النتائج 1 إلى 13 من 13
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    الدولة
    طائر لا أرتضي الأرض مسكنا
    المشاركات
    4,759

    افتراضي المرجعية الدينية.. دراسة في تحولات ما قبل الستينات

    سليم الحسني

    تتمتع المرجعية الدينية بموقع اجتماعي وسياسي بالغ الأهمية. ولقد مارست ادوار خطيرة في حركة الاُمّة وصناعة الاحداث والمواقف، حيث شهدت الحياة السياسية تحولات كبيرة على مستوى الاُمّة والدولة صنعتها المرجعية القائدة، عبر توجيهاتها وفتواها التي اصدرتها في اوقات حساسة فكانت القول الفصل والحكم القاطع في مجريات الأحداث.

    ان المكانة الإسلامية الكبيرة للمرجعية الدينية وموقعها الشرعي جعلها تتجاوز الأطر الرسمية للحكومات، وتتخطى الحواجز الاقليمية للدو، على اساس ان المقلدين في الغالب يتوزعون على اقاليم مختلفة. ويندر ان يكون هناك مرجع ديني اعلى لا يتجاوز مقلدوه حدود الجغرافية الاقليمية التي يعيش فيها.

    وعلى هذا فان اتساع دائرة التقليد، تساهم في الغاء الفواصل الاقليمية من خلال ربط المسلمين بمراجع الدين. وهذا ما يتضح عملياً في المواقف الكبيرة التي يحدد فيها المراجع الموقف الجماهيري المطلوب عبر الفتوى أو الحكم. كما حدث مثلاً في فتوى الجهاد التي صدرت عن مراجع الدين في العراق عام 1914. فقد شملت العراق، مثلما شملت المناطق الاخرى التي تدخل ضمن دائرة محاربة الانكليز وحرمة التعاون معهم.

    ان قدرة المرجعية على تخطي الحدود وفر لها امكانية قيادة حركات مهمة، وتوجيه احداث خطيرة خارج وسطها الاجتماعي، كما حدث في ثورة التنباك في ايران عام 1891م والتي فجرتها فتوى السيد محمد حسن الشيرازي من سامراء، وعلى اثرها اضطر ناصر الدين شاه إلى الغاء اتفاقه مع بريطانيا حول التبغ.

    ومن هنا يمكن القول ان قوّة المرجعية انما هي متأتية من جانبها الشرعي الذي يفرض على المقلدين العمل وفقها.

    ان المكانة التي تحتلها المرجعية في واقع الاُمّة، جعلها حقيقة كبيرة، فرضت نفسها على الواقع السياسي بكل قوّة. وراحت الحكومات تتعامل معها بحسابات دقيقة. وقد تحاشت السلطة في البلاد الإسلامية ـ وخاصة ذات الاغلبية الشيعية ـ ان تصطدم معها قدر الامكان خوفاً من تعرضها لثورة جماهيرية، رغم ان السلطات كانت تعمل على اضعافها وتقليل مكانتها السياسية. فالحكومات تنظر إلى المرجعية على انها سلطة ذات نفوذ على المسلمين اكثر من نفوذها الرسمي عليهم، بل ان سلطة الحكومة قد تتعطل إذا ما تعارضت مع موقف المرجعية. ولذلك شواهده التاريخية الكثيرة.

    وتأسيساً على ذلك فان المرجعية اكتسبت تأثيرها الاجتماعي من موقعها الديني اولاً، واخذت اهميتها السياسية من قوّة الاُمّة بوصفها الرصيد الكبير للمرجعية ثانياً، على ان هذه الصورة تظهر وكان قوّة المرجعية محصلة اجتماع عنصرين اساسيين هما الدين والأمة، دون ان يكون لها دور ذاتي في صناعة قدرتها، فهل هي الحقيقة ام ان هناك تفسيراً آخر؟

    لا شك ا ن الاجابة على هذا السؤال ذات اهمية خاصة، لانها تتولى مهمة تحديد عناصر القوة في المرجعية الدينية ومنشأ هذه القوة، ومن ثم طبيعة التحرك الذي تضطلع به، ومقوماتها في صناعته، وهي مسائل دقيقة في هذا الخصوص. ومن هنا فلابد من الاستناد إلى الارشيف التاريخي للحوزة العلمية في النجف وقم وغيرها من الجامعات الكبرى للدراسات الإسلامية عبر مراحله المختلفة، في محاولة الاجابة على السؤال الآنف، وفي المواقع التي تستلزم الحاجة العلمية الرجوع إلى التاريخ والاستشهاد بوقائعه.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    الدولة
    طائر لا أرتضي الأرض مسكنا
    المشاركات
    4,759

    افتراضي القاعدة والعقيدة

    القاعدة والعقيدة


    للوهلة الاولى يبدو وكان عنصري (الاُمّة والدين) منفصلان عن بعضهما، وان كل واحد منها يتحرك بشكل مستقل في اعطاء المرجعية قوتها الميدانية، غير ان هذا الفصل الظاهري يغيب في ارضية الواقع، ويتداخل هذان العنصران للدرجة التي يعتمد فيها احدهما على الآخر، فالأمة وبحكم تكليفها الشرعي ترجع إلى علماء الدين في مسائلها الحياتية في العبادات والمعاملات، وتأخذ الحكم في مستجدات الامور منهم، وهي مساحة واسعة يصعب تحديدها. وفي المواقف الحرجة تنظر الاُمّة صوب المرجعية لترى ما يصدر عنها.

    والمكانة الدينية قد تتحول إلى موقع محدد إذا فقدت المرجعية قدرتها الحركية وانعزلت عن الاُمّة. صحيح انها تظل تحتفظ بقدسيتها، لكن دائرة المؤمنين بهذه القدسية تتسع أو تضيق حسب اتساع أو ضيق القاعدة الجماهيرية الملتزمة بالاسلام. فالموقع الديني يكسب المرجعية قوّة ذاتية محدودة في حالة انغلاقها على نفسها وخضوعها لاجوائها الخاصة. ويتحول هذا الموقع إلى قوّة كبيرة عندما تكون المرجعية نشطة في دائرة تحركها وسط الاُمّة فهي المعنية في نشر الإسلام بين المجتمع وهي التي تتولى قيادة العملية التغييرية في الاُمّة وحين تنجح فى عملها هذا تكون قد صنعت قاعدة جماهيرية كبيرة ملتزمة بالاسلام ومنضوية تحت لوائها. والشواهد التاريخية في هذا الخصوص كثيرة من خلال حركة علماء الدين في قيادة الاُمّة والدفاع عن قضاياها المصيرية.

    ان هذا التحرك القيادي للمرجعية رافقه في نفس النقطة، امتلاك المرجعية الدينية رصيد جماهيري ضخم، فضمنت بذلك عنصر الاُمّة، وقوّت به مكانتها الدينية (وهو العنصر الثاني لقوتها)، وكانت النتيجة ان صارت المرجعية قوّة اجتماعية وسياسية كبيرة في المجتمع العراقي، قلبت الموازين في الساحة العراقية، وغيرت مجرى الاحداث فيها، ورسم على اساس هذا التحول تاريخ العراق في السنوات التي اعقبت ذلك.

    وهنا تبرز مسألة جديدة، هي كفاءة المرجعية في استخدام مكانتها الدينية في توجيه الاُمّة وتحريك الاحداث، لتحتفظ بقاعدة جماهيرية متفاعلة معها ولتبقى متمتعة بمركز القوة في الساحة. إذ إنّ شخصية المرجع تلعب دوراً كبيراً في مكانته الاجتماعية، فعلى سبيل المثال احتل الميرزا السيد حسن الشيرازي موقعاً متميزاً من بين علماء الحوزة، لانه تفرد عن بقية العلماء في عدم خروجه لاستقبال ناصر الدين شاه عندما زار النجف الاشرف في عام 1870م، وقد طلب الشاه ان يجتمع به فرفض ذلك، ووافق بعد الالحاح الشديد ان يكون اللقاء في الحرم العلوي الشريف اثناء الزيارة، ولأنّ السيد الشيرازي كان يساعد المحتاجين حين مرت النجف بضائقة شديدة في نفس السنة، وقد رفعت هذه الاعمال منزلته الاجتماعية وكثر عدد مقلديه بشكل ملحوظ.(1)

    لقد صنع السيد الشيرازي قاعدة جماهيرية واسعة حين اهتم بالامة وتعامل بحكمة مع الامور. والاكثر من ذلك انّه هاجر إلى سامراء في ايلول 1874م، وهي خطوة مهمة لما يعرف عن سامراء واوضاعها الاجتماعية، رغم كونها من الاماكن المقدسة للشيعة. وفي سامراء نشط السيد الشيرازي في مشاريعه الإسلامية والاجتماعية. فأسس مدرسة دينية وشيد حسينية، وحماماً للرجال وآخر للنساء وسوقا كبيرة ودوراً كثيرة وجسرا من القوارب على نهر دجلة. وقد استقطبت هذه المشاريع اعداداً كبيرة من المسلمين، فهاجروا إلى سامراء التي تحولت من قرية صغيرة إلى مدينة عامرة. وبدأ الفكر الاسلامي ينتشر في اوساط المدينة حيث تأثر سكانها بالشعائر الحسينية وتعاطفوا معها.(2)

    كان من الطبيعي حين يجد الناس هذا الحضور القوي للمرجعية في أوساطهم، ان يبادلوها تجاوباً وولاءً. فهم يتعاملون مع الموقف الميداني للمرجع أو عالم الدين ومع سلوكه الاجتماعي. اما المنزلة الفكرية ودرجة العلم فهي مقاييس تتعامل معها الحوزة العلمية حسب اجوائها الفكرية الخاصة. وقد يكون العالم بارزاً في الحوزة، لكنه مجهول عند الاُمّة.

    ان الاُمّة حين تعيش مرجعها رمزاً كبيراً، فانها لا تنتظر فتواه حتى تؤدي واجبها بل انها تسارع إلى هذا الموقف بمجرد ان يبدي رغبته، ويكون الاحساس برضا المرجع أو رفضه، محركاً للجماهير في هذا الاتجاه أو ذاك. وتلجأ إليه في المسائل المصيرية لتأخذ منه الرأي، فتحوله إلى واقع على الساحة. وهو ما فعلته في ما عرف بثورة التنباك «التبغ» حين عقد ناصر الدين شاه اتفاقيته مع الانكليز. فقد انهالت الرسائل والبرقيات من ايران إلى سامراء، تطلب من السيد حسن الشيرازي ان ينقذهم من الاتفاقية وما يترتب عليها.

    _____________________________

    1- د. علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج3، ص 87.

    2- المصدر السابق، ص 90.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    الدولة
    طائر لا أرتضي الأرض مسكنا
    المشاركات
    4,759

    افتراضي

    فبذل السيد مساعيه لثني الشاه عن الاتفاقية، وحين وجده مصراً اصدر فتواه التاريخية: بسم الله الرحمن الرحيم. اليوم استعمال التنباك والتتن بأي نحو كان، بمثابة محاربة امام الزمان»(1).

    وقد احدثت هذه الفتوى ضجة كبيرة في ايران، وامتنع الناس بمختلف فئاتهم عن استعمال التبغ حتى اضطر الشاه إلى الغاء الاتفاقية.

    لقد صنع السيد الشيرازي بمواقفه مرجعية قوية، حين كسب بسلوكه ومشاريعه قطاعات واسعة من الاُمّة. وحين استخدم موقعه الديني للتأثير على القرار السياسي للحكومة الايرانية وتوجيه الاحداث حسب ارادته وبما يخدم مصلحة الاُمّة. ووفر بذلك للمرجعية قاعدة جماهيرية ضخمة، وعزز مكانتها السياسية.

    وهنا نستطيع القول ان كفاءة المرجع هي التي تجمع الاُمّة حوله، وتجعلها تسير في خطه. وان تعامله الحكيم مع الاحداث هو الذي يطرحه على الساحة كقائد سياسي يستخدم حكمه الشرعي في الموضع المناسب وبالشكل الدقيق. وبذلك يجعل من المرجعية وجوداً قوياً يفرض نفسه على الساحة بكل مفرداتها وموازينها، ويجعل الحاضر يسير في خطها وعلى نهجها، فيعطي للمستقبل صورة واضحة. لان الاُمّة ستلجأ إلى المرجعية في الاحداث الجديدة بعد ان جربتها وعرفت كفاءتها في المرة السابقة.

    ان ثورة التنباك وما تمخض عنها من نتائج ايجابية وجهت انظار الاُمّة اكثر إلى المرجعية، وتعاملت معها على انها مصدر القوة الوحيد الذي يستطيع ان يحقق لها طموحاتها ومصالحها، وانها الحكم القاطع في القضايا المتداخلة. ومن هذه الرؤية، اطمأنت الاُمّة في ايران عام 1905م ابان شروعها في المطالبة بالدستور والتي عرفت بالمشروطة، بأن تحقق اهدافها سيكون على يد

    _____________________________

    1- ابراهيم تيموري، تحريم التنباكو، ص 103.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    الدولة
    طائر لا أرتضي الأرض مسكنا
    المشاركات
    4,759

    افتراضي

    المرجعية. وقد كان لعلماء الدين الدور الاكبر في قيادتها وتوجيهها، وتحقيق صورة نادرة من الالتفاف الجماهيري حول قيادة العلماء اعطت نتائج ضخمة على الصعيد السياسي، لكن آثارها الاجتماعية لم تكن بحجم عطائها السياسي بل يمكن القول ان الحركة الدستورية انتصرت سياسياً لكنه النصر الذي رافقه حدوث شرخ اجتماعي خطير في الاُمّة، نتيجة انقسام موقف علماء الدين بين مؤيد وبين مناهض لها.

    بدأت حركة المشروطة عام 1905م وتزعمها اثنان من كبار علماء الدين في ايران هما السيد محمد الطباطبائي والسيد عبدالله البهبهاني. وقد حاولت الحركة الاعتماد على المرجعية الدينية في النجف الاشرف لتتخذ موقفاً حاسماً ضد السلطة القاجارية التي كانت تعارض اهداف الحركة في انشاء مجلس شورى. والحركة الدستورية في ذلك انما تريد ان يتكرر موقف المرجعية الذي حدث عام 1891م. غير ان الذي حدث هو انقسام الحوزة العلمية بين مؤيد ومعارض. فكان على رأس انصار المشروطة الآخوند الشيخ كاظم الخراساني والشيخ حسين الخليلي والشيخ عبدالله المازندراني والشيخ محمد حسين النائيني وغيرهم. وقاد الاتجاه المعارض السيد كاظم اليزدي ومعه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وغيره.

    كان النزاع بين الطرفين شديداً مؤلماً، وانعكست اثاره على الحوزة العلمية في ايران، حيث برز الشيخ فضل الله النوري معارضاً قوياً لانه شخّص وجود انحرافات تتسلل إلى واقع الحركة يقول السيد هبة الدين الشهرستاني وهو من دعاة المشروطة: ان النزاع بلغ اشده بين السيد اليزدي والشيخ الخراساني عام 1907م وان الخصومة بلغت منتهى الوحشية.(1)

    توسعت دائرة الانقسام وشملت آثارها اوساط الاُمّة، حتى ان طلبة العلوم

    _____________________________

    1- علي الخاقاني، شعراء الغري، ج1، ص 69.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    الدولة
    طائر لا أرتضي الأرض مسكنا
    المشاركات
    4,759

    افتراضي

    الدينية من انصار المشروطة كانوا يتعرضون لمضايقات كثيرة وصلت لدرجة انهم لم يذهبوا لمدة سنة لزيارة كربلاء أو الكوفة أو مسجد السهلة خوفاً على ارواحهم(1). وتطور هذا الخلاف عندما دخلت العشائر كرقم فيه لدعم موقف الاطراف المتنازعة، وهي سابقة خطيرة في هذا المجال. لان وقوف الاُمّة إلى جانب مرجع ضد آخر، يعني انقسامها على نفسها، وتحول المرجعية من قيادة الاُمّة إلى طرف متنازع مع قسم منها. ويروى في هذا الخصوص ان السيد كاظم اليزدي طلب حضور العشائر العراقية إلى النجف الاشرف، فجاؤا مسلحين والتفوا حوله «بهوساتهم» المنددة بالمشروطة. وكان السيد اليزدي عند حضوره للصلاة يسير معه الالاف، بينما لم يكن يصلي وراء الآخوند الخراساني إلاّ عدد قليل لا يزيد على الثلاثين.(2)

    ان عامة الناس حين يتعاملون بهذه الروحية، فانهم يستسيغون تكرارها في المناسبات اللاحقة، لانهم يأخذون سلوكهم من موقف العلماء، ولعل هذه الحادثة تنسجم في صورتها مع ما حدث بعد وفاة الشيخ النائيني، حيث خرج جمع من اهالي النجف الاشرف بأسلحتهم الجارحة ليقرروا من يصلي جماعة خلفاً للشيخ النائيني، في حادثة مشهورة مازال يتناقلها كبار السن كما نسمع منهم.

    ان اخطر ما حملته احداث المشروطة والمستبدة، هي الفتاوى المتضادة بين الطرفين. وكاد ان يحصل انشقاق بين اوساط الاُمّة الواحدة قد يصل إلى القتال، لو ان تلك الفتاوى صدرت في وقت واحد وبشكل واسع، لانها كانت تعتبر كل فريق بمثابة الخارج عن الإسلام. لكن الذي حدث ان الفتوى التي اشتهرت هي تلك الصادرة عن انصار المشروطة، اما الفتوى الصادرة عن انصار المستبدة، فقد تناقلها البعض عن الشيخ فضل الله النوري بعد اعدامه وفي اطار محدود.

    _____________________________

    1- عبدالحسين مجيد الكفائي، زندكاني آخوند خراساني، ص 174.

    2- المصدر السابق، ص 213.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    الدولة
    طائر لا أرتضي الأرض مسكنا
    المشاركات
    4,759

    افتراضي

    ان الفتاوى المتضادة كان تعني تناحراً غير معروف النتائج فيما لو وقفت احداهما قبال الاخرى في الوسط الجماهيري، بغض النظر عن موقع أي الطرفين من الحق. لكن هذا لا يلغي آثار الانقسام العميقة للدرجة التي جعلت الناس في ايران تستسيغ اعدام الشيخ النوري بعد خلع الشاه محمد علي، وانتصار المشروطة في ايران. وهو الحادث الذي صعق الطرفين واثر كثيراً في نفس الملا كاظم الخراساني، كما اعتبر قادة المشروطة ان انصارها تطرفوا في سيرهم، وذهب بعضهم إلى اعتبارها انحرفت عن نهجها وخرجت عن الحدود المعقولة.

    لعل الانتصار الساحق لحركة المشروطة هو الذي ساهم في حسم الخلاف أو على الاقل تهدئته، حيث بدا واضحاً ان النتيجة لا تقبل مزيداً من النزاع وان لا جدوى من تصعيد حدة الخلاف. وقد تم الانتصار بعد ان اعلن الملا الخراساني الجهاد ضد الروس الذين وصلوا إلى ايران بجيوشهم لدعم محمد علي شاه. وطلب الآخوند الخراساني من عشائر المنتفق وبني لام والبو محمد وربيعة وتميم وعنزه وشمّر وبني حسن وجماعات اخرى ان يتحركوا مرة واحدة.(1) كما تهيأ المجاهدون في النجف الاشرف وكربلاء والكاظمية وبغداد وغيرها للذهاب إلى ايران ضمن حركة الجهاد.

    وقبل ان يتوجهوا إلى ايران وصل خبر سقوط الشاه على ايدي انصار المشروطة وخروج الروس من ايران في 24 جمادى الثانية 1327 هـ «13 حزيران 1909م» وفي صخب تلك الاحداث اصدر قائد الشرطة وهو ارمني امره باعدام الشيخ النوري فنفذ به الحكم يوم 13 رجب 1327 هـ.(2)

    ان نجاح فتوى الجهاد اظهرت الملا كاظم الخراساني على انّه القائد الاول للتحرك السياسي الاسلامي، ورفعت نتائج فتواه موقع مرجعيته إلى مراتب

    _____________________________

    1- المصدر السابق، ص 183.

    2- علي دواني، نهضت روحانيون ايران، ج1، ص 160.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    الدولة
    طائر لا أرتضي الأرض مسكنا
    المشاركات
    4,759

    افتراضي

    عالية، وكادت ترتفع إلى مراتب اعلى عندما قرر السفر إلى ايران للجهاد أيضاً ومحاربة الروس الذين دخلوا ايران من جديد. لكنه توفي ليلة سفره في ظروف غامضة، ليس هنا مجال مناقشتها، وذلك في 20 ذي الحجة 1329 هـ «12 كانون الاول 1911 م».

    ان الاحداث التي صنعتها المرجعية الدينية في الساحة الايرانية في تاريخها الحديث، انطلقت من موقف السيد حسن الشيرازي في قضية التنباك التي افرزت انتصاراً سياسياً واتساعاً جماهيرياً مؤيداً للمرجعية. وكان امتداد هذا التأثير في حركة المشروطة التي اعطت نتائج سياسية اكثر خطورة من الاولى، لكنها اكثر خطورة على الوسط الاسلامي أيضاً.

    المهم ان طريقة العلماء في التعامل مع الاحداث وكفاءتهم السياسية، وحسهم الاجتماعي هي التي تحدد حجم النتائج وطبيعتها.

    صحيح ان تلك الاحداث وقعت في ايران لكن انعكاساتها في العراق كانت قوية، لا سيما وانها كانت توجه من الحوزة العلمية في النجف الاشرف بالدرجة الاساسية، كما ان القوة التي ظهرت بها المرجعية في مواقفها تجاه الساحة الايرانية، لا تختص بايران وحدها، بل ان الاوساط العراقية تشاركها نفس النظرة، وهذا يعني ان موقع المرجعية تعزز في العراق مثلما تعزز في ايران.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    الدولة
    طائر لا أرتضي الأرض مسكنا
    المشاركات
    4,759

    افتراضي التحرك المرجعي في العراق

    التحرك المرجعي في العراق


    لكن من المناسب تثبيت حقيقة تاريخية هامة في هذا السياق، تلك هي ان الاحداث التي وقعت في العراق، لم تشهد انقساماً في موقف المرجعية كالذي شهدته احداث المشروطة في ايران. وبالتالي لم تواجه الاُمّة خطر الانقسام من جراء وقائع ساحتها، بل ظلت متماسكة ازاء الاحداث المختلفة والتطورات السريعة التي مرت على الحياة السياسية العراقية، والتي كان للمرجعية الدينية الدور الاكبر والاساس في صناعتها وتوجيهها، وتحقيق نتائج على قدر كبير من الخطورة.

    بدأ هذا التسلسل وقائعه مع الايام الاولى للحرب العالمية الاولى. ففي 9 تشرين الثاني 1914م وردت برقية من البصرة إلى علماء الدين في المناطق المقدسة، تخبرهم بأن قوات الانكليز على مقربة من البصرة وعلى الفور استجاب مراجع الدين لهذا الحدث الكبير وافتوا بوجوب الجهاد دفاعاً عن بيضة الإسلام ضد العدو الكافر، وقد استجابت العشائر العراقية لهذه الفتاوى وانطلقت كتائب المجاهدين تحت قيادة العلماء.

    في النجف الاشرف افتى السيد محمد سعيد الحبوبي بالجهاد، وكان له دور طليعي في هذا الخصوص(1). كما افتى السيد كاظم اليزدي أيضاً بوجوب الجهاد، وارسل نجله السيد محمد لينوب عنه في استنهاض العشائر وخطب في الصحن العلوي الشريف في 16 كانون الاول يحث الناس على الدفاع عن البلاد الإسلامية، واوجب على الغني العاجز بدناً، ان يجهز من ماله الفقير القوي.(2)

    ان موقف السيد اليزدي له اهميته الخاصة، فلقد كانت علاقته بالحكومة العثمانية متوترة، على اعتبار انها كانت بيد جمعية الاتحاد والترقي، وقد سبق لاعضائها ان هددوه بالنفي باعتباره من اعداء الحركة الدستورية، ورغم كل ذلك تناسى الماضي وتعامل مع الحاضر ووفق متطلباته واحتياجاته. وحقق بذلك وحدة الصف العلمائي التي كانت مفقودة خلال احداث المشروطة وفي اعقابها. ولاشك ان السيد اليزدي لو امتنع عن الاستجابة لحركة الجهاد، سواء بالمعارضة أو بالحياد، لتلكأت الحركة ولم تعط نتائجها الضخمة التي اعطتها.

    مثلت حركة الجهاد اكبر صورة لوحدة الموقف في الاوساط الدينية في النجف وكربلاء وبغداد وسامراء، وكان طبيعياً ان تلق هذه الحركة تجاوباً فاعلاً من قبل الاُمّة بمختلف قطاعاتها وفئاتها. وهي الصورة التي ظلت شاخصة في التاريخ الاسلامي ومتميزة من بين الاحداث الاخرى.

    _____________________________

    1- عبدالحليم الرهيمي، تاريخ الحركة الإسلامية في ايران(1900 - 1924) ص 165.

    2- د. علي الوردي، مصدر سابق، ج4 ص 128.

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    الدولة
    طائر لا أرتضي الأرض مسكنا
    المشاركات
    4,759

    افتراضي

    لقد جاءت حركة الجهاد بمبادرة سريعة من المرجعية، حيث تعاملت مع الظرف السياسي بمواكبة دقيقة لمفرداته، وبحضور ميداني قوي على الساحة. فكان طبيعياً ان تسير الاُمّة على نهج مراجعها وتقدم كل طاقاتها وامكاناتها لتحقيق قرار المرجعية. وبذلك يكون مراجع الدين قد خلقوا قاعدة جماهيرية ضخمة تستجيب لاوامرهم. كما ان الجماهير ظلت تنتظر رأي علمائها في المواقف الصعبة، لتطبيق قراراتهم على ارض الواقع.

    غير ان حادثة تاريخية وقعت بعد فترة قصيرة من حركة الجهاد كانت مؤشراً على امكانية حدوث انفصال بين بعض فئات الاُمّة وبين مراجع الدين. ففي ليلة 22 مايس 1915 اندلعت ثورة محلية في النجف الاشرف ضد السلطة التركية واسفرت بعد ثلاثة ايام من القتال عن اخراج القوات التركية من المدينة، وقيام ادارة محلية برئاسة زعماء المحلات الاربع في المدينة، وهي العمارة، الحويش، البراق والمشراق. وقد عاد الاتراك بعد مفاوضات مع زعماء النجف المحليين وبوساطة من علماء الدين، فأبقوا لهم وجوداً رمزياً ادارياً لحفظ هيبة الحكومة.

    والواقع ان موقف المرجعية ازاء هذه الثورة لم يكن قاطعاً، فهي في خطها العام تتعارض مع توجه المراجع في دعم الدولة العثمانية ومقاومة الاحتلال البريطاني، وعليه فالمفروض ان يصدر رأي واضح في هذا الخصوص. لكن الذي حدث ان علماء الدين احتجوا على ضرب الجيش العثماني خلال المعارك لاحدى المآذن في الحرم العلوي الشريف. فقد اصدروا منشوراً إلى العالم الاسلامي وقع عليه مئتا عالم دين ووافق عليه السيد كاظم اليزدي الذي بعث برقية احتجاج إلى اسطنبول حول هذا الحادث.(1)

    _____________________________

    1- د. عبدالله النفسي، دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث، ص 91.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    الدولة
    طائر لا أرتضي الأرض مسكنا
    المشاركات
    4,759

    افتراضي

    وإذا جاز لنا اعتبار هذا الموقف بمثابة التأييد للثورة، فان موقف العلماء في الوساطة واعادة السلطة التركية بشكلها الرمزي إلى النجف الاشرف، يمكن اعتباره بالمقابل تأييداً للاتراك. يضاف إلى ذلك ان علماء الدين استجابوا لطلب الحكومة التركية في اعقاب هذا الحادث في تجديد الدعوة للجهاد، وبالفعل قاموا بها بنفس الاندفاع الاول.

    وفي ضوء ذلك يمكن القول ان العلماء ومراجع الدين لم يكن لهم موقف قاطع فيما حدث، وان مواقفهم تحركت في المنطقة الوسط بين التأييد والمعارضة.

    ان غياب القرار العلمائي الحاسم في هذه المسألة، ولّد شعوراً عند زعماء النجف المحليين بضرورة السلطة المستقلة التي يكون لهم فيها الرأي والقرار والموقف بعيداً عن توجهات المرجعية. وهو ما برز خلال الدعوة الثانية للجهاد، حيث عارضها هؤلاء الزعماء لكنهم اضطروا لمسايرتها في النهاية.

    ان علماء الدين حين يقومون بدور وساطة بين بعض فئات الاُمّة وبين طرف آخر، يفقدون صفتهم القيادية وتتعامل هذه الفئة معهم على انهم خارج دائرة الحدث، وبالتالي تكون آرائهم عرضة للقبول أو الرفض أو التعديل. وفي ذلك مؤشر على امكانية انفصال هذه الفئة عن الموقف العلمائي. وهو ما حدث في اطار محدود ابان ثورة النجف عام 1918م.

    اندلعت هذه الثورة في آذار 1918م اثر هجوم الحاج نجم البقال على مقر الحاكم الانكليزي وانجرت جمعية النهضة الإسلامية التي ينتمي اليها إلى المواجهة المسلحة قبل استكمال مستلزماتها. وقد كانت قيادة الجمعية تتألف من اثنين من كبار علماء الدين في الحوزة العلمية، هما السيد محمد علي بحر العلوم والشيخ محمد جواد الجزائري، وكانت تسير وفق الخط العام للمرجيعة العليا في مقاومة الاحتلال الانكليزي.

    لكن جمعية النهضة وهي المحرك الرئيس لاحداث النجف لم تحض بدعم مرجعي ملموس. فمراجع الدين وكبار العلماء الذين ساهموا في حركة الجهاد، امثال الشيخ محمد تقي الشيرازي والشيخ مهدي الخالصي والسيد كاظم اليزدي وشيخ الشريعة الاصفهاني وغيرهم لم تكن لهم علاقة واضحة مع الجمعية، وعلى فرض ان نشاط الجمعية السري قد جعلها تتحرك في اوساط محدودة، وبالتالي حجب تفاعل العلماء معها والتنسيق في مشاريعها، فان اندلاع ثورة النجف كان يستدعي مؤازرتها، خصوصاً وانها تهدف إلى تحريك عشائر الفرات الاوسط ضد الانكليز في ثورة جماهيرية كبيرة. وقد مرت النجف الاشرف بظروف قاسية كانت احوج ما تكون إلى دعم العشائر وهو ما لا يتم إلاّ بتدخل العلماء ودعمهم. كانت الثورة بحاجة إلى موقف مؤيد يؤكد الجهاد ضد الانكليز.

    لكن موقف العلماء تمثل في محاولة تهدئة الاوضاع، والخروج بحل سلمي لاسيما بعد ان وجدوا انفسهم بعيدين عن مجريات الاحداث، وانهم لا يمتلكون القرار المؤثر على الثوار الذين يتزعهم علماء النجف المحليون. وقد تأكدت هذه المسألة في اليوم الحادي والعشرين من آذار وهو اليوم الثالث للثورة، حيث عقد السيد كاظم اليزدي اجتماعاً كبيراً في مدرسته دعا إليه العلماء والاعيان والرؤساء والوجوه ليبحث حقيقة الامر والتفاوض مع رجال الثورة. وقد انفض الاجتماع دون نتيجة. فقد كان الثوار يرون ان المفاوضات ليست في صالحهم وانها تضعف موقفهم.

    وتأسيساً على ذلك، اصبحت الثورة موقفا خاصاً برجالها اما علماء الدين وعلى رأسهم السيد اليزدي فهم طرف خارج القضية وان تدخلهم يأتي ضمن مساعي الوساطة.

    ونجم عن اختلاف القناعات والمواقف تباعد في طريقة التحرك فكان من الصعب على علماء الدين ان يزجوا بأنفسهم في خطوة ليس لهم فيها رأي وربما اقتنعوا ان الوضع العسكري والسياسي لا يسمح لهم باتخاذ موقف عملي مؤيد للثورة، حتى ولو اصدروا فتوى الجهاد. وظلوا على موقفهم هذا حتى نهاية الثورة ودخول قوات الانكليز إلى النجف الاشرف.

    ان هذا الابتعاد من قبل العلماء عن بعض الاحداث السياسية فيما يتعلق بالمواكبة والموقف، لم يستمر طويلاً. اذ سرعان ما تصدت المرجعية لحركة الساحة في اول خطوة سياسية اراد الانكليز القيام بها. في اعقاب انتهاء الحرب العالمية الاولى. كان المشروع الانكليزي يقضي باجراء استفتاء عام للشعب العراقي، بغية احكام سيطرتهم على العراق ورسم مستقبله وفق ارادتهم. فلقد كان الانكليز يريدون ان تأتي نتائج الاستفتاء تطالب بادارة بريطانية مباشرة على العراق. غير ان مراجع الدين وكبار العلماء احبطوا هذا المشروع، حين اصدر الميرزا محمد تقي الشيرازي فتواه الشهيرة في 20 ربيع الاول 133، هـ(23 كانون الثاني 1919م)، والتي نصت على ما يلي: «ليس لأحد من المسلمين ان ينتخب ويختار غير المسلم للامارة والسلطنة على المسلمين». فكانت هذه الفتوى موقفاً قاطعاً لعموم الاُمّة، لا يقبل التردد أو التداخل، وقد برز على أثرها الميرزا الشيرازي كقائد للامة، يتصدى لحركتها ويوجهها ضد مشاريع الانكليز. وانعكس الموقف المبادر للميرزا الشيرازي على بقية اوساط الحكومة العلمية، حيد أيده علماء كربلاء واصدروا فتاوى مماثلة، كما اصدر علماء الكاظمية فتاوى تحرم على المسلمين التصويت لغير تشكيل حكومة اسلامية في العراق(1). وبذلك استطاع الميرزا الشيرازي ان يتصدر الاحداث وان يوجد لنفسه قاعدة جماهيرية واسعة، تسير في خط المرجعية.

    ومما سهل مهمة الميرزا الشيرازي وجعلها تعطي نتائج سريعة وقوية في كافة انحاء العراق، بعد الانفصال النسبي الذي حصل بين المرجعية وبعض فئات الاُمّة. اعتماده على العمل الحزبي الذي مثّل في تلك الفترة وبعدها ذراعاً فاعلة للمرجعية. فلقد كانت له علاقات جيدة مع عدد من الاحزاب

    _____________________________

    1- عبدالحليم الرهيمي، مصدر سابق، ص 204.

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    الدولة
    طائر لا أرتضي الأرض مسكنا
    المشاركات
    4,759

    افتراضي

    والجمعيات. كما انّه اشرف على بعضها. وكانت تلك الاحزاب بشكل عام تتميز بأنها تأسست على يد علماء الدين، مثل الحزب النجفي السري الذي ضم الشيخ عبدالكريم الجزائري والشيخ محمد جواد الجزائري والشيخ جواد الجواهري والشيخ حسين الحلي والشيخ عبدالحسين مطر وغيرهم. والجمعية الإسلامية في كربلاء والتي ضمت الشيخ محمد رضا نجل الميرزا الشيرازي والسيد هبة الدين الشهرستاني والسيد حسين القزويني وآخرون. والجمعية الإسلامية في الكاظمية التي أسسها السيد ابو القاسم الكاشاني(1) كما أسس شيخ الشريعة الاصفهاني في اواخر عام 1918م جمعية اسلامية سياسية في النجف الاشرف باسم الهيئة العلمية.(2) ولعلها المرة الاولى والوحيدة في تاريخ العراق التي تشهد مثل هذا التحرك السياسي لرجال الحوزة العلمية، على مستوى العمل السياسي الحزبي فكان طبيعياً ان يستقطب علماء الدين قطاعات الاُمّة، وان يصنعوا الاحداث الكبيرة في الساحة. حيث تحولت المرجعية إلى قيادة ميدانية حقيقية تدرك بدقة مفردات الحياة السياسية وتتعامل معها بمواكبة يومية للاحداث.

    ان القاعدة الجماهيرية الواسعة والموقف الديني والسياسي الذي تتمتع به المرجعية، سهل في الفترة القصيرة اللاحقة، عملية الثورة المسلحة ضد الانكليز، حيث كانت الثورة الكبرى في 30 حزيران 1920م. تمثل أعلى صور التلاحم المرجعي ـ الشعبي في أكبر تحرك اسلامي خلال النصف الاول من القرن العشرين.

    ورغم ان ثورة العشرين لم تحقق اهدافها السياسية كاملة، لكنها اظهرت المرجعية على انها قوّة سياسية كبيرة، فكانت الاُمّة تنتظر مواقفها لتسير على نهجها، وهو ما تحول إلى هاجس مخيف للانكليز، وللسلطات العراقية فيما بعد.

    _____________________________

    1- مجلة الجهاد للبحوث والدراسات، العدد 21.

    2- عبدالحليم الرهيمي، مصدر سابق، ص 199.

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jul 2003
    الدولة
    طائر لا أرتضي الأرض مسكنا
    المشاركات
    4,759

    افتراضي

    لقد عاد هذا الدور القيادي بثقله على الساحة، بعد ان عقدت الحكومة العراقية معاهدة عام 1922م مع بريطانيا، وكانت تسعى لاجراء انتخابات المجلس التأسيسي ليصادق على المعاهدة، فقد تصدت المرجعية لهذا الحدث الكبير، وصدرت الفتاوى القاطعة بتحريم الاشتراك في الانتخابات. وكانت استجابة الاُمّة واسعة، حيث عانت الحكومة العراقية من ازمة سياسية حادة واضطرت إلى تغيير اكثر من وزارة امام تصاعد المعارضة الإسلامية، حتى جاء عبدالمحسن السعدون إلى رئاسة الوزارة ونفذ خطوته الشرسة في تسفير الشيخ محمد حسين النائيني مع عدد كبير من العلماء إلى ايران في حزيران 1923م. وكان هذا الاجراء ضربة قاسية للتحرك الاسلامي، وللدور العلمائي في قيادة الاحداث.

    ان تلك الخطوة كانت انعطافة خطيرة في تاريخ الحوزة العلمية والتاريخ العراقي بشكل عام. اذ لم تظهر بعدها الاوساط العلمية والمرجعية بصورتها السابقة التي رسمتها عبر سلسلة حافلة من المواقف الكفوءة على المستويين السياسي والجماهيري حتى بعد عودة السيد ابو الحسن الاصفهاني والشيخ محمد حسين النائيني إلى العراق. ولم تظهر لعلماء الدين إلاّ مواقف متباعدة تجاه بعض الاحداث السياسية، مثل موقف الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في احداث العراق خلال الفترة 1933م - 1935م، وتأييد بعض مراجع الدين لحركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م. وقد اصبح واضحاً ان فاصلة قد حدثت بين الاُمّة وبين المرجعية، حيث وقعت الاُمّة تحت تأثير التيارات الفكرية والسياسية اللاإسلامية وأبرزها التيار الشيوعي، واهتمت الحوزة العلمية في شؤونها العلمية الخاصة.

    ونتيجة لذلك، تعاملت الاُمّة على انها تفتقد إلى القيادة الدينية السياسية وتعاملت المرجعية على انها تفتقر إلى القاعدة الجماهيرية. وقد حكمت هذه الحالة الواقع الاسلامي حتى اواخر الخمسينات من هذا القرن، حيث بدأت مرحلة اخرى تتكون بوعي، وفق اساليب ومحركات وعناصر جديدة. وهو ما يحتاج إلى وقفة مستقلة عسى أن نوفق إليها إن شاء الله


    سليم الحسني

  13. #13

    افتراضي

    [align=center]ننتظر الجزء الثاني بلهفة

    مقال مثير و مجدد

    يبدو أن المرجعية ترتكز على العالم العامل أكثر من العالم العالم

    و لهذا فنرى أن من له ثقل اجتماعي نظير خدماته للمجتمع يتبوء مكانة متصدرة من المرجعية

    و هذا يعني أن عوام الشعب هم من يحددون زعامة المرجعية نظير ما يتلمسونه من خدمات و ليس أهل الخبرة و الاختصاص كما نقرأ في الرسائل العملية للمراجع المعاصرين [/align]
    [align=center]المجد للعراق[/align]

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني