 |
-
ما ذا يعني حذف الآخَر؟
[align=center]ما ذا يعني حذف الآخَر؟
السبت 10 يوليو 2004 05:04
غالب حسن الشابندر [/align]
كثر الحديث في الايام الاخيرة عن ( الأخَر ) في الخطاب السياسي والفكري، بل تحوّل الى موضوعة العصر على صعيد السجال الثقافي بين مختلف التيارات الدينية، و الفكرية، والفلسفية، بل لا ابالغ فيما زعمت انّها المقولة التي تسيطر على اهتمامات الحياة الفكرية العالمية، فهناك كلام طويل ومعقّد ومتشعّب عن الآخر... تعريفه... قبوله... قمعه... التواصل معه... حريته... تعدده... هويَّته... وتمتدّ بنا قائمة المفاهيم والتصورات والرؤى، حتي يصعب حصرها الى حدٍ كبير.
(الآخر ) المطروح في هذه السجالات والندوات هو الآخر في الهوية...الآخر في الحمولة الاديولجية... الأخر في الدين... الآخر في الموقف السياسي... الآخر في الذوق الفني... الآخر في المدرسة النقدية الادبية... الآخر في المنهج المعرفي... الاخر في الجنس... الآخر في اللون... لا أريد هنا التورّط بتحديد العلاقة بين هذه العناوين، لانّي اصدر من معايشة الملموس، واجاري المفهوم على صعيد نسقه الشعبي العام، ف( الاخر) بالنسبة للمسلم الملتزم في بعض مقترباته هو المسيحي واليهودي، وبالنسبة للماركسي في بعض مصاديقه هو الراسمالي، وبالنسبة للقومي في بعض انسقته هو الأممي والوطني، وتنعكس المعادلة هنا بطبيعة الحال، وذلك إذا بدأنا من المقترب المتأخر، وفتّشنا عن مقابله، ويمتدّ ( الآخر) كاشكالية لتتحرّك في داخل الانتماء الواحد، فهناك المسلم السني في قبال المسلم الشيعي مثلا، بل وهناك الشيعي الذي يقابله الشيعي الآخر، وهناك الماركسي الذي يقابله الماركسي الآخر، الآخر هو الغير، كما هو أحد مُعطيات القاموس اللغوي المألوف، هناك الابيض والاسود، هناك الغني والفقير، هناك الجبلي والساحلي والصحراوي... تواجهنا شبكة هائلة من شخوص ( الآخر ) تنتصب في قبال هذا المسلم أو ذاك الماركسي، هذا المسيحي وذاك البوذي، من داخل دائرة الانتماء ومن خارجها، على مسافة متناقضة من التوجّه والالتزام، وعلى مسافة متقاربة، لناخذ مثلا ( المسلم )... تُرى اي خارطة يمكن ان تحصي الآخر الذي يقابله ؟ ! سؤال صعب تحقيق جوابه على شكل عملي، فان المسلم ذاته يقابله مقترب من دينه، بل من مدرسته الخاصة في فهمه للدين.
هذه هي ساحة الحياة، قوامها ( الآخر )، فأن كل مفردة تقابلها مفردة أخرى، تقابلها على نحو الضد او المغايرة، على نحو الاختلاف الكلي او الجزئي، وهكذا الى ما لانهاية...
الاختلاف إذن هو الذي يسود الحياة، الاختلاف هو الاصل، ومن هنا كان حذف الاخر يعني الاستفراد الفرداني الجوهراني الفذ !
ماذا لو قرّر ( مسلم ) واحد ان ينفي الآخر ؟
ماذا سيبقى ؟
تتواصل عملية الحذف فلا يبقى سوى إنسان واحد على وجه الكرة الارضية !
أليس ذلك صحيحا ؟
تبدأ عملية الحذف ـ منطقياً ــ من النقطة الابعد لتزحف شيئاً فشيئا لتشمل كل ما يصدق عليه ( الآخر )، فإنَّ كلَّ مفردة تقف على بعد او قرب من هذا ( المسلم ) هو من مصاديق ( الآخر )... لابد ان يختلف معه في شي، وبالتالي هو ( آخر)، الامر الذي يجعله تحت طائلة الحذف.
انَّ حذف الاخر يعدم رسالة الاديولجية والدين والفلسفة والفن والعلم، يجرّد الوجود من كل كثرة بشرية، بل من كل اقلية بشرية، لا أحد مع الحذف هذا، لان الحذف يزحف من دائرة اكبر الى دائرة أصغر، ثمّ تصغر... تصغر... تصغر... فتضيق مساحة الحياة الى حد الفراغ المطلق.
ينصرف مفهوم (الاخر) بشكل عام في الخطاب الشرقي... الاسلامي... العربي الى الغرب بشكل مباشرة، وبدون مراجعة، بلا مقدمات، ينصرف الى الحضارة الغربية، الى تاريخ الغرب، الى الهويات الغربية، إلى أخلاق الغرب، الى مدارس الثقافة الغربية، ونعتقد انّ هذا الانصراف خطر، ضيّق، لا يتصف بالموضوعية والعقلية، فان الأخر متغلغل في كل مقترب من مقتربات الفكر والمواقف والمفاهيم والتصورات والرؤى، ليس هناك تطابق كلي، ليس هناك تماهي حرفي، هناك اختلاف مستشري في مفاهيمنا، في مواقفنا، في تفسيرنا للافكار والفلسفات والتصورات، في الدين الواحد... في المذهب الواحد... في الفلسفة الواحدة... في العالم... في الوطن... في المدرسة... في العائلة... في الدائرة... وبالتالي الانصراف المذكور يتغافل عن نقطة جوهرية، بل قد يكون مفهوم ( الاخر ) يصدق في تصرفاتنا على من يشاركنا نسبة كبيرة من المعتقد والتصور والفكر، اكثر من ان ينصرف إلى الغربي الذي يخالفني في هذه المجالات بدرجات عميقة، ومديات واسعة، ولكن على الصعيد العملي، على الساحة الواقعية، الساحة الملموسة.. الحرب والسجال مع منْ يشاركني الكثير هي اكثر ضراوةً وشراسةً مع ذلك الغربي لسبب من الاسباب.
( الآخر ) حقيقة موجودة في داخل كلّ منّا، لا توجد ذات ساذجة، لا توجد ذات صرفة، لا توجد ذات هي حصيلة إنيّتها الخالصة، بل تتسرّب في ذات كل منّأ ذوات أخرى، ذوات من كل لون وكل إتجاه، وقد يتعايش هذا الأخر في ذاتنا، وقد يتناص مع ذاتنا، وقد يختمر على شكل بذرة مضادّة، الصراع يستوجب طرفين على أقل تقدير، والانا ليست مجرد كيان تتعاطف مكوّناته مع بعضها على نحو التطابق الدقيق... بل هناك الصراع الداخلي...
الآخَر يملأ الوجود، هو ماثل في البصر والبصيرة، ماثل في السُماع والاستماع، ماثل في الداخل والخارج، ماثل أمامنا وخلفنا، ماثل في اليقظة والحلم...
فهل هناك مشروعية لنفي الآخر بعد كل ذلك ؟
الوجود ( أُخْرَيات... أُخَر... )، ولكل أخَر هويته وتاريخه ومصيره...
http://www.elaph.com.:9090/elaph/arabic/index.html
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |