السلام عليكم من العراق
هذه مشاهداتي الأولية عن الواقع العراقي حالياَ، بغداد ، خلال وجودي هنا لمدة خمسة أيام !
أولاَ: الأمن ليس سيئاً كما يصوره الإعلام العربي في الخارج. فالأمور تسير برتابة وهدوء رغم تعقيدات الوضع السياسي. العراقي يكدح ممارساَ غريزة البقاء على الحياة غير مكترث بما يحكى ويقال. يمارس النكتة والضحك، رغم وجهه المتعب الذي أكل عليه الدهر وشرب.
ثانياَ: الكهرباء مقطوعة، على الأغلب، هنالك خطة قطع مبرمجة تعادل أربع ساعات إطفاء وساعتي إمداد كهربائي في أغلب الأحيان. وفي حالات الإنتعاش تقوم وزارة الكهرباء بقطع التيار الكهربائي لمدة ثلاث ساعات وتزويد التيار لمدة ثلاث ساعات بدلاَ من إثنتين. وكما هو معروف تحايل العراقيون على هذا الوضع بعدة اساليب،
فقد إشترى معظمهم مولدات لتوليد الكهرباء، تستخدم لتشغيل المراوح والإضاءة. كما قام بعض الأفراد بنصب مولدات كبيرة تزود ساكني الأحياء التي تعمل بها بمقدار من الأمبيرية يتفق عليه. ويكلف الأمبير الواحد مبلغ 4000 دينار عراقي (يعادل 3 دولارات أميركية تقريباً). ويتعالى التبرم عندما تنقطع "الوطنية" كما يسمي العراقيون الكهرباء الآتية من وزارة الكهرباء، وخاصة في ساعات الليل المتأخر، وساعات الحرالشديد في قيلولة الظهيرة. يتضايقون أكثر عندما لا يشغل صاحب المولد مولدته لحصول خلل أو عندما يكون نائماً أو مشغولاً عن تشغيلها.
حديث الكهرباء ونقص الخدمات هو حديث يومي وذو شجون، يتخطى الحديث عن السياسة والتعيينات، وتشكيل الحكومة.
ثالثاَ: معظم العراقيين الذين إلتقيتهم راضون عن التشكيلة الوزارية الجديدة، وهنالك نوع من التفاؤل الحذر بشأن أعمال هذه الحكومة. كما انني لاحظت حساسية مفرطة تجاه أي تصريح يصدر من جهات أجنبية أو عربية أو إسلامية غير عراقية تتدخل بالشأن الداخلي العراقي. ولسان حالهم يقول دعونا وشأننا.
رابعاَ: الصور، الصور، الصور. تملأ كل مكان. صور مستوردة من بلاد فارس، وبلاد العرب، وحتى بلاد السند والهند. تستطيع أن تشتري من المكتبة كتاب الشيعة والحاكمون لمحمد جواد مغنية، وكراسة الخيرة المنسوبة للإمام الصادق، وصور محمد باقر الحكيم، وميدالية مفاتيح برسم يشير إلى الإمام علي، مع صور نانسي عجرم، وأليسيا التي يبدو أن الشباب الصايع يتلذذ بالنظر إليها.
خامساَ: نقاشات حامية وحارة جداَ بحرارة القيظ البغدادي تحدث عند كل إجتماع، وفي كل مكان. بين الشباب أتباع السيد مقتدى، وبين الآخرين ممن ينتمون إلى كافة أطياف الواقع الشيعي. إتهامات كثيرة يطلقها البعض ضد البعض الآخر، ونقاشات كثيرة أرى أنها تثري الواقع الثقافي الشيعي. أتباع السيد مقتدى هم الأقلية، رغم صوتهم العالي وجراتهم الغير معهودة، رغم أنني رايت ان أجوبتهم عن كثير من الإتهامات والوقائع لم تكن على جانب جيد من القبول، ربما ساعود لبحث بعض الأمثلة لاحقاً.
سادساً: الجميع مشغولون هذه الأيام بفترة الإمتحانات النهائية للصفوف المنتهية ( الثالث المتوسط والسادس الإعدادي). وهو إنشغال يصل إلى حد المعاناة الكبيرة للطالب الذي يجب عليه أن يؤدي سبعة إمتحانات بواقع أمتحان بين يومين. ومع الإنقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، والوضع الأمني الذي يضطر الكثيرين من أولياء الأمور أن يصاحبوا أولادهم إلى المدارس، وبين الإزدحام المروري الذي تسببه كثرة السيارات، وإنعدام الإنضباط، وقلة رجال المرور، والإرباكات المرورية التي تسببها القوات الأميركية من خلال قطعها لكثير من الشوارع في بغداد أثناء تحريكها لقطعاتها العسكرية في هذا الشارع أو ذاك. يضاف إلى ذلك صعوبة الأسئلة وطولها الغير معهود مقارنة بالسنوات السابقة، تلقي بعبء إضافي على كاهل أولياء الأمور والطلاب والطالبات، خصوصاَ طلاب السادس الإعدادي (السنة الأخيرة في النظام الدراسي العراقي). ويعتقد الكثيرون من أولياء الأمور أن مسؤولي وزارة التربية لم يقوموا بأي تحديث فيما يتعلق بالمناهج والإمتحانات، وأصبحت هذه الإمتحانات ما يشبه الإنتقام المتعمد ضد الطلاب، بسبب طولها الغير معقول وصعوبتها والتي لا تتناسب مع الوقت الممنوح لأداء الإمتحان.
أوافيكم فيما بعد عن بعض الأمور التي اراها هنا، فإلى لقاء قريب.