السيستاني ليس لغزا
إيلاف السبت 29 مايو 2004 13:53
السيستاني ليس لغزاً
د. حسين أبو سعود
انه قدر العظماء ان يظلوا على الدوام موضع انتقاد وحسد من الناس و "اكثرهم للحق كارهون "، ولانه احد عظماء عصره لقد سُـلطت الاضواء كاملة عل شخص سماحة اية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله وصار الشخصية العالمية الاولى اذ تتسابق وكالات الانباء والفضائيات ووسائل الاعلام الاخرى على ذكر اسمه والتعرض له وهو بعد صامت، ولا ادري كيف تكون عليه الامور اذا ما تكلم هذا الانسان وحاول ان يكون طرفا في زعزعة الاستقرار والامن كما يفعل البعض. وهاهي الاضواء تتسابق على احتوائه وهو راغب عنها فكيف لو سعى اليها بنفسه؟
وهاهي الملايين تظهر الولاء له وهو لم ينبس بعد ببنت شفة فكيف لو دعاها السيد الى التحرك والتاثير في الشارع. ومن السذاجة بمكان ان نقول بان من يتعرض للسيد السيستاني هو جاهل بمكانته وعلو مقامه لانهم يعرفون جيدا من هو السيد السيستاني، وياليت التهم الموجهة اليه كانت ذات قيمة!
فهم يتهمونه بالفارسية ويعلمون بانه امام في اللغة العربية وضليع في الفقه واصوله، فضلا عن كونه سليل الدوحة العلوية الهاشمية القرشية العربية.
واتهموه بتخزين الاموال وهم يعلمون بانه علم في التقوى والورع والعرفان والزهد في مال الدنيا وزخرفها وقد رآه العالم اجمع من خلال الصورة الوحيدة التي تتكرر في الفضائيات، كيف يجلس على الارض ويعيش بتقشف بالغ في غرفة متواضعة ليس فيها سوى الكتب والمراجع.
واتهموه بالصمت وهم يعلمون انه يتربع على قمة المسئولية والتحلي بالحكمة في معالجة الامور في بلد كثير التناقضات، ويعلمون انه قد تكلم عندما كان الكلام ضروريا وسكت عندما دعت الحاجة، ويعرف العقلاء بان السكوت في بعض الاحيان يكون ابلغ من الكلام في التعبير عن موقف معين.
اتهموه بعدم حمل الجنسية العراقية وهم يعلمون بانه مقيم في النجف الاشرف منذ اكثر من نصف قرن من الزمان، وان الجنسية لا تسوى عنده جناح بعوضة و لو ارادها لقدمت اكثر من دولة جنسيتها له و ولو اراد مكانا يسكن فيه لعرضت اكثر من دولة استضافته على اراضيها باعتباره يمثل اعلى مرجعية للطائفة الشيعية في العالم، كما انه لم يدع يوما بانه عراقي او تركي او ايراني ونظرته الى الجنسية هي نظرة قرانية بحتة كما في قوله تعالى " ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون ".
وان الذين ينفثون عليه سموم الحقد والكراهية والحسد والتشهير والذم وجميع ما في قاموس الاساءة من كلمات ويفعلون ذلك ليل نهار وعلى جميع الاصعدة انما ينضحون بما في انفسهم باعتبار ان كل اناء ينضح بما فيه، ولو رأينا ماذا لقي اولئك مقابل هذا السيل من الاساءات من السيد السيستاني لوجدنا الاناة والتحمل والصبر والحكمة والتدبر والهجر الجميل " وقيلا سلاما سلاما "، وانه استطاع بحكمته ان يعيش في ظل نظام دموي طاغوتي لمدة طويلة وهو يرى الجور والظلم ومحاولات التحريض التي قام بها بعض الاشخاص ضد المرجعيات الغير عربية ورأى الجميع كيف ان الزبد ذهب جفاء ومكث ماينفع الناس وكذلك يضرب الله الامثال وكذلك يضرب الله الحق والباطل ليزهقه وهل كان الباطل الا زهوقا؟.
وقد تصور هؤلاء المجاهيل بانهم سيحصلون على الشهرة في وقت قصير لو انهم هاجموا السيد السيستاني بعظمته وجلال قدره وعلو مكانته، وكم من هؤلاء اراد الشهرة السريعة عن طريق التعرض للذات الالهية حينا وللمقام النبوي احيانا اخرى، ولكنهم لم يحصدوا سوى الندم والخيبة والفشل الذريع، وما يمكن ان يحصل لناطح الصخرة غير ان يقال عنه " واوهى قرنه الوعل " وهكذا فان كل الذين كتبوا ضده وتعرضوا له بالشتم والاهانة انما شتموا انفسهم واهانوها وان شتائمهم عادت اليهم دون ان يكلف السيد نفسه بالرد عليهم و كما لم يُعرف بان احدا من مكتبه تصدى للرد على هذا السيل من الاتهامات على اني استطيع ان اجزم بان السيد يدعو لهؤلاء جميعا بالهداية والمغفرة وحسن العاقبة.
وان استهداف السيد السيستاني بالذات دون المراجع الاخرين المتوزعين في ايران ولبنان والعراق لهو دليل آخر على اهمية السيد و مكانته علما بانه موضع تقدير واحترام من المراجع الاخرين العارفين بقدره وعلو مقامه.
وبقي ان نقول بانه من الخطا التصور بان السيد السيستاني ليس له رأي في الاحداث التي تشهدها العراق هذه الايام، وان تصريحاته على قلتها تصب في مصلحة العراق، وليس صحيحا انه اغلق بابه على نفسه بل واجزم بانه على اطلاع كامل بكل مايجري وبتفصيل تام، وهو الذي اعلن وقوفه ضد تقسيم العراق بكل الاحوال وعمل على تجنب المواجهات والاعتماد على جميع الخيارات السلمية المتاحة واستنفاذ كافة الوسائل والسبل التي من شأنها حقن دماء المسلمين وتحقيق الانسحاب الامريكي باقل خسارة ممكنة، والسيد السيستاني له القدرة الكاملة على تحريك الشارع العراقي بالمظاهرات السلمية والمسلحة ويستطيع ان يعلن الجهاد ضد الامريكان، ولكنه يعلم بان الوضع السياسي في العراق مرتبك للغاية وهناك امكانات كبيرة لسفك انهار من الدماء ويعي جيدا خطورة الوضع وتعقيده والغد المجهول الملامح وان هناك تدخلات داخلية وخارجية من اطراف مختلفة الاتجاهات متباينة الاهداف، وهو باتقانه اصول المنطق والفلسفة يعرف كيف يزن الامور حسب الموازين المنطقية التي تعيد الامور الى نصابها، كما ان المرجع الفقيه يعرف متطلبات العصر ويتابع اوجه التطور في القضايا السياسية والاجتماعية ليس في العراق وحده بل في معظم بلدان العالم كونه ليس زعيما لشيعة العراق بل الشيعة في العالم، ويعلم كيف يرعى مصالح الناس وفق المعايير الشرعية.
والسيد السيستاني يتحلى بجميع الصفات والشروط الواجب توفرها في المرجع من عمق في التفكير والافق الواسع ورجاحة العقل والورع والتقوى والعدل فضلا عن كونه محاطا بكوكبة مؤمنة من المستشارين لهم ضلوع وتخصص في مختلف علوم الحياة كالطب والاجتماع والسياسة وغيرها، وعليه فهو لا يحتاج الى تحريض من احد ليقوم بدوره كما انه لايجوز توجيه النقد له من اناس دون مستواه ومن عظيم الظلم وبالغ الاجحاف القول بانه لايفعل شيئا، وان عدم الخروج الى الاضواء و الزهد في اجراء المقابلات التلفزيونية وقلة التصريحات لا يعني انه بعيد عن الاحداث، كما ان موقف المرجعية الرشيدة من السياسة معروف، وعدم التدخل في السياسة هو بحد ذاته سياسة ولا ينفي ان يكون لدى المرجعية برنامج حكم ومشروع سياسي، وان لموقفه الثابت من عدم استقبال ايا من اعضاء مجلس الحكم وايا من المسئولين الامريكان وعلى راسهم السفير بول بريمر اكثر من تفسير يمكن للمتابع الجيد ان يستشفه.
وفي الختام اقول كفوا السنتكم واقلامكم عن السيد السيستاني ودعوه يعمل في جو من الهدوء لصالحكم بعيدا عن التهريج والشوشرة ودعونا ننتظر موعد نقل السلطة الى العراقيين خاصة وان الامريكان يعيشون هذه الايام حالة من التخبط ولدت عندهم رغبة في نقل السلطة والتخلص من التبعات التي اثقلت ظهورهم.
حفظ الله سماحة الامام المرجع وادام ظله الوارف.
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
واخو الجهالة في الشقاء ينعم