![]()
![]()
أبارك للأمة الإسلامية والعالم المستضعف وعلماءنا المجاهدين لا سيما ولي أمر المسلمين دام ظله الذكرى الرابعة لهزيمة العدو الصهيوني الذليلة في لبنان وطرد العدو الصهيوني من أجزاء كبيرة من الأراضي اللبنانية .
كلمة سماحة المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله دام ظله في بنت جبيل في المهرجان الذي أقامه حزب الله تكريما للسيد أبي علي دام ظله الذي قام به حزب الله بواجب التحية للمقاوم الاول بمواقفه وفتاويه يوم كان العالم كله يقف ضد منطق الممانعة في لبنان، حيث شارك وفد قيادي كبير منه، برئاسة عضو شورى القرار السيد هاشم صفي الدين باستقبال السيد ومرافقته خاصة في محطته البنت جبيلية.
![]()
"الحمد لله الذي استجاب لكلّ تطلعات هذا الشعب، الحمد لله الذي أعطى دم الشهادة حركةً وانفتاحاً وصدمةً لكلّ الاستكبار، لم تكن دماء الشهداء الذين هم الأساس في كلّ هذا النصر مجرد دماءٍ حمراء تسيل، ولكنها كانت وعياً للإنسان كله ووعياً للإسلام كله ووعياً للقيم الروحية والإنسانية. لم تكن دماء الشهداء دماءً تتحرك من أجل أن تواجه العدوّ مواجهة جهادية جامدة، ولكنها كانت تعيش الوعي السياسي بأكثر مما يتحرك به الاستهلاك السياسي في أكثر من موقعٍ عربي، أو أي موقع في المنطقة، قيمة هذه الدماء أنها لم تبحث عن صوتٍ استهلاكي، كانت تبحث عن أن تكون الحرية للإنسان هنا. وكانت قيمة هذه الدماء أنها كانت دماء المحبة لم تحمل حقداً حتى للذين وقفوا ضدّها، كانت تخاطبهم تعالوا إلى أرضكم وإنسانكم وأهلكم..
![]()
المحبة أن تتجسّد أنت روحاً بكلّ عروق هذه الأرض، قيمة الشهداء أن الأرض لم تعد عشباً وتراباً أصبحت إنساناً، ليست كلّ الدماء تصنع التاريخ ولكنه دمنا ـ هنا ـ صنع التاريخ، لقد استراح العالم العربي لكلّ هؤلاء الذين جلسوا على صدره فأبعدوا الأمة عن مصيرها وقرارها، مشكلتنا في هذا العالم العربي أنّ هذا العالم عاش الشخص ولم يعش المؤسسة. للأشخاص عظمتهم عندما يقودون، ولكن الأمة أعظم عندما تتحرّك في الساحة وتتشابك الأيدي والقلوب مع بعضها..
![]()
أعتقد أن هذا الانتصار يمثّل قضية قرن في قضية أمة، نحن عشنا في القرن الماضي نتابع الهزيمة تلو الهزيمة، حتى عندما ننتصر كنا نخاف من النصر، وأحياناً نحوّل النصر إلى هزيمة، أما أن يعتبر شخص أو نظامٌ أننا لا نستطيع أن نواجه أمريكا فتلك هي الهزيمة.
![]()
لقد كانت الكلمات في كلّ إعلامنا، أن إسرائيل هزمت العالم العربي، فهل يستطيع هؤلاء الشباب أن يهزموها؟! وكان الذين يريدون السياسة في لبنان أن تتحرك بعيداً من محيطها العربي والإسلامي يريدون لهذه السياسة أن تتحرك في باريس وواشنطن. كانوا يريدون لفرنسا وأمريكا أن تتدخل في كلّ شيء، أما أن يتدخل أي بلد عربي أو إسلامي، فإنهم يقولون إن هذا ضدّ الاستقلال
.
الاستقلال هو الذي صنع في هذه الأيام من خلال المقاومة، الحرية لا تصدر بمرسوم ، إنها تنطلق من الداخل.. وأنت في كل الضغوط وداخل السجن، الحرية أن تملك أن تقول نعم.
لا بدّ أن نتعلم كيف نستعيد "لاءاتنا" التي حوّلناها إلى "نعم". لقد انتهت مرحلة، ونحن لا نتحدث استعراضياً عندما نقول إن إسرائيل هُزمت، إسرائيل تقول ذلك. لقد حوّل المجاهدون الاحتلال إلى "طاعون" للمحتلّ. ليست المسألة هي عنترياتنا العربية، ولكن واقع المقاومة فرض نفسه على كلّ الواقع السياسي في المنطقة. المسألة الآن كيف نحافظ على هذا النصر، وكيف نقف أمام الذين يريدون أن يحوّلوا النصر إلى هزيمة من خلال الاستغراق في كلّ التفاصيل، لقد حاولوا أن يتحدّثوا عن فتنة في الجنوب، وكانوا يراهنون على "بنت جبيل" المنطقة، و"مرجعيون" المنطقة، كان العدوّ يريد أن يتحرّك السلاح بعد انسحابه لإحداث فتن طائفية، ولكننا قلنا لهم عندما تراهنون على "بنت جبيل"، فإنها كانت من أوائل البلدان التي وقفت ضدّ الاستعمار الفرنسي، ومن أجل القضية الفلسطينية، كان الشباب هنا يريدون للبنان أن يبقى منفتحاً وأن لا يكون انعزالياً، كانت بنت جبيل ككل الجنوب منطقة التعايش، كانت المواقع الثقافية تتداخل، والمواقع الاقتصادية تتعامل، والمواقع الدينية تتعاون. لذلك قال الجنوبيون "لا للفتنة" لأن الاحتلال كان يعمل على زرع الفتنة.
![]()
لقد عشنا مع المقاومين في جهادهم بصمودنا، وسنجاهد معهم بوحدتنا الوطنية، لقد كانوا يراهنون على أن المقاومة سوف تجري الدماء أنهاراً وأن الحرب اللبنانية سوف تتجدّد في الجنوب، وقال المجاهدون لقد كان صبرنا في الدماء من أجل القضية، ونحن سنصبر صبرَ الأحرار بعد التحرير، لن يُسمَحَ لبعض الذين يتاجرون بالطائفية أن يستفيدوا من بعض الثغرات، وذهلِ العالم من هذه الحضارية الإسلامية التي أثبت صانعوها للعالم وهم الذين سالت دماؤهم من خلال هؤلاء ودمّرت بيوتهم وشرّدوا، أنهم في الموقع الذي يكبرون فيه عن الحقد. عندما حاربوا، حاربوا بمحبة، محبة الأرض ومحبة الناس، وهم في هذا الموقع سوف يواجهون المسالة بمحبة.
لم تنتهِ القضية، لا تزال إسرائيل تحتلّ جزءاً من أرضنا، وتعتقل المعتقلين منا، ولا تزال إسرائيل مع الأمم المتحدة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة تتحرّك ضدنا، ولا تزال الأمم المتحدة والولايات المتجدة تبحثان عن جائزة تُقدّم لإسرائيل..
ليس للمسلمين في لبنان إلا المسيحيون، وليس للمسيحيين في لبنان إلا المسلمون، فلا تتحدثوا عن تاريخ الامتيازات في لبنان، إن العالم يتغيّر فابحثوا عن دوركم في رحم هذه المتغيرات، هناك لبنان، علينا أن ننتجه من جديد، لقد تحرّرت الأرض وعلينا أن ندخل في معركة تحرير الإنسان من الحقد، لقد بقيت المعركة ضد الطائفية.. إنّ الدين قيمة والطائفية هي عشائرية متخلّفة لا تملك حتى قيم العشائرية.
هناك مسحةٌ حضارية تخدعنا، ولكن هناك عمقاً متخلّفاً يعيش في أعماقنا.. تعالوا عقلاً بعقل وقلباً بقلب، تعالوا البلد الجميل لنغرسه بالمحبة، وأن تكون حركتنا في خطّ الجمال وصنع الجمال في الإنسان.
لم تعد الحزبية في أكثر مظاهرها برنامجاً وخطاً، ولكنها أصبحت عصبية، أن تكون من حزب وذلك يعني أن يرفضك الحزب الآخر. نحن قومٌ ننتج الحقد في عصبياتنا، نحن متعبون اقتصادياً واجتماعياً، لماذا لا نفكّر بالراحة من خلال المحبّة. مشكلتنا في هذا اللبنان ونحن نريد أن ننفتح على مستقبل فكّر فيه الشهداء وأعطوه كلهم، فهل نعطيه بعضنا، متى نرتفع عن الحرتقات في عملنا السياسي، فما أكثر ما قتلتنا كلمة "السرّ".. لذلك كونوا جادين وانطلقوا من خلال ما تؤكدونه في عقولكم، لا من خلال ما تسمعونه في اذانكم، لأن الله سيحاسبكم على كلّ كلمة أيّدتم فيها ظالماً وتجسّستم فيها على الأبرياء.
إنكم تحتفلون بالنصر والسؤال الكبير، هو كيف نستطيع أن ننتج النصر من جديد.. لا تقولوا لأحدٍ فكِّر لنا، لأن تفكيره منطلقٌ من خلال مصالحه.. المرحلة صعبة تحاول فيها إسرائيل التخطيط لمصادرة القضية الفلسطينية وتعمل أمريكا لمحاصرة الواقع السوري، إنهم يطلقون الكلمات: لا بدّ من نزع سلاح المقاومة، وقد قلت أن المقاومة هي الجيش اللبناني الاحتياطي، ولا بدّ من التنسيق بين الجيش اللبناني الرسمي وبين الجيش الشعبي، من يخرج إسرائيل إذا دخلت مجدداً، ما هو الأساس للوثوق بإسرائيل، نحن لا نزال في حالة حرب مع إسرائيل فكيف يطلب ممّن يقود عملية التحرير والمقاومة أن ينزع سلاحه، إن سلاح المقاومة لم يكن يوماً للداخل، لذلك ليكن الصوت واحداً مع استمرار التحرير وإنتاج الحياة السياسية الحقيقية، حتى ننتج الإرادة والقرار، علينا أن لا نستعير قراراتنا حتى من أصدقائنا، بل أن نقول لهم أقنعونا برأيكم ونصير معكم، أما أن نستظهر المواقف، فهذا ما يضرّنا ويضرّ أصدقاءنا، فقد بلغنا سنّ الرشد.
إني أتكلم وأنا منكم ومن عمق دماء قلبي، لأني أعاني وتعانون، إنّ هذا الوطن دمّر جسدياً وأخشى أن يدمّر إنسانياً..
لقد أُبعدت المنطقة المحتلة عن كلّ ميزانية الدولة لعشرات السنين وأخذها كثيرون بعنوان الهدر وغيره، إننا نطلب من الدولة أن تكون في حالة طوارىء لمواجهة حالة الصّفر التي يعيشها أهلنا هنا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، نحن لا نريد أن نسترخي أمام الوعود، ولا نريد أن نُثقِل الدولة. إذا كانت الدولة تتحدث عن الفساد فنحن نسأل، لماذا لا توجّه الأصابع إلى الكبار؟ إننا نقول للدولة إذا كنتم تريدون إعمار الجنوب فأرجعوا كلّ الأموال التي سرقها الكبار وعندها لن تحتاجوا إلى الصندوق الدولي وإلى الدول المانحة، وإلى المساعدات العربية التي تبقى وعوداً عرقوبية، هل تريدون وطناً حراً، كونوا أحراراً في دنياكم يكن وطنكم حراً.
أيها الأحبة، من كل قلبي وعقلي وإحساسي أعود إليكم في بلدي هذه، وفي قلبي أكثر من نبضة محبة وفي عيني أكثر من دمعة محبة، وفي حياتي أكثر من تطلعٍ لصناعة مستقبل نكون في مستواه لنعمل معاً ونجاهد معاً وتنضم اليد إلى اليد والعقل للعقل والقلب للقلب لنـزيد الوطن جمالاً ومن جمال القلب والروح أشكركم جميعاً".
![]()
كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله في بنت جبيل بمناسبة مهرجان النصر والتحرير
![]()
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
والحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا، حبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا، أبي القاسم محمـد ابن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وعلى جميع أنبياء الله المرسلين وعلى جميع الشهداء والمجاهدين في سبيل الله، منذ آدم إلى قيام يوم الدين.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
"إن فرعون علا في الأرض، وجعل أهلها شيعا، يستضعف طائفة منهم، يذبـّح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، إنه كان من المفسدين." "ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة، ونجعلهم الوارثين، ونمكـّن لهم في الأرض، ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحزنون."
أيها الإخوة والأخوات،
في يوم المقاومة والتحرير، في يوم الانتصار التاريخي العظيم والكبير، نلتقي هنا في عمق المنطقة التي استعادت الوطن واستعادها الوطن، في أجواء أربعين أبي عبد الله سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، لنؤكد من جديد مقولته وخطه، لنثبت من جديد أنّ الدم هنا ينتصر على السيف، وأنّ الدم هنا قهر السيف وهزمه، وأنّ الدم هنا حطّم كل قيد، وأنّ الدم هنا أذلّ كل طاغية ومستكبر.
نلتقي هنا لنحتفل بالنصر الذي صنعته الشهادة، وصنعته الدماء. عندما نتحدث عن هذا النصر، عن تحرير الأرض، عن حرية الإنسان، عن كرامة الوطن، عن عزّة الأمة.. يجب أن نتذكر كل أولئك الذين ساهموا في صنع هذا النصر. قبل كل شيء وبعد كل شيء، نحن عباد الله نعلن أمام العالم كله أن هذا النصر من الله سبحانه وتعالى، هو الذي هدانا إلى طريق المقاومة، هو الذي دلّنا سواء السبيل، هو الذي ثبّت قلوبنا منذ سنوات طويلة، هو الذي ملأ قلوبنا طمأنينة وأنفسنا عشقاً للشهادة وهو الذي ألقى في قلوب أعدائنا الرعب. هو الذي رمى وهو الذي أصاب، هو الذي دمّر المواقع، هو الذي هدم الحصون، هو الذي قتل الجبابرة، وهو الذي صنع هذا النصر. الله، سبحانه وتعالى، الذي نشكره ونحمده ونسبّحه ونستغفره ونتوب إليه ونخضع له وندعوه أن يتم لنا نصرنا بأن يحّرر كل الأرض وكل الأخوة وكل هذه الأمة المعذبة والمظلومة.
أيها الإخوة والأخوات،
وعندما نأتي إلى الخلائق، لابد أن نذكر أولاً الشهداء، كل الشهداء، شهداء المقاومة من حزب الله وحركة أمل والقوى الوطنية اللبنانية، شهداء الجيش اللبناني والجيش العربي السوري، وشهداء المقاومة الفلسطينية. لا بد أن نتذكر النساء والأطفال في قانا والمنصوري وسحمر والنبطية الفوقا وغيرها. لابد أن نعترف لهؤلاء الشهداء بالفضل الأول والأكبر بعد الله سبحانه وتعالى. لسيد شهداء المقاومة الإسلامية، السيد عباس الموسوي، لشيخ شهدائها الشيخ راغب حرب، ولأخ عزيز كان عاشقاً للشهادة، مقاوماً مجاهداً جندياً مجهولاً، هو فضيلة الشيخ المقاوم والمجاهد الشيخ أحمد يحيى، الذي قضى في الأيام الأخيرة، وهو كان قبل أيامٍ قليلة في بلدة بدنايل في ذكرى "الشهيد الحج كربلاء" يعاتبني أنني لم أفتح له فرصة اللقاء بالشهداء، وكان هذا الشيخ المجاهد والطاهر والعابد، كان يصر أن يكون أول شيخ ينفّذ عملية استشهادية في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي.. يجب أن نعترف لهؤلاء الاستشهاديين، من أحمد قصير إلى بلال فحص إلى عمار حمود: هذه الدماء الزكيّة صنعت النصر، يجب أن نعترف للمجاهدين المقاومين المضحين الذين تركوا الديار والأهل والجامعات والمصانع والمزارع وتفرغوا وقضوا زهرة شبابهم وعمرهم في القتال والجهاد. يجب أن نذكر عوائل الشهداء. يجب أن نذكر الأسرى الذين ما زالوا في السجون والذين خرجوا من السجون. يجب أن نذكر الجرحى. وعوائل هؤلاء جميعاً.
يجب أن نذكر كل من ربّى وهيّأ وأسّس لهذا الخط الجهادي المقاوم في لبنان، يجب أن نذكر إمام المجاهدين والشهداء الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني (قده)، يجب أن نذكر أول مؤسس لخط المقاومة على الأرض اللبنانية سماحة الإمام المغيّب السيد موسى الصدر (أعاده الله بخير). يجب أن نذكر كل العلماء المجاهدين المضحّين وكل المربين والمفكرين وكل الذين عملوا ليكون هنا في لبنان شعب مؤمن ومجاهد ومقاوم وصامد ومستعد للتضحية.
يجب أن نذكر سكان الشريط الذين عانوا وتحملوا وذاقوا الويلات، وسكان قرى خطوط المواجهة الذي كانوا يُقصفون في كل يوم، ولم يهنأ لهم عيش ولا حياة.
ويجب أن نذكر الموقف الشعبي العام المحتضن للمقاومة: القوى السياسية والجمعيات والشخصيات والأحزاب والنوادي. يجب أن نشيد بالموقف الرسمي العام وخصوصاً في ظل هذا العهد، عهد فخامة الرئيس العماد إميل لحود، وفي ظل هذه الحكومة، حكومة دولة الرئيس سليم الحص.
وإلى جانب لبنان، هناك رجلان يجب أن يُذكرا، وهناك دولتان يجب أن يُعترف لهما بالفضل وأن يُنسب النصر إليهما أيضاً. أعني: الجمهورية الإسلامية في إيران، وسوريا الأسد، والقائد الخامنئي، والقائد العربي الكبير الرئيس حافظ الأسد. هذه حقيقة، من أراد أن يكون منصِفاً وعادلاً في تشخيص الحقائق، يجب أن يعترف بهذه الحقيقة.
القائد آية الله العظمى السيد الخامنئي الذي أيّد ودعم وساند ودعا لهؤلاء المجاهدين في الليل وفي النهار حتى ينصرهم الله، والجمهورية الإسلامية التي وقفت إلى جانب لبنان وسوريا وفلسطين، ودعمت، وتحمّلت الكثير من أشكال التهويل والتهديد من جهة، وأشكال الترغيب والإغراء من جهة أخرى، حتى تتخلى عن دعمها للبنان ولسوريا وللشعب الفلسطيني، فرفضت لأن الموقف هنا هو موقف عقائدي، هو موقف إيماني، هو موقف أخلاقي وإنساني، فوق كل حسابات المصالح السياسية.
وسوريا الأسد التي حمت المقاومة واحتضنتها وحرستها منذ الإنطلاقة الأولى وعلى كل المفاصل الصعبة. من يمكن أن ينسى سوريا سنة 1982 وهي تقاتل على الأرض اللبنانية؟ من يمكن أن ينسى الرئيس الأسد في حرب تموز 1993؟ من يمكن أن ينساه في حرب نيسان 1996؟ من يمكن أن ينساه صلباً صامداً في دمشق وقد احتشد العالم كله في "شرم الشيخ" لإدانه المقاومة ووصفها بالإرهاب وللدفاع عن "إسرائيل"؟
إنني هنا في يوم النصر، في يوم المقاومة والتحرير، أقدم الشكر باسمكم جميعاً لكل لبناني ولكل عربي ولكل مسلم ولكل إنسان حر في هذا العالم ساند المقاومة ووقف إلى جانبها ودعمها بالكلمة، بالموقف، بالقلم، بالمال، بالدعاء، بالتأييد، بالابتسامة. لا يمكنني أن أنسى طلاب الجامعات في الدول العربية، والمشهد المؤثر لطلاب جامعة بيرزيت الذين رفضوا أن يتهم حزب الله بأنه إرهاب.
نحن اليوم في بنت جبيل وإياكم واللبنانيون جميعاً هنا نحتفل بنصرين وليس بنصرٍ واحد.
النصر الأول تحرير جزء كبير من أرضنا وجزء كبير من معتقلي سجون الاحتلال وإلحاق الهزيمة بالعدو بفضل الجهاد والمقاومة والصمود والتضحيات، نحن هنا اليوم ننعم بالحرية والأمان ولا تجرؤ طائرات العدو أن تأتي فوقكم، وأنا أقول لكم ذلك، الذين يخافون ويرتعبون من مجسم خشب.. لعبة.. تمثال لمنصّة كاتيوشا في كفركلا هم أجبن من أن يأتوا إليكم في مثل هذا اليوم. اليوم نحن هنا في أرضنا بفضل دماء شهداننا، بفضل شعبنا، بفضل الصمود والمقاومة. ليس منّة من أحد، لا من الأمم المتحدة التي عجزت عن تنفيذ قرارها 425 مدة 22 سنة. ليس منّة من مجلس الأمن الدولي. وليس منّة من الحَكَم غير النـزيه (الولايات المتحدة الأميركية)، ليس منّة من المفاوضات. وأيضاً بالتأكيد ليس منّة ولا فضلاً من حكومة باراك الذي خرج من هذه الأرض لأنه لم يكن أمامه سوى خيار واحد وهو الخروج من هذه الأرض. هذا الشعب، هذه الأمة، هذه التضحيات هي التي أعادت وللمرة الأولى أرضاً عربية بالكامل بفعل القوة والمقاومة، وألحقت أول هزيمة تاريخية بهذا العدو الصهيوني المتغطرس. هذا النصر الأول يؤسس لحقبة جديدة ويشطب خلفه حقبة تاريخية ماضية.
والنصر الثاني هو كيفية فرض الانسحاب على العدو. أنتم فرضتم عليه التوقيت.. أنتم فرضتم عليه التكتيك.. أنتم فرضتم عليه الكيفية... وأنتم أثبتم، بعد الانسحاب، أنكم شعبٌ لائق بالنصر. لقد كان الإسرائيلي يخطط ليكون انسحابه بعد عدة أسابيع، ويسلّم تدريجياً مواقعه لميليشيا لحد، ويحتفظ ببعض المواقع كقلعة الشقيف والدبشة وبعض المواقع الحدودية، حتى إذا ما قرر مجلس الأمن ما يريد أن يفعل وجاءت قوات الطوارئ تستلم ليتأمن انسحاب هادئ كريم لهذا العدو ليمنّ علينا بإطلاق أسرانا في معتقل الخيام، لكن هذا رفضتموه أنتم ، وكان الاقتحام الأول لبلدة القنطرة ودير سريان والقصير والطيبة، وبدأت البلدات تتحرر والمواقع تسقط وميليشيات لحد تنهار (الواحدة تلو الأخرى)، وفي ليلة واحدة أصبح الشريط الحدودي، أو ما يسميه الصهاينة "الحزام الأمني"، نصفين، وبدأ الانهيار الشامل، واجتمعت حكومة العدو المصغّرة، ووجدت نفسها أمام خيارين: إما أن تعود إلى احتلال المواقع لتواجه المقاومة والمزيد من الخسائر، وإما أن تسرّع بانسحابها، فاختارت الثانية وخرجت على عجل، وتركت لكم كل هذه الدبابات والملالات والمواقع والمدافع، لتؤكد أن ما جرى في جنوب لبنان هو هزيمة إسرائيلية كاملة.
أنتم فرضتم على العدو شكل الانسحاب ووقته، وأسقطتم لغم العدو في ميليشيا أنطوان لحد، هو كان يراهن على أن تتمترس هذه الميليشيا في مواقعها وتطلق النار، ثم يدخل موفد الأمم المتحدة للتفاوض مع الدولة، وفي مقابل إخلاء المواقع يحصل العملاء المجرمون والخونة على العفو. هذا الأمر انتهى أيضاً، انتهى بأذلّ صورة ممكنة لهؤلاء العملاء الذين شاهدتم صورهم، صور إذلالهم عند بوابات فلسطين المحتلة، وشاهدتم كيف تخلى عنهم هذا العدو.
ثم بعد ذلك كان العالم وكان العدو الإسرائيلي نفسه يراهن على أن هذه المنطقة لن تسعد بنصر ولن تحتفل بتحرير. كان يراهن أن هذه المنطقة سوف تدخل في ظلام دامس وفي فتن لا حدود لها.. ستذهب العائلات في هذه القرية لتنتقم من عائلات في القرية نفسها أو غيرها.. أو هذه الطائفة ستعتدي على هذه الطائفة. تصور العدو أن المنطقة سوف تُهدم فيها بلدات (كما هُدمت بلدة حانين) وتُسفك فيها دماء وتُرتكب فيها مجازر، ولكنكم أثبتم وأثبتت المقاومة، بالانسجام مع الدولة اللبنانية، أنّ شعب لبنان ودولة لبنان ومقاومة لبنان وكل الطوائف في لبنان هم جديرون بالنصر، وهم يحتفلون بالنصر.
هذه المنطقة بعد إسرائيل دخلت في موسم النور وخرجت من عصر الظلام بعد 22 سنة من الاضطهاد واعتقال آلاف المواطنين من قبل ميليشيا لحد الذين أهلهم وعيالهم مازالوا هنا، برغم تدمير البيوت والقمع والقهر: هل قُتل رجل واحد؟ لقد قلت قبل أيام: عندما أنهار الجيش النازي في فرنسا، أقدمت المقاومة الفرنسية "المتحضرة" على إعدام عشرة آلاف عميل فرنسي من دون محاكمة. إنّ المقاومة في لبنان ولبنان هو أكثر حضارية من فرنسا وكل هذا العالم!
هل قُتل أحد؟ هل ضُرب أحد؟ هل سُفكت قطرة دم واحدة على امتداد هذه الأرض؟ هذا هو المشهد المثالي الذي أذهل العالم.. هذا النصر العسكري والسياسي الذي تحقق. نعم، قد تحصل أخطاء. هم دُهشوا في العالم لأنهم يعرفون أنه في مثل هذه الحالات في بقية أماكن العالم يحصل قتل، تدمير، مجازر، سرقات، نهب... لكن ماذا حصل عندنا؟ يمكن أن تكون حصلت بعض الأخطاء من قبل لصوص، من قبل متسللين، ولكن هذا جزء بسيط من الصورة. لماذا يصر البعض أن يضعنا أمام مشهدين: مشهد حضاري بهذه العظمة، وبنفس الحجم والمستوى بأن هناك بعض الأخطاء حصلت في هذه المنطقة؟ أقول للبعض: أخرجوا من مخاوفكم.. اخرجوا من أحقادكم.. كونوا لبنانيين حقاً ووطنيين حقاً في هذه اللحظة التاريخية!! هذا هو النصر الثاني الذي تحقق.
أيها الأخوة والأخوات،
أمام هذين النصرين الكبيرين عدد من النقاط الواجب إثارتها:
أولاً)
يجب الحفاظ على هذا الإنجاز وهذا الانتصار، ويجب تقويته وتحصينه، وهذا يحتاج إلى جهد وتضحية أكبر، وإلى تواضع كبير أيضاً من الجميع.
ثانياً)
علينا أن نثبت هذه المنطقة أننا لائقون بالنصر، وقد أتثبتنا ذلك خلال الأيام الماضية، لكن لا تسمحوا لأحد في الأيام والأسابيع المقبلة بأن يدخل على الخط. أنا لا أتحدث عن مخاوف، ولكننا في جوار عدو لا يمكنه أن يتحمل كل هذه البهجة في وجوهكم، وهو الذي اعتاد أن يراها متألمة حزينة.. لا يمكنه أن يرى الفرح في عيونكم، وهو الذي اعتاد أن يراها دامعة.. هنا: يجب أن لا يكون هناك مخاوف لدى أحد، لا من المسيحيين ولا من المسلمين، لن أدخل في تعداد القرى والبلدات، ولكن أقول: هذه مسؤولية الجميع، الكل يجب أن يتحمل المسؤولية، فإن حصلت مسألة بسيطة نحلّها، عندما نضخّمها نكون قد ضيّعنا الفرصة، وضربنا العيش المشترك، فلنبق الأمور في أحجامها الحقيقية، هذه المنطقة بحاجة إلى تحصين بعد كل هذا التاريخ المظلم، مسؤولية رجال الدين المسلمين والمسيحيين، والقوى السياسية الموجودة في المنطقة، والفاعليات والوجهاء والمثقفين وأهلنا جميعاً.. أن يعملوا على لملمة الجراح في كل بلدة وفي كل قرية وبين العائلات جميعاً.
ثالثاً)
العملاء هم عبرة للبنانيين جميعاً، وهذه تجربة جديدة، وشاهدتم كيف أُذلّ هؤلاء، كيف يتهمون قائدهم بخيانتهم. أنطوان لحد العميل يقول: "لقد أخلصنا لـ إسرائيل 25 سنة وخانتنا وتركتنا في ليلة واحدة". هذه يجب أن تكون عبرة لكل لبناني مسلم ومسيحي أنّ إسرائيل لا يعنيها ولا يهمها أحد في لبنان. هي تكذب على المسيحيين وتكذب على المسلمين عندما تدعي الحرص عليهم. ما يهم إسرائيل في لبنان والمنطقة مصالحها ومنافعها وأطماعها. نحن المسلمون والمسيحيون، في نظر هؤلاء الصهانية، مجرد خدم وعبيد لشعب الله المختار. أما آن لبعض اللبنانيين لأن يفهموا هذه الحقيقية وأن يستفيدوا من كل هذه العبر؟ يجب على اللبنانيين أن يعرفوا أنّ خيارهم يجب أن يكون خياراً وطنياً، أن لا يخطئوا في الحسابات الطائفية فتؤدي بهم إلى إسرائيل. إنّ مصلحة كل الطوائف في لبنان أن يكون خيارها وطنياً.. أن يكون خيارها عربياً.
رابعاً)
لتحصين الأمن القومي في لبنان، ولتحصين هذه المنطقة، يجب يعاقب العملاء أمام القضاء، ويجب أن يحاسَبوا وأن يُنـزل بهم أشد العقاب ليكونوا عبرة للمستقبل، لكي لا يكون في هذه المنطقة أي لغم أو فتيل للتفجير يمكن أن يستفيد منه أحد: إما متحسس ثائر أو حاقد متربص.
خامساً)
أعلن من هنا في يوم النصر، بالنسبة إلى هذه المنطقة، أننا في حزب الله لسنا في وارد أن نكون بديلاً عن الدولة، لسنا سلطة أمنية، ولن تكون سلطة أمنية، لسنا مرجعية أمنية، ولن نكون مرجعية أمنية، الدولة هي المسؤولة، هذه المنطقة عادت إلى سيادة الدولة، والدولة هي التي تقرر من سترسل: قوى الأمن، تعزز المخافر، ترسل أجهزة أمنية أخرى، نحن لا نتحمل أي مسؤولية أمنية في هذه المنطقة على الإطلاق.
سادساً)
المسؤولية الإنمائية والاعمارية.. حجم الخراب في هذه المنطقة يحتاج إلى دولة. طبعاً حزب الله قدّم دماً وتضحيات، ونحن من خبز المجاهدين سنمد يد المساعدة إلى هذه المناطق، ولكن المسؤولية هي مسؤولية الدولة، والدولة يجب أن تتعاطى مع هذه المنطقة على المستوى الإنمائي بشكل طارئ واستثنائي. وهنا أؤكد أن حجم العمل المطلوب إنمائيا وإعمارياً وخدماتياً هو أكبر من أي مؤسسة، هو أكبر من أي وزارة ، يجب أن تستنفر كل وزارات الدولة لتأتي إلى هنا وتتحمل مسؤوليتها هنا، يعني: المناطق المحررة من الجنوب والبقاع الغربي، يعني قرى المواجهة التي تحملت عبء المقاومة أكثر من غيرها لأنها كانت موضع القصف والعدوان والهجوم المستمر.
لكن، إسمحوا لي هنا في بنت جبيل وفي جبل عامل أن أكون وفياً لمنطقة أخرى. عندما نتحدث عن إنماء هذه المناطق كجزء من إنمائها وإعادة أعمارها فهناك منطقة لها فضل كبير في هذه المقاومة، وهي منطقة بعلبك الهرمل، هذه المنطقة التي تأسست فيها المقاومة الإسلامية واحتضنت المجاهدين من الجنوب وبيروت في بعلبك هي التي تعرضت بشكل دائم للقصف الجوي وخسرت على المستوى الإنمائي والاقتصادي وقدمت المئات من أبنائها شهداء، ومن الصعب أن نجد قرية في منطقة بعلبك الهرمل خصوصاً والبقاع عموماً ليس فيها شهداء سقطوا من أجل تحرير الجنوب والبقاع الغربي. هذه المنطقة التي صبرت طوال السنين الماضية لأن أولويتها كانت التحرير، كانت مقتنعة معنا بأن أولوية التحرير جديرة بالصبر والتحمل، إبن بعلبك الهرمل الذي قدّم دم ولده لتحرير الجنوب صبر على الجوع والحرمان، والآن إنماء هذه المنطقة يجب أن يتلازم مع إنماء تلك المنطقة، وعند الحديث عن لجنة طوارئ، يجب أن نتحدث عن لجنة طوارئ للمنطقتين إذا كنا نريد أن نكون أوفياء للمستضعفين والمحرومين والمعذبين والفقراء الذين قاتلوا وصنعوا هذا النصر.
سابعاً)
أقول للبنانيين جميعاً، يجب أن تتعاطوا على أساس أن هذا انتصار لكل اللبنانيين، ليس انتصار حزب ولا حركة ولا تنظيم، هذا ليس انتصار طائفة وانهزام طائفة. مخطئ وجاهل من يظن ذلك أو يقول ذلك. هذا انتصار للبنان، وهذه المقاومة كانت قوة للوطن، وستبقى قوة للوطن. هذه المقاومة عندما كانت تنتصر كانت تتواضع، وعندما كانت ترتفع بالشهداء كانت تتواضع. وأنا أقول لكم: ستجدون حزب الله والمقاومة الإسلامية بالتحديد أكثر تواضعاً من أي زمن مضى، لأننا في هذا النصر نشعر بعظمة ربّنا وقوّته وجبروته وقدرته، وكم نحن البشر ضعافاً، إذا اتكلنا على أنفسنا نبقى مهزومين، إذا اتكلنا على الله فإنّ الله هو العزيز الجبار. وأنا أعدكم بأنه لن يُستخدم هذا النصر في يد أحد على حساب هذا الوطن وعلى حساب أي جزء من شعب هذا الوطن العزيز.
ثامناً)
اليوم باراك يدعو لبنان إلى اعتبار الانسحاب رسالة سلام! هذا خداع.. هو خرج من دون خيارات، ثم يدعونا إلى اعتبار الانسحاب سلاماً بعد قتل عشرات الآلاف من المدنيين، بعد ما لا يقل عن 1276 شهيداً من حزب الله، وإذا ضممنا إليهم آلاف الشهداء من بقية الأخوة في القوى الإسلامية والوطنية اللبنانية ماذا تكون المحصلة؟ بعد عشرات الآلاف من المدنيين الذين قُتلوا في لبنان، بعد أن دُمّر بلدنا واقتصادنا، وهو مازال يحتجز أسرانا في سجونه، ومازال يحتل أرضاً عزيزة علينا هي مزارع شبعا، وهو في الوقت الذي يستقبل فيه المهاجر اليهودي الروسي رقم مليون ويعلن استعداده لتستقبل فلسطين مليون مهاجر في السنوات المقبلة يرفض أن يعيد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وغيره إلى ديارهم وبيوتهم وحقولهم.
عن أي رسالة سلام يتحدث باراك ثم يبدأ بالتهديد والتهويل على لبنان؟ أمام تهويله ووعيده ووعده أقول لكم: الشيخ عبد الكريم عبيد وأبو علي الديراني وسمير القنطار، وكل أسير في السجون الإسرائيلية سيعود إليكم قريباً أن شاء الله. لا يوجد خيار أمام باراك وحكومته، أنصحه بأن يخرج من مزارع شبعاً ويفض هذه المشكلة، وستُثبت الأيام أنه ليس لديه خيار آخر، ونحن لا تعنينا القرارات الدولية، إنّما نفهم أنّ هناك أرضاً لبنانية محتلة يجب أن تعود إلى لبنان، الأسرى سيعودون، وبقية الأرض ستتحرر، ولن يكون هناك خيارات أمام هذا العدو المهزوم في لبنان.
أما التهديد والوعيد الإسرائيلي فلا نخاف منه اليوم... هم الخائفون على امتداد هذه الحدود وهذا الشريط. لقد خافوا من بعض النساء والأطفال الذين يقفون على الحاجز الحديدي... يخافون من حجر يرمى عليهم... أنتم الآن هنا بنت جبيل آمنون سعداء، وهم على امتداد مستعمرات شمال فلسطين المحتلة خائفون ومرتعبون أمام المستقبل المجهول... لقد انتهى الزمن الذي كنا نخاف فيه من التهويل والتهديد الإسرائيلي، وهو يعرف أن الزمن الذي كانت فيه تستبيح طائراته سماءنا قد ولى، وأن الزمن الذي كانت تستبيح دباباته أرضنا قد ولى، وأن الزمن الذي كانت تستبيح فيه زوارقه مياهنا الإقليمية قد ولى، وإنّ أي اعتداء على لبنان لن يقابَل بشكوى إلى مجلس الأمن (من مجلس الأمن هذا؟!) ولا بالدموع... لن يقابَل إلا بالمقاومة.. "إسرائيل" إذا اعتدت على لبنان ستدفع إثماناً غالية.
تاسعاً)
أيها الأخوة والأخوات،
أيها اللبنانيون، أنتم أمام استحقاقات كبيرة، استحقاق استكمال التحرير، واستكمال استعادة الأسرى، واستكمال بناء مؤسسات الدولة... بهذا الانسجام بين المقاومة والدولة، بهذا الإحساس بالمسؤولية الوطنية، بهذا التوحد حول الوطن يمكننا أن نواجه كل الاستحقاقات ونبني لأنفسنا ولأجيالنا القادمة وطناً اسمه لبنان. لبنان الجديد قوّته في قوّته، قوّته في دمه، قوّته في صموده، قوّته في جبروته، قوّته في رفعته وعصيانه على كل الأعاصير والعواصف. لبنان الجديد وطن للعيش المشترك الحقيقي، فلن يسمح بعد اليوم مسلم ولا مسيحي للصهاينة بأن يلعبوا بنا.. بأجيالنا.. بشبابنا.. لبنان الجديد هو وطن للشدة في وجه الغزاة، ووطن للرحمة في تعاطي أهله وفئاته وطوائفه بعضهم مع بعض .
عاشراً)
هذا النصر نقدّمه لشعبنا المظلوم في فلسطين المحتلة ولشعوب أمتنا العربية والإسلامية. ومن هنا، من بنت جبيل المحررة، أخاطب شعب فلسطين المظلوم المعذب المضطهد.
يا شعبنا في فلسطين: مصيرك بيدك، أرضك تستطيع أن تستعيدها بإرادتك، بخيار عز الدين القسّام، بدماء فتحي الشقاقي ويحيى عياش، يمكنك أن تستعيد أرضك، من دون أن يمن عليك هذا الصهيوني بزاروب هنا أو قرية هناك. يمكنكم أن تعيدوا أهلكم إلى ديارهم بفخر واعتزاز من دون توسل لأحد. أنتم تستطيعون أن تستعيدوا أرضكم وحقوقكم المشروعة حتى لو تخلى عنكم كل العالم. دعوا هذه الأدلة والحجج جانباً. إنّ طريق فلسطين، يا شعب فلسطين، أن طريقكم إلى الحرية، هو طريق المقاومة والانتفاضة، المقاومة الجادة والانتفاضة الحقيقية، لا الانتفاضة في إطار أوسلو، ولا الانتفاضة في خدمة المفاوض المتنازل في ستوكهولم.. الانتفاضة والمقاومة التي لا ترضى إلا بالحق كاملاً كما في لبنان. في لبنان: كل لبنان يرفض أن يبقى جزء بسيط من أرضه تحت الاحتلال. هذا النموذج اللبناني الراقي نقدّمه لشعبنا في فلسطين. لتحرير أرضكم لستم بحاجة إلى دبابات ولا إلى توازن استراتيجي، ولا إلى صواريخ، ولا إلى طائرات، ولا إلى مدافع، بل على طريقة الاستشهاديين الماضين الذين هزوا الكيان الصهيوني الغاصب وأرعبوه، يمكنكم أن تستعيدوا أرضكم. أنتم أيها الفلسطينيون المظلومون والعزل والمحاصَرون، يمكنكم أن تفرضوا على الغزاة الصهاينة أن يعودوا من حيث أتوا.. فليذهب الفالاشا إلى أثيوبيا، فليعد اليهود الروس إلى روسيا.. الخيار عندكم والنموذج ماثل أمام أعينكم: المقاومة الصادقة والجادة يمكنها أن تصنع لكم فجر الحرية. يا إخواننا وأحباءنا في فلسطين.
أقول لكم يا شعبنا في فلسطين: إنّ إسرائيل هذه التي تملك أسلحة نووية وأقوى سلاح جو في المنطقة، والله هي أوهن من بيت العنكبوت!
لكن إذا كنتم تريدون الاعتماد على الاتحاد السوفياتي كما كان في السابق فلن تصلوا إلى نتيجة، إذا كنتم تنتظرون المجتمع الدولي فلن تصلوا إلى نتيجة، إذا كنتم تراهنون على المعادلات فلن تصلوا إلى نتيجة.
يا شعب فلسطين: إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم، يا شعب فلسطين: إن ينصركم الله فلا غالب لكم.
وأقول لشعوبنا العربية والإسلامية: أيتها الأمة العربية، يا عالمنا العربي والإسلامي، الخزي والهزيمة والذل والعار من الماضي هذا الانتصار يؤسس لحقبة تاريخية جديدة ويقفل الباب على حقبة تاريخية ماضية.. ضعوا اليأس جانباً وتسلحوا بالأمل، ضعوا الوهن جانباً واشحذوا الهمم والعزائم. إنني اليوم، بإسم كل الشهداء في لبنان، بإسم كل المظلومين في لبنان، أطالب الحكومات العربية، بالحد الأدنى، أن توقف التطبيع مع إسرائيل، أن تقطع علاقاتها بـ "إسرائيل"، أن تفرض موقفها وقرارها على إسرائيل. وأطالب الشعوب العربية بأن تقف إلى جانب فلسطين وشعب فلسطين، وأن ترفض أي شكل من أشكال التطبيع مع هذا العدو.. إسرائيل الكبرى هزمتها المقاومة، إسرائيل العظمى تهزمها المقاومة، وأحد أشكالها المهمة مقاومة التطبيع.
في لبنان، لبنان الانتصار، لبنان العزة القومية والعربية الإسلامية، لبنان الشرف، لبنان التضحية، لبنان المقاومة، لبنان الشهادة.. أحيي كل المقاومين المدافعين عن هذا البلد، أقول لهم: أقول للمقاومة الإسلامية، للسرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال، لأفواج المقاومة اللبنانية أمل، لجبهة المقاومة الوطنية.. ومن ورائهم هذا الشعب، أيها اللبنانيون: نحن في جوار عدو متآمر، طبعهم العدوان والإرهاب، طبعهم العنصري يفرض عليهم التآمر الدائم، ولذلك يجب أن نبقى جميعاً في جهوزية دائمة نحفظ مقاومتنا ونحفظ جيشنا ونحفظ دولتنا ونحفظ وحدتنا الوطنية والداخلية، لنحصّن هذا النصر، ولنثبت أن لبنان هو القلعة التي لا يمكن أن تهزمها العواصف ولا الأعاصير ولا يمكن أن تشقّها أعتى الزلازل..
مبارك للبنانيين والعرب والمسلمين والمسيحيين ولكل المظلومين في العالم، مبارك لروح الإمام الخميني، لموسى الصدر، للقائد الخامنئي، للرئيس الأسد، لكل لبناني، لكل شهيد، لكل عربي شريف، مبارك هذا النصر الذي وضع الأمة كلها على بوابة مرحلة الانتصارات الآتية ووضع إسرائيل على بوابة مرحلة الهزائم الآتية
وكل نصر وكل عيد وأنتم بخير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته