بدأ محاكمة الطاغية في العراق كان له صدى ووقع يوم القيامة على الوجدان القومي العربي والإسلامي الأصولي الذي لا يقتات إلا بالرموز، وقد تجلّى هذا الصدى والوقع الأليم بالدرجة الأولى في شوارع عربية ثلاثة حزينة اضيف اليها بعض الحثالات من هناك وهناك .
الأول، الشارع المصري كما وصفه نبيل شرف الدين في تغطياته الصحافية والذي يتلخص بشعور الشارع المصري وعلى رأسه المثقفون المصريون المزيفون الذي يلطمون الخدود ويشقون الجيوب على جرة السمن والعسل التي انكسرت وحرمتهم من العطايا والمطايا والهدايا، عندما سقط الطاغية الحي الميت، والجثة النتنة التي شاهدناه على شاشات التلفزيون وهو يقبع ذليل مهان خلف القضبان .
فحقَّ لهؤلاء البكاء والعزاء
والثاني، الشارع الفلسطيني الذي خرج عند سقوط الطاغية يرفع صورة الطاغية الجرذ إلى جانب صور الديكتاتور الفلسطيني المسجون. ويردد هتافات الروح والدم الرخيص. وكانت معظم هذه المظاهرات في شوارع غزة التي سيّرتها الفصائل الفلسطينية
الدينية، اضافة إلى منظمة " فتح" التي كانت تقتات من جرة سمن وعسل الطاغية المقبور
فحقَّ لهؤلاء أيضاً البكاء والعزاء
والثالث، الشارع الأردني الذي خرج بالأمس يقول لكاميرات تلفزيون "جزيرة" الموساد، بأن طاغية العراق لم يستسلم، وكل ما جرى مسرحية امريكية، ولعبة صهيونية مكشوفة. بينما راح كتبة الطاغية الأردنيين الذين كانوا يتلقون رواتب شهرية من الطاغية، وسيارات، وبيوت، وبعثات جامعية لأولادهم، بالبكاء على المصير الذي انتهى اليه الطاغية، وقال كبير المعلقين وأشهرهم في جريدة " الرأي"، أكبر الصحف الأردنية وبالفم المليان .. كمواطن عربي لا اخفي حزني وغضبي لما حدث، وأشعر بأن الأمة العربية تلقت ضربة مهينة في كرامتها القومية سيكون لها اصداء وردود فعل في أعماق الشخصية والذاكرة العربية. لا بد ان نذكر لصدام انه كان رئيس دولة عربية كبرى ، وان له تاريخاً مشرفاً، وهو مثل عبد الناصر، أحد رموز المشروع العربي القومي العربي المطلوب رأسه
فحقَّ لهؤلاء أيضاً البكاء والعزاء
كل هذا مقبول ومبرر، ولم يصل بعد إلى حد العُهر
ولكن ما وصل إلى حد العُهر فعلاً، دعوة الحزبي البعثي من الحرس القديم و نقيب المحامين الاردنيين حسين مجلّي الى تشكيل لجنة عربية للدفاع عن الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ، باعتباره الرئيس الشرعي للعراق
وقال المجلي: ندعو الى تشكيل هيئة دفاع عربية عن الرئيس الشرعي صدام حسين لان الاحتلال غير مشروع ، وكل ما نجم عن الاحتلال باطل . واضاف نقيب المحامين الاردنيين: الرئيس العراقي هو الرئيس الشرعي للبلاد، ومن حقه ان يقود مقاومة لتحرير وطنه من الاحتلال الاميركي
ويبدو أن صُرة الذهب التي كان يتلقاها المجالي شهرياً كانت كبيرة جداً، بحيث دفعته الى هذه
الهستيريا القانونية
فهل بعد هذا العُهر ذنب؟