التغطية الإخبارية. وقد شرح بيتر بريستون، في صحيفة الابزرفر في اكتوبر/تشرين الأول ،2002 لماذا كان رؤساء تحرير الصحف يريدون بداية سريعة للحرب، حين كتب:
“عندما تريد صحيفة التايمز وليست في ذلك وحدها أن يُتخذ إجراءٌ حاسم على الأرض قبل أن “تبدأ العواصف الثلجية”، إجراءٌ “يبيّن أن الولايات المتحدة تعني حقا أنها ستحارب وتنتصر”، فإنها تريد كذلك القرار الذي يجعل الإعلانات تتدفق من جديد، فتختزل نفقات التغطية الى حدّ كبير”.
وقد أشار بريستون الى ذلك بصورة عابرة، دون ان يستخلص أي نتائج فيما يخص المبادئ الأخلاقية لدى رؤساء التحرير، الذين يرغبون في وضع حياة الملايين من البشر في مرتبة تالية لمرتبة الأرباح.
من المهم ان تظل حقيقة العنف الغربي، والدوافع التي تحركه خافية على الناس. فالجماهير لا تؤيد القتل الجماعي للأبرياء، وبالتأكيد ليس باسم السلطة والأرباح. ولذا فإن المطلوب شنّ حملات دعائية مكثفة لإقناعنا بأن حكوماتنا تلجأ الى “خيارات صعبة” جرياً وراء تطبيق “سياسة خارجية أخلاقية”.
في سنة ،1999 أعطى معلق صحيفة “النيويورك تايمز”، توماس فريدمان، فكرة عن الواقع الحقيقي، الذي يكمن في غالب الأحيان وراء هذه “التدخلات الإنسانية”، حين كتب:
“إنّ يدَ السوقِ الخفيةَ لن تعمل أبداً من دون قبضة خفية فلا تستطيع شركة ماكدونالد أن تنتعش من دون شركة ماكدونيل دوجلاس، وهي الشركة التي تصمم طائرات اف 15 المقاتلة. والقبضةُ الخفية التي تحافظ على العالم آمناً من أجل انتعاش وادي السلكون، تسمّى الجيش الأمريكي، القوات الجوية، وفيالق الأسطول البحرية”.
* محرر مشارك في موقع “ميديا لينز دوت اورج”
المصدر :جريدة الخليج الاماراتية
[align=center][glint]هل لديك تعليق؟[/glint][/align]
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |